انضمام السعودية لبريكس.. بقرة حلوب للمجموعة؟ أم داعم لنظام اقتصادي موازي؟
تاريخ النشر: 30th, August 2023 GMT
سلط محلل اقتصاديات الشرق الأوسط، دورون بيسكين، الضوء على تداعيات دعوة مجموعة بريكس للمملكة العربية السعودية إلى الانضمام إليها، مشيرا إلى أن هذه هي المرة الثانية التي تقرر فيها بريكس التوسع منذ تأسيسها.
وذكر بيسكين، في تحليل نشره بموقع "كالكاليست" الإسرائيلي وترجمه "الخليج الجديد"، أن توسع بريكس المزمع في بداية العام المقبل "أكثر أهمية بكثير"، إذ سيضم، إلى جانب السعودية، إيران والإمارات والأرجنتين ومصر وإثيوبيا، من أصل 23 دولة أعربت عن اهتمامها بالانضمام إلى المجموعة.
وتأسست المجموعة في عام 2009 بـ 4 دول فقط، هي: البرازيل وروسيا والهند والصين، بينما انضمت جنوب أفريقيا بعد ذلك بعام.
وشملت قائمة الدول التي لم تتم الموافقة على انضمامها في هذه المرحلة: بوليفيا وكوبا وهندوراس وفنزويلا والجزائر وإندونيسيا.
وهنا يشير بيسكين إلى أن رؤساء دول بريكس لا يتصرفون بشفافية، ولم ينشروا معايير الانضمام إلى المجموعة، ولذا لا أحد يعرف لماذا قبلوا دعوة دولة دون أخرى، لكنه أقر بأن بريكس تتمتع بإمكانات اقتصادية كبيرة، رغم أنها لم تتحقق حتى الآن بسبب الخلافات الداخلية بين الصين والهند بشكل رئيسي.
ويعيش حوالي 42% من سكان العالم في بلدان المجموعة، التي تسيطر على نحو 20% من التجارة العالمية و32.1% من الناتج المحلي الإجمالي، أي أكثر من مجموعة السبع.
خلل التوازن
والقاسم المشترك بين أعضاء بريكس هو ما يعتبرونه خللاً في التوازن بالنظام الدولي بين "الشمال" (بقيادة الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي) و"الجنوب"، بحسب بيسكين، مشيرا إلى حالة من عدم الرضا عن سلوك النظام المالي العالمي، الذي يراه أعضاء بريكس خاضعا للهيمنة الغربية.
ولذا تهدف هذه الدول إلى زيادة نفوذها من أجل إحداث إصلاحات في أنشطة هيئات مثل البنك الدولي وصندوق النقد الدولي.
وبالنسبة للدول الجديدة التي تلقت دعوة للانضمام، وخاصة السعودية والإمارات ومصر، يبدو أن الاعتبار الأساسي هو رغبتها في البحث عن بدائل لتعزيز العلاقات السياسية والاقتصادية، في ظل ما تعتبره تراجعا باهتمام حليفتها الرئيسية، الولايات المتحدة، بشؤون الشرق الأوسط.
اقرأ أيضاً
مستقبل التطبيع بين السعودية وإيران.. فرصة أم تهديد لبريكس؟
ويرى بيسكين أن الإدارة الأمريكية غير راضية عن انضمام الدول العربية الثلاث إلى تكتل مع الصين وروسيا، لكنها قللت رسمياً من أهمية الخطوة، إذ صرح متحدثون رسميون باسمها، نهاية الأسبوع الماضي، بأنهم لا يرون توسع بريكس "ككتلة جيوسياسية منافسة"، وأكدوا أن الدول لها الحق في الارتباط بالتحالفات التي تجدها مناسبة.
وكانت إيران هي الدولة الأقل تأثراً برد فعل الولايات المتحدة، إذ "احتفلت" بالدعوة للانضمام إلى مجموعة بريكس، ووصف متحدثون رسميون إيرانيون هذا التطور بأنه "نجاح استراتيجي للسياسة الخارجية الإيرانية".
وسُمع رد الفعل الأكثر اعتدالاً من السعودية بعد أن صرح وزير خارجيتها، الأمير فيصل بن فرحان، بأن المملكة تنتظر المزيد من التفاصيل حول "طبيعة العضوية"، في إشارة على ما يبدو إلى أن المملكة تريد التأكد من أن أعضاء بريكس لم يوافقوا على عضويتها كي تصبح "بقرة حلوب" في تمويل الدول الأضعف.
الدولة الأهم
ولا يشك بيسكين في أن السعودية هي الدولة الأكثر أهمية من بين جميع الدول المدعوة للانضمام إلى بريكس، على المستويين السياسي والاقتصادي.
فعلى المستوى السياسي، تعتبر المملكة تقليديًا أقرب حليف للولايات المتحدة في منطقة الخليج، ورغم أن العلاقات بينهما فترت في السنوات الثلاث الماضية، بسبب الخلافات حول حقوق الإنسان، والحرب في اليمن، وسوق النفط، إلا أن الرياض وواشنطن انخرطتا في الأشهر الأخيرة بمفاوضات مكثفة حول اتفاق أمني نووي اقتصادي شامل، يشمل التطبيع بين السعودية وإسرائيل.
وعلى المستوى الاقتصادي، يعد ثقل السعودية مهما للغاية بالنسبة لمجموعة بريكس، فهي أكبر اقتصاد عربي بناتج محلي إجمالي يفوق التريليون دولار، وواحدة من أهم اللاعبين في سوق النفط العالمية، بحصة تبلغ 15% من احتياطيات النفط المؤكدة في العالم.
وتعد خطة تنويع الاقتصاد السعودي وزيادة عائدات النفط بسبب الغزو الروسي لأوكرانيا إشارة لمجموعة بريكس بأن انضمام السعودية قد يؤدي إلى زيادة قدراتها التمويلية.
ويشير بيسكين، في هذا الصدد، إلى أن جميع أعضاء بريكس لم يتفقوا بشأن إنشاء عملة بديلة يمكن أن تتحدى هيمنة الدولار في النظام العالمي، بل اتفقوا على شيء واحد، وهو توسيع أنشطة أحد ركائز المجموعة، وهو بنك التنمية الجديد، الذي يهدف إلى زيادة موارده.
وفي مايو/أيار الماضي، بدأت المفاوضات مع المملكة من أجل الانضمام إلى بنك التنمية الجديد، وبالتالي تعزيز قدرتها على تمويل المشروعات في البلدان النامية، وهي المفاوضات التي لم تنته بعد.
وتأسس البنك في عام 2014 ويقدم قروضًا لدول الأسواق الناشئة في ظل ظروف أقل تطلبًا من شروط صندوق النقد الدولي والبنك الدولي، وفي عام 2021، رحب بعضوية: بنجلاديش والإمارات وأوروجواي ومصر.
ومنذ تأسيسه، منح بنك التنمية الجديد الدول الأعضاء فيه قروضًا بقيمة إجمالية تبلغ 30 مليار دولار، وهو مبلغ صغير مقارنة بالقروض التي قدمها البنك الدولي خلال نفس الفترة.
ففي عام 2021، منح البنك الدولي قروضًا بقيمة إجمالية تبلغ حوالي 100 مليار دولار إلى 190 دولة، ولذا يبدو أنه حتى مع انضمام السعودية إلى بنك بريكس فإنها ستواجه صعوبة في سد الفجوة القائمة بين المؤسستين الماليتين.
وإزاء ذلك، يخلص بيسكين إلى أن بريكس لا تشكل في هذه المرحلة تهديدًا للهيمنة الغربية، "إلا أن توسعها ليس رمزيًا، بل هو إشارة إلى الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي تواجهان عدم رضا عن سياساتها في عدد متزايد من الدول.
اقرأ أيضاً
انضمام السعودية والإمارات ومصر لبريكس.. فائدة محتملة للغرب
المصدر | دورون بيسكين/كالكاليست - ترجمة وتحرير الخليج الجديدالمصدر: الخليج الجديد
كلمات دلالية: السعودية بريكس الإمارات جنوب أفريقيا الصين روسيا الولایات المتحدة انضمام السعودیة البنک الدولی أعضاء بریکس إلى أن فی عام
إقرأ أيضاً:
خيانة في حظيرة الوطن!
في لحظةٍ غاب فيها الوعي الجمعي، وتحوّلت الوطنية إلى شعاراتٍ معلّبة، يتسلل مشروع خيانة جديدة إلى قلب الريف المصري. ليست هذه الخيانة عبر دبابة أو طائرة، بل من خلال بوابة الحظائر ومزارع الأبقار!
هذه المرة ليست خصخصة، ولا رفع دعم، ولا بيع أصول، بل جريمة أبشع: إبادةٌ ممنهجة لسلالة الأبقار المصرية البلدية، واستبدالها ببقر "هولشتاين" المستورد من الكيان الصهيوني، في إطار صفقة أُعلن عنها رسميا في نيسان/ أبريل 2024 عبر اتفاقية موقعة بين الحكومة المصرية وشركة "أجرو-ميد" الإسرائيلية، بحسب الموقع الرسمي لوزارة الزراعة المصرية.
فبعد أن فشلت اتفاقية كامب ديفيد في فرض التطبيع على المستوى الشعبي، يلجأ النظام الآن إلى فرض التطبيع على مستوى الثروة الحيوانية!
ما يحدث ليس مجرد خيار اقتصادي خاطئ، بل جريمة مكتملة الأركان ضد التراث الزراعي المصري. فاستيراد بقرة صهيونية، ليس إلا قفزة في هاوية التطبيع الزراعي، ينظم خطواتها العدو التاريخي الذي لم يتوقف يوما عن تدمير الأرض والإنسان في فلسطين، والآن يُمنح مفاتيح غذائنا وثروتنا الحيوانية في مصر!
كل ذلك يحدث في صمتٍ مريب، ووسط ضجيج إعلامي موجَّه لا يرى، ولا يسمع، ولا يتكلم إلا بما يأمر به النظام..
ما يحدث ليس "تطويرا" كما يزعم عبد الفتاح السيسي، وليس "استثمارا في الإنتاج" كما يروّج إعلامه، بل هو مشروع استيطاني زراعي صهيوني في ثوب تنموي، وكأن البقرة المصرية، التي شربت من نيلنا، واعتادت مناخنا، وترضى بالقليل من الطعام والرعاية كحال صاحبها، أصبحت فجأة لا تليق بأرضها!
هكذا قرر السيسي فجأة، عبر صفقات مشبوهة واتفاقيات زراعية سرية، توطين البقر الصهيوني المنتج للحليب، ذي التكلفة الباهظة، بديلا للبقر البلدي القنوع.
فالهولشتاين، التي بدأت مصر باستيرادها من الكيان الصهيوني بدعم من البنك الدولي والاتحاد الأوروبي، كما ذكرت وكالة "رويترز" في تقريرها الصادر في أيار/ مايو 2024، تحتاج مناخا باردا، وتغذية عالية الجودة، ورعاية بيطرية دقيقة، وبيئة معقمة أشبه بالمستشفيات. إنها بقرة ناعمة لا تعيش في ريفٍ قاسٍ أو قرية بلا كهرباء دائمة، ستستهلك الأعلاف المستوردة، والأدوية المستوردة، والخدمات المستوردة، التي لا تتوفر حتى للمواطن المصري.
البقرة الهولشتاين تستهلك يوميا ما بين 40 إلى 55 كجم من الأعلاف المركبة، وتحتاج إلى تبريد صناعي ورعاية طبية دورية، وفقا لتقارير منظمة الأغذية والزراعة (FAO). ببساطة، هي بقرة تحتاج إلى قصر لتحيا فيه، وليس حظيرة تتبع بيتا يعيش أصحابه على حد الكفاف.
إذا كنا شعبا "فقير أوي"، كما يخبرنا السيسي، فكيف يمكننا أن نُربّي أبقارا تحتاج إلى علف ودواء مستوردَين، في حين تعجز الدولة عن توفير هذا الدواء المستورد لمواطنيها، ويُطلب من المواطن الاستغناء عن كثير من طعامه لغلاء سعره؟! فمن أين سنأتي بالدولار لنستورد احتياجات أبقار السيسي؟!
التطبيع عبر الضرع!
السؤال المهم هنا.. منذ متى كان الكيان الصهيوني مصدرا للثقة في الزراعة أو غيرها؟ كيف نقبل اليوم أن تدخل بقرة إسرائيلية حظائر مصر، وتطرد البقرة المصرية من أرضها؟ كيف نتحدث عن "الأمن القومي" ونحن نفتح أبواب ثروتنا الحيوانية للعدو التاريخي؟
إن استبدال الأبقار البلدية بسلالات صهيونية لا يهدد فقط الأمن القومي والغذائي، بل هو تفكيك ممنهج لما تبقى من استقلال زراعي، إنها خيانة عظمى، مغلفة بورق السيلوفان، المطبوع عليه اسم "التطوير".
تاريخ يعيد نفسه.. من البذور المسرطنة إلى البقرة الصهيونية
هذه ليست أول مرة يُفتح فيها باب الوطن للعدو من ثغرة الزراعة. ففي التسعينيات، سمح يوسف والي، وزير الزراعة في عهد مبارك، بإدخال مبيدات إسرائيلية محرّمة دوليا وبذور مسرطنة دمّرت التربة وأصابت الآلاف بالسرطان، وبدأ العد التنازلي لتفكيك المنظومة الزراعية المصرية من الجذور.
واليوم، يستكمل السيسي نفس المخطط، ولكن هذه المرة من بوابة الأبقار. فإذا كانت المبيدات قد سمّمت الأرض، فإن البقر الصهيوني سيسمّم الاكتفاء الذاتي، ويحوّل الفلاح المصري إلى تابع لنظام إمداد غذائي تسيطر عليه تل أبيب.
دراسة صادرة عن مركز البحوث الزراعية المصري عام 2022 حذّرت من اندثار السلالات البلدية نتيجة الإهمال والإحلال العشوائي بسلالات مستوردة لا تناسب البيئة المصرية، وهو ما يُعد تهديدا مباشرا للسيادة الغذائية.
السيسي.. مشروع قضاء على الهوية المصرية
إن هذه الجريمة الزراعية لا تُقرأ بمعزل عن مشروع أوسع يعمل عليه النظام الحالي منذ سنوات، وهو مشروع محو الهوية المصرية واستبدالها بنموذج مشوّه من الحداثة المعلّبة، المستوردة هي الأخرى.
من التعليم إلى الثقافة، ومن العمران إلى الإعلام، وصولا إلى الزراعة، يواصل عبد الفتاح السيسي محو كل ما هو محلي وأصيل لصالح ما هو غريب ومستورد. في مشاريعه الخرسانية الجديدة، لا وجود لروح المباني، وكل ما هو أخضر يُقتل عمدا.
في إعلامه، لا صوت للمواطن المدني البسيط: الفلاح، العامل، أو المثقف المستقل، بل ضجيج يمجّد الزيف ويبرّر الاستبداد.
حتى الآثار لم تسلم من بطش عبد الفتاح السيسي، فهدم معظم الآثار الإسلامية، وسوّى الكثير من الكنوز المعمارية بالأرض بحجة "التطوير".
أصبح القبح هو السمة الأساسية لما كانت تُسمى "أم الدنيا". إنه تفريغٌ من الداخل؛ حيث تُجتث الجذور، وتُقتلع الهوية، ويُعاد تشكيل الإنسان المصري ليصبح مجرد زومبي شبه حي، مغيّب تحت ثقل الديون والقروض، والفقر، والمرض، والمخدرات، والمشروعات الوهمية، والوعود الكاذبة بأن مصر "هتبقى قد الدنيا".
الرسالة واضحة: إبادة المصري.. وتوطين الصهيوني، والبقر أول الخيط. المسألة ليست بقرة فقط، بل نموذج كامل لتجريف الهوية الزراعية المصرية وتوطين منظومة إنتاج صهيونية داخل الوطن، وما الأبقار إلا البداية.
هذه ليست صفقة أبقار.. هذه إبادة سلالية، وخيانة وطن مكتملة الأركان، وجزء لا يتجزأ من مشروع سياسي سلطوي هدفه النهائي: مصر بلا روح، بلا تاريخ، بلا ذاكرة.