اهتزّت سماء الكسوة جنوب دمشق ليلة أمس بسلسلة غارات إسرائيلية مفاجئة، أسفرت، وفق وكالة "سانا" السورية، عن مقتل ستة جنود سوريين وتدمير آليات عسكرية. لكن خلف هذا الحدث الدموي، برز تفصيل بالغ الحساسية، فقد أشيع أن عناصر الجيش السوري كانوا قد اكتشفوا قبل دقائق أجهزة تنصّت مموّهة قرب جبل المانع، لتتحوّل عملية المعاينة إلى ساحة مواجهة مفتوحة امتدت لساعات في الليل.

ولم تكتف إسرائيل بالقصف المتكرر، بل تجرأت على تنفيذ إنزال جوي، في مشهد يُعيد إلى الأذهان تاريخًا طويلًا من "الأجهزة الذكية" التي اعتادت تل أبيب زرعها في لبنان وسوريا، لتفتح واقعة الكسوة الباب مجددًا على واحدة من أكثر الحروب الخفية تعقيدًا في المنطقة، إنها حرب التجسّس المزروعة في الصخور والأشجار.

تقول وكالة "سانا" إن الدورية السورية التي عثرت على الأجهزة في 26 آب/أغسطس، فوجئت بضربات إسرائيلية مركّزة حالت دون نقل المعدات. فيما أفادت تقارير إسرائيلية بعملية إنزال جوي قصيرة المدى نفذتها مروحيات إسرائيلية في المنطقة بعد القصف، وقد استمر التحليق المكثف لطائرات الاستطلاع كشف حساسية بالغة للموقع والمحتويات التي كانت قيد المعاينة.

موقف إسرائيل وردودها

حسب ما ورد من التغطيات الرسمية، لم تصدر إسرائيل تأكيدًا صريحًا عن مسؤوليتها عن الغارات أو على طبيعة الأجهزة، حيث اكتفت بعبارة المتحدث العسكري "نحن لا نعلق على تقارير أجنبية " وفق رويترز.  ومع ذلك، شدّد وزير الدفاع الإسرائيلي يسرائيل كاتس أن الوجود الإسرائيلي في المنطقة الجنوبية للسوريّة مؤسَّس على "حماية مستوطنات الجليل والجولان" من خطر يفرضه الطرف السوري، وهو ما يُرجع جزئيًا إلى الدرس المستفاد من هجمات 7 أكتوبر 2023 حسب ما نقلت أسوشيتد برس.

كما وأبرزت صحيفة "تايمز أوف إسرائيل" التباين الواضح بين ما أعلنه الإعلام السوري حول العثور على أجهزة تنصّت في المنطقة، وبين التزام تل أبيب الصمت الرسمي، انسجامًا مع سياستها التقليدية القائمة على الامتناع عن التعليق في مثل هذه القضايا.

إعلان

لكن واقع الحال يقول إن هذه ليست السابقة الأولى. ففي آذار/مارس 2013، نشر التلفزيون الرسمي السوري حينها صورًا لأجهزة مراقبة مموّهة على شكل صخور في الساحل السوري، قيل إنها إسرائيلية ومصممة لالتقاط الصور وإرسالها عبر أنظمة متطورة. وقد دعمت تقارير صحف مثل تايمز أوف إسرائيل وبيزنس إنسايدر وحرييت صحة الصور حينها، ورأت فيها دليلًا على حرب استخباراتية صامتة تدور فوق التراب السوري.

مدينة الكسوة تبعد عن العاصمة دمشق نحو 17 كيلومتر وهي منطقة مطلة على الجنوب السوري (الجزيرة)سجل لبنان: من 2009 حتى 2025

وإذا كان المشهد السوري جديدًا نسبيًا، فإن لبنان احتل موقع الصدارة في هذا الملف حيث شهد النسبة الأكبر من هذه الحوادث، وتاليا رصد بما أعلن عنه عبر السنوات الماضية في لبنان:

18 تشرين الأول/أكتوبر 2009 – جنوب لبنان: تفجير 3 أجهزة تجسّس مُشتبه بها؛ اثنان فجّرهما الجيش الإسرائيلي عن بُعد وثالث دمّره الجيش اللبناني ميدانيًا. 3 كانون الأول/ديسمبر 2010 – جنوب لبنان: الجيش الإسرائيلي يفجّر جهازَين تجسّسيَّين له داخل لبنان، ما أدى لإصابة مدنيَّين، وفق تغطية يومية لبنانية موثوقة. 15 كانون الأول/ديسمبر 2010 – قمم صنين والباروك: الجيش اللبناني يعلن تفكيك منظومات مراقبة متطورة تُنسب لإسرائيل (كاميرات، إرسال/استقبال صور). الخبر أكّدته وكالات كبرى وصحف لبنانية. أيلول/سبتمبر 2014 – عدلون/قرب صور: تفجير جهاز تنصّت مُقنّع عن بُعد بعد اكتشافه؛ أدى لمقتل عنصر من حزب الله وإصابة آخرين، وفق صحيفة إسرائيلية مرجعية. 1 تشرين الأول/أكتوبر 2015 – بني حيان (جنوب لبنان): العثور على "صخرة" مموّهة بداخلها جهاز تجسّس. آذار/مارس 2016 – مركبا (قرب الخط الأزرق): العثور على جهاز تصوير/تجسّس في منطقة حدودية. 13 آب/أغسطس 2017 – جبل الباروك: إعلان عن تفجير جهاز بعد اكتشافه؛ رُجّحت مسؤولية إسرائيل. 27 شباط/فبراير 2025 – جنوب لبنان: الجيش اللبناني ينشر صور جهازي تجسّس مُقنّعين داخل جذع شجرة وصخرة مزوّدين بكاميرات وحساسات؛ قال إنهما «إسرائيليان» وتمّ تفكيكهما.

يذكر هنا أنه في كل مرة، يظهر النمط ذاته، إمّا تفجير الأجهزة عن بُعد فور اكتشافها، أو استهدافها جويًا لمنع وقوعها في أيدي الجيش اللبناني أو حزب الله.

تحليل الاحتمالات والسوابق التاريخية

يتضح إذن أن هناك سوابق تاريخية، ففي أكثر من واقعة خلال السنوات الماضية، عُثر في جبل قاسيون ومناطق قريبة من جبل المانع والقنيطرة على أجهزة تنصت ومراقبة، وأعلنت السلطات السورية وحزب الله أنها أجهزة إسرائيلية تم زرعها للتجسس على تحركات الجيش والقوات الحليفة. ويؤكد خبراء أن إسرائيل معروفة بامتلاكها شبكة مراقبة متقدمة، وبتركيب أجهزة تجسس في الأراضي السورية واللبنانية.

ومن جهة أخرى، فينبغي الانتباه إلى توقيت الضربة الإسرائيلية، فإذا كانت الأجهزة إسرائيلية فعلاً، فمن الطبيعي أن تسارع إسرائيل إلى ضرب الموقع بمجرد اقتراب القوات السورية منها، حتى لا يتم تفكيكها أو الحصول على أدلة تقنية. كما أن الاستهداف المتكرر والمطوّل (غارات متواصلة وإنزال جوي) يوحي بأن تل أبيب أرادت منع وقوع الأجهزة بيد الجيش السوري بأي ثمن.

الطيران الحربي الإسرائيلي شن غارات على ثكنات في جبل المانع في منطقة الكسوة بريف دمشق ( التواصل الاجتماعي)

طبعا يبقى هناك احتمالات بديلة أقل ترجيحًا مثل أنها أجهزة مراقبة قديمة أو مخلفات من فترة سابقة، لكن شراسة رد إسرائيل على محاولة التعامل معها يعزز فرضية أنها ملكها فعليًا ومهمة جدًا لها ولأمنها.

إعلان

إن توالي حوادث الزرع والتمويه والتفجير عن بُعد في لبنان منذ 2009، مع اكتشافات موثّقة في سوريا 2013 ورواية 2025 الجارية، يُكوّن قرينة قوية على أنّ هذه الوسائل جزء ثابت من عقيدة جمع المعلومات الإسرائيلية على الجبهتين الشمالية والشرقية.

مراقبة دمشق والجنوب السوري

من الناحية الرسمية، لم يُعلَن بعد بشكل موثق عن هوية الأجهزة بشكل قاطع، ويبقى الأمر ضمن دائرة الاستنتاجات المدعومة بالمؤشرات. لكن من المرجح بشدة أن الأجهزة المكتشفة في جبل المانع إسرائيلية، وهو استنتاج مبني على تحليل عسكري واستخباراتي دقيق. فأحد المؤشرات الرئيسية هو سرعة التدمير المباشر الذي قامت به إسرائيل فور اكتشاف الأجهزة، ما يشير إلى محاولة فورية لإخفاء هويتها وتجنب كشف معلومات حساسة.

كما ويُعدّ جبل المانع موقعًا استراتيجيًا بالغ الأهمية، حيث يطل على المنطقة الجنوبية ويُتيح مراقبة دمشق والجنوب السوري، وهذا ما يجعل وجود أجهزة استخباراتية في هذا المكان هدفًا إسرائيليًا طبيعيًا لجمع المعلومات. يُضاف إلى ذلك السوابق المماثلة التي تُظهر أن إسرائيل استخدمت هذه الوسائل سابقًا في مناطق مثل سوريا ولبنان لتنفيذ عمليات استخباراتية. ورغم أن هذه المؤشرات قوية، إلّا أنّه لم يصدر أي إعلان رسمي مؤكّد عن هوية الأجهزة، ما يُبقي الأمر ضمن دائرة الاستنتاجات المبنية على المعطيات المتاحة.

ما حدث في الكسوة هو حلقة في سلسلة طويلة، فثمة أجهزة تجسّس تُزرع في مواقع حساسة، وعندما تُكتشف تتحرك إسرائيل بسرعة فائقة لتدميرها، حتى لو تطلّب الأمر ضربات جوية متواصلة أو عمليات إنزال محدودة. الهدف، كما يُرجَّح، هو منع الخصوم من الاطلاع على التكنولوجيا أو المعلومات المُخزّنة بداخل هذه الأجهزة.

ومن "الصخور المفخخة" في لبنان إلى واقعة جبل المانع قرب دمشق، يتضح أنّ الحرب لم تعد محصورة في الجو أو على خطوط القتال التقليدية. إنها حرب استخباراتية صامتة تُدار عبر أجهزة صغيرة مدفونة في الصخور أو مخبأة داخل الأشجار، لكن ثمنها باهظ من دماء الجنود والمدنيين. ويبدو أن واقعة الكسوة الأخيرة ليست سوى فصل جديد في كتاب مفتوح من المواجهات الخفية، حيث يختلط التنصّت بالصواريخ، والجغرافيا بالتكنولوجيا، لتبقى المنطقة رهينة حرب تنفجر كل حين بشكل جديد.

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: حريات دراسات الجیش اللبنانی فی المنطقة جنوب لبنان فی لبنان

إقرأ أيضاً:

الجيش السوري يغلق مداخل أحياء في حلب

ذكرت قناة العربية، منذ قليل، بإن الجيش السوري أغلق الطرق المؤدية إلى حيي الشيخ مقصود والأشرفية في حلب بسبب انتهاكات من قسد، وفقًا لقناة العربية. 

جيش الاحتلال: نفذنا عشرات العمليات جنوبي سوريا في الشهرين الماضيين جيش الاحتلال: قواتنا تعمل في جنوب سوريا ونفذت عمليات لتدمير بنية تحتية عسكرية


وعلى صعيد آخر، أعلنت مصادر طبية فلسطينية في قطاع غزة اليوم الإثنين، ارتفاع حصيلة عدوان الاحتلال على قطاع غزة إلى 67,160 شهيدًا و169,679 مصابًا، منذ السابع من أكتوبر عام 2023.

وأوضحت المصادر وفقًا لوكالة الأنباء الفلسطينية "وفا" أن 21 شهيدًا و96 مصابًا، وصلوا إلى مستشفيات قطاع غزة خلال الساعات الـ24 الماضية.
وبلغ عدد من وصل إلى المستشفيات خلال الساعات الـ24 الماضية من شهداء المساعدات اثنين، والإصابات 19، ليرتفع إجمالي شهداء لقمة العيش ممن وصلوا إلى المستشفيات إلى 2,610، وأكثر من 19,143 مصابًا.
كما بلغت حصيلة الشهداء والإصابات منذ 18 مارس 2025 حتى اليوم 13,568 شهيدًا و57,638 مصابًا.
وأشارت إلى أن عددًا من الضحايا ما زالوا تحت الركام وفي الطرقات، حيث تعجز طواقم الإسعاف والدفاع المدني عن الوصول إليهم حتى اللحظة.

 

مقالات مشابهة

  • علامات تدل على التجسس عليك عبر جهازك الذكي
  • ضبط شخص يبيع أجهزة ريسيفر لفك شفرات القنوات المشفرة
  • قتلى ومصابين في اشتباكات عنيفة بين الجيش السوري و"قسد"
  • تقرير الجيش فنّد العمليات في الجنوب والخروقات الإسرائيلية.. لجم تصعيد سلام بتعليق ترخيص رسالات
  • اشتباكات عنيفة في حلب بين الجيش السوري وقوات “قسد”
  • الجيش السوري يغلق مداخل أحياء في حلب
  • شهيدان و4 مصابين جراء هجوم مسيرة إسرائيلية جنوب لبنان
  • قذائف إسرائيلية تستهدف ريف درعا جنوب غربي سوريا
  • محكمة إيرانية تقضي ببراءة مواطن "ألماني – فرنسي" من تهمة التجسس لصالح إسرائيل
  • البث الإسرائيلية: الجيش يقصف معسكرات تابعة لحزب الله في البقاع شرقي لبنان