حرب أوكرانيا وصعود الصين.. هل بددا حلم بوتين بعالم متعدد المراكز؟
تاريخ النشر: 30th, October 2025 GMT
واشنطن"د. ب.أ": سيطرت فكرة نجاح روسيا في إحداث تغيير جذري في الهيكل السياسي والاقتصادي والعسكري للعلاقات الدولية على جوهر الخطاب السياسي للرئيس الروسي فلاديمير بوتين خلال العامين الأخيرين.
وفي تحليل نشره موقع مجلس العلاقات الخارجية الأمريكي قال ستيفن سيستانوفيتش الأستاذ في كلية الشؤون الدولية بجامعة كولومبيا إن بوتين يرى ظهور "الأغلبية العالمية" الجديدة، الحازمة، يمثل تحديا للنظام القديم بقيادة الغرب الذي تعامل مع باقي دول العالم "بالحديث الأحادي ولغة الوعظ المتواصل، والأوامر".
وقد أحسن بوتين استغلال فكرة تحدي سيطرة الغرب على النظام العالمي خلال الأشهر الأخيرة، لكن الربع الأخير من العام الحالي قد يظهر مدى ضآلة الفوائد الحقيقية التي تحققها هذه الفكرة للدبلوماسية الروسية.
وقد اكتسبت فكرة تبلور عالم "متعدد المراكز" زخما كبيرا عبر سلسلة اجتماعات رفيعة المستوى عقدت صيف العام الماضي، من بينها قمة منظمة شنغهاي للتعاون والأمن، ومجموعة بريكس، والمنتدى الاقتصادي الأوراسي، وحشد القادة الذين توافدوا على بكين للاحتفال بالذكرى الثمانين لنهاية الحرب العالمية الثانية. وبدا واضحا خلال تلك الفعاليات نجاة بوتين شخصيا من العزلة الدبلوماسية التي تعرض لها منذ قراره الحرب في أوكرانيا في فبراير 2022.
كما شهدت الفترة الأخيرة ميل السياسة الخارجية الروسية المتزايد نحو آسيا، حيث توافقت روسيا والقوى الآسيوية على أن الولايات المتحدة نفسها أصبحت معزولة في ظل سياسات المواجهة التجارية التي ينتهجها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب.
لكن الأحداث والتطورات القادمة قد تقدم قصة مختلفة، فبوتين لا يستطيع حضور أي من أكبر حدثين متعددي الأطراف هذا الخريف، وهما قمة التعاون الاقتصادي لآسيا والمحيط الهادئ في كوريا الجنوبية اليوم، وقمة مجموعة العشرين في جنوب أفريقيا في أواخر نوفمبر.
وفي كلتا الحالتين، سيكون السبب واحد، وهو مذكرة الاتهام الموجهة ضده من المحكمة الجنائية الدولية بارتكاب جرائم حرب، والتي تدعمها كل من كوريا الجنوبية وجنوب أفريقيا بحماس. ويمكن لبوتين أن ينتقد "قواعد" النظام الدولي القمعية، لكن اتضح أن "أغلبيته العالمية" تحب بعض هذه القواعد بالفعل.
المشكلة الثانية هي اقتصاد روسيا المتدهور بشكل متزايد. فبينما أبقى صندوق النقد الدولي على توقعاته لنمو الاقتصاد العالمي، خفض توقعاته لنمو الناتج المحلي الإجمالي لروسيا خلال العام الحالي إلى النصف. في الوقت نفسه تحدث وزراء بوتين أنفسهم عن ركود اقتصادي محتمل هذا العام، مع "كساد" بعد ذلك. وقد اضطر بوتين إلى التراجع عن وعده بعدم زيادة الضرائب؛ مع انخفاض عائدات تصدير الطاقة؛ واستمرار الحاجة إلى تمويل آلة الحرب الدائرة في أوكرانيا. ولجأت السلطات الروسية إلى تطبيق نظام الحصص في البنزين في مدن كثيرة بسبب نقص الإمدادات. ولأن التضخم لا يزال مرتفعا، فإن أسعار الفائدة التي يفرضها البنك المركزي مرتفعة أيضا ــ وهي لا تزال عند مستوى 17%.
ورغم تباين الآفاق الاقتصادية بين دول الجنوب العالمي، فإن مستقبل روسيا يعني أن بوتين لا يستطيع التطلع إلى قيادة الجنوب العالمي في القضايا الاقتصادية، بما في ذلك تجارة الطاقة. لذلك فإن روسيا وشركاءها في مجموعة البريكس، ستصبح خاضعة للأسعار التي تحددها أسواق النفط والغاز. وجاء إعلان الولايات المتحدة في الأسبوع الماضي عن حزمة عقوبات على أكبر شركات النفط الروسية ليتيح للهند، على الأقل، المطالبة بخصومات أكبر على أي نفط خام تستورده من روسيا. وبينما تقلل الصين وارداتها من النفط الروسي، فقد تواصل أيضا تعطيل بناء خط أنابيب الغاز "قوة سيبيريا 2" الذي طال تأجيله.
و خلال العقود الثلاثة التي انقضت منذ اجتماعه الأول، شهد منتدى التعاون الاقتصادي لدول آسيا والمحيط الهادئ تحولا ملحوظا بفضل النمو التاريخي للصين، وهذه القمة - مثل العديد من القمم التي سبقتها - ستضع نتائج المحادثات الأمريكية الصينية في مركز الصدارة. و كل زعيم حاضر في منتدى التعاون الاقتصادي لدول آسيا والمحيط الهادئ يود أن يرى ما إذا كان الاجتماع بين ترامب والرئيس الصيني شي جين بينج سيحقق الهدف منه.
ومع ذلك، فإن كون الصين الشريك التجاري الأهم لمعظم الدول الممثلة في قمة كوريا الجنوبية لا يعني أن هذه الدول تحاول ببساطة إيجاد موضع بين واشنطن وبكين.
ما يراه بوتين في منتدى التعاون الاقتصادي لدول آسيا والمحيط الهادئ هو أن أهم القادة الحاضرين يأملون في تعزيز علاقاتهم مع ترامب. فهم، يريدون أكثر من أي وقت مضى، جني ثمار التعاون الأمني مع الولايات المتحدة. وينطبق هذا على حلفاء قدامى مثل اليابان وكوريا الجنوبية وأستراليا والفلبين؛ وعلى شبه حلفاء مثل سنغافورة؛ وعلى الدول المترددة مثل فيتنام وإندونيسيا.
ولا تتطلع أي من هذه الدول تقريبا إلى روسيا لتعزيز أمنها. وحتى لو لم تتمكن هذه الدول من حل نزاعاتها الجمركية مع إدارة ترامب، فإن المواجهة لا تتيح سوى فرص قليلة أمام بوتين للتحرك.
أخير فإن نمو القوة الصينية أدى إلى زيادة تركيز العديد من دول آسيا والمحيط الهادئ على تعزيز العلاقات الأمنية مع الولايات المتحدة لمواجهة هذه القوة، مما يحول دون ظهور نظام "متعدد الأقطاب" الذي يأمل بوتين الاستفادة منه. كما ينطبق الأمر نفسه بشكل أكبر على حربه ضد أوكرانيا.
فلو لم يشن بوتين الحرب على كييف في قبل أكثر من ثلاث سنوات ونصف لكانت عداوة ترامب لحلف شمال الأطلسي (الناتو) وحربه الجمركية مع الاتحاد الأوروبي قد ساهمت بشكل أكبر في تقويض الوحدة الغربية وهمشت التحالف الأمريكي الأوروبي، لكن اقتراب الجيش الروسي من حدود حلف الناتو أدى إلى تقارب قوي بين الولايات المتحدة وأوروبا، بعيدا عن سياسات ترامب الانعزالية وحروبه التجارية.
معنى ذلك فإن خطأ بوتين بحربه في أوكرانيا، وقوة الصين الصاعدة بددا حلمه في قيام "عالم متعدد المراكز".
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: آسیا والمحیط الهادئ التعاون الاقتصادی الولایات المتحدة
إقرأ أيضاً:
روسيا تطلق 650 مسيرة و50 صاروخا على أوكرانيا خلال الليل
كييف- رويترز
قال الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، اليوم الخميس، إن روسيا أطلقت أكثر من 650 طائرة مسيرة و50 صاروخا لمهاجمة أوكرانيا خلال الليل.
وذكر عبر منصة إكس أن المسيرات والصواريخ أصابت منشآت للطاقة ومدنيين