من غزة إلى وول ستريت كيف كبّدت المقاطعة الشركات العملاقة خسائر تاريخية؟
تاريخ النشر: 10th, September 2025 GMT
منذ اندلاع العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة في أكتوبر/تشرين الأول 2023، انطلقت حركة مقاطعة عالمية واسعة تستهدف العلامات التجارية الكبرى الداعمة لإسرائيل، خاصة في الدول العربية والإسلامية.
وانعكس هذا الحراك على أداء كبريات الشركات العالمية، مخلّفا خسائر مالية ضخمة تقدر بمليارات الدولارات.
يمثل العالم الإسلامي سوقا ضخما ومتناميا، إذ يقدَّر عدد سكانه بنحو ملياري نسمة يشكلون نسبة وازنة من المستهلكين عالميًا.
ولم يقتصر نطاق هذه المقاطعة على العرب والمسلمين فقط، بل امتد ليشمل متضامنين من خلفيات وجنسيات مختلفة حول العالم، يتقاطعون في دعمهم لحقوق الشعب الفلسطيني وسعيه نحو الحرية وتقرير المصير.
ويستمد هذا التضامن شرعيته من تجارب تاريخية مشابهة، أبرزها حركة مناهضة الفصل العنصري في جنوب أفريقيا. وهكذا، أصبحت حملات المقاطعة وسحب الاستثمارات وفرض العقوبات على إسرائيل ذات أثر عالمي ملموس، يعكس قدرة الأفراد والمجتمعات على إحداث تحولات اقتصادية كبرى.
وفي هذا السياق، نستعرض أبرز 7 علامات تجارية كبرى تكبدت خسائر ملموسة نتيجة لهذه المقاطعة:
ستاربكستعرضت سلسلة مقاهي ستاربكس لموجة مقاطعة واسعة في عدد من الدول العربية والإسلامية، وكان الأثر الأبرز في ماليزيا. فقد أعلنت شركة برجايا للأغذية (Berjaya Food)، المملوكة لرجل الأعمال الماليزي فينسنت تان والمشغلة لامتياز ستاربكس هناك، عن تسجيل خسائر صافية قياسية بفعل عزوف المستهلكين.
وبحسب بيانات الشركة، ارتفعت الخسائر الصافية إلى 292 مليون رينغيت (69 مليون دولار) للسنة المالية المنتهية في يونيو/حزيران 2025، مقارنة بـ91 مليون رينغيت في العام السابق، في حين تراجعت الإيرادات بنسبة 64% لتبلغ 477 مليون رينغيت، وفقًا لمجلة فوربس.
إعلانوأكدت الشركة أن "المشاعر المستمرة المرتبطة بالصراع في الشرق الأوسط أثرت على ديناميكيات السوق وأنماط إنفاق العملاء".
وفي المملكة المتحدة، أعلنت ستاربكس عن خسائر بلغت 35 مليون جنيه إسترليني، مع تراجع مبيعاتها بنسبة 4% إلى 525.6 مليون جنيه إسترليني في العام المالي المنتهي في سبتمبر/أيلول 2024، وفق ما نشرته الغارديان.
وعلى المستوى العالمي، خسرت الشركة نحو 11 مليار دولار من قيمتها السوقية بسبب تراجع المبيعات وحملات المقاطعة، مما أدى إلى محو نحو 9.4% من القيمة الإجمالية للشركة، بحسب مرصد الأعمال وحقوق الإنسان.
ماكدونالدزبدأت المقاطعة الواسعة لسلسلة مطاعم ماكدونالدز عقب إعلان الشركة في "الأراضي الفلسطينية المحتلة" عن تقديم آلاف الوجبات المجانية للجنود الإسرائيليين. وقد أثار ذلك موجة غضب واسعة خاصة في الدول العربية والإسلامية، أدت إلى عزوف المستهلكين بشكل ملحوظ.
وأعلنت الشركة تسجيل أول تراجع في مبيعاتها الفصلية عام 2023 منذ نحو 4 سنوات، نتيجة ضعف الأداء في قسم الأعمال الدولية، مع تأكيد وكالة رويترز أن الصراع في الشرق الأوسط كان عاملا رئيسيًا في هذا التراجع.
وفي مكالمة للمستثمرين، قال الرئيس التنفيذي كريس كيمبزينسكي إن الشركة تأثرت في أسواق عدة مثل ماليزيا وإندونيسيا وفرنسا، بينما كانت أكبر الضربات في الشرق الأوسط.
وأضاف: "ما دامت هذه الحرب مستمرة… لا نتوقع أي تحسن جوهري في هذه الأسواق".
واستمرت التداعيات خلال الربع الأول 2025، حيث أعلنت ماكدونالدز عن انخفاض مبيعاتها في الولايات المتحدة بنسبة 3.6%، وفي الشرق الأوسط بنسبة 3.5%، وعلى المستوى العالمي بنسبة 1%.
كما تراجعت الإيرادات بنسبة 3% إلى 5.96 مليارات دولار، مقارنة بـ6.17 مليارات دولار في 2024، وانخفض صافي الدخل بنسبة مماثلة إلى 1.868 مليار دولار.
شركة أمريكانا المشغلة لمطاعم كنتاكي وكريسبي كريمتأثرت شركة أمريكانا، أكبر مشغل لامتيازات الوجبات السريعة في الشرق الأوسط، بشكل مباشر بحملات المقاطعة التي استهدفت علامات مثل كنتاكي وكريسبي كريم.
وتراجعت أرباحها الصافية بنحو 40% خلال 2024 لتبلغ 159 مليون دولار فقط، نتيجة عزوف المستهلكين في المنطقة عن المطاعم المرتبطة بالولايات المتحدة.
وفي تصريح لصحيفة فايننشال تايمز، قال رئيس مجلس الإدارة محمد العبار: "لا ألوم الناس على عواطفهم"، مشيرًا إلى أن الشركة اضطرت لتقليص النفقات والبحث عن فرص استحواذ محلية جديدة لتخفيف أثر الخسائر.
كوكاكولا وبيبسيأنفقت شركتا كوكاكولا وبيبسي عقودًا من الزمن لترسيخ وجودهما في أسواق العالم الإسلامي. غير أن العدوان على غزة فجّر موجة مقاطعة أعادت تشكيل ديناميكيات السوق.
في مصر، شهدت مبيعات كوكاكولا تراجعًا ملحوظًا عام 2024، بينما تضاعفت صادرات العلامة المحلية "في7" 3 مرات نحو الشرق الأوسط. كما ارتفعت مبيعات "ماتريكس كولا" الأردنية بنسبة 200% منذ ديسمبر/كانون الأول 2023.
وبحسب بيانات شركة نيلسن آي كيو، سجلت العلامات الغربية للمشروبات الغازية انخفاضًا إجماليًا في المبيعات بنسبة 7% في النصف الأول من 2024 عبر الشرق الأوسط، في وقت بلغت فيه قيمة سوق المشروبات الغازية في الشرق الأوسط وأفريقيا 21.7 مليار دولار، مع توقعات بارتفاعها إلى 26.3 مليار دولار بحلول 2032.
تعرضت سلسلة متاجر كارفور الفرنسية لضغوط المقاطعة الشعبية في عدة دول عربية، مما أجبرها على إعادة هيكلة وجودها.
إعلانففي الأردن، أعلنت شركة ماجد الفطيم، صاحبة الامتياز الإقليمي، عن إغلاق جميع فروع كارفور في نوفمبر/تشرين الثاني 2024 وإعادة افتتاحها تحت علامة جديدة هي "هايبر ماكس". وفي عُمان، تم إيقاف جميع العمليات اعتبارًا من يناير/كانون الثاني 2025.
ووفق كرونيكل فلسطين، تراجعت أرباح كارفور الصافية من 1.66 مليار يورو إلى 723 مليون يورو فقط، أي بخسارة قدرها 937 مليون يورو، ما يمثل انخفاضًا بأكثر من 50%.
إنتلفي قطاع التقنية، واجهت شركة إنتل خسائر مباشرة وغير مباشرة نتيجة المقاطعة. فقدرت مينا نيوز خسائرها السنوية بنحو 200 مليون دولار في أسواق المنطقة.
وفي يونيو/حزيران 2024، أعلنت الشركة تعليق مشروع ضخم لبناء مصنع بقيمة 25 مليار دولار في "كريات جات"، واعتبرته حركة المقاطعة "أكبر انتصار لها حتى الآن".
ورغم عدم صدور أرقام رسمية، يُرجح أن تعليق المشروع يمثل خسارة استثمارية قد تصل إلى مليارات الدولارات.
دومينوز بيتزاواجهت سلسلة دومينوز بيتزا اتهامات بتقديم دعم مباشر للجنود الإسرائيليين، مما انعكس سلبًا على سمعتها في آسيا.
وسجلت الشركة انخفاضًا بنسبة 8.9% في مبيعات المتاجر نفسها خلال النصف الثاني من 2023 في ماليزيا، إلى جانب تراجع قيمة أسهمها المدرجة في البورصة الأسترالية بما يعادل خسارة سوقية تجاوزت 1.5 مليار دولار.
وبحسب ميدل إيست مونيتور، تكبدت الشركة أول خسارة سنوية منذ عقود، بلغت 3.7 ملايين دولار أسترالي (2.4 مليون دولار أميركي) في يونيو/حزيران 2025، نتيجة إغلاق متاجر عدة في آسيا تحت ضغط المقاطعة.
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: غوث حريات دراسات فی الشرق الأوسط ملیون دولار ملیار دولار دولار فی
إقرأ أيضاً:
اقتصاد غزة تحت الركام.. ماذا عن إسرائيل؟
مرت عامان منذ الهجوم غير المسبوق الذي شنه حركة حماس على جنوب إسرائيل في السابع من أكتوبر 2023، ما أدى إلى اندلاع حرب مدمرة ما زالت آثارها مستمرة حتى اليوم، هذه الحرب لم تكن مجرد صراع عسكري، بل أدت إلى تدمير شامل للبنية التحتية والمرافق الاقتصادية والاجتماعية، مع خسائر بشرية واقتصادية هائلة.
الوضع البشري والإنساني قُتل ما لا يقل عن 67,160 فلسطينياً منذ بداية الحرب، وفق وزارة الصحة في غزة. نزح أكثر من مليونَي شخص، فيما فقدت 288 ألف أسرة منازلها. تعيش مئات الآلاف في مخيمات مزدحمة وأراضٍ مفتوحة، مع نقص حاد في الغذاء والمياه وانقطاع إمدادات الصرف الصحي. الوضع الصحي، التعليمي والخدمي في القطاع تعرض لضربة موجعة، مع 38 مستشفى و494 مؤسسة تعليمية خرجت عن الخدمة. حجم الخسائر الاقتصاديةالتقديرات الأولية تشير إلى خسائر مباشرة تقارب 68-70 مليار دولار، موزعة على القطاعات الحيوية:
الإسكان | 28 | تدمير شامل للبنية التحتية والمساكن |
الصحة | 5 | تدمير المستشفيات والمراكز الطبية |
التعليم | 4 | المدارس والجامعات ومرافق التعليم |
الصناعة | 4 | توقف الإنتاج الصناعي بالكامل تقريباً |
التجارة | 4.5 | انهيار نشاط التجارة المحلي |
الزراعة | 2.8 | 94% من الأراضي الزراعية غير صالحة للاستغلال |
النقل والمواصلات | 2.8 | تدمير نحو 2.8 مليون متر من الطرق |
الاتصالات والإنترنت | 3 | انقطاع الخدمات الحيوية |
الخدمات والبلديات | 6 | توقف الخدمات الأساسية |
الكهرباء | 1.4 | انقطاع التيار وفشل البنية الكهربائية |
القطاع المنزلي | 4 | محتويات المنازل مدمرة |
الترفيه والفنادق | 2 | خسائر في البنية السياحية والترفيهية |
الإعلام | 0.8 | تدمير وسائل الإعلام |
القطاع الديني | 1 | المساجد والكنائس والمقابر متضررة |
أكد رئيس الوزراء الفلسطيني السابق، د. محمد اشتية:
تكلفة إعادة الإعمار قد تصل إلى 80 مليار دولار، مع 20 مليار دولار عاجلة لتوفير الخدمات الأساسية (ماء، كهرباء، مساكن مؤقتة) خلال السنوات الثلاث الأولى. الأولويات العاجلة تشمل وقف نزيف الدم، إدخال المواد الغذائية بانتظام، وإعادة شبكات المياه والكهرباء لتأمين الحد الأدنى من الحياة. تمتلك السلطة الوطنية الفلسطينية 19 ألف عنصر أمني وأكثر من 18 ألف موظف مدني جاهزين لإدارة المؤسسات فور توفر الدعم السياسي والدولي. ضرورة توفير ضمانات دولية ملزمة لمنع استخدام إعادة الإعمار كأداة ابتزاز سياسي من أي طرف، وضمان إشراف فلسطيني كامل وشفافية في الصرف والمتابعة.إسرائيل تغرق في خسائر اقتصادية هائلة بعد عامين من حرب غزة
بعد عامين على حرب السابع من أكتوبر، لا تقتصر تداعيات النزاع على غزة فحسب، بل امتدت لتلقي بظلالها على الاقتصاد الإسرائيلي، الذي يعيش واحدة من أعمق أزماته منذ تأسيس الدولة. تقديرات متعددة تكشف عن فاتورة مالية هائلة تتجاوز مئات المليارات من الشواكل، تؤثر على الموازنة العامة وسوق العمل والقطاع العقاري، وحتى على السياسات النقدية لبنك إسرائيل.
وبحسب بنك إسرائيل، بلغت الكلفة الإجمالية للحرب نحو 330 مليار شيكل (ما يعادل 100 مليار دولار)، أي ما يضع عبئاً نظرياً يقدّر بـ111 ألف شيكل لكل أسرة (33.6 ألف دولار). وفي الوقت نفسه، يقدر وزير المالية الإسرائيلي، بتسلئيل سموتريتش، تكلفة الحرب بنحو 300 مليار شيكل (89.4 مليار دولار).
وتمتد الخسائر لتشمل النفقات العسكرية الضخمة التي بلغت 168 مليار شيكل (51.3 مليار دولار) في 2024، بزيادة تفوق الضعف مقارنة بعام 2022، إضافة إلى دمار البنية التحتية وتراجع النشاط في قطاعات حيوية مثل السياحة والتجارة والصناعة، كل ذلك أثر مباشرة على الاحتياطيات المالية وأضعف قدرة الاقتصاد على الصمود، ما دفع بنك إسرائيل إلى خفض توقعاته للنمو إلى 2.5% مقابل تقديرات سابقة بلغت 3.3%.
تقديرات معهد دراسات الأمن القومي في جامعة تل أبيب تشير إلى أن الخسائر المباشرة تتجاوز 60 مليار دولار، في حين قد يكون الأثر الحقيقي أكبر بكثير بالنظر إلى تأثير الحرب على الصناعة والتجارة والسياحة والعقارات.
كما أصاب النزاع قطاعات استراتيجية مثل التكنولوجيا والابتكار، التي كانت تشكل دعامة للنمو وجذب الاستثمارات الأجنبية، ما أدى إلى تراجع وتيرة الاستثمارات الدولية وصفقات التمويل، وزيادة نقص الكفاءات بسبب استدعاء الاحتياط، ما أضعف إنتاجية الشركات وأربك المشاريع. كما تراجعت صادرات التكنولوجيا نتيجة اضطراب سلاسل الإمداد.
قطاع الطاقة والغاز الطبيعي تلقى ضربة قاسية مع توقف الإنتاج في بعض الحقول البحرية وتعليق الصادرات إلى مصر والأردن، ما كبّد الحكومة خسائر بمليارات الدولارات وأثر على الإيرادات وزاد المخاطر الأمنية حول مشاريع الغاز الإقليمية. أما قطاع السياحة، فشهد انهياراً شبه كامل بعد تراجع أعداد الزوار وإلغاء الفعاليات الكبرى، ما سبب خسائر تقارب 12 مليار شيكل (3.4 مليارات دولار)، وانعكس ذلك على سوق العمل والدخل العام، فيما شهد قطاع الطيران تحوّلاً في حركة النقل بسبب تراجع الشركات الأجنبية وارتفاع حصة الشركات المحلية، في مؤشر على تصاعد العزلة الجوية للبلاد.
كما تأثرت الاستثمارات والتجارة الدولية بعد إلغاء مؤتمرات وصفقات بمليارات الدولارات، بينما تلقت الصناعات العسكرية ضربة قوية بعد إلغاء عقود تسليح من دول أوروبية وآسيوية، ما أدى إلى فقدان إسرائيل جزءاً من أسواقها الدفاعية.
الخسائر المالية انعكست أيضاً على المؤشرات الاقتصادية الكلية؛ حيث بلغ العجز في الموازنة العامة أكثر من 5% من الناتج المحلي، وارتفع الدين العام إلى نحو 70%، ما دفع وكالات التصنيف الائتماني العالمية إلى خفض التصنيف مرتين متتاليتين، في ظل تباطؤ النمو وانكماش قطاعات الإنتاج.
آخر تحديث: 7 أكتوبر 2025 - 13:29