الجنوب اللبناني يغلي على وقع تصعيد تل أبيب وتحذيرات بيروت
تاريخ النشر: 3rd, November 2025 GMT
بيروت – تتصاعد المخاوف في لبنان من احتمال انزلاق البلاد نحو جولة جديدة من المواجهة مع إسرائيل، في ظل تصعيد عسكري يُهدد بفتح جبهة جنوبية جديدة على حدود البلاد.
وخلال الأسابيع الأخيرة، كثّف الجيش الإسرائيلي عملياته داخل الأراضي اللبنانية، متهما حزب الله بإعادة تعزيز قدراته العسكرية على الحدود الشمالية، كما شهد الجنوب اللبناني تصعيدا واسعا، حيث ضاعفت إسرائيل غاراتها الجوية واستهدافاتها، مما أسفر عن مقتل 28 شخصا وإصابة 54 آخرين خلال أكتوبر/تشرين الأول المنصرم، وفق وزارة الصحة اللبنانية.
رافق هذا التصعيد تحليق مكثف للطائرات الإسرائيلية في الأجواء اللبنانية، وإلقاء قنابل صوتية، في وقت تستمر فيه الهجمات شبه اليومية التي تستهدف قرى الجنوب وشرقه، مما يجعل المشهد متوترا ومهددا بانفجار محتمل.
نذر المواجهة
ورغم الهدنة التي أُبرمت بوساطة أميركية وفرنسية، وتنص على انسحاب القوات الإسرائيلية من الأراضي اللبنانية وتراجع حزب الله إلى ما وراء نهر الليطاني، لا تزال إسرائيل تحتفظ بـ5 تلال إستراتيجية داخل الجنوب اللبناني.
في المقابل، أعلن الرئيس اللبناني جوزيف عون، استعداده للدخول في مفاوضات مع إسرائيل، بشرط وقف الاعتداءات، مؤكدا أن الهدف هو استرجاع الأراضي المحتلة، وإعادة الأسرى، وتحقيق الانسحاب الكامل من التلال.
ومع ذلك تشير التحليلات إلى أن هذه المبادرة لم تلق تجاوبا إسرائيليا، بل قوبلت بتصعيد مستمر وزيادة في الغارات.
في تل أبيب، تتوالى التصريحات المتشددة، حيث جدد رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو -المطلوب للمحكمة الجنائية الدولية بتهمة ارتكاب جرائم حرب في غزة– تهديداته لحزب الله، متوعدا بـ"إزالة أي خطر يهدد أمن إسرائيل"، أما وزير الحرب يسرائيل كاتس، فاتهم الحزب بأنه "يلعب بالنار"، وحمل السلطات اللبنانية مسؤولية فشل جهود نزع سلاحه.
إعلانوبين التصعيد العسكري والجهود الدبلوماسية، تختلف التقديرات حول المرحلة المقبلة، فبينما يرى مراقبون أن لبنان يقف على أعتاب مواجهة جديدة، يعتبر آخرون أن ما يحدث لا يتعدى كونه جزءا من سياسة "الضغط بالنار" التي تعتمدها إسرائيل لفرض شروطها دون الانزلاق إلى حرب شاملة حتى الآن.
وفي السياق، يرى المحلل السياسي يوسف دياب، أن تهديدات إسرائيل ضد لبنان تتزايد بشكل ملحوظ وتتسارع وتيرتها، في حين يستمر النقاش حول تطوير عمل لجنة مراقبة وقف الأعمال العدائية "الميكانيزم" بحيث يشمل تمثيلا مدنيا للجانب اللبناني، في حين يطالب بعض الأطراف بتمثيل سياسي أيضا، وهو ما يعكس -بحسب دياب- رغبة إسرائيل في التفاوض تحت الضغط، كما حدث عشية توقيع اتفاق وقف إطلاق النار في نوفمبر/تشرين الثاني 2024.
ويشير دياب في حديثه للجزيرة نت إلى أن إسرائيل تسعى اليوم إلى رفع سقف المواجهة والعمليات لتحقيق مكاسب سياسية من لبنان، وأن أهدافها تتجاوز مجرد تثبيت وقف إطلاق النار أو انسحاب القوات ووقف الخروقات الإسرائيلية وترسيم الحدود، وصولا إلى قضية الأسرى.
ويرى أن إسرائيل تهدف للضغط على لبنان لبدء إجراءات فعلية لنزع سلاح حزب الله حتى لو استلزم ذلك استخدام الجيش اللبناني القوة ضد الحزب، وهو ما قد يخلق أزمة داخلية وربما فتنة أو حربا أهلية.
وفي سياق متصل، يرى دياب أن إسرائيل تسعى للحصول على اعتراف سياسي بدورها، وأن يشكل الاتفاق مع لبنان إطارا لحلول سياسية وليس مجرد حلول أمنية أو عسكرية، وهو ما يربط تصعيد العمليات العسكرية برفض حزب الله اتخاذ أي خطوة تجاه إسرائيل بهذا الشأن.
ويضيف أن إسرائيل، من خلال الاغتيالات وتدمير المقرات ومخازن الأسلحة والبنى التحتية لحزب الله، تهدف إلى إجبار الحزب على رفع الراية البيضاء وتسليم سلاحه للدولة اللبنانية، معتبرة أن من حقها الإشراف على إجراءات نزع السلاح، ومع ذلك يواصل حزب الله الحديث عن إعادة بناء قدراته واستعداده للحرب، مما يجعل العمليات الإسرائيلية مستمرة.
ويتابع دياب أن مسؤولا إسرائيليا ألمح في الساعات الأخيرة إلى احتمال ضرب بيروت أو الضاحية الجنوبية، مما يعكس نية إسرائيل بتغيير قواعد اللعبة وإلغاء أي خطوط حمر أمام عملياتها، لدفع حزب الله إلى رد محدود يبرر تدخلا عسكريا أكبر.
ويرى أن لبنان اليوم يمر بمرحلة دقيقة وصعبة، خصوصا بعد تصريحات توم براك بأن لبنان "دولة فاشلة"، مما قد يشير إلى أن أي تفاوض مع الدولة اللبنانية قد يبقى بلا جدوى أو سقف محدد. ويعتقد المحلل أن هذا قد يكون مؤشرا على ضوء أخضر ضمني من أميركا لإسرائيل لتوسيع عملياتها، حتى لو أدى ذلك إلى مواجهة واسعة.
ويختم دياب قائلا إن الوضع يقترب من المرحلة التي سبقت عملية "البيجر" واغتيال الأمين العام السابق لحزب الله حسن نصر الله، حيث تدخلت المواجهة في شتى المجالات، مع غياب تصور واضح لدى الدولة اللبنانية لكيفية إدارة المرحلة المقبلة.
من جهته، يرى المحلل السياسي الدكتور علي مطر، أن إسرائيل تعمل اليوم وفق إستراتيجية التصعيد المتراكم في مسعى لمنع المقاومة من استعادة عافيتها.
إعلانويشير في حديثه للجزيرة نت إلى أن سلسلة التصريحات الصادرة عن نتنياهو ووزير الحرب كاتس تكشف أن تل أبيب، وإن لم تكن بصدد خوض حرب شاملة في هذه المرحلة، فإنها تواصل عملياتها العسكرية تحت ما تسميه "حرية الحركة"، لتحقيق أهدافها دون الحاجة إلى الانزلاق نحو مواجهة واسعة.
ويضيف مطر أن إسرائيل تمارس ضغطا عسكريا متدرجا وممنهجا، بضوء أخضر أميركي، لدفع لبنان نحو مسار تفاوضي، ولإضعاف المقاومة عبر إعادة فتح النقاش الداخلي حول مسألة حصرية السلاح بيد الدولة اللبنانية.
وبالمقابل، يؤكد أن حزب الله يعمل على إعادة بناء قدراته وتعزيز جاهزيته لأي مواجهة محتملة، مشددا على أن الحزب لا يسعى إلى الحرب، وأن تحركه يأتي في إطار دفاعي بحت، دعما للدولة اللبنانية وحماية لسيادتها، وفي حدود ما يعتبره استعدادا لأي عدوان محتمل.
ويتابع مطر أن إسرائيل تدرك أن الحزب دخل مرحلة تعافٍ حقيقي، وأن توازن الردع لا يزال قائما، لكنه يشير في الوقت نفسه إلى أن إسرائيل تعلم أن أي حرب مقبلة ستكون باهظة الكلفة، ولذلك تميل إلى تجنبها مع الإبقاء على سياسة الضغط والتهديد المستمرين.
خيارات بيروتويخلص المحلل مطر إلى أن الوضع الراهن بالغ الدقة والحساسية، وينعكس مباشرة على الأمن والاستقرار في لبنان ليس فقط في الجنوب والبقاع، بل على المستوى الوطني عموما.
ويُرجّح مطر أن يتصاعد السلوك الإسرائيلي كلما دعت الحاجة، في ظل دعم واضح من واشنطن، وهو ما تظهره تصريحات عدد من المسؤولين الأميركيين والإسرائيليين، بينهم توم براك الذي وصف الدولة اللبنانية بأنها "فاشلة"، في إشارة إلى توجه نحو مزيد من الضغط لدفع بيروت إلى أحد خيارين:
الانخراط في مفاوضات وفق الشروط الأميركية والإسرائيلية. أو زيادة الضغط الداخلي على المقاومة وسلاحها ودورها في الدولة.المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: شفافية غوث حريات دراسات الدولة اللبنانیة أن إسرائیل حزب الله إلى أن وهو ما
إقرأ أيضاً:
إسرائيل تهدد باستهداف بيروت
صراحة نيوز -أطلق وزير الدفاع الإسرائيلي يسرائيل كاتس، الأحد، تهديدًا جديدًا باستهداف العاصمة اللبنانية بيروت في حال شنّ حزب الله أي هجوم على أي بلدة في شمال إسرائيل. وأوضح كاتس في مقابلة مع القناة الـ14 أن إسرائيل ستتعامل مع أي تهديد، مشيرًا إلى أن المبعوثين الأميركيين أبلغوا الحكومة اللبنانية بذلك. وأضاف أن الولايات المتحدة تمارس ضغوطًا على بيروت لنزع سلاح حزب الله، مشيرًا إلى أن إسرائيل تمنح ذلك فرصة.
وجاءت تصريحات كاتس في ظل تصعيد عسكري متزايد في لبنان خلال الأيام الأخيرة، وسط حديث مستمر عن نية إسرائيل تكثيف عملياتها. من جانبه، أكد وزير الخارجية الإسرائيلي جدعون ساعر عبر منصة “إكس” أن إعادة تسليح حزب الله ستكون لها تداعيات خطيرة على أمن إسرائيل ومستقبل لبنان، محذرًا من ترسخ الإرهاب في البلاد وضرورة إزالته لضمان استقرار المنطقة.
وتدرس القيادة العسكرية الإسرائيلية اتخاذ إجراءات قريبة لإضعاف حزب الله، الذي يعمل على إعادة تأهيل نفسه ويستعد لمهاجمة إسرائيل مرة أخرى، وفق ما ذكرته وسائل الإعلام الإسرائيلية.