قمة العشرين بجنوب أفريقيا بغياب واشنطن: حل معضلة الديون أولا
تاريخ النشر: 21st, November 2025 GMT
في 22 و23 تشرين الثاني/ نوفمبر 2025، تستضيف مدينة جوهانسبرغ في جنوب أفريقيا قمة مجموعة العشرين، في محطة تاريخية ليست فقط لأنها أول قمة من نوعها تُعقد في أرض أفريقية، وإنما لأنها تأتي في وقت تتداخل فيه أزمات اقتصادية عميقة مع توترات جيوسياسية، مما يعكس تناقضات العالم اليوم. القمة تحمل شعارا واضحا من رئاسة جنوب أفريقيا: "التضامن والمساواة والاستدامة".
من بين هذا الطموح ملفان بارزان: إدارة الديون وتحقيق تمويل يتسم بالعدالة والتوازن، خاصة في ظل تكاليف كبيرة لتحويل الطاقة والتزامات المناخ. فمنذ أشهر، أطلقت حكومة جنوب أفريقيا لجنة خبراء أفارقة مهمّة لمعالجة أزمة الديون التي تعصف بعدد من الدول الأفريقية. هذه اللجنة، التي يرأسها سياسيون واقتصاديون معروفون من القارة، وضعت حلولا مثل إعادة تمويل الدين عبر مبادلات مخصصة، وشراء الديون الأكثر تكلفة بشروط ميسّرة.
قبل انطلاق القمة، عُقد حوار رفيع المستوى بين دول مجموعة العشرين والاتحاد الأفريقي، تحت عنوان "استدامة الديون، تكلفة رأس المال، وإصلاح التمويل". هذا اللقاء لم يكن شكليا فقط، بل منصة لعرض مطالب دول أفريقيا من النظام المالي الدولي، حيث تم التأكيد على أن تكلفة الاقتراض (الفائدة، التصنيف الائتماني، المخاطر) لا تزال عبئا كبيرا يضغط على الاقتصادات الأفريقية، مانعا لها من استثمار طاقتها في التنمية والبنية التحتية.
الإحصائيات المعلنة من الاتحاد الأفريقي تكشف حجم المشكلة: بحلول نهاية 2024 بلغت ديون الدول الأفريقية ما يقارب 1.815 تريليون دولار، فيما دفعت ما يقارب 163 مليار دولار كخدمة دين سنوية. والأدهى أن كثيرا من الدول تنفق على خدمة الدين بما يفوق ما تصرفه على الصحة أو التعليم، مما يفاقم من هشاشة المجتمعات ويقوّض قدرة الدول على إطلاق تنمية حقيقية. في هذا السياق، يدعو القادة الأفارقة إلى إعادة هندسة النظام المالي العالمي، بحيث لا تُقاس الاستدامة بالمعايير الضيقة التي تفرضها مؤسسات الدائنين فقط، بل بحجم التنمية التي يمكن للدول تحقيقها والمردود على الشعوب. كما أنهم يطالبون بإصلاح تصنيف الائتمان، لأن التصنيفات الحالية في بعض الحالات تفرض عقوبات تمويلية على الدول، مما يجعل دخولها إلى أسواق التمويل أصعب وأكثر تكلفة.
إلى جانب ذلك، تحاول القمة تسليط الضوء أيضا على المعادن الحيوية في أفريقيا، مثل الليثيوم والكوبالت، التي أصبحت محورية في التحول نحو الطاقة النظيفة. هذه الموارد تمنح أفريقيا فرصة استراتيجية لإعادة ترتيب مكانتها في الاقتصاد العالمي: لا تقتصر على كونها مصدرا خاما فقط، بل يمكنها أن تشارك في سلاسل القيمة، سواء عبر التصنيع أو من خلال شراكات للاستثمار والمنافع المشتركة.
لكن التحديات القائمة ليست بسيطة؛ أولها هو ارتفاع تكلفة الدين بحد ذاته، خصوصا أن بعض الدول المدينة تدفع أسعار فائدة مرتفعة عند إعادة التمويل أو الاقتراض الجديد. ثانيا، هناك مخاطرة أن تكتفي القمة بالإعلانات والتعهدات الرمزية دون تحويلها إلى آليات تنفيذ واضحة: صرفات استثمار، وصفقات مبادلة ديون، أو إنشاء صناديق تمويل موجهة للتنمية. من جهة عملية، المقترحات التي طرحها الخبراء الأفارقة تضمنت استخدام حقوق السحب الخاصة من صندوق النقد الدولي كمورد لإعادة تمويل الديون، أو استخدام آليات مبادلة ديون بشرط ربطها بمشروعات تنموية أو مناخية. هؤلاء الخبراء يدعون إلى تمويل الديون المكلفة بديون أقل تكلفة، أو بتحويلها إلى استثمارات تنموية، بدلا من جدولتها فقط. هذا النوع من الحلول يمكن أن يشكل طريقا نحو تحرير الموارد المالية للبلدان المديونة لتوجيهها نحو البنية التحتية، والصحة، والتعليم، والطاقة النظيفة.
لكن حتى مع كل هذه المبادرات، يبقى السؤال الأصعب: هل هناك إرادة سياسية قوية من جميع الأطراف -الدائنين والدائنين معا- لوضع التنفيذ فوق منصة الشعارات؟ هل سيتم إنشاء آليات مراقبة وشفافية لضمان أن الأموال الناتجة عن إعادة التمويل أو مبادلات الديون لن تُستخدم في نفقات استهلاكية فقط، بل تُوجَّه نحو التنمية الحقيقية؟ هل هناك نية لدى دول مجموعة العشرين لإصلاح نظام تصنيف الائتمان الدولي بحيث يصبح أكثر عدالة للدول النامية؟ قد تكون النتائج قصيرة الأجل للقمة داعمة لبعض قطاعات مثل الضيافة والسياحة في جنوب أفريقيا، لكن الأثر الحقيقي والأهم هو ما إذا كانت الدول الأفريقية المتعبة من وطأة الديون ستحصل على فرصة لتحويل عبئها إلى رافعة تنموية. هذا يتطلب تنفيذا لا كلاما فقط.
في النهاية، العبرة في هذه القمة هي التنفيذ للنتائج لا حبر على ورق ووعود سريالية في الهواء والريح! لا يكفي أن تُطرح مقترحات عظيمة أو طموحات جميلة حول المساواة والاستدامة؛ يجب تحويلها إلى استثمارات ملموسة، وبرامج تمويل، وإصلاحات فعلية في النظام المالي العالمي. النجاح الحقيقي سيكون عندما يشعر المواطن في دولة مديونة أن قدرته على البناء والتطوير لم تعد مكبّلة بدين ضخم، حينما تُخفّض تكلفة الاقتراض ليتم توجيه الأموال إلى المدارس والمستشفيات والطاقة المستدامة، وليس إلى دفعات فوائد تُثقل كاهل الأجيال. إذا نجحت القمة في ذلك، فإنها ستكون لحظة فارقة لصالح الدول المتعبة من الدين، لصالح أفريقيا، لصالح العدالة العالمية. وإذا فشلت، فستكون مجرد ذكرى رمزية؛ منصة كلمات أكثر منها أفعال ومن سخرية القدر انها كانت في أفريقيا المتعبة.
المصدر: عربي21
كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات قضايا وآراء كاريكاتير بورتريه قضايا وآراء أفريقيا مجموعة العشرين اقتصادية تمويل التنمية اقتصاد أفريقيا تنمية تمويل مجموعة العشرين قضايا وآراء قضايا وآراء قضايا وآراء قضايا وآراء قضايا وآراء قضايا وآراء مقالات مقالات مقالات سياسة سياسة سياسة رياضة صحافة صحافة سياسة سياسة سياسة أفكار سياسة اقتصاد رياضة صحافة قضايا وآراء أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة جنوب أفریقیا
إقرأ أيضاً:
مدبولي لـ 40 شركة بجنوب أفريقيا : مصر تولي اهتماماً كبيراً بتمكين القطاع الخاص ليكون المحرك الرئيسي للنمو الاقتصادي
عقد الدكتور/ مصطفى مدبولي، رئيس مجلس الوزراء، اليوم، اجتماعًا مع 40 من ممثلي كبريات الشركات والمؤسسات البحثية والفكرية في جنوب أفريقيا، بمشاركة الدكتور/ بدر عبدالعاطي، وزير الخارجية والهجرة وشئون المصريين في الخارج، وبحضور السفير/ أحمد علي شريف، سفير مصر في جنوب أفريقيا، وذلك بعد ساعات قليلة من وصوله إلى مدينة "جوهانسبرج" لترؤس وفد مصر المشارك في قمة مجموعة العشرين لعام ٢٠٢٥، نيابة عن الرئيس عبدالفتاح السيسي، رئيس الجمهورية.
وفي بداية الاجتماع الذي عُقد تحت شعار "تعزيز الشراكة الاقتصادية والتكامل بين مصر وجنوب أفريقيا" ونظمته السفارة المصرية، رحب رئيس الوزراء بممثلي مجتمع الأعمال في جنوب أفريقيا، معربا عن تطلعه لتعزيز الشراكات الاقتصادية والتجارية والاستثمارية بين القاهرة وكيب تاون، مؤكدا استعداده لتذليل أي تحديات قائمة وتقديم الحوافز اللازمة التي يمكن أن تسهم في تدفق المزيد من الاستثمارات من جنوب أفريقيا إلى مصر.
وقدم الدكتور مصطفى مدبولي عرضا شاملا حول مناخ الأعمال وفرص الاستثمار في مصر، مشيرا إلى أن الحكومة المصرية تولي اهتماماً كبيراً بتمكين القطاع الخاص ليكون المحرك الرئيسي للنمو الاقتصادي والشريك الأساسي في جهود تحقيق التنمية المستدامة.
وأضاف رئيس الوزراء: وفي هذا الإطار، تواصل الدولة العمل على تحسين بيئة الأعمال، وإقامة بنية تحتية على أعلى مستوى من الكفاءة، وتنفيذ حزمة واسعة من الإصلاحات الاقتصادية التي تستهدف تعزيز الاستقرار والقدرة على الصمود، وتعزيز ثقة المستثمرين في الاقتصاد المصري.
وتابع رئيس الوزراء أن الحكومة أطلقت وثيقة "سياسة ملكية الدولة"، التي تحدد بوضوح دور الدولة في الاقتصاد، وتتيح مساحة أوسع لمشاركة القطاع الخاص، وفي هذا الإطار فإن الحكومة نجحت في تحديد سقف الاستثمارات العامة عند تريليون جنيه، كما استطاعت الحكومة فتح المجال أمام القطاع الخاص لقيادة الاستثمارات، حيث أسهم بنسبة 60% من إجمالي الاستثمارات الكلية خلال النصف الأول من العام المالي 2024/2025، وبزيادة قدرها 80% مقارنة بالفترة نفسها من العام الماضي.
وأكد أن هذا التطور يعكس التزام الحكومة ببناء اقتصاد أكثر تنافسية وشمولاً، يكون فيه القطاع الخاص هو المحرك الأساسي للنمو.
وأضاف الدكتور مصطفى مدبولي: تمضي مصر قدماً في تنفيذ برنامج الطروحات الحكومية، إذ أعلنت الحكومة اعتزامها طرح حصص في عدد من الشركات الوطنية الكبرى، بما يعكس توافر فرص استثمارية واعدة تتسق مع رؤية الدولة لعقد المزيد من الشراكات مع القطاع الخاص، مشيرا في هذا الإطار إلى الجهود المبذولة لإسناد إدارة وتشغيل عدد من المطارات المصرية إلى القطاع الخاص.
واستطرد رئيس الوزراء قائلا إن الحكومة المصرية أطلقت مؤخرًا المرحلة الأولى من حزمة إجراءات تيسير المنظومة الضريبية، بما يستهدف تبسيط الخدمات المقدمة لمجتمع الأعمال، وتوسيع القاعدة الضريبية، وجذب شرائح جديدة من الممولين.
وتابع: انطلاقًا من إدراك الدولة للأهمية المحورية لقطاعي المشروعات الصغيرة والمتوسطة والشركات الناشئة ومبادرات ريادة الأعمال، فقد تم اعتماد إجراءات جديدة تُسهِم في تبسيط الإجراءات الضريبية لهذه الفئات، وتسريع تسوية المنازعات الضريبية.
وأكد الدكتور مصطفى مدبولي، في كلمته خلال الاجتماع الذي جمع عددا من أبرز رجال الأعمال والفكر في جنوب أفريقيا، أن مصر تولي اهتمامًا بالغًا بملفات التحول الرقمي، وتوطين الصناعة. وفي هذا السياق، توفر الحكومة حزمة واسعة من الحوافز الاستثمارية، خاصة في القطاعات ذات الأولوية، مثل: الطاقة النظيفة، وتصنيع الألواح الشمسية، وصناعة السيارات ومكوناتها، بما في ذلك السيارات الكهربائية، والصناعات الدوائية، وتكنولوجيا المعلومات والاتصالات وغيرها.
وأضاف في هذا السياق أن الحكومة اطلقت "برنامج الرخصة الذهبية" الذي يهدف إلى تبسيط وتسريع جميع الموافقات والإجراءات اللازمة لإقامة المشروعات الاستثمارية، بما في ذلك إجراءات تخصيص الأراضي.
وتحدث رئيس الوزراء بعد ذلك عن أن الحكومة تولي اهتمامًا كييرا لتعزيز قدرات الدولة المصرية في مجال الطاقة المتجددة، بما يسهم في تحقيق مستهدفاتنا في هذا الإطار، والتي تتمثل في رفع نسبة مساهمة الطاقة المتجددة في مزيج الطاقة إلى 42% بحلول عام 2035. كما أصدرت الدولة، مطلع العام الجاري، قانون حوافز الهيدروجين الأخضر، الذي يمنح إعفاءات من ضريبة القيمة المضافة والضريبة العقارية للشركات المنفذة لمشروعات الهيدروجين الأخضر، إلى جانب حزمة من الحوافز غير الضريبية الرامية إلى تبسيط إجراءات الترخيص واستيراد مدخلات الإنتاج.
وحول الفرص الاستثمارية المهمة في المنطقة الاقتصادية لقناة السويس، أكد الدكتور مصطفى مدبولي أن المنطقة تُعَدّ إحدى أبرز الفرص الواعدة للشركات التي تتطلع إلى بيئة عمل تجارية مستقرة وتنافسية من حيث التكلفة، وإلى تعزيز نفاذها إلى الأسواق الإقليمية والدولية.
وأضاف أنه بفضل موقعها الاستراتيجي الفريد عند ملتقى ثلاث قارات، وارتباطها بالممر الملاحي الحيوي لقناة السويس، توفر المنطقة الاقتصادية لقناة السويس خدمات لوجستية مُيسّرة، ونفاذ البضائع إلى عدد من الأسواق بدون رسوم جمركية، بما في ذلك أسواق الشرق الأوسط وأوروبا، فضلا عن الاستفادة التي يمكن أن تحققها الشركات من اتفاقيات التجارة الحرة الموقعة بين مصر وعدد من الدول والتكتلات.
وتابع: تُمكّن المنطقة الاقتصادية لقناة السويس الشركات العالمية من إقامة منشآت صناعية أو لوجستية قادرة على تقليل الاعتماد على سلاسل الإمداد ذات التكلفة المرتفعة، وتعزيز القدرة على مواجهة المخاطر الجيوسياسية، فضلًا عن الاستفادة من العمالة ذات التكلفة التنافسية، والبنية التحتية المتطورة، ومزايا النفاذ التفضيلي إلى أسواق واسعة.
وأكد أن الحكومة المصرية، في هذا الإطار، مستعدة لتقديم جميع المعلومات التفصيلية المتعلقة بالفرص الاستثمارية المتاحة والحوافز التي تقدمها الدولة للمستثمرين.
واستعرض رئيس الوزراء إجراءات الإصلاح الاقتصادي التي اتخذتها الحكومة المصرية منذ مارس 2024 والتي أسهمت في تحقيق استقرار واضح بسوق الصرف الأجنبي، وزيادة الاحتياطي النقدي، ما مكّن الجهاز المصرفي المصري من تلبية جميع الطلبات على العملات الأجنبية دون تأخير.
وقال الدكتور مصطفى مدبولي في هذا الإطار: تواصل مصر الالتزام بسياسة مرنة لسعر الصرف ترتكز على آليات السوق، ودون أي تدخل من البنك المركزي في سوق الصرف، وهو ما حظي بتقدير واسع من المؤسسات المالية الدولية ووكالات التصنيف الائتماني، وأسفر عن رفع التصنيف الائتماني لمصر مؤخرًا.
وتابع: كما نجحت السياسات الاقتصادية في كبح معدلات التضخم، ووضعها على مسار تنازلي.