هل أصبحت باكستان ضامن الأمن الجديد في الشرق الأوسط ؟
تاريخ النشر: 7th, October 2025 GMT
منة جيفري ليندمولدر
ترجمة - أحمد شافعي
كانت هجمة إسرائيل على الدوحة في التاسع من ديسمبر بادرة تغير في حرب إسرائيل وغزة، مفاده أن شركاء الولايات المتحدة أنفسهم ليسوا آمنين من أجندة إسرائيل المتنامية. وفي حين كانت الولايات المتحدة تواجه علامات استفهام تتعلق بمصداقيتها في المنطقة، كانت باكستان تتفاوض على ضمانات أمنية جديدة مع المملكة العربية السعودية لضمان وجود فاعلين آخرين مشاركين في الدفاع عن أمن دول الخليج.
طالما قامت بين باكستان والمملكة العربية السعودية علاقات وثيقة، لكنهما لم تتفقا قط على معاهدة دفاع أمني رسمي حتى الآن. ولباكستان تاريخ طويل في إرسال القوات إلى المملكة العربية السعودية من أجل التدريب والقتال، وأبرز حالات ذلك ما كان في عام 1979 خلال حصار مكة. ولإسلام أباد تجارب في نشر قواتها خارج حدودها بما يجعلها خيارا برجماتيا لمثل هذا الدور الإقليمي.
وبطبيعة الحال، ما كان يمكن أن تقوم قائمة لاتفاقية بهذا الحجم دونما موافقة ضمنية من إدارة ترامب. وفي ظل اتباع الولايات المتحدة لأجندة «أمريكا أولا»، فإن موقفها الراهن يظهر عدم اهتمامها بالبقاء حارسا في المنطقة، وبخاصة في ضوء دعمها القوي لمشروع إسرائيل التوسعي.
لقد تلقى رئيس الوزراء الباكستاني شهباز شريف ورئيس أركان الجيش المشير عاصم منير دعوة إلى البيت الأبيض للاحتفال بتعاونهما مع الولايات المتحدة، بما يشير إلى دفء في العلاقات يتجاوز ما كان قائما من قبل. وبالنسبة لباكستان، فإن هذا التحول في الأحداث يجعل باكستان في موضع طالما أرادته، وهو موضع الشريك المتداخل في العالم الإسلامي، والقوة العسكرية المنافسة للهند، والمستفيد من حسن النية والأسلحة الأمريكية من خلال المملكة العربية السعودية.
فضلا عن ذلك، توسِّع باكستان والولايات المتحدة شراكتهما في التنقيب عن المعادن المهمة. فقد شحنت باكستان الدفعة الأولى من المعادن الأرضية النادرة المخصبة إلى الولايات المتحدة في الثاني من أكتوبر، وتلك بداية مذكرة تفاهم طويلة المدى تبلغ قيمتها التجارية خمسمائة مليون دولار. كما أن إسلام أباد ترجو أن تستثمر واشنطن في ميناء جديد يقام في بانسي بولاية جوادار من شأنه أن ييسر على الولايات المتحدة الوصول إلى المعادن المهمة اللازمة لبقائها قادرة على التنافس في صناعة أشباه الموصلات.
بعد ولاية الرئيس ترامب الأولى بقيت باكستان تنتظر توثيق علاقتها بالولايات المتحدة. وخلال هذه الفترة، اتجهت إسلام أباد إلى بكين طلبا للاستثمار، والفرص الاقتصادية، والشراكة بعيدة المدى التي أدت إلى مشروع الممر الاقتصادي بين الصين وباكستان وتطوير البنية الأساسية.
وفي حين أن البلدين يبقيان شريكين استراتيجيين، فإن الصين لا تستطيع القيام بالمزيد من المبادرات الدبلوماسية والاقتصادية، لكنها تستفيد استفادة عظيمة من تنويع شركائها لخياراتهم الأمنية بعيدا عن الاعتماد المنفرد على الولايات المتحدة. ولقد وفرت المملكة العربية السعودية الدعم الاقتصادي لباكستان منذ عقود، وبخاصة بعد أن أنهت اختبار أسلحتها النووية لتعويض أي عقوبات. وتبدو آفاق باكستان الاقتصادية الراهنة مقبضة، وبخاصة بعد الفيضانات الكارثية التي وقعت هذا العام، ومن ثم فإن إسلام أباد في أمسّ الاحتياج إلى حليف يساعد في الخروج من هذه الأزمة الاقتصادية.
إضافة إلى ذلك، لم ترسل الصين قط قوات خارج حدودها ومن ثم فهي لا تستطيع أن تقوم بدور الضامن الإقليمي للأمن على الطريقة التي تستطيعها باكستان. وبعد الهجمة الإسرائيلية على الدوحة، بقي على دول الخليج العربية أن تجد شريكا استراتيجيا يكون مشاركا في المنطقة. ولقد تحرك مجلس التعاون الخليجي بشكل مشترك في الماضي من أجل توفير الأمن لأعضائه، ولكن ذلك التحرك ظل في حدود إنفاذ القانون والتمركز الدفاعي، مثلما حدث خلال أحداث الربيع العربي. ومن أجل مواجهة قوة مثل إسرائيل، سوف تحتاج الدول العربية إلى شريك لديه قدر أكبر كثير من القوة والخبرة في المجال العسكري.
على هامش اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة، بذل الوفد الباكستاني جهودا كبيرة للحفاظ على وضعه المتميز بعد الحرب مع الهند في مايو. وقد خرجت باكستان من هذا الصراع سالمة نسبيا، بعد أن أظهرت كلا من قوتها العسكرية وقوتها الدبلوماسية. والتقى رئيس الوزراء الباكستاني شريف بالأمير القطري تميم بن حمد آل ثاني بعد هجمة التاسع من سبتمبر وأكد أن العالم الإسلامي لا بد أن يتوحد من أجل «مواجهة الاستفزازات الإسرائيلية» مشيرا إلى رغبة إسلام أباد في أن تكون لاعبا على المسرح الدولي، وبخاصة في ما يتعلق بالدفاع عن غزة.
وفي حين أن تفاصيل هذه المعاهدة الباكستانية السعودية لا تزال غير واضحة، فالمؤكد هو أن باكستان تقوم بخطوات دبلوماسية لإظهار أن وضعها غير الانحيازي يمكن أن يكون مفيدا لا للولايات المتحدة وحدها وإنما لفاعلين إقليميين أيضا. وباكستان تعمل منذ بعض الوقت على تقوية علاقاتها ببنجلاديش وسريلانكا أيضا، بما يشير إلى رغبة في طرق الحديد بينما هو ساخن بعد رفض الهند القاطع لوقف إطلاق النار الذي توسطت فيه الولايات المتحدة في مايو.
وفي حين أن المشكلات الاقتصادية والمالية قد تظل تعتري باكستان، فإن جهودها الدبلوماسية تشير إلى أن البلد قد يكون في موضع يؤهلها لدور جديد في العلاقة بين الشرق الأوسط وجنوب آسيا. وفي حين يظل على إسلام باد أن تتحلى بالحذر لكي تبقى في مجال التنعم بمكانتها لدى إدارة ترامب وهي تخوض مجال الاتفاقات الثنائية والتعددية، فإن تنويعها في شركائها الاقتصاديين بعيدا عن شراكتها الأساسية مع الولايات المتحدة سوف يكون أمرا ذا نفع كبير لها.
منة جيفري ليندمولدر مديرة البرامج في معهد القانون الدولي وحقوق الإنسان. سبق لها العمل في معهد نيو لاينز، حيث ركزت أبحاثها على العلاقات بين جنوب آسيا والخليج العربي، والأيديولوجية الإرهابية، والأمن القومي الأمريكي.
عن ذي ناشونال إنتريست
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: المملکة العربیة السعودیة الولایات المتحدة إسلام أباد وفی حین من أجل
إقرأ أيضاً:
مجلس السلام
8 أكتوبر، 2025
بغداد/المسلة:
ليث شبر
ما إن انتهيت من متابعة المؤتمر الصحفي ومنذ اللحظة الأولى لإعلان الرئيس الأميركي دونالد ترامب عن «مجلس السلام» لإدارة غزة وإعادة إعمارها، حتى تهافتت ردود الفعل الدولية مرحِّبة ومؤيدة، وكأن العواصم الكبرى كانت تنتظر نافذة تُخرجها من مأزق الحرب الطويلة.
واشنطن تبنّت المشروع رسميًا وترامب رئيسه، وأوروبا باركته، وعواصم عربية مؤثرة سارعت إلى إبداء الاستعداد للدعم والمشاركة. وبدا الأمر وكأنه اصطفاف دولي نادر حول فكرة واحدة: أن تُدار غزة بآلية جديدة تحمل اسم السلام لكنها محملة بأثقال السياسة والاستثمار والتوازنات.
في الظاهر، يُفترض أن يحقق المجلس أهدافًا إنسانية: أولها وقف الحرب، وإعادة الرهائن، ثم فتح الممرات الآمنة، وضمان تدفق المساعدات. أما في العمق، فالمجلس هو محاولة لإعادة صياغة معادلات المنطقة تحت سقف أميركي مباشر، وبشراكة إسرائيلية واضحة، ومساهمة إقليمية محسوبة. نعم إنه مشروع الشرق الأوسط الجديد الذي بدأت ملامحه تتضح أكثر فأكثر، مشروع السلام الذي يختلط فيه الإعمار بالسيادة، والإنقاذ بالأمن، والحاضر بالمستقبل.
غير أن أكثر ما يؤلم هو أن العراق لم يُذكر. فلم يظهر اسمه لا كعضو فاعل ولا كطرف ضامن ولا حتى كشريك رمزي. وهذه ليست غفلة بروتوكولية، بل مؤشر خطير على تراجع دور العراق في القضايا المصيرية للمنطقة.
إن بلدا مثل العراق، بتاريخ حضارته وثقله الجغرافي والسياسي، ينبغي أن يكون في قلب أي مشروع يُراد له أن يُعيد تشكيل الشرق الأوسط. وغيابه عن «مجلس السلام» يوجّه رسالة بالغة القسوة: أن الآخرين يعيدون ترتيب خرائط النفوذ ونحن متفرجون.
ومن هنا تأتي أهمية مشروعنا الوطني فهو لا يقف على الضفة الأخرى من هذه المبادرات الدولية ولا يعاديها، بل يتموضع في صميمها. فالدولة الذكية السيادية النابضة التي نطرحها ليست فكرة محلية معزولة، بل رؤية تتناغم مع التحولات الكبرى التي يُعاد عبرها رسم الشرق الأوسط الجديد.
إن ما نطمح إليه هو أن يكون العراق شريكًا أصيلًا في هذا النظام الإقليمي، بل قائدًا له، بما يمتلكه من موقع جغرافي استراتيجي، وثقل حضاري، وإمكانات بشرية هائلة. فالعراق لا يجب أن يكتفي بكرسي على طاولة الآخرين، بل أن يُعيد صياغة الطاولة نفسها، ليجعل من الشرق الأوسط فضاءً للتوازن والعدل والنهضة المشتركة.
المسلة – متابعة – وكالات
النص الذي يتضمن اسم الكاتب او الجهة او الوكالة، لايعبّر بالضرورة عن وجهة نظر المسلة، والمصدر هو المسؤول عن المحتوى. ومسؤولية المسلة هو في نقل الأخبار بحيادية، والدفاع عن حرية الرأي بأعلى مستوياتها.
About Post AuthorSee author's posts