عيون غزة المطفأة.. فقدان البصر في زمن المجاعة والحرب
تاريخ النشر: 24th, July 2025 GMT
داخل أروقة قسم الاستقبال في مستشفى العيون التخصصي بمدينة غزة، تجلس الطفلة لميس عليوه (12) عامًا برفقة والدتها، في انتظار إنهاء إجراءات إدخالها إلى قسم المبيت، لتلقي العلاج بعد إصابتها الخطيرة في وجهها وعينيها، خلال قصف إسرائيلي استهدف محيط مخيم النزوح المتاخم لملعب فلسطين وسط المدينة.
خرجت لميس لشراء بعض الحاجيات حين باغتتها غارة جوية، أصيبت خلالها بشظايا مباشرة في الرأس والعين وكافة أنحاء جسدها.
تقول والدتها، وهي تمسح دموع ابنتها الجريحة:"خضعت لميس لعدة عمليات، أولها استغرقت أربع ساعات لإيقاف النزيف. وبعد أسبوعين، خضعت لعملية أخرى فقدت خلالها عينها اليسرى بالكامل، وباتت بحاجة لزراعة عين بلاستيكية. اليوم، نتحدث عن عين صناعية لطفلة كانت تمتلئ بالحياة. أي مستقبل ينتظرها؟ لا تعليم، لا أمان، ولا حتى طعام يغذي جسدها المُنهك من النزيف والمجاعة."
كارثة صحية متصاعدة
حكاية لميس ليست سوى نموذج من مئات القصص التي يعاني أصحابها من إصابات مباشرة أو فقدان تدريجي للبصر في قطاع غزة، في ظل الانهيار شبه الكامل للمنظومة الصحية، ونقص الأدوية، والمستهلكات الطبية، واستمرار إغلاق المعابر، خصوصًا معبر رفح البري منذ مايو 2024م .
مستشفى العيون التخصصي في غزة، وهو المركز الحكومي الوحيد المختص في طب العيون، تعرّض لدمار كبير جرّاء قصف إسرائيلي، مما أدى إلى خروجه عن الخدمة لمدة 14 شهرًا. ورغم إعادة تأهيله وافتتاحه نهاية ديسمبر الماضي بتمويل خارجي، إلا أنه لم يعد قادرًا على استيعاب الأعداد المتزايدة من المرضى والمصابين.
شاب يفقد بصره وأسرته من بيت لاهيا شمال القطاع، يروي الشاب محمود صبح (28) عامًا معاناته بعد أن فقد بصره إثر قصف جوي استهدف منزله ليلاً، وأسفر عن استشهاد معظم أفراد عائلته.
يقول محمود:"دخلت في غيبوبة إثر الإصابة، وأجريت لي عملية لاستخراج الشظايا، ولم أعلم أنني فقدت بصري بالكامل إلا بعد شهر. كنت أعمل مدرس رياضيات، أمارس الرياضة وأعيل أسرتي. اليوم أعيش في ظلام دائم، فقدت زوجتي وأطفالي وأهلي، وأتمنى فقط فتح معبر رفح لأتمكن من السفر والعلاج".
مرضى مزمنون مهددون بالعمى
أما الحاجة أم حاتم عليان (65) عامًا، وهي مريضة سكري وتعاني من ضعف في عضلة القلب، فقد فقدت بصرها في عينها اليسرى، وتنتظر إجراء عملية عاجلة في العين الأخرى بسبب انفصال الشبكية وتكوّن مياه بيضاء، لكن ازدحام الحالات ونقص الإمكانيات يعيقان العلاج.
"كنت أواظب على جلسات الليزر، لكن منذ نزوحنا من بيت لاهيا لم أعد أتمكن من الوصول في الوقت المناسب. المجاعة أثّرت على جسدي والمناعة، وأخشى أن أفقد بصري بالكامل في أي لحظة، لا يوجد حتى إنسولين لمرضى السكر"، تقول أم حاتم بصوتٍ متعب.
أرقام مفزعة وتصريحات رسمية وفي مؤتمر صحفي، أعلن مدير مستشفى العيون التخصصي في غزة، الدكتور عبد السلام صباح، عن تسجيل نحو 1200 إصابة جديدة بفقدان البصر الكامل أو الجزئي خلال الأسبوعين الماضيين في مناطق حي النصر ومدينة غزة فقط.
كما أشار إلى أن العدد الإجمالي لحالات فقدان البصر منذ بدء العدوان الإسرائيلي في أكتوبر 2023 تجاوز 1500 حالة، بالإضافة إلى آلاف المرضى المعرضين لفقدان الرؤية بسبب عدم تلقي العلاج المناسب لأمراض مثل السكري، الغلوكوما، والمياه البيضاء.
وأوضح الدكتور صباح: "بين 4000 إلى 5000 مريض كانوا يتابعون علاجهم بانتظام في مستشفى العيون قبل الحرب، انقطعوا الآن عن الرعاية الطبية. ومع نقص الفيتامينات وسوء التغذية، باتت الأعصاب البصرية تضعف بشدة، ما يهدد آلاف المرضى بفقدان النظر تدريجيًا." وأضاف أن المستشفى يواجه خطر التوقف الكامل عن إجراء العمليات الجراحية، بما فيها الطارئة، بسبب نقص المضادات الحيوية ومضادات الالتهاب.
حصار وقتل ممنهج
منذ 2 مارس 2025م ، تغلق قوات الاحتلال كافة المعابر مع قطاع غزة، مانعة دخول الغذاء والدواء، مما أدى إلى تفشي المجاعة وتفاقم الأزمات الصحية في القطاع.
ووفق آخر الإحصائيات الرسمية، أسفر العدوان الإسرائيلي المتواصل منذ 7 أكتوبر 2023م، عن استشهاد 58,895 مواطنًا، غالبيتهم من النساء والأطفال، وإصابة 140,980 آخرين، في حصيلة غير نهائية، وسط عجز كامل لطواقم الإنقاذ.
نداء من تحت الركام
وسط هذا الظلام الممتد، لا تزال غزة تنادي ضمير العالم، الطفلة لميس، الشاب محمود، الحاجة أم حاتم، وغيرهم آلاف العيون التي أُطفئت ظلمًا، لا يحتاجون فقط إلى الدواء والعلاج، بل إلى عدالة ترد لهم حقّهم في الحياة.
إن استمرار الصمت أمام هذا النزيف البشري والأخلاقي هو تواطؤ معلن، المجتمع الدولي، ومنظمات الإغاثة، والمؤسسات الطبية حول العالم كلهم مطالبون بالتحرك العاجل لفتح المعابر، وإدخال الأدوية الضرورية، وإجلاء الحالات الحرجة لتلقي العلاج في الخارج.
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: مستشفى العیون
إقرأ أيضاً:
الست "زينب " أبرز المشاركات بـ مسابقة بورسعيد الدولية لحفظ القرآن: كف البصر والسرطان نعم إلهية وسأموت خادمة لكتاب الله
شاركت زينب على من محافظة بني سويف في منافسات فرع القارئ المتفقه ضمن مسابقة بورسعيد الدولية لحفظ القرآن الكريم والابتهال الديني، وقدمت نموذجًا ملهمًا في النسخة التاسعة للمسابقة التي تحمل اسم الشيخ الراحل محمود علي البنا، وتُقام تحت رعاية الدكتور مصطفى مدبولي رئيس الوزراء، وبدعم وإشراف اللواء محب حبشي محافظ بورسعيد، وبإشراف الدكتور عمرو عثمان نائب المحافظ، والإعلامي عادل مصيلحي المدير التنفيذي.
أكدت خلال مشاركتها أن الله رزقها كف البصر والسرطان فاعتبرتهما عطيتين قربتاها من كتابه الكريم وفتحتا لها باب الرضا والصبر والإقبال على الحفظ والتفقه في القرآن، وذكرت أنها نشأت في بيت بسيط ووجدت عالمها في أصوات التلاوة منذ طفولتها، ولم تغوها ألعاب الصغار، بل كانت بدايتها الحقيقية مع كتاب الله منذ سنوات عمرها الأولى.
روت السيدة زينب أنها أصيبت بالسرطان ورفضت إجراء أي جراحة قبل أن تتم ختم القراءات العشر، حتى نالت الختمة التي منحتها قدرة أكبر على مواجهة الألم، وقالت إنها رأت رسول الله في المنام مبشرًا لها فدخلت عمليتها بقلب مطمئن وخرجت أكثر قوة وإصرارًا على مواصلة رسالتها في خدمة القرآن.
حولت السيدة زينب بيتها إلى دار لتحفيظ كتاب الله، ودرست عبر التطبيقات الإلكترونية لتلاميذ من دول مختلفة حول العالم، مؤكدة أنها ستظل خادمة للقرآن حتى آخر نفس مهما اشتد عليها المرض، وأن مشاركتها في مسابقة بورسعيد الدولية تمثل صفحة جديدة من رحلتها مع القرآن الذي كان دائمًا سندها ونورها في مواجهة المرض والظروف.
وأشارت السيدة زينب إلى أن رحلتها مع السرطان تجاوزت الـ 10 سنوات، وأنها تناولت جميع أنواع الأدوية الكيماوية، مؤكدة أن الله أراد أن يظل عطاؤها للقرآن ليطهر روحها ويقويها، وأن العمى ليس عجزًا والمرض ليس ضعفًا، فالجسد فاني والروح باقية، وضاربة أروع الأمثلة في الرضا والإيمان وخدمة كتاب الله.