كتب: عمر الساعدي

يُقال في المثل العربي: “من جدّ وجد، ومن سار على الدرب وصل، ومن صبر نال الفخر.”
وهكذا، لم يكن تدشين طائرة “بدر-250” سوى ثمرة مسار طويل من الجدّ والعمل، ورحلة إصرار إماراتية بدأت برؤية طموحة، وترجمتها سواعد وطنية إلى إنجاز ملموس.
هذه الطائرة ليست مجرد قطعة تكنولوجيا عسكرية، بل عنوانٌ جديد لفصلٍ تُكتبه الإمارات في سجل إنجازاتها الصناعية الوطنية.

في لحظة فارقة في مسيرة الصناعات الدفاعية، أعلنت مجموعة “كالدس” الإماراتية عن تدشين أول طائرة هجومية خفيفة تُصنّع وتُطوّر بالكامل داخل الدولة، تحت اسم “بدر-250”، وذلك خلال فعاليات معرض دبي للطيران 2025.
إنها ليست طائرة كغيرها؛ بل بداية جديدة تُجسّد فخر الصناعة الوطنية الإماراتية، وتؤكد أن الاعتماد على الكفاءات المحلية أصبح خيارًا استراتيجيًا لصناعة المستقبل.

الطائرة “بدر-250” اجتازت بنجاح كافة الاختبارات التأهيلية والعسكرية، وحصلت على تصريح الطيران من الهيئة العسكرية للسلامة الجوية، مما يؤهلها لأداء مهامها بكفاءة عالية في البيئات العملياتية الصعبة. وتُجسد هذه الخطوة نقلة نوعية في مسيرة التوطين، حيث أصبحنا أمام منتج متكامل يجمع بين الدقة التقنية والتصميم الإماراتي والقدرات التصنيعية الوطنية.

ومع هذا الحدث اللافت، تحضر كلمات صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان رئيس الدولة “حفظه الله”، حين قال:
“إن استدامة ازدهار الدولة يتطلب مواصلة الاستثمار في بناء الإنسان لتأهيل أجيال من الكفاءات المتميزة، تضع ما اكتسبته من معارف وعلم في خدمة وطنها، وتسهم في تحقيق أهداف التنمية الشاملة والمستدامة ورفد سوق العمل بالكفاءات الوطنية المؤهلة.”
وهذا بالضبط ما نراه مجسدًا في “بدر-250”، التي لم تولد في مصنع فقط، بل خرجت من رؤية تؤمن بأن الإنسان هو الثروة الأغلى، وأن المعرفة هي رأس المال الحقيقي.

تتميز “بدر-250” بقدرات تقنية متطورة تشمل محركًا من نوع “برات آند ويتني” بقوة 1600 حصان، وسرعة قصوى تصل إلى 301 عقدة، وتحليق مستمر حتى 12 ساعة، إلى جانب قابلية حمل الأسلحة الذكية والذخائر الدقيقة بوزن يصل إلى 1800 كجم.
كما تم تجهيزها بأنظمة إلكترونيات طيران من الجيل الجديد، وقدرات استطلاع ومراقبة متقدمة، وكاميرات كهروضوئية تحت الحمراء، إضافة إلى نظام ضغط للقمرة ونظام توليد الأكسجين الداخلي.
كل ذلك يجعلها منصة متعددة المهام تجمع بين التدريب، والدعم الجوي، والمراقبة، مع مرونة تشغيلية حتى في أقسى البيئات الميدانية.

لكن، ماذا تعني هذه الطائرة في السياق الأوسع؟
إنها إعلان واضح بأن الإمارات تدخل مرحلة جديدة من التميز الصناعي الوطني، القائم على العلم والخبرة، وليس مجرد الاستيراد والتجميع. وهذا يعزز من جاهزيتها الدفاعية الذاتية، ويضعها في مصاف الدول القادرة على صناعة حلول متقدمة بمواردها البشرية والعلمية.

“بدر-250” ليست مجرد هيكل طائر، بل تجسيد لثقافة لا تؤمن بالمستحيل، ونتاج عقلية قيادية ترى أن الطموح لا سقف له.
في كل جناح منها بصمة إماراتية، وفي كل تحليق رسالة مفادها: نحن نصنع قوتنا بأيدينا


المصدر: جريدة الوطن

إقرأ أيضاً:

«رؤية عُمان 2040» والمستقبل الاقتصادي

تعد «رؤية عُمان 2040» خارطة طريق نحو اقتصاد متنوع ومستدام يتم بناؤه بشكل تدريجي من خلال مجموعة من المرتكزات الأساسية تشمل: رفع مساهمة الأنشطة الاقتصادية في الناتج المحلي الإجمالي، وتحقيق الاستدامة المالية، وزيادة استثمارات القطاع الخاص المحلي والأجنبي، وتنويع الشركاء التجاريين، وتعظيم مساهمة المؤسسات الصغيرة والمتوسطة في الاقتصاد الوطني، كما تهتم الرؤية في مرتكزاتها الاقتصادية بتوسيع القاعدة الإنتاجية والتصديرية، وتعزيز فرص تشغيل القوى العاملة، وبناء اقتصاد قائم على المعرفة والابتكار، وتشجيع الاستثمار في الطاقة المتجددة والصناعات الخضراء والمستدامة.

وفي هذا الإطار نود الإشارة إلى عدد من المؤشرات الاقتصادية لـ«رؤية عُمان 2040» التي رصدها التقرير السنوي الرابع للرؤية والذي أشار إلى تقدم جيد في عدد من المؤشرات الاقتصادية، وعلى سبيل المثال، فإن مؤشر الحرية الاقتصادية الصادر عن مؤسسة «هيرتاج» أشار إلى أن سلطنة عُمان حققت «قفزات متتالية في التصنيف منذ عام 2022 عندما كانت في الترتيب 108 عالميا؛ لتصعد في آخر إصدار للمؤشر عام 2025 إلى المرتبة 58 عالميا»، ويعكس هذا الارتفاع ما يمكن تسميته بتحسن «الصحة المالية» عبر تقليص الدَّين العام، والتحول الإيجابي في الموازنة العامة للدولة من العجز إلى الفائض، في الوقت الذي يتم فيه العمل على تقليل العبء الضريبي على الأفراد والشركات بشكل يُسهم في تقليل تكاليف الاستثمار في سلطنة عُمان وتشجيع تأسيس الشركات ونمو الأعمال، هذا بالإضافة إلى الحرية النقدية عبر سياسات نقدية أكثر استقرارا وفعالية، والتحسن المستمر لدور البنوك في الاقتصاد الوطني والعديد من النتائج الإيجابية الأخرى.

وهناك تقدم آخر يمكن الإشارة إليه في هذا المقال يرتبط بالجهود المبذولة في مجال التنويع الاقتصادي؛ إذ يُظهِرُ مؤشرُ مساهمة القطاعات في الناتج المحلي الإجمالي ارتفاعا بنسبة 1.6% بين عامي 2023 و2024، والأمر المهم في هذا الجانب ارتفاع مساهمة الأنشطة غير النفطية في الناتج المحلي من 71.2% في عام 2023 إلى 72.8% في عام 2024 وهو -كما يشير التقرير- أعلى معدل مساهمة مسجل للقطاعات غير النفطية، وفي نفس الإطار يمكننا الإشارة إلى التقدم الذي أحرزه مؤشر نسبة الاستثمار الخاص إلى الناتج المحلي الإجمالي (بالأسعار الجارية) الذي حقق نسبة 17% من الناتج المحلي الإجمالي، ومع الجهود التي يتم بذلها لاستقطاب الاستثمارات سواء من قبل وزارة التجارة والصناعة وترويج الاستثمار أو الهيئة العامة للمناطق الاقتصادية الخاصة والمناطق الحرة أو جهاز الاستثمار العُماني أو بورصة مسقط أو غيرها من الجهات الأخرى، فإننا نتوقع أن يتمكن هذا المؤشر من الوصول إلى نسبة 25% بحلول عام 2030 بحسب ما تستهدفه الرؤية.

وهناك عدد من المؤشرات الأخرى التي عكست أداء جيدا في تحقيق مستهدفات «رؤية عُمان 2040» في شقها الاقتصادي، وفي اعتقادنا أن وجود مؤشرات محلية ودولية تقيس مستوى التقدم في إنجاز أولويات «رؤية عُمان 2040» يعتبر عنصرا جوهريا لتحقيق مستهدفات الرؤية وضمان تحولها من وثيقة استراتيجية إلى إنجازات فعلية على أرض الواقع، كما يتيح أيضا معرفة ما تحقق بالفعل، وما لم يتحقق، وأين يكمن التقصير، وكيف يمكن معالجته، وما هي التحديات، وكيف يمكننا الحد من تأثيراتها؟ هذا بالإضافة إلى تعزيز الشفافية والمساءلة وتمكين المجالس المتخصصة والمجتمع من معرفة مستوى الإنجاز والجهود المبذولة لتحقيق المستهدفات.

إن النتائج التي حققتها «رؤية عُمان 2040» في السنوات الأربع الماضية تعتبر -في نظرنا- أسسا لمستقبل اقتصادي أكثر إشراقا، وتمهد لمزيد من الإنجازات الاقتصادية خلال المرحلة المقبلة، فعلى سبيل المثال أسهمت السياسات التي تم تبنيها خلال السنوات الماضية في تحقيق الاستقرار المالي ودعم الاستدامة المالية ودفعت التصنيف الائتماني لسلطنة عُمان إلى التحسن وهو أمر مهم لتمكين الاقتصاد الوطني خلال المرحلة المقبلة من استقطاب استثمارات جديدة وتعزيز النجاحات التي تم تحقيقها خلال السنوات الماضية وبما يؤدي إلى دعم جهود التنويع الاقتصادي وزيادة مساهمة الأنشطة غير النفطية في الناتج المحلي الإجمالي. 

مقالات مشابهة

  • كم جنت أميركا من بيع مقاتلات إف-35 في العالم؟
  • لحظة انفصال محرك طائرة شحن قبل انفجارها ومصرع 14 شخصا
  • صعدة.. الجيش يعلن إسقاط طائرة مسيّرة للحوثيين
  • إمدادات أمريكية لـ”إسرائيل”: 1000 طائرة و150سفينة نقلت 120 ألف طن من العتاد العسكري
  • تسرب مياه الأمطار وحبات البرد داخل طائرة أسترالية (فيديو)
  • راكب يجبر طائرة على الهبوط اضطرارياً بعد اتهام خطير لزوجته
  • «رؤية عُمان 2040» والمستقبل الاقتصادي
  • تعرف على قدرات F-35 الأكثر تطوراً وفتكاً في العالم.. المقاتلات التي تثير رعب الحوثيين في اليمن
  • عشرون دولة في نادي الـF-35 واحتمال انضمام السعودية يتصاعد.. ماذا تعرف عن هذه المقاتلة؟