جريدة الرؤية العمانية:
2025-12-13@11:31:24 GMT

كن جميلاً ترى الوجود جميلاً

تاريخ النشر: 12th, July 2025 GMT

كن جميلاً ترى الوجود جميلاً

د. إبراهيم بن سالم السيابي

 

قال الشاعر اللبناني إيليا أبو ماضي ذات يوم: "كن جميلًا ترَى الوجودَ جميلًا"، وكأنه بهذه العبارة قد لخَّص فلسفة حياة كاملة في بيت من الشعر. دعوة بسيطة في ظاهرها، لكنها عميقة في دلالتها، فهي لا تطلب منك أن تُزيِّن العالم، بل أن تبدأ بتزيين قلبك، وتجميل نظرتك، وإحسان تعاملك، فالجمال الحقيقي ليس لون العين، ولا تناسق الملامح، بل هو ذاك النور الذي يسكن الروح، ويهذب السلوك، ويلطف الكلمات، ويمنح من حولك شعورًا بالسكينة.

فما أجمل أن يكون الإنسان جميلًا في داخله، نقيًا في نيّته، صادقًا في تعامله. حينها، يصبح كل شيء حوله جميلًا: الناس، الأيام، حتى الصعاب. لأن الجمال الذي في القلب يفيض على العين، ويُحوّل النظرة العابرة إلى تأملٍ ممتن، والكلمة المعتادة إلى همسة حب، والموقف البسيط إلى قصة طيبة. ومن كان جميلًا في نفسه، أصبح جاذبًا للقلوب دون أن يتكلف، محبوبًا دون أن يسعى، لأن الطيبة تشبه الضوء، لا يحتاج إلى من يدلّ عليه، فهو يُرى ويُحسّ.

أن تكون جميلًا، يعني أن تبدأ بمن هم حولك، وفي مقدمتهم أهل بيتك وأسرتك، أولئك الذين يشاركونك أنفاس الحياة، فكن جميلًا في بيتك، لا ترفع صوتك إلا في الضحك، ولا يدك إلا في العطاء، ولا وجهك إلا في البشر. كن جميلًا في حديثك مع والديك، في حنانك على إخوتك، في احتوائك لأبنائك، في دعمك لزوجتك أو زوجك. فالجمال في البيت لا تصنعه الأرائك اللامعة، بل تصنعه المودة، والتغاضي، وكرم الروح، فحين يكون البيت واحة دفء وراحة، تنشأ أجيال أقوى، وأرواح أكثر اتزانًا وسكينة.

ثم كن جميلًا مع أصدقائك، الذين يرافقونك في دروب الحياة، وتأنس بهم النفس، ولا تبخل عليهم بكلمة طيبة، ولا تبنِ جسور العلاقة على المصلحة، بل على الصدق والوفاء. فكن ذاك الصديق الذي يُؤنس ولا يُثقل، يُنصت ولا يُقاطع، يُحب ولا يُحاسب على الهفوات، فالصداقة الجميلة هي التي تعبر الزمن، وتظل رغم المسافات، لأنها بُنيت على خلقٍ لا يتغير. وفي زمنٍ طغت فيه العلاقات السريعة والهشة القائمة على المصالح، تصبح الصداقة الحقيقية كنزًا ثمينًا لا يُقدّر بثمن.

وإذا ما ذهبت إلى عملك، فخذ معك شيئًا من هذا الجمال، واجعل منه سلوكًا يوميًا. كن جميلًا في تعاملك مع الزملاء، في احترامك للجميع، في تقديرك لجهود من حولك. واجعل من عملك رسالة، لا عبئًا. ولا تنتظر الشكر لتكون مخلصًا، ولا الترقية لتكون منصفًا. فالجمال في بيئة العمل يخلق جوًا من الألفة، ويُضاعف من قيمة الإنجاز، ويجعل اليوم المهني تجربة إنسانية، لا مجرد ساعات تمضي. وما أجمل أن تكون سببًا في راحة زميل، أو دفعة أمل في يوم أحدهم، دون أن تنتظر المقابل.

كن جميلًا أيضًا في مجتمعك، في الشارع الذي تمشي فيه، في الجار الذي تقابله، مع الناس الذي يقدمون لك خدمة. فالمجتمع ليس كيانًا غريبًا، بل هو نحن، أفرادًا وأرواحًا متجاورة. إذا ألقيت التحية، فابتسم. وإذا رأيت محتاجًا، فأعن. وإذا وقعت عيناك على خطأ، فاصلح بلطف. فالجمال في المجتمع يبدأ من مبادرات صغيرة، لكنه يصنع فرقًا كبيرًا. وإنّ من أعظم مظاهر الجمال الاجتماعي أن نُشعر الآخر بأنه محترم، مقدّر، حتى وإن لم نكن نعرفه.

كن جميلًا في دينك، فإن الدين ليس طقوسًا جامدة، بل هو روح تفيض رحمةً ورفقًا وجمالًا. كن جميلًا في صلاتك، فلا تؤدِّها على عجل، بل اجعلها لحظة صفاء بينك وبين خالقك. كن جميلًا في ألفاظك حين تختلف، وفي خُلقك حين تُخاصم، وفي عفوك حين تُؤذى. الدين الجميل هو الذي ينعكس على الخُلق، ويجعل من الإنسان مرآة للرحمة، لا سوطًا للتوبيخ. وما أجمل أن نكون دعاة للخير بأفعالنا قبل أقوالنا.

ثم كن جميلًا في وطنك. أحبب ترابه، واحفظ نظامه، واصنع فيه أثرًا طيبًا. لا يكن حبك لوطنك مجرد شعار، بل سلوكًا يظهر في التزامك، في إخلاصك، في مساهمتك في بنائه. فإذا رأيت خللًا، فكن أنت اليد التي تصلح، لا التي تُشير فقط. وإذا رأيت فرصة لتحسين شيء، فبادر. الجمال في الوطن أن نكون مصلحين بخلقنا، مخلصين في أدائنا، محبين لكل ذرة من ترابه. فالوطن لا يقوم بالهتاف، بل بالعمل، ولا يرتقي بالنقد وحده، بل بالإصلاح الصادق.

في نهاية المطاف، الجمال ليس شيئًا عابرًا، بل قرارٌ داخلي أن تكون رحيمًا، متسامحًا، لطيفًا، حريصًا على أن تترك أثرًا طيبًا في نفوس من حولك. الجمال الحقيقي لا يُقاس بالمظاهر، بل بما تتركه في القلوب من راحة، وفي الأرواح من نور. وإذا أضاء كلّ منا شمعة صغيرة من الجمال في محيطه، أشرق الوجود كله بنورها. فاختر أن تكون جميلًا في نيتك، في كلمتك، في فعلك، وسينعكس هذا الجمال على كل من تراه، بل وحتى على من لا تراه.

فكن جميلًا... ترَى الوجود كله جميلًا.

رابط مختصر

المصدر: جريدة الرؤية العمانية

كلمات دلالية: الجمال فی أن تکون الذی ی

إقرأ أيضاً:

دراسة: الأنظمة الغذائية النباتية قد تكون صحية للأطفال.. ولكن بشروط

قال باحثون إن الأطفال الذين يتّبعون أنظمة غذائية نباتية قد يحتاجون إلى مكملات غذائية أو أطعمة مدعّمة لضمان الحصول على ما يكفي من العناصر الأساسية.

خلصت مراجعة رئيسية جديدة إلى أنّ الأنظمة الغذائية النباتية أو الخالية تماماً من المنتجات الحيوانية يمكن أن تكون صحية للأطفال، لكنهم على الأرجح سيحتاجون إلى أطعمة مُدعّمة أو مكملات للحصول على جميع العناصر الغذائية التي يحتاجون إليها.

ووفقاً للدراسة، قد توفر الأنظمة الغذائية النباتية أيضاً بعض الفوائد الصحية للأطفال، بما في ذلك صحة قلبية وعائية أفضل مقارنةً بالأطفال الذين يتناولون اللحوم. وقد نُشرت الدراسة في Critical Reviews in Food Science and Nutrition.

وتشير النتائج إلى أنّ "الأنظمة النباتية والنباتية الصِرفة المُخطط لها جيداً والمُدعّمة على نحو مناسب يمكن أن تلبي الاحتياجات الغذائية وتدعم النمو الصحي لدى الأطفال"، بحسب ما قالت مونيكا دينو، المؤلفة الرئيسية للدراسة وباحثة في جامعة فلورنسا في إيطاليا، في بيان.

وقال الباحثون إن هذه الدراسة هي الأكثر شمولاً حتى الآن بشأن الأنظمة الغذائية النباتية لدى الأطفال.

حلّلوا بيانات نحو 49 ألف طفل ومراهق في 18 دولة، متابعين عاداتهم الغذائية ونتائجهم الصحية ونموّهم وحالتهم التغذوية. وشملت الأنماط الغذائية النباتيين (يتناولون منتجات الألبان والبيض ولا يأكلون اللحوم أو السمك أو الدواجن) إضافةً إلى النباتيين الصرف وآكلي كلّ شيء.

يميل الأطفال النباتيون إلى تناول كميات أكبر من الألياف والحديد والفولات وفيتامين سي والمغنيسيوم مقارنة بآكلي كلّ شيء، لكنهم يحصلون على طاقة وبروتين ودهون وفيتامين بي 12 وفيتامين دي وعنصر الزنك بكميات أقل.

وكانت الأدلة أقلّ بشأن الأنظمة النباتية الصِرفة، لكن الأنماط كانت متشابهة. ووجدت الدراسة أن الأطفال النباتيين الصرف لديهم تناول منخفض بشكل خاص للكالسيوم.

وقال الباحثون إن الأطفال الذين يتبعون أنظمة غذائية نباتية قد يحتاجون إلى تناول مكملات أو أطعمة مُدعّمة لتجنّب نقص بعض العناصر الغذائية الأساسية.

وقالت جينيت بيزلي، وهي إحدى مؤلفات الدراسة وأستاذة مشاركة في جامعة نيويورك في الولايات المتحدة: "من اللافت أن مستويات فيتامين بي 12 لا تصل إلى الحد الكافي من دون مكملات أو أطعمة مُدعّمة، وكان تناول الكالسيوم واليود والزنك غالباً عند الحد الأدنى من النطاقات الموصى بها".

تمتع الأطفال النباتيون الصرف والنباتيون بصحة قلبية وعائية أفضل من الأطفال الذين يتناولون اللحوم. ويميل النباتيون إلى أن يكونوا أقصر قليلاً وأنحف، مع مؤشر كتلة جسم (BMI) وكتلة دهنية ومحتوى معدني عظمي أقل.

Related لماذا يحذر الخبراء من إعطاء الأطفال مكملات غذائية كالفتيامينات؟

وكانت لديهم أيضاً مستويات كوليسترول أقل، بما في ذلك كوليسترول البروتين الدهني منخفض الكثافة (LDL)، وهو الشكل "السيئ" أو "غير الصحي" من الكوليسترول الذي يمكن أن يؤدي إلى تراكم اللويحات في الشرايين.

لكن للدراسة بعض القيود؛ فمثلاً من الصعب إثبات ما إذا كانت الأنظمة الغذائية للأطفال سببت مباشرة الفروق في نتائجهم الصحية. وقد تختلف الأسر التي تختار الأنظمة النباتية عن آكلي اللحوم من حيث الوضع الاجتماعي الاقتصادي أو عوامل نمط الحياة.

يوصي الباحثون بأن يضع الآباء أنظمة أبنائهم الغذائية بعناية، على سبيل المثال، بدعم من أطباء الأطفال وأخصائيي التغذية.

وقالوا إنه ينبغي أن تكون هناك إرشادات رسمية أكثر لمساعدة الأسر التي تعتمد الأنظمة النباتية على ضمان تلبية الاحتياجات الغذائية لأطفالها خلال نموّهم.

وقالت دينو: "نأمل أن تقدّم هذه النتائج إرشادات أوضح بشأن فوائد الأنظمة النباتية ومخاطرها المحتملة، بما يساعد العدد المتزايد من الآباء الذين يختارون هذه الأنظمة لأسباب صحية أو أخلاقية أو بيئية".

انتقل إلى اختصارات الوصول شارك محادثة

مقالات مشابهة

  • مسيحيو لبنان.. هويات مشرقيّة صغيرة بين محدودية التمثيل وتحديات الوجود
  • تعلن محكمة عمران للمدين إبراهيم صالح جميل عن أمر الأداء
  • دراسة: الأنظمة الغذائية النباتية قد تكون صحية للأطفال.. ولكن بشروط
  • خلافًا لرغبة ترامب.. النواب يقر بنودًا للحفاظ على الوجود الأمريكي في أوروبا
  • اصنع لنفسك حلمًا جميلا
  • حقيقة الأهداف الأميركية في سوريا
  • تعلن محكمة عمران عن أمر الأدار الصادر على المدين إبراهيم صالح جميل
  • كأس العرب 2025.. رينارد: مواجهة فلسطين مصيرية ولن تكون سهلة
  • السكتيوي يحذر قبل مواجهة سوريا: "مباراة لن تكون سهلة"
  • أحمديات: متحف الشمع بمترو الأنفاق