كيف مهدت الثورات الفاشلة إلى الحرية من الاحتلال والاستعمار؟
تاريخ النشر: 17th, October 2025 GMT
لطالما اتجهت الشعوب والحركات التحررية في جميع أنحاء العالم إلى النضال المسلح للمطالبة بحقوقها في تقرير مصيرها، رغم ميل ميزان القوة إلى جهات الاحتلال والاستعمار، ورغم أن كثيرًا منها انتهى بالقمع أو الفشل العسكري في تحقيق الأهداف بشكل آني، إلا أنها تركت أثرًا عميقًا في الوعي ورسّخت فكرة المقاومة.
وتوقفت حرب الإبادة الإسرائيلية ضد قطاع غزة بعد أكثر من سنتين كاملتين على عملية "طوفان الأقصى"، التي أطلقتها المقاومة الفلسطينية في "ظل الجرائم الإسرائيلية المتواصلة بحق الشعب الفلسطيني وتنكرها للقوانين الدولية، وفي ظل الدعم الأمريكي والغربي والصمت الدولي".
وأدت حرب الإبادة إلى استشهاد نحو 68 ألف فلسطيني وإصابة أكثر من 170 ألفًا آخرين، مع إعلان أن نسبة الدمار في القطاع بلغت نحو 90 بالمئة، وهو ما فتح جدلًا حول جدوى العملية والأهداف التي كانت المقاومة تطمح لتحقيقها.
ويتعرض قطاع غزة لحصار إسرائيلي خانق منذ فوز حركة حماس بالانتخابات التشريعية عام 2006، التي تم التوافق على نتائجها في البداية، وما تبع ذلك من أحداث انقسام في العام التالي، ما أدى إلى نشوء سلطتين سياسيتين وتنفيذيتين في الضفة الغربية تحت سيطرة حركة فتح، وفي قطاع غزة تحت سيطرة حركة حماس.
ومنذ ذلك الحين، تعرّض قطاع غزة لتكرار تصاعد العدوان خمس مرات في سنوات 2008 و2012 و2014 و2021 و2023، كان أبرزها حرب الإبادة الأخيرة، فضلًا عن حالات تصعيد متكررة بين هذه السنوات، بينما تصاعد المدّ الاستيطاني في الضفة، وما رافقه من استيلاء على مساحات واسعة من الأراضي وتواصل تهويد القدس والمسجد الأقصى، وتقطيع أواصر الضفة بالطرق الاستيطانية والحواجز الأمنية.
الطريق إلى الاستقلال
قامت ثورات شعبية عدة في مصر ضد الاحتلال الفرنسي، لكن كل واحدة من هذه الثورات انتهت إلى فرض سيطرة أجنبية إضافية بدلًا من تحقيق الاستقلال التام، ففي ثورة القاهرة الأولى عام 1798، ثار المصريون ضد الاحتلال الفرنسي بعد حملة نابليون، إلا أن الثورة انتهت بـ"انتصار فرنسي" على الثوار.
وفي تشرين الأول/ أكتوبر من عام 1798، أدى السخط ضد الفرنسيين إلى انتفاضة سكان القاهرة، قاد الأزهر وشيوخه الثورة، وعندما كان نابليون بونابرت في القاهرة القديمة، بدأ سكان المدينة في نشر الأسلحة بين بعضهم البعض وتحصين نقاط القوة، خاصة في جامع الأزهر.
وحينما اشتعلت الثورة، قُتل الكثير من المصريين والفرنسيين، منهم القائد الفرنسي دومينيك مارتن دوبوي على يد القاهريين الثائرين، وكذلك جوزيف سولكوفسكي، مساعد بونابرت. وردّ الفرنسيون بنصب مدافع في القلعة وإطلاق النار على مناطق تحوي قوات المتمردين. وخلال الليل، تقدم الجنود الفرنسيون حول القاهرة ودمروا أي حواجز وتحصينات واجهوها.
وسرعان ما بدأ الثوار في التراجع أمام قوة القوات الفرنسية، وفقدوا تدريجيًا سيطرتهم على مناطقهم في المدينة، وواجه نابليون الثورة بعنف، ودخل جنوده الأزهر بخيولهم، مما أثار الشعور الديني للمصريين. قام بونابرت شخصيًا بمطاردة المتمردين من شارع إلى آخر وأجبرهم على اللجوء إلى جامع الأزهر.
وأمر نابليون بإطلاق النار على المسجد، فحطم الفرنسيون البوابات واقتحموا المبنى وقتلوا السكان. في نهاية التمرد، قُتل أو جُرح ما بين 5000 إلى 6000 شخص من القاهرة.
ولم يستطع المصريون طرد الجنود الفرنسيين إلا بعد تدخل القوات البريطانية والعثمانية.
وقامت ثورة القاهرة الثانية من الشعب المصري ضد الفرنسيين في 20 آذار/ مارس 1800، وانطلقت من حي بولاق واستمرت قرابة شهر حتى تمكن الجنرال كليبر من ضرب أحياء القاهرة وإحراقها بمدافعه في 21 نيسان/ أبريل 1800، وحينها استسلم الثائرون من أهالي مصر.
وبين عامي 1881 و1882، قاد ضابط الجيش أحمد عرابي حركة وطنية ضد التدخل البريطاني الفرنسي في الشؤون المصرية، لكن قوات الاحتلال قصفت الإسكندرية وقضت على جيش الثوار في معركة التل الكبير، وانتهت الاشتباكات بـ"انتصار بريطاني".
وأكد الغزو إنشاء الاحتلال البريطاني الدائم لمصر، حيث "أنهى انتفاضة وطنية" وأرسى النفوذ البريطاني على حساب المصريين.
أما في ثورة 1919، فانتفض المصريون بقيادة سعد زغلول ضد الاحتلال البريطاني، وأعلنت الجامعة الوطنية المصرية الاستقلال، ورغم ذلك، لم يُطرد البريطانيون فعليًا، فلم يكن الاستقلال سوى إعلان شكلي، ولم تنجح الثورة في طرد النفوذ البريطاني تمامًا، إلا أنها مهّدت لاحقًا للتفاوض على دستور 1923 واعتماد الملكية الدستورية.
ثورات أيرلندا
حدثت انتفاضات مسلحة عديدة ضد الاحتلال البريطاني، باءت جميعها بالفشل في المدى القصير لكنها مهّدت لاحقًا للاستقلال. ففي الثورة الأيرلندية عام 1798، كانت جمعية الأيرلنديين المتحدين، التي تتألف من مجموعة من الجمهوريين الأيرلنديين المتأثرين بأفكار الثورتين الأمريكية والفرنسية، هي القوة الأساسية المنظمة لهذه الثورة، التي قادها أعضاء الكنيسة المشيخية والكاثوليكيون الذين يُشكّلون غالبية السكان الأيرلنديين، وذلك بسبب شعورهم بالغضب نتيجة إبعادهم عن مواقع السلطة من قبل المؤسسة الأنجليكانية.
دُحرت القوات الفرنسية التي قدمت إلى مقاطعة مايو من أجل نصرة الثوار على يد القوات البريطانية والقوات الموالية للحكم البريطاني، وقُمعت الثورة من قبل قوات التاج البريطاني، وتراوح عدد القتلى بين 10 آلاف و30 ألف قتيل.
أما ثورة عيد الفصح، وتُعرف أيضًا بتمرد عيد الفصح، فكانت عصيانًا مسلحًا في أيرلندا خلال أسبوع الفصح في نيسان/ أبريل من عام 1916، أطلق الجمهوريون الأيرلنديون الثورة لإنهاء الحكم البريطاني في أيرلندا وتأسيس جمهورية أيرلندية مستقلة، في الوقت الذي كانت فيه المملكة المتحدة منخرطة للغاية في الحرب العالمية الأولى.
وكانت هذه الثورة أهم انتفاضة حدثت في أيرلندا منذ تمرد عام 1798، وأول حراك مسلح في الحقبة الثورية الأيرلندية، وفيها أُعدم ستة عشر قائدًا من قادة الثورة في أيار/ مايو من عام 1916، لكن ساهم كل من العصيان وطبيعة الإعدامات والتطورات السياسية اللاحقة في ازدياد الدعم الشعبي لاستقلال أيرلندا أخيرًا.
وبعد ذلك، اندلعت حرب الاستقلال الأيرلندية أو الحرب الأنجلو-أيرلندية، وهي حرب اندلعت في أيرلندا بين عامي 1919 و1921، ونشبت بين الجيش الجمهوري الأيرلندي (IRA) والقوات البريطانية المؤلفة من الجيش البريطاني والدرك الأيرلندي الملكي شبه العسكري (RIC) والجماعات شبه المسلحة مثل الفرقة البديلة وقوات شرطة أولستر الخاصة (USC). تصاعدت فترة الثورة الأيرلندية لتصل في نهاية المطاف إلى نزاع مسلح وحرب شاملة.
وفي أيار/ مايو 1921، قُسمت أيرلندا وفقًا للقانون البريطاني ومرسوم حكومة أيرلندا، ما أدى إلى خلق منطقة أيرلندا الشمالية، ووافق الطرفان على وقف إطلاق النار أو هدنة. قادت المحادثات التالية لوقف إطلاق النار إلى توقيع المعاهدة الأنجلو-أيرلندية في 6 كانون الأول/ ديسمبر عام 1921، ما أدى إلى إنهاء الحكم البريطاني على معظم أراضي أيرلندا، وبعد مرور فترة انتقالية لمدة 10 أشهر أشرفت عليها الحكومة المؤقتة، تأسست دولة أيرلندا الحرة باعتبارها دولة مستقلة ذاتيًا.
وظلّت أيرلندا الشمالية ضمن المملكة المتحدة، وعقب وقف إطلاق النار، استمر القتال في بلفاست والمعارك في المناطق الحدودية بين أيرلندا وأيرلندا الشمالية، وشنّ الجيش الأيرلندي الجمهوري حملة هجومية على أيرلندا الشمالية في شهر أيار/ مايو من عام 1922، لكنها باءت بالفشل. وفي حزيران/ يونيو من عام 1922، أدى عدم توافق الجمهوريين حول المعاهدة الأيرلندية إلى اندلاع حرب أهلية أيرلندية استمرت 11 شهرًا.
ومنحت دولة أيرلندا الحرة 62,868 ميدالية فخرية للخدمة خلال حرب الاستقلال، وحصل مقاتلو الجيش الأيرلندي الجمهوري التابعون لكتيبة الأعمدة الطائرة على 15,224 وسامًا من تلك التي منحتها الحكومة الأيرلندية.
الهند وأفريقيا
رغم أن البلاد حازت على استقلالها بشكل رسمي في 15 آب/ أغسطس 1947 عن الحكم البريطاني، إلا أن ذلك تم بعد حركات المقاومة غير المسلحة والعصيان المدني التي قادها المؤتمر الوطني الهندي بقيادة مهاتما غاندي وجواهر لال نهرو.
لكن قبل ذلك، اندلعت انتفاضات عديدة ضد الحكم البريطاني، أبرزها كانت الثورة الهندية الكبرى عام 1857، التي بدأت باحتجاج الجنود الهنود ضد شركة الهند الشرقية، وانتشرت الانتفاضة في شمال الهند، ولكنها انتهت بالفشل بعد عام.
وخلال هذه الثورة، تم سحق المتمردين وأُعدم زعماؤهم أو نُفوا، ونتيجة لذلك، حلَّ البرلمان البريطاني شركة الهند الشرقية عام 1858 وأصبح الحكم باسم التاج البريطاني مباشرة، فيما استمرت هياكل السلطة البريطانية دون تغيير كبير.
وفي أفريقيا، وقعت ثورات مماثلة قُمعت في بادئ الأمر، لكنها ساهمت فيما بعد في إضعاف الاستعمار، ومن الأمثلة على ذلك ثورة الماو ماو في كينيا خلال الفترة ما بين 1952 و1960، وفيها قاد الحزب الماو ماوي ذو الأغلبية الكيكويو انتفاضة عنيفة ضد المزارعين البيض البريطانيين والإدارة الاستعمارية. استخدمت القوات البريطانية القوة ومعسكرات اعتقال واسعة لقمع الثوار، إلا أن هذه الثورة أدت في نهاية المطاف إلى تسريع استقلال كينيا عام 1963.
فلسطين نفسها
بدأت الثورة العربية الكبرى في فلسطين عام 1936 حتى 1939، وذلك كمظاهرات واعتصامات ضد الانتداب البريطاني وسياسات ترحيل الفلسطينيين، ثم امتدت إلى عمليات مسلحة واسعة، إلا أنها قُمعت بشدة، وانتهت بتعزيز العصابات الصهيونية بدعم بريطاني.
وفي هذه الثورة، التي وصفها الفلسطينيون بأنها ثورة حياة أو موت، فشلت الثورة العربية في فلسطين الانتدابية بالتخلص من الاحتلال، وانتقل قائد الحركة أمين الحسيني إلى المنفى، إلا أنها نجحت في إفشال مخططات التهجير الواسعة.
أدى قمع هذه الثورة إلى استشهاد الآلاف من الفلسطينيين وتشريد المئات.
المصدر: عربي21
كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة سياسة عربية مقابلات حقوق وحريات سياسة دولية الاحتلال المقاومة غزة الثورة غزة الاحتلال الثورة المقاومة الإستعمار المزيد في سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة قضايا وآراء أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة القوات البریطانیة أیرلندا الشمالیة الحکم البریطانی ضد الاحتلال فی أیرلندا هذه الثورة إلا أنها قطاع غزة من عام إلا أن
إقرأ أيضاً:
الاحتلال يعترف بهوية الجثة الرابعة التي تسلمها أمس من المقاومة أمس
القدس المحتلة-ترجمة صفا
اعترف الاحتلال الإسرائيلي، الليلة، رسميًا بهوية الجثة الرابعة التي تسلمها عبر الصيب الأحمر من كتائب القسام الليلة الماضية.
وذكرت القناة "13" العبرية، وفق ترجمة وكالة "صفا"، أن الجثة تعود لأحد العملاء الذين استخدمهم جيش الاحتلال في استطلاع نفق لحماس في مخيم جباليا في أيار من العام الماضي وهو من سكان مخيم عقبة جبر قرب أريحا.
وقالت القناة بأن كتائب القسام قامت بتسليم جثته عمداً وليس عن طريق الخطأ.
ونقلت الإذاعة العبرية عن مصدر أمني كبير أن الجثة لم يتم الإعلان عنها منذ البداية كجثة مختطف وبالتالي فلا يتم احتسابها كذلك وأنه لن يكون هنالك مقابل لتسليم هذه الجثة.
وسبق لكتائب القسام أن أعلنت في أيار من العام الماضي استهدافها قوة إسرائيلية خاصة داخل أحد الأنفاق شمالي القطاع وقامت بنشر صور لجثة العميل القتيل مع أسلحة ووسائل كانت بحوزته، وتكتم الاحتلال منذ ذلك الحين ورفض الجيش التعقيب على النبأ.