الصين.. انطباعات عامة 1
تاريخ النشر: 6th, August 2025 GMT
علي الرئيسي
"سوزان" مضيفتنا الصينية (ليس اسمها الحقيقي) تسأل مستفهمة: لماذا الغرب، خاصة الولايات المتحدة، يهاجم الصين؟ فقلت لها مستفزًا إن الصين حسب الغرب غير ديمقراطية، مجتمع مغلق، ولا يتمتع أفراده بالحرية. فقالت محتجة: وهل يتمتع الناس في الغرب بالحرية؟ وهل اختيار معتوه مثل ترامب يعبر عن الحرية؟ أنت ترى أننا نمارس حياتنا بشكل طبيعي، نشتري ما نشاء، ونمارس عاداتنا دون أي تدخل من أحد.
أضافت سوزان بأن نظرتنا للسلطة هنا تختلف عن نظرة الغرب، فنحن نحترم قيادات المجتمع، والقيادات السياسية بالذات، لأن هذا جزء من تقاليدنا الكونفوشية، حيث احترام الكبير واجب. كما إن القيادة في الصين تنظر دائمًا إلى مصلحة المجتمع، وليس إلى المصلحة الشخصية أو السياسية. وتضيف "سوزان" بأن تدخل الدولة في الحياة العامة يرجع بشكل رئيس إلى طبيعة المجتمع الأبوي في الصين، حيث احترام الكبير أمر في غاية الأهمية، كما إن الأولاد عادةً يقومون برعاية والديهم.
ما تحقق في الصين خلال 40 سنة الماضية أمرٌ يفوق الخيال، كان الاقتصاد الصيني -في معظمه- اقتصادًا زراعيًا، وكان معظم السكان يعيشون تحت خط الفقر. نسبة السكان التي كانت تعتمد على الزراعة تمثل 80٪، حاليًا يمثل القطاع الزراعي حوالي 10٪ فقط. مرت الصين بثلاث مراحل من الإصلاحات الاقتصادية: بدايةً، تم إدخال نظام تسعير ثنائي للمنتوجات الزراعية، مما رفع من إنتاجية الزراعة، وخلق ذلك فائضًا زراعيًا، كما وفر عددًا كبيرًا من السكان ليهاجروا إلى المدن ويعملوا في الصناعة. في المرحلة الثانية من الإصلاح، قامت الصين بإنشاء ما يسمى بالمناطق الحرة، والذي كان بداية الاهتمام باقتصاد التصدير، حيث منحت الحكومة الأراضي للصناعيين بأسعار مدعومة، مع إعفاء من الضرائب، ومرونة في عقود العمال، وتسهيلات مالية كبيرة، وطبعًا السماح بدخول رؤوس الأموال والتكنولوجيا الأجنبية.
المرحلة الثالثة من الإصلاحات جاءت مع انضمام الصين لمنظمة التجارة العالمية، حيث فتحت أسواقها الداخلية للمنافسة، وقيام قطاعات اقتصادية تعمل بنظام السوق، مما أدى إلى مضاعفة الناتج الإجمالي المحلي للصين، وحققت فوائض تجارية هائلة، مما مكنها من توفير فوائض من العملات الأجنبية، مكنها من شراء كميات كبيرة من أذونات الخزانة الأمريكية. من الجدير ذكره هنا، رغم أن الصين بلد اشتراكي (يحب الصينيون القول: اشتراكية ذات ميزات صينية) تُحكم من قبل الحزب الشيوعي، إلا أن 80٪ من العمالة في الصين تعمل في القطاع الخاص.
ثلاث قضايا أو مؤشرات تميز المجتمع الصيني وأدت إلى هذا التسارع في النمو الاقتصادي والاجتماعي. التوظيف في الصين، سواء كان في القطاع الخاص أو الحكومي، يعتمد على كفاءة الشخص. الأمر الآخر هو الاهتمام بالتعليم، فالأسرة الصينية اهتمامها بمنح أولادها تعليمًا راقيًا، أمر غير مسبوق في المجتمعات الأخرى (عادة ولد أو بنت واحدة، عندما كان القانون يسمح بطفل واحد فقط للعائلة). لذلك تهتم العائلة بأن يكون ابنها أو ابنتها متفوقًا في التعليم، لأن التعليم الجيد هو الطريق الصحيح للحصول على منصب أو مهنة محترمة يمكن بها أن يقوم الفرد بإعالة نفسه وعائلته وأن يتميز في المجتمع. ورغم أن التعليم مجاني حتى الثانوي، إلا أن العائلات الصينية تصرف مبالغ باهظة للدروس الخصوصية، وقد تم منع ذلك رسميًا مؤخرًا.
الأمر الآخر هو الادخار. في الصين، من يدخر ليس الحكومة أو الشركات فحسب، بل الأسر، حيث يبلغ متوسط الادخار حوالي 30٪ من صافي الدخل، ومعدل الادخار هذا يفوق معدل الادخار في الولايات المتحدة حيث يبلغ 10٪، بينما في أوروبا يبلغ المعدل حوالي 5٪. إن هذا المعدل العالي للادخار بطبيعة الحال يرفع معدل الاستثمار الداخلي، وهو السبب فيما يعتقد البعض أنه سبب الفائض التجاري بين الصين والدول الأخرى، خاصة الولايات المتحدة.
هل هناك تأثير للحرب التجارية التي يشنها ترامب برفع التعريفات الجمركية، خاصة أنه يستهدف الصين بشكل مباشر؟ تقول الإحصائيات المنشورة حتى النصف الأول من العام بأن الصادرات الصينية ارتفعت بنسبة 5.8٪ مقارنةً بنفس الفترة من العام الماضي. لكن معظم هذه الزيادة كانت للبلدان الآسيوية كإندونيسيا، وتايلاند، وفيتنام، وسنغافورة. في مدينة كهوانغ دو، وهي مرفأ في شرق الصين، لا يبدو هناك ما يشير إلى تراجع في الصادرات، حيث تصطف الشاحنات، كما إن المرافئ الأخرى تبدو مزدحمة أيضًا حسب تقرير من الإيكونوميست.
إجمالي الناتج المحلي قد نما بنسبة 5.2٪ من أبريل إلى يونيو مقارنة بالسنة الماضية، متباطئًا من 5.4٪ في الربع الأول من العام الماضي، ولكن متجاوزًا توقعات النمو المتوقع بنسبة 5.1٪.
غير أن هناك قلقًا يسود المصانع الصينية، وخاصة مصانع الملابس الجاهزة، من ألا تتوصل المباحثات بين الصين والولايات المتحدة إلى اتفاق. والسبب الآخر للقلق هو أن الولايات المتحدة تحاول أن تمنع الصادرات الصينية من تصديرها عن طريق دول أخرى، أي أن الصين لا يمكنها أن تصدر هذه البضائع لدولة ثالثة، ومن ثم يتم إعادة تصدير هذه البضائع إلى أمريكا. ولكن رغم كل ذلك، لا يُتوقع انكماش في الصادرات الصينية، وإنما ستنخفض نسبة النمو إلى 2٪ إلى 3٪. طبعًا لدى واشنطن وبكين حتى الشهر الحالي للوصول إلى اتفاق تجاري. المعروف أن اقتصاد الصين يعتمد بشكل مباشر على الصادرات، والولايات المتحدة هي أكبر أسواقها. أكثر القطاعات تأثرًا حسب المراقبين سيكون هو قطاع الملابس الجاهزة، وهناك شعور بالتباطؤ في هذا القطاع، حيث يبحث كثير من العمال الذين يعملون بالقطعة عن عمل، حيث يعمل العامل في هذا القطاع ساعات طويلة، نظرًا لتدني الأجور، وغياب الدعم الحكومي، ومشاكل بالنسبة لحقوق التقاعد، كما إن الحكومة تولي اهتمامًا أكبر بدعم قطاع التكنولوجيا وقطاع الذكاء الاصطناعي؟
تسألني "سوزان": هل لديك اسم أجنبي أو كنية مثلي؟ قلت لها: لا، فاسمي علي، وهو سهل ومتداول في الصين بكثرة وسهولة، فهناك "علي بابا" وهو أكبر شركة للمتاجرة الإلكترونية، كما إن هناك أيضًا "علي باي" أو Ali Pay، وهو نظام مدفوعات عبر الإنترنت، والجميع في الصين يستخدمه. حقيقة، إن الصين بلد شاسع ومتعدد القوميات، وغامض بالنسبة للأجانب، وهناك صعوبة في التفاهم، خاصة إذا لم تجيد الصينية. طبعًا لا يمكن استنساخ تجربة الصين في بلد آخر، ولكن هناك دروس يمكن الاستفادة منها.
وللحديث بقية.
رابط مختصر
المصدر: جريدة الرؤية العمانية
كلمات دلالية: الولایات المتحدة فی الصین کما إن
إقرأ أيضاً:
الأمم المتحدة: المساعدات إلى غزة لا تلبي نصف الاحتياجات
الثورة نت/..
أكد المتحدث باسم الأمين العام للأمم المتحدة، فرحان حق، اليوم الاثنين، أن المساعدات الإنسانية التي تصل إلى قطاع غزة حاليًا لا تلبي سوى أقل من نصف الاحتياجات الفعلية، في ظل “حالة كبيرة من الجوع” يعاني منها السكان.
وأوضح حق، في تصريح لقناة الجزيرة، أن الكميات التي تدخل القطاع غير كافية إطلاقًا، مشيرًا إلى أن هناك حاجة ملحة لزيادة حجم المساعدات وتسهيل إيصالها.
وقال إن السبب الرئيسي في تفاقم الأزمة هو سيطرة “إسرائيل” الكاملة على المعابر الحدودية ونقاط التفتيش، والتي تعرقل تدفق المساعدات وتخضعها لإجراءات تفتيش طويلة ومعقدة.
وأشار إلى أن الأمم المتحدة لا تزال تتمكن من إدخال المساعدات عبر معبرين، إلا أن عملية الفحص والتفتيش تجعل المهمة شديدة البطء والتعقيد.
وشدد حق، على ضرورة العودة إلى آلية توزيع المساعدات التي كانت تديرها الأمم المتحدة سابقًا، والتي تعتمد على دخول الشاحنات من المعابر البرية بشكل منتظم ومنسق، ما يضمن وصول الإغاثة إلى جميع المناطق المحتاجة داخل القطاع.
وأضاف أن الأمم المتحدة تدعو إلى تمكينها من تنفيذ عمليات التوزيع مباشرة، واستعادة القدرة الكاملة على إدارة شبكة الإغاثة التي كانت تعمل قبل اندلاع الحرب الأخيرة.
ويواجه فلسطينيو قطاع غزة موجة غير مسبوقة من الجوع منذ إغلاق العدو الإسرائيلي معابر القطاع، مطلع مارس الماضي، وفرض قيود مشددة على دخول المساعدات الغذائية والإغاثية والوقود والدواء.
وبدعم أميركي وأوروبي، يواصل جيش العدو الإسرائيلي منذ السابع من أكتوبر 2023، ارتكاب جرائم إبادة جماعية في قطاع غزة أسفرت عن استشهاد 60,933 مدنياً فلسطينياً، غالبيتهم من الأطفال والنساء، وإصابة 150,027 آخرين، حتى اليوم، في حصيلة غير نهائية، حيث لا يزال الآلاف من الضحايا تحت الركام وفي الطرقات لا تستطيع طواقم الإسعاف والإنقاذ الوصول إليهم.