تأثيرات تشكيل حزب سياسي جديد في بريطانيا
تاريخ النشر: 8th, August 2025 GMT
فاعل جديد:
تأثيرات تشكيل حزب سياسي جديد في بريطانيا
أصـدر النائـب البريطانـي والزعيـم السـابق لحـزب العمَّـال جيرمي كوربن، بياناً بالتنسـيق مـع النائبة البرلمانية زارا سـلطانة- والتي كانـت عضـوة سـابقة فـي حـزب العمـال، إلا أنهـا قدمـت اسـتقالتها عـن الحـزب احتجاجـاً علـى سياسـات الحـزب فـي التعامـل مـع مسـألة الحـرب الجاريـة فـي قطـاع غـزة- أعلـن فيـه عـن إطلاق حـزب سياســي جديــد فــي بريطانيــا، اســتعداداً للانتخابــات العامــة القادمــة المقــرر إجراؤهــا فــي 2029، فيمــا أشـار إلـى أن هـذا الحـزب يسـتهدف تدشـين حركـة ديمقراطيـة لمواجهـة “الأغنياء والأقوياء”.
أبعاد تشكيل الحزب: تضمن بيان النائب كوربن ما يلي:
حالة التراجع الاجتماعي في بريطانيا: أشار النائب كوربن إلى أن النظام البريطاني يواجه العديد من التحديات، على الأخص فيما يتعلق بتوزيع الثروات، فيما أشار إلى معاناة 4.5 مليون طفل من الفقر وتراجع مستوى المعيشة، بينما تزيد ثروات أصحاب رأس المال، وكذلك تروج الحكومة لعجزها عن توفير ميزانية مخصصة لمكافحة الفقر، بينما توفر مبالغ طائلة للإنفاق العسكري. آليات إصلاح الخلل الاجتماعي: قدَّم النائب كوربن عدداً من المقترحات لمعالجة التحديات التي تواجه بريطانيا، منها إعادة توزيع شاملة للثروة والسلطة، وفرض ضرائب على الأغنياء، وإلغاء خصخصة هيئة الخدمات الصحية الوطنية، وإعادة قطاعَي الطاقة والمياه، وكذلك السكك الحديدية والبريد إلى الملكية العامة، والاستثمار في برنامج ضخم لبناء المساكن التابعة للسلطات المحلية، مع تقويض نشاط شركات الوقود الأحفوري. المواقف السياسية للحزب: أكد النائب كوربن ارتكاز الحزب إلى دعامة أساسية وهي الإيمان بحقوق الإنسان، وأن “لكل حياة بشرية قيمة متساوية”، وذلك في ضوء تخوف المواطنين في بريطانيا من تواطؤ الحكومة في “الإبادة الجماعية” الجارية في قطاع غزة، فقد أعلن النائب كوربن عن الدفاع عن حق التظاهر لدعم الشعب الفلسطيني، وإيقاف صادرات الأسلحة لإسرائيل، وتأكيد وجود طريق واحد للسلام قائم على استقلالية وحرية فلسطين. الهيكل الداخلي للحزب: أشار النائب كوربن إلى أن الحزب يتسع ليضم مختلف الأطياف المجتمعية، في إشارة إلى أن الحكومة الحالية روجت إلى أن المهاجرين واللاجئين هم سبب المشكلات الاجتماعية التي تعاني منها بريطانيا، في حين أن المشكلات الحالية ناجمة عن طبيعة النظام الاقتصادي الذي يحمي مصالح الشركات الكبرى، مؤكداً أن الحزب هو حزب اجتماعي بالأساس يضم النقابات العمالية والحركات الاجتماعية. تنظيم الحزب: دعا النائب كوربن المواطنين إلى التسجيل على الموقع الرسمي للحزب، للمشاركة في العملية التأسيسية للحزب، التي ستقود إلى مؤتمر افتتاحي، وفي هذا المؤتمر، سيتم إقرار اتجاه الحزب، ونموذج القيادة، والسياسات المطلوبة من أجل إحداث تغيير في المجتمع، “بهذه الطريقة يمكننا بناء حركة ديمقراطية تتصدى للأغنياء وأصحاب النفوذ؛ وتنتصر”.ردود الأفعال الحزبية:
أثار إعلان النائب كوربن عن تشكيل حزب سياسي جديد سلسلة من ردود الأفعال المتباينة، ما بين انتقاد مقترح تشكيل الحزب برمته، ومثل هذا الأمر ظهر مع تفاعل حزبي العمال والمحافظين، وتفاعل زعيم حزب الإصلاح فاراج، وما بين تهكم على غياب رؤية تنظيمية واضحة لتدشين الحزب، وهو ما اتضح في تفاعل الحزب الليبرالي الديمقراطي، وذلك على النحو التالي:
رفض حزب العمال للحزب الجديد: أعرب حزب العمال عن رفضه للحزب السياسي الجديد الذي أعلن عنه النائب كوربن؛ إذ اعتبر هذا الحزب بمثابة تهديد مباشر لوحدة الصف التقدمي داخل بريطانيا؛ حيث حذر النائب باتريك هيرلي، من أن هذا الانقسام قد يعزز فرص حزب الإصلاح اليميني في بعض الدوائر، معتبراً أن “ما حدث يمكّن اليمين من التمدد عبر الفجوات اليسارية المفتوحة”، فيما استنكر عدد من النواب توقيت الإطلاق، وقللوا من فرص نجاح الحزب في إحداث تغيير انتخابي ملموس. فقد صرّح أحد النواب في حزب العمال بأن “الناخبين البريطانيين حكموا بالفعل مرتين على قيادة كوربن”، في إشارة إلى خسارته في الانتخابات العامة السابقة. امتناع حلفاء كوربن عن الانضمام: امتنع عدد من أبرز الحلفاء التقليديين للنائب كوربن عن الانضمام إلى الحزب الجديد؛ حيث تمسك كل من جون ماكدونيل، ودايان أبوت، وكلايف لويس بالبقاء داخل حزب العمال والعمل على إصلاحه من الداخل، رغم تعاطفهم الظاهري مع القيم التي يقوم عليها الحزب الجديد. انتقاد حزب المحافظين للخطوة: انتقد حزب المحافظين خطوة تأسيس حزب يساري جديد، واعتبرها مؤشراً على استمرار الانقسام داخل التيار اليساري دون تقديم بديل واقعي للحكم؛ حيث وصف وزير العلوم والتكنولوجيا من حزب المحافظين بيتر كايل الخطوة بأنها “استعراض إعلامي بلا مضمون”، واعتبر أن النائب كوربن يفتقر إلى رؤية عملية لإدارة الدولة، مشيراً إلى أن الانقسام يعكس فشل حزب العمال في احتواء أجنحته المتطرفة، كما أشار بعض نواب الحزب إلى أن خروج شخصيات مثل زارا سلطانة يعكس تباعداً متزايداً بين ما وصفوه بـ”اليسار الأيديولوجي” والمواطنين المهتمين بالاستقرار الاقتصادي والأمن الداخلي. ترحيب حزب الإصلاح: رحّب حزب الإصلاح بإطلاق الحزب واعتبر الخطوة مفيدة له سياسياً؛ حيث اعتبر زعيم الحزب فاراج، أن انقسام التيار اليساري سيسهم في إضعاف حزب العمال، ويزيد من فرص حزب الإصلاح في الفوز بمقاعد انتخابية في الدوائر الانتخابية المتأرجحة، وقال فاراج: “كان أسبوع كير ستارمر سيئاً، وأصبح الآن أسوأ”. انتقاد الحزب الليبرالي الديمقراطي: انتقد الحزب الليبرالي الديمقراطي مسألة غياب اسم رسمي للحزب الجديد عند إطلاقه، واعتبر هذا الأمر مؤشراً على ضعف الإعداد والوضوح السياسي؛ حيث صرح النائب جوشوا رينولدز: “إذا كنتم تبحثون عن حزب تقدمي يملك اسماً فعلياً، فتابعوا الرابط”، في تلميح إلى أن المشروع يعاني من غموض في الرؤية وتخبط في التخطيط، وإن كان هذا الأمر قد يكون محاولة من الحزب الليبرالي لتمييز نفسه عن الحزب الجديد، واستثمار توقيت تدشين الحزب لتعزيز موقعه في اليسار المعتدل. دعم بعض الشخصيات المستقلة: أعلن عدد من الشخصيات المستقلة عن دعمهم للحزب فور الإعلان عن إطلاقه؛ إذ اعتبروا أن الحزب الجديد يوفر بدائل متعددة أمام الناخبين التقدميين الذين لم يعد حزب العمال بقيادته الحالية يمثّلهم؛ حيث أشار النائب السابق عدنان حسين إلى أن “حزب الإصلاح هو من يجب أن يقلق الآن؛ لأن البديل الحقيقي بدأ يتشكل”، بينما أكّد إقبال محمد، أحد أعضاء التحالف المستقل أن “الانضمام إلى هذا المشروع يمثّل عودة للأصالة السياسية وتجاوزاً لعجز الأحزاب القائمة عن مواجهة التحديات الاجتماعية الحقيقية”.المشهد السياسي البريطاني:
تزامن الإعلان عن تشكيل حزب سياسي جديد في بريطانيا مع سلسلة من التحولات التي طرأت على المشهد السياسي والحزبي في الداخل البريطاني، ما بين صعود عدد من التنظيمات اليمينية المتطرفة، ونجاح حزب الإصلاح اليميني بقيادة نايجل فاراج، في الاستحواذ على عدد من المجالس المحلية التي كانت تابعة لحزب العمال، وتولي كيمي بادينوك رئاسة حزب المحافظين.
نجاح استثنائي لحزب الإصلاح في الانتخابات المحلية: أُجريت الانتخابات المحلية البريطانية، في 1 مايو 2025، وأسفرت عن نجاح حزب الإصلاح بقيادة نايجل فاراج، في الاستحواذ على عدد من المجالس المحلية التي كانت تابعة لحزب العمال، فيما كشفت الانتخابات المحلية عن عدد من الفجوات الحزبية التي أضحت تواجه النظام الحزبي البريطاني، مثل تزايد نفوذ حزب الإصلاح، واتساع الفجوة بين المواطنين وبين الثنائية الحزبية الأساسية (العمال– المحافظين) مما دفعهم إلى اللجوء للأحزاب الوسطية، وكذلك تثير الانتخابات المحلية عدداً من التساؤلات بشأن مستقبل حزب المحافظين، في ضوء تراجع الدعم الشعبي للحزب في الانتخابات. تولي “بادينوك” رئاسة حزب المحافظين: نجحت كيمي بادينوك في الفوز بالانتخابات الداخلية بحزب المحافظين؛ لتصبح أول سيدة من ذوي البشرة السمراء تتولى رئاسة حزب رئيسي في المملكة المتحدة، وبادينوك معروفة بشكل عام بتوجهاتها اليمينية المتشددة في العديد من الملفات مثل الهجرة والسياسات المناخية والرعاية الاجتماعية والإنفاق العام، إلا أن توليها رئاسة الحزب تزامن مع حالة من الصراعات الداخلية في الحزب، على إثر اختلاف الرؤى السياسية والأيديولوجية بشأن التعامل مع القضايا الداخلية والخارجية، فضلاً عن تراجع الشعبية المعروفة لحزب المحافظين. نشأة تنظيمات جديدة لليمين المتطرف: أعلن رجل الأعمال البريطاني والعضو السابق في حزب “البريكست” والبرلمان الأوروبي بين حبيب، في 30 يونيو 2025 عن إطلاق حزب “Advance UK”، وهو حزب يميني قومي؛ يستهدف مكافحة الهجرة واستعادة القيم البريطانية التقليدية، وطرح رؤية أكثر وضوحاً فيما يتعلق بالقضايا الثقافية مثل الإسلام السياسي، كما تم الإعلان عن نشأة حزب “Homeland Party” الذي تم تدشينه بعد انشقاق مجموعة من عناصر حركة “Patriot Alternative”، وهي جماعة قومية خضعت لمراقبة أمنية بسبب ترويجها لخطاب الكراهية، فيما يتبنى الحزب أيديولوجيا قومية إثنية، تُركّز على فكرة “الحفاظ على الهوية العرقية البريطانية”، وترى أن الهجرة، خاصة من الدول غير الأوروبية، تُشكل تهديداً وجودياً للهوية الوطنية، ويروج الحزب لما يُعرف بـ”نظرية الاستبدال الكبير”، والتي تدعي أن السكان البيض الأصليين يتم استبدالهم تدريجياً من خلال سياسات الهجرة والتعددية الثقافية.ختاماً؛ يمثل تدشين كوربن لحزب جديد دليلاً جديداً على اتجاه النظام الحزبي البريطاني إلى مزيد من التشرذم، وإلى تهديد جديد للأحزاب الرئيسية (العمال والمحافظون) بأن سيطرتهم على المجال العام أصبحت مهددة بشكل أكبر، في ضوء بحث الناخبين عن اختيارات أخرى.
وعلى الرغم من غياب الرؤية التنظيمية الواضحة لنشأة حزب النائب كوربن؛ من حيث التوقيت المفاجئ وغياب مسمى واضح للحزب؛ توجد عدد من المؤشرات الدالة على إمكانية نجاح الحزب في إحراز تقدم سياسي، وذلك على النحو التالي:
تزايد الدعم الشعبي لـ”كوربن”: أظهر استطلاع رأي دوري تجريه مؤسسة (YouGov) بشأن شعبية السياسيين في الداخل البريطاني، تزايداً مضطرداً في شعبية كوربن؛ حيث وصلت نسبة تأييده إلى 22% من المستطلعة آراؤهم بنهاية النصف الثاني من العام الحالي (يونيو 2025). التصدع داخل حزب العمال: كشفت الحكومة البريطانية عن خطة لإصلاح نظام الدعم المخصص للإعاقة وإيقاف زيادات مكون الصحة ضمن إعانة “الائتمان الشامل”؛ وذلك بهدف تقليص الإنفاق العام بنحو خمسة مليارات جنيه إسترليني، فيما أشار عدد من التقديرات إلى أن هذه الإجراءات قد تؤدي إلى إدخال أكثر من 250 ألف شخص في دائرة الفقر، وقد أثارت هذه الخطط حالة من الانقسام داخل حزب العمال؛ حيث أعرب أكثر من 40 نائباً عن رفضهم العلني للإصلاحات الجديدة، ووقعوا على رسالة تطالب الحكومة بتأجيل تنفيذها، كما صوت بعض النواب ضد سياسات الحزب المطروحة في البرلمان؛ مما دفع قيادة الحزب إلى تعليق المهام الحزبية مؤقتاً لهؤلاء النواب. تزايد الانتقادات الداخلية لموقف الحكومة من الحرب في غزة: قررت الحكومة البريطانية في يوليو2025 ، حظر جماعة “Palestine Action”، المعنية بالداع عن حقوق الشعب الفلسطيني، فيما تم تصنيفها كمنظمة إرهابية بموجب قانون الإرهاب لعام 2000. الأمر الذي أثار جملة من ردود الأفعال السلبية من قبل النشطاء ومنظمات حقوق الإنسان؛ إذ نظم المواطنون سلسلة من الاحتجاجات المتزامنة في أكثر من خمس مدن بريطانية رفضاً للقرار، وخلال هذه الاحتجاجات تم اعتقال أكثر من100 شخص بسبب رفع لافتات تؤيد جماعة “Palestine Action”، فيما تزامنت هذه الاحتجاجات مع موجة تصعيد داخل الجامعات البريطانية؛ حيث شهدت مؤسسات تعليمية مثل جامعة أكسفورد، سلسلة من الاحتجاجات الطلابية، وطالب المشاركون بقطع العلاقات الأكاديمية والمالية مع الشركات المتورطة في دعم إسرائيل. نجاح النائب كوربن في تدشين تحالفات حزبية: أبدى المرشح لقيادة حزب الخُضر زاك بولانسكي انفتاحه على إمكانية التعاون مع حزب النائب كوربن، إلا أنه أشار إلى أن أي قرار في هذا الشأن يعود لأعضاء الحزب، وسيعتمد على الشكل النهائي للحزب، فيما دعت مجموعة “We Deserve Better” – وهي حملة سياسية بريطانية تأسست في عام 2024، لتحدي هيمنة حزب العمال على السلطة – إلى إقامة تحالف انتخابي بين حزب الخضر وحزب النائب كوربن، مشيرة إلى أن هذا التحالف قد يؤدي إلى تراجع عدد كبير من نواب حزب العمال، في حين أن ترشح الطرفين بشكل منفصل قد يؤدي إلى انقسام الأصوات.المصدر: جريدة الوطن
إقرأ أيضاً: