الشباب العماني .. وتحديات المرحلة
تاريخ النشر: 25th, October 2025 GMT
تحتفل سلطنة عُمان بمناسبة يوم الشباب العماني في محطة مهمة تؤكد على الدور المحوري الملقى على عاتق الشباب في بناء الوطن في منعطف مهم من منعطفات التاريخ العماني حيث يعيش العالم تحولات متسارعة في كل المجالات وصراعات على الهوية والثقافة والمستقبل.
وفي مثل هذه المناسبة التي يشعر فيها الشباب بقيمتهم ومكانتهم لا بد من الحديث عن أهم التحديات التي تواجههم وآليات تجاوزها، وهي تحديات عالمية ثقافية واقتصادية وحضارية ووجدانية.
ورغم التحديات التي يبدو بعضها بنيويا وعميقا إلا أن المجتمع العماني ومؤسساته السياسية والاجتماعية والثقافية والاقتصادية تعيش حالة تفاؤل كبيرة بقدرة الشباب العماني على النهوض بمجتمعه والمساهمة الفعالة في مشاريعه الإصلاحية في المجالات الاقتصادية والاجتماعية والمالية والإبداعية، وهذه الثقة تستحق المزيد من الاستثمار سواء من قبل الشباب أو حتى من قبل المؤسسات التي ترى في هذا الجيل رافعة مهمة لإحداث التحول وبناء المشروعات التي تترك أثرا عميقا.
ويتملك الشباب العماني كل المعطيات التي تجعله قادرا على تحمل المسؤولية.. فالنسبة الأكبر منه تحمل شهادات جامعية في مستويات مختلفة، وتملك مهارات تتناسب مع ما تحتاجه مؤسسات المجتمع، كما أثبت أنه على قدر كبير من التمسك بأخلاق مجتمعه وقيمه ومبادئه وكذلك أخلاق ومبادئ أمته الإسلامية. وأنه قادر على تمثيلها التمثيل الأفضل في لحظة الحقيقة. وهم قبل ذلك يعيشون في وطن لا يشعرون فيه بأي مستوى من مستويات الغربة أو التجاهل، فقضاياه الأساسية قضاياهم وسعيه الأصيل من أجل أن يستطيعوا تجاوز تحدياتهم. على أن هذا لا يعني أنهم بلا تحديات! فالتحديات عالمية ولكن الفرق أنها هنا تحت مجهر الإصلاح والبحث عن الحلول بشكل سريع، فالإيمان أن الشباب هم عماد الوطن وهم أركانه، وهذا يساعد الجميع من أجل تجاوز كل التحديات التي قد تعيق المسير أو تكدر صفوه.
وتعمل عُمان بشكل دؤوب على تجاوز فجوة الكفاءات في مختلف القطاعات؛ ولذلك فإن عملية التدريب مستمرة من أجل أن يتاح لكل الشباب العماني فرصة الانخراط في عملية البناء وإثبات الذات والقدرة على الإبداع. وهذه الفرص تستحق أن ينظر إليها باعتبارها اختبارات تكشف الكفاءة في التعامل مع المعرفة المتطورة والمتغيرة. يستحق هذا اليوم أن يقف المجتمع فيه أمام سؤال مهم وهو كيف يمكن تمكين جيل الشباب في مختلف قطاعات الدولة، وكيف يمكن أن يحدثوا تغييرا جذريا يتواكب مع تطلعاتهم ومع الصورة التي يريدون أن يروا عُمان عليها. الأمنيات وحدها لا تصنع شيئا.. إنما العمل هو الذي يحدث التغيير، وكذلك الوعي. والمرحلة القادمة تستحق المزيد من العمل المنطلق من وعي وفهم بما يحدث في هذا العالم. ويملك الشباب من الحيوية ما يجعلهم يبدعون في مختلف المجالات والابتكارات وأن يعملوا جاهدين في أن يؤسسوا ويصنعوا أعمالهم بأنفسهم فالوظيفة الحكومية في سياق الحديث عن الوظائف لا يمكن أن تستوعب كل أجيال الشباب القادمة وهذا دور قطاع الإنتاج الذي يمكن أن يصنع فارقا كبيرا في مرحلة الإصلاح الاقتصادي وتنويع مصادر الدخل. ويبقى الأمر محاطا بالكثير من التحديات ولكن ما يملكه الشباب العماني يعطيه أفضلية في تجاوز كل التحديات وبناء واقع جديد ووعي مختلف قادر على استيعاب ما يحدث في العالم وآفاق تجاوزه.
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: الشباب العمانی
إقرأ أيضاً:
هل تستحق عُمان خيانة الأمانة؟!
د. محمد بن خلفان العاصمي
"من ضيّع الأمانة ورضي بالخيانة فقد تبرأ من الديانة"، الإمام علي بن أبي طالب، كرم الله وجهه.
*****
لا يوجد شيء يتسبب في تعطيل خطط التنمية ويوقع الدول في التخلف عن ركب التقدم والازدهار أكثر من خيانة الأمانة؛ فهذه المسألة هي الباب الرئيسي للفساد، وهي النافذة التي يتمكن من خلالها أصحاب المصالح من الولوج إلى مآربهم التي يسعون خلفها، وتفعل خيانة الأمانة في الدول ما لا تفعله الحروب، حيث ينعكس أثرها بشكل مباشر على جميع الشرائح في المجتمع فتسوء الخدمات، وتنحدر العلاقة بين الحكومة والمجتمع وتنعدم الثقة بين أفراد المجتمع، إلى أن تفضي بهذه الدول إلى العنف والفوضى والتخلف.
يقول المولى عزَّ وجلَّ "إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَن يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنسَانُ ۖ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا" (الأحزاب: 72)، هذه هي الأمانة كما وصفها الله سبحانه وتعالى وأخبر بها النبيَّ صلى الله عليه وسلم والمؤمنين بأنها ثقيلة على السموات والأرض، فكيف بالإنسان الذي لا طاقة له، ولكنه ظلوم جهول على نفسه، ومن شدة ظلمه لنفسه لم يبالِ بما حمل فراح يعيث في الأرض الفساد، ويعتدي ويظلم ويُسيء إلى ربه سبحانه وتعالى وإلى الناس، فيأكل الحرام، ويستحله بكل إصرار وتكبر.
وربما هي طبيعة النفس البشرية التي جبلت على حب المال والغنى، تلك الطبيعة التي لو تركت على هواها لغلبها السعي للوصول إلى الغايات دون مبالاة بالوسيلة، حتى إن كانت هذه الوسيلة هي خيانة الأمانة والإفساد والانحراف، وهذه هي التي تدفع الإنسان إلى عدم النظر فيما يفعله، وتحمله على البحث عن الفرص المناسبة واغتنامها وتنفيذ كل ما يرغب فيه من كسب غير مشروع، وفي سبيل ذلك لا يتورع عن أي فعل مهما كان ظانًا أن ذلك تميزًا منه وذكاءً، "زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاءِ وَالْبَنِينَ وَالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ وَالْأَنْعَامِ وَالْحَرْثِ ۗ ذَٰلِكَ مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ۖ وَاللَّهُ عِندَهُ حُسْنُ الْمَآبِ" (آل عمران: 14).
لقد جاء تقرير جهاز الرقابة المالية والإدارية للدولة والذي عرض الجهاز منه نسخة للمجتمع، صادمًا بكل ما تحمل الكلمة من معنى؛ فالمجتمع ينتظر من كل مسؤول نال ثقة القيادة ونال شرف الوظيفة أن يصون الأمانة، وأن يضع خدمة الناس نصب عينيه، وأن يحفظ المال العام حفظ النفس والروح، ولكن المجتمع صعق وصدم في بعض من ظن فيهم الخير، والذي ظن أن لا رقيب عليه، وأنه بلغ من الحنكة والذكاء ما يمكنه من الوصول إلى غاياته دون أن يكشف أمره، ونسي رقابة الرقيب القدير عليه، الذي لا يخفى عليه شيء في الأرض ولا في السماء، ونسي أن هناك من يذل نفسه للحفاظ على موارد الوطن ومكتسباته.
هل جزاء هذه الثقة هو الخيانة؟ وهل تستحق هذه البلاد الطيبة أن يرد لها الجميل بالنكران؟ هل يليق بهذا الوطن العزيز أن يخان ويعتدى على موارده؟ هل وطن مثل عُمان تُخان أمانته وتُنهب خيراته، وهو الوطن الذي لم يضن على أبنائه بشيء؟ يقول السلطان الخالد قابوس بن سعيد- طيب الله ثراه- "إن الوظيفة أمانة ومسؤولية قبل أن تكون سلطة ونفوذًا"، كما كانت أولى كلمات حضرة صاحب الجلالة السلطان هيثم بن طارق المعظم- حفظه الله وأبقاه- يوم تولى مقاليد الحكم "إن الأمانة الملقاة على عاتقنا عظيمة والمسؤوليات جسيمة فينبغي لنا جميعًا أن نعمل من أجل رفعة هذا البلد وإعلاء شأنه". ولا أعلم كيف يستغل الموظف أو المسؤول سلطته ومنصبه الذي من المفترض عليه من خلاله أن يخدم الناس، فإذا به يستولي على المال العام، ويسعى لتحقيق مكاسب غير مشروعة، أو ان يسهل لفاسد قام برشوته لتحقيق غايته، ويجد المواطن نفسه وقد تحطمت اماله نتيجة هذا الفساد.
إنَّ خيانة الوطن من خلال هدر أمواله والاعتداء عليه تستوجب المحاسبة الشديدة، والتعامل الحازم دون تهاون أو رأفة، وحتى يرتدع من سوَّلت له نفسه القيام بذلك لابد من تطبيق القانون عليه بشكل مباشر، وما إشراك المجتمع في هذا الشأن إلّا تعزيزًا لمبدأ الشفافية والنزاهة التي انتهجتها الحكومة في هذا العهد، وما هو إلّا انعكاس لفكر القائد المفدى- حفظه الله- وإيمانه بأن هذا السرطان هو الخطر الأكبر على الأمة، ولذلك يجب علينا جميعًا أن نقف صفًا واحدًا في مواجهة من ينحرف عن المسار، ومن تسول له نفسه مد يده إلى المال العام؛ فالمواطن هو الحارس الأول على مكتسبات الدولة، وهو صاحب الحق في مراقبة المال العام، وهذا واجب إلزامي لا مناص منه حتى يظل هذا الوطن شامخًا ساميًا نزيهًا.
رابط مختصر