سلطت مجلة الإيكونوميست، الضوء على الانقلاب العسكري في الجابون، واصفة إياه بأنه إثبات جديد على أن سياسة فرنسا في أفريقيا أصبحت في حالة يرثى لها.

وذكرت المجلة البريطانية، في تقرير ترجمه "الخليج الجديد"، أن الضباط في الجابون، الدولة النفطية التي يبلغ عدد سكانها 2.4 مليون نسمة في وسط أفريقيا، أصبحوا أحدث الرجال الذين يرتدون الزي العسكري ويعلنون على شاشة التلفزيون الحكومي أنهم سيطروا على بلادهم، وذلك بعد شهر من إطاحة جنرالات برئيس النيجر المنتخب ديمقراطيا، محمد بازوم، على بعد 2000 كيلومتر إلى الشمال.

وأضافت أن الانقلاب في الجابون يؤكد أن أفريقيا تندفع إلى الوراء، ففي بداية التحولات الديمقراطية في القرن الحادي والعشرين، أدى تغير الأعراف والمؤسسات الأقوى إلى انخفاض وتيرة الانقلابات، ولكن في عشرينيات القرن الحادي والعشرين، مع ذبول تلك المعايير والمؤسسات، وافتقار الديمقراطية الأفريقية إلى أبطال، أصبحت الانقلابات شائعة مرة أخرى.

وكل انقلاب له أسبابه الخاصة، فمنذ عام 1967، تحكم الجابون، المستعمرة الفرنسية السابقة، عائلة بونجو، وتحديدا عمر بونجو أونديمبا، ثم ابنه، علي بونغو أونديمبا، منذ عام 2009، ورغم أن البلاد تمتلك رابع أعلى ناتج محلي إجمالي للفرد في منطقة جنوب الصحراء الكبرى، إلا أنها أصبحت حالة نموذجية لـ"لعنة الموارد".

فثلث سكان البلاد فقراء، بحسب البنك الدولي، وفي العام الماضي، اتهمت محكمة فرنسية 5 من أبناء بونجو بإساءة استخدام أموال الدولة وجرائم أخرى.

وأعرب النشطاء المؤيدون للديمقراطية عن قلقهم من احتمال تزوير الانتخابات التي أجريت يوم 26 أغسطس/آب، وهو ما تفاقم عندما تم قطع الإنترنت في يوم التصويت.

وبدلاً من قبول النتيجة الرسمية، يبدو أن الضباط، أخذوا زمام الأمور بأيديهم، بحسب المجلة البريطانية، التي أشارت إلى الانقلاب جرى بمساعدة أعضاء ساخطين من عشيرة بونجو على ما يبدو.

اقرأ أيضاً

انقلاب الجابون.. اهتمام عربي ودولي كبير ومخاوف من تدهور الأوضاع

ومع ذلك، فإن الجابون تشكل أيضاً جزءاً من اتجاه أفريقي أوسع، فمن عام 1960 إلى عام 2000 كان هناك ما معدله 40 محاولة انقلابية ناجحة على مستوى العالم كل عقد، وفقًا للبيانات التي جمعها أستاذا العلوم السياسية: جوناثان باول وكلايتون ثاين.

ورغم أن كل محاولة منها فريدة من نوعها، إلا أن هناك تفسيرات مشتركة لمجمل تلك المحاولات، فقد أضرت جائحة كورونا وارتفاع الأسعار على مستوى العالم بالاقتصادات الأفريقية، ما أدى إلى ارتفاع تكاليف المعيشة ومنح الحكومات موارد أقل للمحسوبية، إضافة إلى انعدام الأمن، وخاصة في منطقة الساحل، ما يجعل القادة العسكريين يبدون أكثر قبولا.

وهنا تشير "الإيكونوميست" إلى فارق جوهري بين بداية هذا القرن وبين لاحقها، فقد كانت المؤسسات الأفريقية، مثل الاتحاد الأفريقي، أسرع في إدانة البلدان التي شهدت انقلابات، كما كانت الدول الغربية مصطفة ضد الانقلابات، ولذا كان من المرجح أن يتم الاستماع إليها.

أما اليوم، فالقيادة الأفريقية أصبحت ضعيفة، وحتى لو أدان الغرب الانقلاب بقوة، وهو أمر ليس أمرا مسلما به دائما، فهناك دائما الصين وروسيا، اللتان لا تهتمان أبدا بالمعايير الديمقراطية.

وتشكل الأحداث التي شهدتها الجابون أيضاً تذكيراً بأن سياسة فرنسا تجاه أفريقيا أصبحت في حالة يرثى لها، فمنذ عام 1990، حدث 24 انقلابًا ناجحًا من أصل 40 محاولة في أفريقيا في البلدان الناطقة بالفرنسية، ومنذ عام 2020، حدث 16 انقلابا ناجحا من أصل 24 محاولة، وفقًا لبيانات باول وثاين.

 ويخلص تقرير المجلة البريطانية إلى أن توالي الانقلابات في أفريقيا ليس من قبيل الصدفة، فقد حافظت الحكومات الفرنسية على نهج أكثر تدخلاً في مستعمراتها السابقة مقارنة بالمستعمرات البريطانية، ولا تزال محتفظة بقاعدة عسكرية في الجابون، ما ساهم في خلق شعور، استغلته روسيا، بأن الحكومة في باريس تدعم النخب الأفريقية المذعنة والفاسدة.

اقرأ أيضاً

آخرها الجابون.. عقد حافل بالانقلابات العسكرية في أفريقيا (تسلسل زمني)

المصدر | إيكونوميست/ترجمة وتحرير الخليج الجديد

المصدر: الخليج الجديد

كلمات دلالية: الجابون علي بونجو النيجر فرنسا أفريقيا فی أفریقیا فی الجابون انقلاب ا

إقرأ أيضاً:

حكومة حزب العمال البريطانية.. لماذا كل هذا العداء للمهاجرين؟

لندن– كشف رئيس الوزراء البريطاني كير ستارمر للرأي العام في بلاده عن نظام جديد للهجرة بخطاب حذَّر فيه من تحول المملكة المتحدة إلى جزيرة من الغرباء، بعبارات تقاطعت مع أدبيات اليمين الشعبوي الصاعد بقوة في بريطانيا.

وربط ستارمر سياساته للهجرة بما يرى أنه وفاء لعقيدة بريكست (خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي) القائمة على إعادة التحكم في الحدود الوطنية وإغلاقها أمام المهاجرين.

وتسعى بريطانيا عبر هذه الخطة لجعل الحصول على تأشيرة للعمل أو طلب لجوء إليها أمرا بالغ التعقيد، في محاولة لتقليص أعداد المهاجرين المقدرين بـ98 ألف شخص محتمل سنويا.

"تركة ثقيلة"

وبدا ستارمر الذي شغل منصب وزير الهجرة في حكومة الظل المعارضة بقيادة زعيم حزب العمال السابق جيرمي كوربن آنذاك، وفقا لكثيرين، متنكرا لتاريخه السياسي المدافع عن قضايا المهاجرين.

وترى صحيفة الإندبندت البريطانية أن ستارمر الذي دافع لسنوات كمحام سابق أمام المحاكم البريطانية عن قضايا حقوق الإنسان والهجرة، ويعد أحد المؤيدين لبقاء بلاده في الاتحاد الأوروبي، يسيء إلى سيرته الحزبية بقانون هجرة يخاطر بانتهاك قانون حقوق الإنسان.

لكن حكومة ستارمر تقول إنها تعاني من آثار التركة الثقيلة التي خلَّفتها سياسات حكومة حزب المحافظين السابقة "المرتبكة"، والتي واجهت "بقبضة مرنة" التدفق غير المسبوق للمهاجرين. وتصر على أنها عازمة على اتخاذ إجراءات أكثر صرامة.

إعلان

ويسعى نظام الهجرة الجديد لقطع الطريق على طالبي اللجوء الذين يلجؤون إلى الاتفاقية الأوروبية لحقوق الإنسان للطعن في قرارات ترحيلهم أو منع لم شملهم بأسرهم، مشهرين بوجه وزارة الداخلية البريطانية قاعدة "الظروف الاستثنائية".

وتقول الحكومة البريطانية إن كثيرا من المهاجرين يلتفون على القوانين عبر تأويل بنود هذه الاتفاقية، ومنها المادة 8 التي تحمي الحق في الحياة الأسرية والخاصة، ليتمكنوا بفضلها من استقدام أسرهم وضمان بقائهم في بريطانيا.

#عاجل | بلومبرغ عن وثيقة حكومية: بريطانيا ستفرض متطلبات جديدة على المتقدمين للحصول على تأشيرات العمالة الماهرة pic.twitter.com/VqDNEy8lby

— قناة الجزيرة (@AJArabic) May 10, 2025

تطويع القانون

وتشير إحصاءات وزارة الداخلية البريطانية إلى أن طلبات اللجوء جاوزت 108 آلاف طلب عام 2024، بزيادة قدرت بـ18% مقارنة بعام 2023، وهي أكبر زيادة من نوعها لأعداد طالبي اللجوء منذ 1979.

وفي الوقت الذي رفض فيه ستارمر الانسحاب من الاتفاقية الأوروبية لحقوق الإنسان، قال إن الحكومة ستجري إصلاحات قانونية لجعل إمكانية اللجوء إلى قوانين حقوق الإنسان للطعن في قرارات الترحيل أكثر صرامة.

ورغم وصف بعضهم خطة حكومة حزب العمال التي يقودها ستارمر بأنها نسخة منقحة عن مقترحات مثيرة للجدل تبنتها حكومة المحافظين السابقة، تعالت أصوات داخل حزب المحافظين منتقدة تردد ستارمر في الاستبعاد الكامل للاتفاقية الأوروبية لحقوق الإنسان.

وقال وزير الداخلية في حكومة الظل كريس فيليب إن التخفيف من قيود التزامات حقوق الإنسان الأوروبية ضروري لتسهيل ترحيل اللاجئين وطالبي اللجوء.

ورغم انسحابها من الاتحاد الأوروبي، فإن بريطانيا ظلت جزءا من الاتفاقية الأوروبية لحقوق الإنسان التي وضعت عام 1950، وبموجبها منعت المحكمة الأوروبية العليا حكومة حزب المحافظين السابقة من تنفيذ خطتها لترحيل لاجئين إلى رواندا.

إعلان

ويصر ستارمر على أن سياسات الهجرة التي تبنتها حكومته ستبدأ "عهدا جديدا" وأنها تعكس رؤية مستقلة في منأى عن أي سجال سياسي أو انتخابي، في إشارة إلى عدم محاولته منافسة حزب الإصلاح اليميني المتطرف والمعادي للأجانب، بعد تصدره نتائج الانتخابات المحلية الأخيرة.

من مظاهرات سابقة في لندن احتجاجا على التمييز البريطاني غير الإنساني بقواعد الهجرة (غيتي) تمييز مقلق

وانتقد نواب عن حزب العمال رئيس حكومتهم، مذكرين أنه يرأس حكومة محسوبة على حزب الأقرب لليسار منه لليمين، وحذَّروا من أن سياساته ستؤدي إلى مزيد من الانقسام داخل المجتمع وتغذي حوادث الكراهية ضد الأجانب.

وقال الرئيس التنفيذي لمنظمة العفو الدولية في بريطانيا، ساشا ديشموخ، إن النظام الجديد ينطوي على معاملة تمييزية ضد المهاجرين، ومحاولة مقلقة لمصادرة حقهم في الحياة الخاصة والعائلية.

وترى مديرة برنامج الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في المعهد الأوروبي للسياسات الخارجية، كيلي باتيلو، أن تحول سياسات الهجرة لموضوع استقطاب سياسي، قد يجر حكومة ستارمر إلى سن قوانين تتعارض مع حقوق الإنسان بهدف استمالة القاعدة الانتخابية اليمينية.

وحذَّرت باتيلو، في حديث للجزيرة نت، من أن محاولات وقف تدفق اللاجئين بأي ثمن قد تؤدي إلى مخالفة قواعد حقوق الإنسان، من دون أن تساعد على حل أعطاه هذا النظام الذي يجب أن يركز على خلق فرصة قانونية للهجرة تلبي احتياجات المهاجرين والدولة البريطانية على حد سواء.

لكن لا يبدو أن طالبي اللجوء والمهاجرين غير النظاميين وحدهم في دائرة استهداف قانون الهجرة الجديد الذي يسعى أيضا لجعل التقديم على تأشيرات العمل أمرا صعب المنال أيضا.

تعقيد الإجراءات

وينص النظام الجديد على ضرورة توفر الراغبين في الحصول على تأشيرة هجرة إلى بريطانيا على شروط خاصة، وحصرها بحاملي الشهادات من ذوي الكفاءات العليا، والمتقنين بشكل جيد للإنجليزية، ويمدد الفترة اللازمة للحصول على إقامة دائمة في البلاد لـ10 سنوات بدلا من 5.

إعلان

وقررت الحكومة وقف منح تأشيرات العمل للعاملين في قطاع الرعاية الصحية، التي استفاد منها حوالي 155 ألف شخص منذ إطلاقها عام 2023، واعتمدت عليها بريطانيا بشكل واسع لإعادة تأهيل قطاعها الصحي بعد نهاية جائحة كورونا.

وترى الخطة الحكومية أن توافد هؤلاء العمال أثر سلبا على العاملين البريطانيين في قطاع الصحة، وأدى إلى تدهور ظروف العمل وانخفاض معدلات الأجور وفرص حصول البريطانيين على الوظائف.

دافعت وزيرة الداخلية البريطانية إيفيت كوبر عن هذه الإجراءات الصارمة، مشيرة إلى أن المستوى المرتفع للتوظيف في الخارج قد أضعف النمو الاقتصادي، من دون أن يثبت أن استقدام مزيد من العمال من الخارج سيحل مشاكل القطاع الصحي.

لكن نقابات عمالية عدة حذّرت من أن المستشفيات ودور الرعاية الصحية في بريطانيا تعاني منذ سنوات نقصا حادا في الكوادر يمكن أن تنهار في حال تخلي الحكومة عن مقدمي الرعاية الصحية القادمين من الخارج.

وتقول الباحثة في قضايا الهجرة في الوكالة الأوروبية لحقوق الإنسان ماريا ساراتست، للجزيرة نت، إن هناك تحولا مقلقا في سياسات الهجرة التي تتجه للتخلي عن التركيز على الاندماج والدعم الإنساني، وتعد الهجرة قضية أمنية وتصر على إنفاذ القانون وإن أدى إلى المجازفة بالمسّ بحقوق المهاجرين وتعميق التفاوتات الاجتماعية في صفوفهم.

وتضيف أن الحكومة البريطانية تغض الطرف عن أن الهجرة مسألة اجتماعية وسياسية معقدة، وأن حكومة المحافظين السابقة قد جربت خطابا أشد عداء للمهاجرين وباءت بالفشل، لإهمال الواقع المركب للهجرة، والتوجس بالتحكم في أعداد الوافدين إلى البلاد.

مقالات مشابهة

  • تحليل لـCNN: ترامب يتخلى عن انعزالية سياسة أمريكا أولا خلال رحلته إلى الشرق الأوسط
  • أطباء بلا حدود تدعو بريطانيا لإنهاء سياسة الاحتجاز الجماعي لطالبي اللجوء
  • حكومة حزب العمال البريطانية.. لماذا كل هذا العداء للمهاجرين؟
  • سياسة على هامش التشريع في ساحة النجمة اليوم
  • سعيد لا يوافق على سياسة صندوق النقد وسلام يذكره بثوابت الحكومة
  • محامية بوسي شلبي: إثبات الزواج يكون بشهادة الشهود وسكن الزوجية
  • متري اطلع الرئيس عون على نتائج اللقاءات التي عقدها في فرنسا وقطر
  • باسيل مرشحاً في البترون حتى إثبات العكس
  • مؤتمر في توغو يناقش أزمة الديون الأفريقية وإيجاد حلول موحّدة
  • عندما يصنع الحزب سياسة تعليمية عاقلة