صراحة نيوز-بقلم/ د.فاطمة العقاربة
علاقات دولية وادارة سياسية
مستشارة تخطيط استراتيجي

في ظل تعقيدات المشهد الإقليمي وتحوّلات السياسات الدولية تجاه قضايا الشرق الأوسط، نشهد في الداخل الأردني محاولات متزايدة لإسقاط هذه الأزمات على الواقع المحلي، وخاصة من خلال تضخيم الهويات الفرعية وتسييس الانتماءات الاجتماعية.

هذا النهج لا يكتفي بإرباك الرأي العام، بل يشوّه مفاهيم الاستقرار، ويقوّض خطاب الهوية التاريخية، رغم أن الأردن تاريخيًا قام على وحدة النسيج الاجتماعي وتكامل المكونات المختلفة في دولة ذات هوية
تتسم الدولة الأردنية بتعدد عرقي وثقافي محدود مقارنة بدول الإقليم المتشظي إثنياً كالعراق أو لبنان أو سوريا. لكن هذه التعددية الأردنية لم تكن في يومٍ ما عامل تفكك، بل كانت مصدر إثراء، ساهم في تشكّل هوية وطنية متماسكة تحت مظلة الحكم الهاشمي ومبادئ المواطنة. إلا أن بعض الخطابات الموجهة تسعى، بحسن نية أحيانًا أو بسوء نية غالبًا، إلى تأويل هذا التنوع على أنه انقسام إثني أو مناطقي شبيه بالحالات المنهارة في الإقليم.
استيراد خطاب الأزمات الإقليمية – من الطائفية، أو الانقسام القومي، أو الصراع على الشرعية – وإسقاطه على الحالة الأردنية يؤدي إلى إرباك المزاج العام، ويزرع الشك في وحدة المصير الوطني. هذا الخطاب يخلق قوالب جاهزة يحاول إسقاطها على مجتمع متماسك أساسًا، فيُفتت الثقة بين المكونات، ويحوّل الاختلاف الطبيعي إلى تناقض مفتعل.
يتعامل البعض مع الهوية الأردنية وكأنها قيد التشكيل، ويطالبون بخطاب “وحدة هوية” كما لو أن الهوية لم تُبْنَ بعد. وهذا خلل مفاهيمي. الهوية الأردنية قائمة وثابتة منذ تأسيس الدولة، ومبنية على مبادئ واضحة من الانتماء، والمواطنة، والتاريخ المشترك، والولاء للقيادة. التحدي الحقيقي ليس في صناعة هوية بل في تفعيلها وممارستها في مواجهة محاولات الإضعاف والإزاحة والخلط.
الحديث عن “خطاب هوية تاريخية” يجب ألا يتحول إلى مشروع قسري أو شعار فوقي يُفرض على المواطنين، بل ينبغي أن يُبنى على أسس المشاركة السياسية، والتكافؤ الاقتصادي، والعدالة الاجتماعية. فالدفاع عن الهوية الوطنية لا يكون بإقصاء الهويات الفرعية، بل بإدماجها في مشروع جامع يستوعب الجميع دون تخويف أو تهميش.
تلعب النخبة السياسية والثقافية والإعلامية دورًا حاسمًا في تشكيل الوعي العام. لكن عندما تُستسهل مقارنات الأردن بدول تعاني تفككًا إثنيًا، فإن ذلك يفتح الباب لخطابات التشظي والتظلم المصطنع. من الضروري أن تتجه هذه النخب نحو خطاب عقلاني، واقعي، يعترف بالاختلاف دون تضخيمه، ويرسّخ الهوية التاريخية دون إنكار الجزئيات.
الأردن ليس نسخة مصغّرة من أي دولة في الإقليم، بل له خصوصيته التاريخية والسياسية والاجتماعية التي يجب صونها من محاولات الإسقاط غير الموضوعي. الهوية الوطنية الأردنية ليست محل نزاع، بل هي ركيزة قائمة تُواجه تحديات بحاجة إلى وعي نخبوي، وإرادة سياسية، وشراكة مجتمعية. ومن العبث محاولة إدخال الأردن في صراعات الهويات المتضاربة في الإقليم بحجة المقارنة أو التحذير؛ لأن مثل هذا الخطاب قد يتحول من تحذير إلى تنبؤ ذاتي التنفيذ.

 

المصدر: صراحة نيوز

كلمات دلالية: اخبار الاردن عرض المزيد الوفيات عرض المزيد أقلام عرض المزيد مال وأعمال عرض المزيد عربي ودولي عرض المزيد منوعات عرض المزيد الشباب والرياضة عرض المزيد تعليم و جامعات في الصميم ثقافة وفنون علوم و تكنولوجيا اخبار الاردن الوفيات أقلام مال وأعمال عربي ودولي تعليم و جامعات منوعات الشباب والرياضة ثقافة وفنون علوم و تكنولوجيا زين الأردن أقلام أقلام أقلام أقلام أقلام أقلام أقلام أقلام أقلام أقلام

إقرأ أيضاً:

زراعة جرش تكشف هوية المعتدين على الأشجار الحرجية

صراحة نيوز- حددت مديرية زراعة جرش هوية عدد من الأشخاص الذين اعتدوا على أشجار حرجية داخل المحافظة، بحسب ما أكدت مديرة المديرية عُلا محاسنة الأحد.

وأوضحت محاسنة أن فرق المديرية نفذت كمائن وعمليات رصد ومتابعة لضبط المعتدين على الأشجار، ما أسفر عن تحديد هويتهم رغم فرارهم، وتم تحرير ضبطات بحقهم وتحويلها للجهات القانونية والأمنية لاستكمال الإجراءات.

وأشارت إلى أن المديرية ستواصل تكثيف الدوريات في المناطق الحرجية لمنع أي اعتداء مستقبلي، مؤكدة أنه لن يتم التساهل مع أي شخص يعتدي على الغابات، وسيتم اتخاذ الإجراءات القانونية اللازمة بحق جميع المخالفين.

مقالات مشابهة

  • معارض كردي:الدعم الإقليمي والدولي لعائلة البارزاني الحاكمة أصبح جحيما لشعب الإقليم
  • مستجدات الساحة الرياضية المصرية: قرارات، إنجازات، وتحديات
  • زراعة جرش تكشف هوية المعتدين على الأشجار الحرجية
  • سويسرا تتعاون مع اليونيسف لتحسين خدمات المياه والصرف الصحي في مخيمات اللاجئين الأردنية
  • مشروعات تطوير القاهرة التاريخية نقلة نوعية.. همام: الدولة توازن بين الحداثة والحفاظ على الهوية
  • في ذكرى إسقاط النظام… الشرع يعود إلى حلب ويخاطب السوريين من قلب القلعة
  • وزارة مالية الإقليم تعلن عن استلامها رواتب شهر أيلول من الحكومة الاتحادية
  • حنفي الجبالي يفتتح أعمال منتدى المتوسط: علينا التعامل بشجاعة مع تحديات الإقليم
  • ترامب يلمّح لولاية ثالثة ويطرح هوية سياسية جديدة لأنصاره
  • انطلاق المؤتمر الإقليمي والثامن للجمعية الأردنية للعناية بالسكري