كن جميلاً ترى الوجود جميلاً
تاريخ النشر: 12th, July 2025 GMT
د. إبراهيم بن سالم السيابي
قال الشاعر اللبناني إيليا أبو ماضي ذات يوم: "كن جميلًا ترَى الوجودَ جميلًا"، وكأنه بهذه العبارة قد لخَّص فلسفة حياة كاملة في بيت من الشعر. دعوة بسيطة في ظاهرها، لكنها عميقة في دلالتها، فهي لا تطلب منك أن تُزيِّن العالم، بل أن تبدأ بتزيين قلبك، وتجميل نظرتك، وإحسان تعاملك، فالجمال الحقيقي ليس لون العين، ولا تناسق الملامح، بل هو ذاك النور الذي يسكن الروح، ويهذب السلوك، ويلطف الكلمات، ويمنح من حولك شعورًا بالسكينة.
فما أجمل أن يكون الإنسان جميلًا في داخله، نقيًا في نيّته، صادقًا في تعامله. حينها، يصبح كل شيء حوله جميلًا: الناس، الأيام، حتى الصعاب. لأن الجمال الذي في القلب يفيض على العين، ويُحوّل النظرة العابرة إلى تأملٍ ممتن، والكلمة المعتادة إلى همسة حب، والموقف البسيط إلى قصة طيبة. ومن كان جميلًا في نفسه، أصبح جاذبًا للقلوب دون أن يتكلف، محبوبًا دون أن يسعى، لأن الطيبة تشبه الضوء، لا يحتاج إلى من يدلّ عليه، فهو يُرى ويُحسّ.
أن تكون جميلًا، يعني أن تبدأ بمن هم حولك، وفي مقدمتهم أهل بيتك وأسرتك، أولئك الذين يشاركونك أنفاس الحياة، فكن جميلًا في بيتك، لا ترفع صوتك إلا في الضحك، ولا يدك إلا في العطاء، ولا وجهك إلا في البشر. كن جميلًا في حديثك مع والديك، في حنانك على إخوتك، في احتوائك لأبنائك، في دعمك لزوجتك أو زوجك. فالجمال في البيت لا تصنعه الأرائك اللامعة، بل تصنعه المودة، والتغاضي، وكرم الروح، فحين يكون البيت واحة دفء وراحة، تنشأ أجيال أقوى، وأرواح أكثر اتزانًا وسكينة.
ثم كن جميلًا مع أصدقائك، الذين يرافقونك في دروب الحياة، وتأنس بهم النفس، ولا تبخل عليهم بكلمة طيبة، ولا تبنِ جسور العلاقة على المصلحة، بل على الصدق والوفاء. فكن ذاك الصديق الذي يُؤنس ولا يُثقل، يُنصت ولا يُقاطع، يُحب ولا يُحاسب على الهفوات، فالصداقة الجميلة هي التي تعبر الزمن، وتظل رغم المسافات، لأنها بُنيت على خلقٍ لا يتغير. وفي زمنٍ طغت فيه العلاقات السريعة والهشة القائمة على المصالح، تصبح الصداقة الحقيقية كنزًا ثمينًا لا يُقدّر بثمن.
وإذا ما ذهبت إلى عملك، فخذ معك شيئًا من هذا الجمال، واجعل منه سلوكًا يوميًا. كن جميلًا في تعاملك مع الزملاء، في احترامك للجميع، في تقديرك لجهود من حولك. واجعل من عملك رسالة، لا عبئًا. ولا تنتظر الشكر لتكون مخلصًا، ولا الترقية لتكون منصفًا. فالجمال في بيئة العمل يخلق جوًا من الألفة، ويُضاعف من قيمة الإنجاز، ويجعل اليوم المهني تجربة إنسانية، لا مجرد ساعات تمضي. وما أجمل أن تكون سببًا في راحة زميل، أو دفعة أمل في يوم أحدهم، دون أن تنتظر المقابل.
كن جميلًا أيضًا في مجتمعك، في الشارع الذي تمشي فيه، في الجار الذي تقابله، مع الناس الذي يقدمون لك خدمة. فالمجتمع ليس كيانًا غريبًا، بل هو نحن، أفرادًا وأرواحًا متجاورة. إذا ألقيت التحية، فابتسم. وإذا رأيت محتاجًا، فأعن. وإذا وقعت عيناك على خطأ، فاصلح بلطف. فالجمال في المجتمع يبدأ من مبادرات صغيرة، لكنه يصنع فرقًا كبيرًا. وإنّ من أعظم مظاهر الجمال الاجتماعي أن نُشعر الآخر بأنه محترم، مقدّر، حتى وإن لم نكن نعرفه.
كن جميلًا في دينك، فإن الدين ليس طقوسًا جامدة، بل هو روح تفيض رحمةً ورفقًا وجمالًا. كن جميلًا في صلاتك، فلا تؤدِّها على عجل، بل اجعلها لحظة صفاء بينك وبين خالقك. كن جميلًا في ألفاظك حين تختلف، وفي خُلقك حين تُخاصم، وفي عفوك حين تُؤذى. الدين الجميل هو الذي ينعكس على الخُلق، ويجعل من الإنسان مرآة للرحمة، لا سوطًا للتوبيخ. وما أجمل أن نكون دعاة للخير بأفعالنا قبل أقوالنا.
ثم كن جميلًا في وطنك. أحبب ترابه، واحفظ نظامه، واصنع فيه أثرًا طيبًا. لا يكن حبك لوطنك مجرد شعار، بل سلوكًا يظهر في التزامك، في إخلاصك، في مساهمتك في بنائه. فإذا رأيت خللًا، فكن أنت اليد التي تصلح، لا التي تُشير فقط. وإذا رأيت فرصة لتحسين شيء، فبادر. الجمال في الوطن أن نكون مصلحين بخلقنا، مخلصين في أدائنا، محبين لكل ذرة من ترابه. فالوطن لا يقوم بالهتاف، بل بالعمل، ولا يرتقي بالنقد وحده، بل بالإصلاح الصادق.
في نهاية المطاف، الجمال ليس شيئًا عابرًا، بل قرارٌ داخلي أن تكون رحيمًا، متسامحًا، لطيفًا، حريصًا على أن تترك أثرًا طيبًا في نفوس من حولك. الجمال الحقيقي لا يُقاس بالمظاهر، بل بما تتركه في القلوب من راحة، وفي الأرواح من نور. وإذا أضاء كلّ منا شمعة صغيرة من الجمال في محيطه، أشرق الوجود كله بنورها. فاختر أن تكون جميلًا في نيتك، في كلمتك، في فعلك، وسينعكس هذا الجمال على كل من تراه، بل وحتى على من لا تراه.
فكن جميلًا... ترَى الوجود كله جميلًا.
رابط مختصرالمصدر: جريدة الرؤية العمانية
كلمات دلالية: الجمال فی أن تکون الذی ی
إقرأ أيضاً:
محافظ الغربية: عمال النظافة أيقونة الجمال في الجمهورية الجديدة
تتواصل في محافظة الغربية جهود التطوير والتجميل في إطار خطة الجمهورية الجديدة، حيث تشهد مدن ومراكز المحافظة أعمالًا مكثفة لرفع كفاءة البنية التحتية وتحسين مستوى الخدمات والمرافق العامة، وعلى رأسها ملف النظافة والتجميل الذي بات يُمثل أولوية قصوى للجهاز التنفيذي، بقيادة اللواء أشرف الجندي، محافظ الغربية.
جهود محافظ الغربيةوفي هذا السياق، تابع محافظ الغربية، اليوم، سير حملات النظافة والتشجير ورفع المخلفات التي تنفذها الأجهزة المحلية، خاصة في حي أول طنطا وعدد من الشوارع الحيوية ذات الكثافة السكانية العالية. وأشاد المحافظ بالجهود اليومية التي يبذلها عمال النظافة في الميادين والشوارع، مؤكدًا أن هؤلاء العمال هم الأيدي التي تصنع الجمال في عروس الدلتا، وأن إخلاصهم وتفانيهم في العمل يُعد نموذجًا يُحتذى به في العطاء.
دعم خدمات المواطنينوقال اللواء أشرف الجندي: “لن نسمح إلا بأن تكون مدننا في أبهى صورة.. الشكل الحضاري مسؤوليتنا جميعًا، وملف النظافة لا يقل أهمية عن أي مشروعات تنموية أخرى، لأنه يتعلق بصحة المواطنين وجودة حياتهم اليومية”، مؤكدًا أنه يتابع بشكل مباشر تنفيذ خطة يومية لرفع المخلفات وتحسين المظهر العام، بالتوازي مع أعمال التشجير وتجميل الميادين.
تدشين حملات نظافةووفقًا للتقارير الميدانية، فقد تمكنت فرق النظافة خلال الأيام الماضية من رفع آلاف الأطنان من المخلفات والقمامة من الشوارع والأحياء، إلى جانب تنفيذ حملات تطهير وتعقيم مستمرة خاصة في الأسواق والمناطق التجارية التي تشهد إقبالًا كبيرًا من المواطنين. كما شملت الأعمال تكثيف حملات التشجير وتجميل الشوارع الرئيسية والميادين العامة، تنفيذًا لتوجيهات المحافظ بتحسين البيئة البصرية والحفاظ على الطابع الجمالي للمدن.
رفع الاشغالاتكما وجه اللواء أشرف الجندي باستمرار الحملات المكبرة لإزالة الإشغالات بالتنسيق مع كافة الجهات المختصة، مؤكدًا أن العمل على مدار الساعة هو النهج الذي تسير عليه محافظة الغربية، بهدف تقديم نموذج حضاري يُرضي المواطنين ويليق باسم المحافظة.
ووجّه المحافظ رسالة تقدير إلى كل عامل نظافة في الغربية، قائلاً: “أنتم جندنا المجهول.. من دونكم لا يظهر الجمال، ولا تكتمل التنمية، وكل شبر نظيف هو بصمة من أياديكم المخلصة في وجه الجمهورية الجديدة”.