لم يكن الزواج يومًا ساحة صراع، بل ميثاقًا للسكينة والمودة، لكن حين يختلط الحب بالأنانية، والرعاية بالسيطرة، يتحول المأوى إلى متاهة نفسية، ويصبح البيت الذي خُلق ليمنح الطمأنينة مصدرًا للاضطراب والتآكل الداخلي.

كثير من النساء بدأن علاقتهن بحبٍ صادق، ظنن أنه سيحميهن من الخوف والوحدة، لكنه بمرور الوقت كشف عن وجهٍ آخر.

.. وجه الرجل النرجسي الذي لا يحب إلا ذاته.

يُتقن هذا النوع فنّ التلاعب، يبدأ بالاهتمام المفرط، ثم يتحوّل شيئًا فشيئًا إلى منتقد لكل ما فيك. يشكّك في قيمتك، يزرع اللوم فيك، ويُقنعك أنك السبب في كل خلاف.

ومع مرور الأيام، تبهت الألوان، ويصبح الحب ساحة اتهامٍ وصمتٍ وخذلانٍ متكرر.

تعيش المرأة في العلاقة السامة دورة من الأمل والخذلان، من التبرير إلى الانكسار.

تغفر على أمل أن يتغير، ثم تصحو على الحقيقة المؤلمة بأنه لا يريد سوى أن يحتفظ بها مكسورة كي يظل هو الأعلى.

وفي كل مرة تحاول النهوض، يأتيه الخوف من فقدان السيطرة، فيعيدها إلى دائرة الذنب والشك.

علم النفس يُسمي هذا النمط من العلاقات بـ«الارتباط المؤذي» علاقة تتغذى على الخوف لا على الحب، على السيطرة لا على الشراكة، على الحاجة لا على الاختيار.
وهنا ينهار التوازن الإنساني الذي أراده الله في قوله: «لتسكنوا إليها».

فكيف تسكن روحٌ في بيتٍ تُسحق فيه كرامتها كل يوم؟

المجتمع يزيد الجرح نزفًا حين يردد لها كلمات مثل: «اصبري من أجل الأولاد»، أو «الرجال كلهم هكذا»، متجاهلًا أن الصبر على القهر ليس فضيلة، وأن الأطفال الذين ينشأون في بيتٍ مليء بالإهانة لا يخرجون أسوياء، بل يورّثون الوجع ذاته لأجيالٍ جديدة.

الحقيقة أن الانفصال ليس دائمًا نهاية، بل أحيانًا هو بداية الشفاء.

حين تختار المرأة كرامتها بعد أن استُنزفت، فإنها لا تهرب، بل تنقذ نفسها من الانطفاء.

الانسحاب من علاقة مؤذية ليس ضعفًا، بل وعيًا متأخرًا بحقها في الأمان النفسي.

في العلاقات السامة لا يُحبك الآخر لأنك أنت، بل لأنك تُشبع احتياجه للسيطرة.

وحين تتوقفين عن الخضوع، يسقط القناع، ويتلاشى الحب الذي كان في حقيقته حبًّا للذات.

المرأة الواعية اليوم تعرف أن الزواج ليس محطة للنجاة من الوحدة، بل تجربة نضج، وأن الرجل الحقيقي لا يُطفئها ليُضيء نفسه، بل يقف بجانبها ليتشاركا النور.

هي لا تحتاج من يُكملها، لأنها مكتملة بذاتها، لكنها تبحث عن من يشاركها الحياة دون أن ينتقص منها شيئًا.

فلنعد تعريف الزواج كما أراده الخالق سكن، ورحمة، وتكامل.
ولتعرف كل امرأة أن الحب الحقيقي لا يُطفئها، بل يمدّها بالضوء.

وأن من الحب إلى التلاشي... خطوة واحدة اسمها «السكوت عن الأذى».

طباعة شارك الزواج الحب الرعاية المأوى البيت الطمأنينة

المصدر: صدى البلد

كلمات دلالية: الزواج الحب الرعاية المأوى البيت الطمأنينة

إقرأ أيضاً:

الحب يحرق المدارس الدولية

كشفت خناقات طلاب وطالبات المدارس الدولية عن أزمة تربوية أخلاقية اجتماعية، وخلل خطير بهذا النوع من التعليم فى مصر، تتعامل معه وزارة التربية والتعليم للأسف الشديد بمسكنات وبيانات تنفى مسئوليتها وتلقى باللوم على أسرة الولد أوالبنت بطلة كل قصة فى تلك المدارس.

ورغم أن المفهوم الخاطئ للحب، وعلاقة الزمالة هى القاسم المشترك فى الخناقات التى يرتكبها هؤلاء داخل محيط المدرسة أو خارجها، إلا أن الوزارة تتعامل بسلبية شديدة، دون أن تحرك ساكنًا لتعديل وتصحيح المفاهيم السيئة وتوجيهها إلى المسار الصحيح.

وهذا لا يعنى أن طلاب مدارس زمان، كانوا بلا عاطفة ومشاعر، ولكنهم تلقوا تربية جيدة من الأب والأم والمعلم والمعلمة، فعاشوا الحب ببراءة وخجل وحياء دون عنف وخناقات أو إيذاء المحبوب أو تعريض أحد أفراد الأسرة للموت كما شاهدنا وسمعنا ما حدث من طلاب بعض المدارس الدولية فى زايد والتجمع وغيرها من مدن وأحياء طبقة المال والنفوذ.

وكاذب من يدعى أنه لم يحترق بكبريت المراهقة، ولم يحب أو يتحب من زميلته أو بنت الجيران فى المرحلة الإبتدائية، مرورًا بالإعدادية فالثانوية، ومع ذلك لم نكن نسمع بهذه الحوادث المخجلة، لأن الجميع كان يحترم نفسه ويقوم بدوره كما يجب، فى البيت والفصل والمسجد، على عكس ما يحدث الآن.

نعم المدرسة ليست المسئولة وحدها، ولكنها جزء رئيسى من مشكلة تعليمية تربوية سيظل المجتمع يعانى منها إن لم تتحرك المؤسسات المعنية لعلاجها وإزالة أسبابها ودوافعها. ولا أعفى الأسرة من المسئولية باعتبارها وعاء التنشئة، ولكن تبقى المدرسة مسئولة عن توجيه وتهذيب التربية إذا انحرفت عن المسار، ثم المسجد كمؤسسة مهمة تزرع المبادئ الدينية فى نفوس الجميع.

لن أقول الاختلاط السبب، فمثل هذه الخناقات نادرة الحدوث فى المدارس الحكومية المختلطة (مدارس الفقراء)، على عكس المدارس الدولية، والسبب تلقى الطالب مناهج لا علاقة لها بنشأته وتربيته، تأتيه من دول أجنبية حسب نوع المدرسة (أمريكية، بريطانية، فرنسية، ألمانية، كندية..الخ)، وهى مناهج لا يركز أغلبها على الجانب الأخلاقى والدينى، ولا تخضع لرقابة وزارة التعليم إلا فى أضيق الحدود المالية والإدارية فقط.

وفى ضوء ذلك، وفى زمن التكنولوجيا المعلبة، والسوشيال ميديا، صعبة التحكم والسيطرة، صارت التربية مهمة شاقة للأسرة المشغولة دائمًا بجمع المال، وعدم تفرغ الأم قبل الأب للتربية، تاركة هذه المهمة للمدرسة، سواء كانت حكومية أو خاصة أو دولية، وتلك هى المصيبة الكبرى؛ ولم تعد المدرسة كالتى تلقينا فيها وآباؤنا دروسنا الأولى ورضعنا منها أسس التربية، وفقد المسجد دوره بعد أن اعتلى منبره شيوخ منفصلون تمامًا عن واقعنا.

وهنا لا بد من وقفة لإعادة ضبط البوصلة التربوية داخل تعليم الطبقة (الهاى) الراغبة فى تعليم أبنائها وبناتها تعليما جيدًا يواكب سوق العمل، (وهذا حقهم) ولكن ليس من حق بعضهم ممن يملكون المال والواسطة والمحسوبية أن يروعوا المجتمع بعضلاتهم وسياراتهم الفارهة ونقص التربية.

الكارثة.. أن هذه الطبقة لم تعد كما كانت فى الماضى تجمع بين المال والعلم والأخلاق وإنما دخلتها عناصر جديدة تملك المال فقط، ومشغولة دائمًا بجمعه وتوظيفه لتقوية ظهور أبنائهم الصغار، ودفعهم دفعًا لممارسة أى شىء فى أى زمان ومكان؛ حتى ولو كان ضد القانون؛ الأمر الذى يتطلب تشديد الإجراءات العقابية، وإعادة النظر فى معايير وضوابط الإلتحاق بمدارس لا تنتمى لنا.

مطلوب فورًا تضمين مناهج المدارس الدولية مادة أو محتوى تربوى دينى يتواءم وطبيعة مجتمعنا لا المجتمع الغربى، وإزالة المفاهيم المعكوسة من عقول أبناء هذه الطبقة الثرية، والذين يتباهون بأموال ومناصب آبائهم، ويمارسون خلف ستارها أبشع سلوكيات العنف والإجرام وما يتنافى تمامًا مع قيمنا.

 

[email protected]

مقالات مشابهة

  • بمناسبة احتفالات الهالوين.. أسرار علمية وراء مشاعر الرعب
  • من الخوف إلى الفخر غدا رسالة مصر الي العالم
  • استشارية أسرية: الحب والانفصال لا يتعارضان.. فالمشاعر تبقى رغم الفراق
  • خوف أكبر من الخيال.. فوبيا الطفولة التي يجب عدم تجاهلها
  • الأمن الوطني الذي صار عقيدةَ الخوف
  • عودة الأشباح: كيف يرتعد نظام السيسي أمام صوت جيل زد في بروكسل؟
  • الحب يحرق المدارس الدولية
  • د. أمل منصور تكتب: هل نحن نحب من يُشبهنا أم من يُكملنا ؟
  • د.هبة النجار تكتب: مصر.. وطن السلام