داخل أروقة قسم الاستقبال في مستشفى العيون التخصصي بمدينة غزة، تجلس الطفلة لميس عليوه (12) عامًا برفقة والدتها، في انتظار إنهاء إجراءات إدخالها إلى قسم المبيت، لتلقي العلاج بعد إصابتها الخطيرة في وجهها وعينيها، خلال قصف إسرائيلي استهدف محيط مخيم النزوح المتاخم لملعب فلسطين وسط المدينة.

خرجت لميس لشراء بعض الحاجيات حين باغتتها غارة جوية، أصيبت خلالها بشظايا مباشرة في الرأس والعين وكافة أنحاء جسدها.

نُقلت على الفور إلى مستشفى الأهلي العربي (المعمداني)، حيث كشفت الفحوصات عن كسور متعددة في الجمجمة، ونزيف حاد في الدماغ، وتلف كامل في العين اليمنى، إضافة إلى تهتك في الشريان الرئيسي للقدم اليسرى بفعل الشظايا.

تقول والدتها، وهي تمسح دموع ابنتها الجريحة:"خضعت لميس لعدة عمليات، أولها استغرقت أربع ساعات لإيقاف النزيف. وبعد أسبوعين، خضعت لعملية أخرى فقدت خلالها عينها اليسرى بالكامل، وباتت بحاجة لزراعة عين بلاستيكية. اليوم، نتحدث عن عين صناعية لطفلة كانت تمتلئ بالحياة. أي مستقبل ينتظرها؟ لا تعليم، لا أمان، ولا حتى طعام يغذي جسدها المُنهك من النزيف والمجاعة."

كارثة صحية متصاعدة

حكاية لميس ليست سوى نموذج من مئات القصص التي يعاني أصحابها من إصابات مباشرة أو فقدان تدريجي للبصر في قطاع غزة، في ظل الانهيار شبه الكامل للمنظومة الصحية، ونقص الأدوية، والمستهلكات الطبية، واستمرار إغلاق المعابر، خصوصًا معبر رفح البري منذ مايو 2024م .

مستشفى العيون التخصصي في غزة، وهو المركز الحكومي الوحيد المختص في طب العيون، تعرّض لدمار كبير جرّاء قصف إسرائيلي، مما أدى إلى خروجه عن الخدمة لمدة 14 شهرًا. ورغم إعادة تأهيله وافتتاحه نهاية ديسمبر الماضي بتمويل خارجي، إلا أنه لم يعد قادرًا على استيعاب الأعداد المتزايدة من المرضى والمصابين.

شاب يفقد بصره وأسرته من بيت لاهيا شمال القطاع، يروي الشاب محمود صبح (28) عامًا معاناته بعد أن فقد بصره إثر قصف جوي استهدف منزله ليلاً، وأسفر عن استشهاد معظم أفراد عائلته.

يقول محمود:"دخلت في غيبوبة إثر الإصابة، وأجريت لي عملية لاستخراج الشظايا، ولم أعلم أنني فقدت بصري بالكامل إلا بعد شهر. كنت أعمل مدرس رياضيات، أمارس الرياضة وأعيل أسرتي. اليوم أعيش في ظلام دائم، فقدت زوجتي وأطفالي وأهلي، وأتمنى فقط فتح معبر رفح لأتمكن من السفر والعلاج".

مرضى مزمنون مهددون بالعمى

أما الحاجة أم حاتم عليان (65) عامًا، وهي مريضة سكري وتعاني من ضعف في عضلة القلب، فقد فقدت بصرها في عينها اليسرى، وتنتظر إجراء عملية عاجلة في العين الأخرى بسبب انفصال الشبكية وتكوّن مياه بيضاء، لكن ازدحام الحالات ونقص الإمكانيات يعيقان العلاج.

"كنت أواظب على جلسات الليزر، لكن منذ نزوحنا من بيت لاهيا لم أعد أتمكن من الوصول في الوقت المناسب. المجاعة أثّرت على جسدي والمناعة، وأخشى أن أفقد بصري بالكامل في أي لحظة، لا يوجد حتى إنسولين لمرضى السكر"، تقول أم حاتم بصوتٍ متعب.

أرقام مفزعة وتصريحات رسمية وفي مؤتمر صحفي، أعلن مدير مستشفى العيون التخصصي في غزة، الدكتور عبد السلام صباح، عن تسجيل نحو 1200 إصابة جديدة بفقدان البصر الكامل أو الجزئي خلال الأسبوعين الماضيين في مناطق حي النصر ومدينة غزة فقط.

كما أشار إلى أن العدد الإجمالي لحالات فقدان البصر منذ بدء العدوان الإسرائيلي في أكتوبر 2023 تجاوز 1500 حالة، بالإضافة إلى آلاف المرضى المعرضين لفقدان الرؤية بسبب عدم تلقي العلاج المناسب لأمراض مثل السكري، الغلوكوما، والمياه البيضاء.

وأوضح الدكتور صباح: "بين 4000 إلى 5000 مريض كانوا يتابعون علاجهم بانتظام في مستشفى العيون قبل الحرب، انقطعوا الآن عن الرعاية الطبية. ومع نقص الفيتامينات وسوء التغذية، باتت الأعصاب البصرية تضعف بشدة، ما يهدد آلاف المرضى بفقدان النظر تدريجيًا." وأضاف أن المستشفى يواجه خطر التوقف الكامل عن إجراء العمليات الجراحية، بما فيها الطارئة، بسبب نقص المضادات الحيوية ومضادات الالتهاب.

حصار وقتل ممنهج

منذ 2 مارس 2025م ، تغلق قوات الاحتلال كافة المعابر مع قطاع غزة، مانعة دخول الغذاء والدواء، مما أدى إلى تفشي المجاعة وتفاقم الأزمات الصحية في القطاع.

ووفق آخر الإحصائيات الرسمية، أسفر العدوان الإسرائيلي المتواصل منذ 7 أكتوبر 2023م، عن استشهاد 58,895 مواطنًا، غالبيتهم من النساء والأطفال، وإصابة 140,980 آخرين، في حصيلة غير نهائية، وسط عجز كامل لطواقم الإنقاذ.

نداء من تحت الركام

وسط هذا الظلام الممتد، لا تزال غزة تنادي ضمير العالم، الطفلة لميس، الشاب محمود، الحاجة أم حاتم، وغيرهم آلاف العيون التي أُطفئت ظلمًا، لا يحتاجون فقط إلى الدواء والعلاج، بل إلى عدالة ترد لهم حقّهم في الحياة.

إن استمرار الصمت أمام هذا النزيف البشري والأخلاقي هو تواطؤ معلن، المجتمع الدولي، ومنظمات الإغاثة، والمؤسسات الطبية حول العالم كلهم مطالبون بالتحرك العاجل لفتح المعابر، وإدخال الأدوية الضرورية، وإجلاء الحالات الحرجة لتلقي العلاج في الخارج.

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: مستشفى العیون

إقرأ أيضاً:

اغتيالات دقيقة واختراقات ذكية.. هل فقدت طهران السيطرة أمام تمدّد الموساد داخل إيران؟

تُقدّر صحيفة "جيروزاليم بوست" أن لدى الموساد قدرة شبه غير محدودة على تجنيد عملاء من داخل إيران. اعلان

كشفت صحيفة "جيروزاليم بوست" الإسرائيلية، في تقرير موسع، عن تفاصيل عمليات معقدة نفذها جهاز الموساد خلال شهر يونيو الماضي داخل إيران، أسفرت عن اغتيال تسعة من أصل 13 من كبار القادة العسكريين الإيرانيين، إلى جانب نحو 12 عالمًا نوويًا، في واحدة من أوسع الحملات الاستخباراتية التي عرفتها الجمهورية الإسلامية في السنوات الأخيرة.

ووفقًا للتقرير، لم تقتصر عمليات الموساد على تنفيذ الاغتيالات، بل امتدت لتشمل مساهمة مباشرة في استهداف منشآت نووية وصاروخية باليستية، رغم أن التنفيذ الميداني لعمليات القصف غالبًا ما يُسند إلى طياري سلاح الجو الإسرائيلي.

Related ضابط سابق في الموساد يكشف: هكذا نجنّد جواسيسنا داخل إيراناغتيال فخري زاده في إيران: كواليس عملية الموساد تكشف تفاصيل "غير مسبوقة"الكوماندوز الإسرائيلي والموساد في قلب إيران: عملية سرّية غيّرت مسار الحرب "نحن هناك وسنظل هناك": رسالة برنيع لطهران

وفي سابقة نادرة، نشر رئيس الموساد دافيد برنيع في 25 يونيو مقطع فيديو موجّهًا لعملاء الجهاز الذين شاركوا في العمليات. وقال في رسالته العلنية التي بدت وكأنها تحدٍ مباشر لطهران: "سنكون هناك، كما كنا هناك". وهي رسالة اعتبرها محللون في الصحيفة تأكيدًا على "استمرار نشاط الموساد داخل إيران رغم حملات المطاردة والتطهير الأمني في طهران بعد حرب 13–24 يونيو".

تفجيرات غامضة واتهامات مبطنة

وأشار التقرير إلى أن وسائل الإعلام الإيرانية، عقب تقرير لصحيفة "نيويورك تايمز"، بدأت تربط بين سلسلة الانفجارات والحرائق الغامضة التي اندلعت مؤخرًا في أنحاء البلاد، وبين عمليات تخريب يُعتقد أن الموساد يقف خلفها. إلا أن السلطات الإيرانية، وبحسب الصحيفة، امتنعت عن توجيه اتهامات مباشرة للموساد، خشية الانجرار إلى مواجهة عسكرية مفتوحة مع إسرائيل.

يُذكر أن أحداثًا مشابهة وقعت في صيف عام 2020، حيث تعرضت منشآت إيرانية لانفجارات متكررة، اتُّهم الموساد حينها بالوقوف خلف بعضها، خاصة بعد استهداف مواقع نووية. وتعتقد مصادر إسرائيلية أن طهران "تتجنب في الوقت الراهن اتهام الموساد علنًا تفاديًا للرد".

اختراق استخباراتي عميق وشهادات دولية

التقرير نقل عن مسؤول أوروبي – لم يُكشف اسمه – يتولى إدارة الملف الإيراني، تأكيده أن ما جرى خلال يونيو الماضي كان على الأرجح سلسلة من عمليات التخريب التي نفذها الموساد، في واحدة من أكثر الاختراقات الأمنية تعقيدًا في العصر الحديث.

كما نشرت منصة "إيران إنترناشونال"، المحسوبة على المعارضة الإيرانية في الخارج، ما وصفته بأنه تفاصيل “هزيمة أمنية وعسكرية نادرة” لحقت بالنظام، مشيرة إلى أن الهجمات لم تكن ميدانية فحسب، بل شملت هجمات سيبرانية متقدمة تجاوزت 20,000 محاولة خلال فترة الحرب، وفقًا لما أعلنه وزير الاتصالات الإيراني سيد ستار هاشمي.

"اغتيالات باستدراج وتكنولوجيا فائقة"

وذكر تقرير "إيران إنترناشونال" أن الموساد تعمّد تسريب تاريخ هجوم إسرائيلي عبر عميل مقرب من قائد الحرس الثوري اللواء حسين سلامي، لاستدراجه إلى موقع مُحدد تمهيدًا لاغتياله.

كما سقط العميد أمير علي حاجي زاده، قائد القوة الجو-فضائية في الحرس الثوري، والذي وصفته المصادر الاستخباراتية الإسرائيلية بأنه "أخطر رجل في إيران منذ مقتل قاسم سليماني"، في "فخ محكم" بعد تلقيه مكالمة من مصدر وهمي تدعوه إلى اجتماع مع قادة ميدانيين، ليلقى حتفه هناك.

ولم تقف العمليات عند هذا الحد، إذ زُرعت برامج خبيثة في كاميرات المراقبة التابعة لبلدية طهران، مكّنت الموساد من تعقّب علي شدمني، القائد الجديد لمقر خاتم الأنبياء، ليُستهدف لاحقًا بضربة من طائرة مسيّرة في حي زفرانية.

وبحسب التقرير، جُمعت بياناته عبر عينة حمض نووي تم الحصول عليها رقميًا، ثم جرى استخدام تقنيات متقدمة في التعرف على الوجه والتحليل الجيني باستخدام الذكاء الاصطناعي.

عملاء بشريون وتقنيات هجينة

كما اعترف الموساد – وفقًا لـ "جيروزاليم بوست" – باستخدام مزيج من العملاء البشريين على الأرض، وأسلحة يتم التحكم بها عن بُعد على متن سيارات مدنية، وطائرات بدون طيار، خلال الحرب التي استمرت 12 يومًا.

وتُقدّر الصحيفة أن لدى الموساد قدرة شبه غير محدودة على تجنيد عملاء من داخل إيران، في ظل وجود عشرات الملايين من الإيرانيين غير الشيعة المعارضين للنظام الإيراني، ما يُصعّب على السلطات الإيرانية إغلاق جميع الثغرات المادية والتقنية التي يستخدمها الموساد لاختراق البلاد.

انتقل إلى اختصارات الوصول شارك هذا المقال محادثة

مقالات مشابهة

  • الرئيس اليمني الأسبق: الرئيس السيسي مواقفه وطنية والحرب على غزة تجسيد للمأساة الإنسانية
  • جواز عرفي بعد الفضيحة.. فتاة مدينة نصر فقدت عذريتها مكبلة اليدين
  • مبادرات شعبية للنظافة ودرء آثار الخريف والحرب بمحلية الخرطوم
  • مظاهرة في سخنين رفضاً للتجويع والحرب على غزة
  • اغتيالات دقيقة واختراقات ذكية.. هل فقدت طهران السيطرة أمام تمدّد الموساد داخل إيران؟
  • هجوّز ابني 3 غيرك | لميس تطلب الخلع يوم الصباحية لسبب صادم
  • كيف أرثيك، أبي؟
  • مصلحة الجمارك .. العيون الساهرة للحفاظ على الأمن الاقتصادي
  • فقدت أمها وهربت من الموت.. الطفلة سجود تقود أسرتها بخيام غزة