المدير تحت التقييم!
تاريخ النشر: 3rd, November 2025 GMT
خالد بن حمد الرواحي
في صباحٍ اعتيادي داخل أحد المكاتب الحكومية، جلس المدير يراجع ملفات الأداء الشهرية قبل أن يلتفت نحو موظفه قائلًا بنبرةٍ حازمة: "أداؤك هذا الشهر لا يُرضيني إطلاقًا… هذا تقييمك".
ابتسم الموظف بهدوء وأجابه بثقة: "تمام أستاذي العزيز… لكن هذه المرة، جاء دوري أنا لأقيّمك أيضًا".
توقّف المشهد عند هذه الجملة التي لم تألفها بيئة العمل العربية بعد، وكأنَّها دعوةٌ للتفكير في واقعٍ إداري جديد قد يُعيد صياغة مفهوم القيادة والتقييم معًا.
                
      
				
فهل يمكن أن يُقيّم الموظف مديره فعلًا؟ وهل يمكن أن تتساوى الكفّتان في ميزان العدالة المؤسسية؟
هذه الفكرة لم تعد خيالية بعد إعلان دولة قطر عن إدخال "نظام التقييم التصاعدي" ضمن تعديلات قانون الموارد البشرية الجديد، والذي يتيح للموظف المشاركة في تقييم مديره وفق المعايير ذاتها التي يُقيَّم بها هو. القانون الذي خضع لتجربةٍ دامت عامين سيدخل حيّز التنفيذ مطلع عام 2026، في خطوةٍ غير مسبوقة خليجيًا تعكس جرأةً في تحديث أدوات الإدارة الحكومية.
إنها نقلةٌ نوعية تعيد تعريف العلاقة بين المدير والموظف، وتهدف إلى تعزيز العدالة والشفافية داخل بيئة العمل، وتحويل التقييم من أداة رقابة إلى وسيلة تطويرٍ متبادل تُحاسَب فيها القيادة بقدر ما تُحاسب الآخرين.
ولم تأتِ هذه الفكرة من فراغ؛ فـ"التقييم التصاعدي" يستند إلى فلسفةٍ إدارية متقدمة ترى أن القيادة لا تُقاس بسلطة المنصب، بل بقدرة القائد على الإلهام والاستماع والتفاعل. إنّها دعوة لإعادة تعريف دور المدير من متحكمٍ في الأداء إلى شريكٍ في النجاح، ومن موجّهٍ للأوامر إلى صانعٍ للثقة داخل الفريق.
وفي مؤسساتٍ عالمية مثل Google وMicrosoft، يُطلب من الموظفين تقديم آراءٍ صريحة حول أداء مديرهم في مجالات التواصل، والتحفيز، وإدارة الفريق. النتيجة لم تكن تحدّيًا للسلطة، بل تعزيزًا للوعي القيادي؛ إذ يحصل المدير على تغذيةٍ راجعةٍ حقيقية تمكّنه من تطوير أسلوبه الإداري. إنها آلية لا تضعف الهيبة، بل تبني الثقة، لأنَّ المدير الذي يملك الشجاعة لتلقّي التقييم، هو ذاته القادر على التطوير بثقةٍ واتزان.
لكن تطبيق هذا المفهوم في البيئات العربية – والعُمانية تحديدًا – ليس بالأمر الهيّن. فثقافة العمل لدينا ما زالت تقوم على التدرّج الهرمي الصارم، حيث يُنظر إلى المدير باعتباره مصدر القرار والسلطة، لا شريكًا في التطوير. وفي مثل هذه الثقافة، قد يُساء فهم التقييم التصاعدي على أنه نوعٌ من التجرّؤ أو تجاوزٌ لحدود الأدب الوظيفي، بدلًا من اعتباره أداةً لبناء الثقة وتحقيق العدالة في بيئة العمل.
كما أن نجاح هذا النظام يتطلب نضجًا مؤسسيًا متكاملًا يضمن ألا تتحوّل التقييمات إلى وسيلة لتصفية الحسابات أو تبادل المجاملات، بل إلى أداةٍ حقيقية لتحسين الأداء وتعزيز الكفاءة. وهي خطوة تحتاج إلى استعدادٍ نفسيٍ وإداريٍ متبادل؛ فالموظف عليه أن يُعبّر بمسؤولية، والمدير عليه أن يسمع دون تحفّظ، لأن الهدف الأسمى ليس المحاسبة، بل المصارحة من أجل التطوير.
في سلطنة عُمان، يمكن أن يكون هذا النظام خطوةً رائدة نحو ترسيخ العدالة المؤسسية وتمكين الكفاءات، إذا ما طُبّق تدريجيًا وضمن إطارٍ مدروس. فـ«رؤية عُمان 2040» أكدت على بناء جهازٍ إداري فعّال يتسم بالشفافية والمساءلة، ويُدار وفق معايير الأداء لا الأقدمية. وهي مبادئ تنسجم تمامًا مع فلسفة التقييم التصاعدي، التي تسعى إلى خلق بيئةٍ عملٍ عادلة تُقدّر الكفاءة بقدر ما تُقدّر القيادة.
يمكن البدء بتجارب محدودة في بعض الوزارات والمؤسسات ذات الثقافة التنظيمية المتقدمة، مع تطوير منصات إلكترونية آمنة تتيح للموظفين تقديم تقييماتهم بسرّيةٍ وموضوعية. ويتم تحليل النتائج ضمن مؤشراتٍ مؤسسية دقيقة تضمن العدالة، وتُجنّب الشخصنة والمجاملات، وتدعم في الوقت ذاته مسار الإصلاح الإداري. وحين تصل المؤسسات إلى هذا المستوى من النضج، سيصبح التقييم التصاعدي أداة إصلاحٍ يومية لا شعارًا إداريًا جميلًا.
وفي النهاية، لا يقوم هذا النظام على فكرة المحاسبة، بل على مبدأ المشاركة في التطوير. فالمؤسسات التي تتيح لموظفيها التعبير بصدق، وتقبل النقد بروحٍ ناضجة، لا تفقد هيبتها، بل تزداد احترامًا واستقرارًا. وعندما يدرك المدير أن سلطته مسؤولية قبل أن تكون امتيازًا، ويدرك الموظف أن رأيه أمانة قبل أن يكون حقًا، تتأسس بيئة عملٍ عادلة تُصنع فيها الكفاءة بالاحترام لا بالمحاباة.
إن الإدارة الحديثة لا تُقاس بعدد الأوامر الصادرة من الأعلى، بل بقدرتها على الإنصات لمن هم في الميدان. وحين تصل مؤسساتنا إلى هذه المرحلة من الوعي، لن يكون التقييم التصاعدي قانونًا جديدًا فحسب، بل ثقافةً وطنية تُعيد للعدالة صوتها وللإنسان مكانته داخل البيئة المؤسسية الحكومية.
رابط مختصرالمصدر: جريدة الرؤية العمانية
إقرأ أيضاً:
المدير التنفيذي لمعرض الكتاب: الهوية القومية شعار الدورة 57 ورومانيا ضيف الشرف
كشف الدكتور أحمد مجاهد، المدير التنفيذي لمعرض القاهرة الدولي للكتاب، عن تفاصيل الدورة الـ57 من المعرض، مؤكدًا أن رومانيا ستكون ضيف شرف الدورة هذا العام، وسيُقام لها احتفال كبير يليق بها يتضمن ترجمة أعمال أدبية واستضافة كبار المفكرين والكتاب الرومانيين.
وأضاف خلال مداخلة ببرنامج هذا الصباح على قناة «إكسترا نيوز»، أن الدورة الجديدة ستشهد زخمًا ثقافيًا كبيرًا يشمل ندوات واحتفاليات متعددة، أبرزها الاحتفاء بالمتحف المصري الكبير كحدث عالمي، بإشراف الدكتور ممدوح الدماطي وزير الآثار الأسبق وعضو اللجنة العليا للمعرض.
وأشار «مجاهد» إلى أن برنامج الفعاليات يتضمن أيضًا الاحتفال بمرور 70 عامًا على تأميم قناة السويس و100 عام على بداية عصر التلفزيون، موضحًا أن هذه الفعاليات ستتطرق إلى الدراما المصرية ومدرسة التلاوة كجزء من الهوية الثقافية الوطنية، موضحا أنه ولأول مرة ستخصص قاعتين كبيرتين داخل صالة البيع لإقامة حفلات التوقيع ومناقشات الكتب فقط، تلبيةً لطلب الناشرين، مؤكدًا أن هذه التجربة تُطبَّق في المعارض العالمية الكبرى مثل معرض فرانكفورت للكتاب، وتساهم في زيادة التفاعل بين المؤلفين والجمهور.
وكشف المدير التنفيذي لمعرض القاهرة الدولي للكتاب، أن شعار الدورة 57 سيكون «الهُوية القومية»، موضحًا أن المعرض هذا العام يحتفي بعدد من رموز الثقافة المصرية، من بينهم نجيب محفوظ (20 عامًا على وفاته)، إدوارد الخراط (100 عام على ميلاده)، زكريا إبراهيم (100 عام على وفاته)، فاروق شوشة (10 أعوام على رحيله)، أحمد أمين (70 عامًا على وفاته)، والفنان سيف وانلي والمخرج يوسف شاهين (100 عام على ميلادهما).
وقال: «كلما تمسّك المبدع بهُويته القومية، ازداد حضورُه في أعين العالم، كما فعل نجيب محفوظ، الذي وصلت عالميته من خلال جذوره المصرية الأصيلة».