بغداد – طهران – أثار تصريح وزير الدفاع العراقي ثابت العباسي -في مقابلة مع قناة تلفزيونية محلية- أن وزير الحرب الأميركي بيت هيغسيث حذر خلال مكالمة معه الفصائل العراقية من مغبة التعرض للقوات الأميركية خلال قيامها بعمليات في المنطقة، جدلا واسعا في البلاد.

ولم يكشف هيغسيث عن تفاصيل هذه العمليات خلال الاتصال، وفق ما أورده الوزير العراقي.

تعليقا على ذلك، قلّل المستشار الحكومي عائد الهلالي من أن مكالمة العباسي مع نظيره الأميركي تتضمن تهديدا مباشرا من واشنطن، واصفا إياها بأنها رسالة تحذير شديدة اللهجة، تهدف إلى لجم أي تحرك ميداني قد يؤدي إلى إرباك المشهد الداخلي أو التأثير على الاستقرار الأمني خلال الفترة الانتخابية المقبلة.

مرحلة حساسة

وقال الهلالي، للجزيرة نت، إن التصريح يندرج ضمن مرحلة حساسة تتقاطع فيها الحسابات الأمنية مع الاعتبارات السياسية والانتخابية، مشيرا إلى أن الموقف الرسمي العراقي سعى لتحقيق التوازن، حيث لم يُصعّد ضد واشنطن ولم يمنح الفصائل غطاء مفتوحا، ما يعكس حرص الحكومة على إبقاء خطوط الاتصال مفتوحة دون خسارة الداخل السياسي.

وأضاف أن الهدنة بين الفصائل والقوات الأميركية لم تنتهِ فعليا، بل تمر بمرحلة "تجميد متوتر"، موضحا أنه في هذا السياق يقرأ البعض التطورات بأنها "تهيئة للمسرح الانتخابي بشروط أميركية واضحة"، أبرزها منع مشاركة الفصائل ذات الطابع المسلح في الحكومة المقبلة أو تقليص نفوذها.

وكانت بغداد وواشنطن قد توصلتا، نهاية سبتمبر/أيلول الماضي، إلى تحديد موعد رسمي لإنهاء مهمة التحالف الدولي ضد تنظيم الدولة الإسلامية في البلاد، لا يتجاوز نهاية سبتمبر/أيلول 2025.

وأجرى الطرفان جولات حوار امتدت لأشهر، على إثر تصاعد مطالب الفصائل المسلحة والقوى العراقية الحليفة لإيران بإنهاء وجود التحالف، خصوصا بعد الضربات الأميركية في حينها لمقار تلك الفصائل ردا على هجماتها ضد قواعد التحالف في البلاد وخارجها، على خلفية حرب غزة.

إعلان

وحسب الهلالي، لا ترغب الولايات المتحدة في التصعيد العسكري المباشر، بقدر ما تسعى إلى "فرض قواعد جديدة للعبة السياسية" في العراق عبر الضغط غير المعلن على الفصائل وتحجيم دورها السياسي، مشددا على أن التصريح ليس إعلان مواجهة، بل محاولة لإعادة ضبط التوازن بين النفوذ الأميركي وحضور الفصائل في المشهد العراقي.

صدمة واستغراب

من جانبه، أعرب الخبير في الشأن السياسي العراقي حيدر البرزنجي عن "صدمته واستغرابه البالغ" من تصريح العباسي، وقال للجزيرة نت "تفاجأنا بما أدلى به الوزير، حيث تحدث عن طلب أو تحذير أميركي واضح بعدم تدخل الفصائل الوطنية العراقية في أي عمليات قد تقوم بها واشنطن، وهي فصائل موجودة على أرض دولة ذات سيادة وهم أبناء هذا البلد".

وشدد على أن المستغرب هو توقيت ومحتوى التصريح بهذا الوضوح، واعتبر أن المكالمة تكشف عن "عجرفة أميركية واضحة ومحاولة فرض إملاءات على بلد يمتلك سيادة"، مضيفا "الجانب الأميركي يتحدث وكأنه يخبر ولا يستأذن، بلغة غير دبلوماسية، مفادها أنهم سيقومون بعمليات واختراق الأجواء العراقية دون أي اعتبار لسيادتنا".

وتُعد هذه الواقعة -حسب البرزنجي- "دليلا واضحا وفاضحا على أن الولايات المتحدة لا تحترم سيادة العراق، وتنظر إليه بعين صماء على أنه جزء خاضع وتابع لها، وهو ما لا يمكن للشعب العراقي ولا للقادة السياسيين، لا سيما وزير الدفاع، أن يتقبلوه".

وتابع "كان يفترض على الوزير أن يرد على نظيره الأميركي بأن هذا بلد ذو سيادة، وأن يطالبه باحترام اتفاقياتنا وسيادتنا الوطنية"، لافتا إلى أن السيادة لن تكتمل ولن تُحترم إلا إذا امتلك العراق منظومة دفاع جوي قوية ومنظومة كشف متقدمة تستطيع أن تمنع هذه الاختراقات وتواجه كل هذه المخاطر.

وفي طهران، تقرأ الأوساط الإيرانية التحذير الأميركي أنه رسالة غير مباشرة إلی الجمهورية الإسلامية وحلفائها الإقليميين، لا سيما أنه جاء في سياق الاعتداءات المتواصلة على الفصائل المنضوية تحت عباءة محور المقاومة والتصعيد الذي تعيشه المنطقة منذ 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023.

وعلى الرغم من أن التبليغ الأميركي يخاطب الفصائل المسلحة في العراق مباشرة، فإن تقديرات شريحة من المراقبين الإيرانيين تستبعد أن تكون فصائل الحشد الشعبي هي الهدف الأساسي للعملية المرتقبة، بيد أنها تتجه إلى لبنان حيث حزب الله الذي يثير سلاحه الاستياء الأميركي والإسرائيلي.

بمعنى الحرب على الأبواب!
التحذير من تدخل الفصائل العراقية يعني أن الحرب مقبلة ضد إيران!
*الفصائل لم ترد إلى الآن، لكن التقديرات تقول إنها سوف تتدخل إذا حدثت الحرب على إيران! pic.twitter.com/KXndTA6RDm

— فلاح المشعل (@Falah_Almashal) November 1, 2025

تحذير مقلق

من جانبه، يعتقد الباحث السياسي صلاح الدين خديو أن واشنطن وإسرائيل تريان أن حرب العام الماضي والغارات اليومية اللاحقة لم تكن كافية للقضاء على قدرات حزب الله، ما يبرر لهما الانتقال إلى مرحلة جديدة من التصعيد ضده.

وفي تصريح للجزيرة نت، يستبعد أن تصل نيران العملية الأميركية المرتقبة إلى الأراضي الإيرانية واليمنية في المرحلة الراهنة، مستدركا أن الجبهة المقابلة لمحور المقاومة لا تزال تستشعر خطرا من جانب الحشد الشعبي العراقي وفصائل أخرى موالية لطهران في الداخل السوري، ما قد يبرر اتساع العملية إلى أراضي الدولتين.

إعلان

في السياق، يرى القيادي السابق في الحرس الثوري العميد المتقاعد حسين كنعاني مقدم أن التحذير الأميركي ليس مجرد تهديد عابر، وأن بلاده ترى فيه مؤشرا على أن المنطقة قد تدخل طورا جديدا من المواجهة، ذلك لأن المحور "الصهيو-أميركي" يريد نقل المعركة إلى إيران، وتوقع تعرض منشآت بلاده النووية إلى قصف أميركي وإسرائيلي خلال المرحلة اللاحقة.

وقال للجزيرة نت إنه بعد تفعيل الجانب الأوروبي آلية الزناد في الاتفاق النووي لعام 2015 وعودة طهران إلى طائلة الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة، ترى الإدارة الأميركية الفرصة سانحة لركوب الموجة والانقضاض على جزء من القدرات الإيرانية التي أثبتت فاعليتها إبان حرب يونيو/حزيران الماضي.

???? تأجلت انتخابات البرلمان العراقي والتي كانت ستجري في 11 نوفمبر/تشرين ثاني 2025
????????☎️ وزير الخارجية الأمريكي ماركو روبيو أكد، في اتصال هاتفي لرئيس وزراء العراق شياع السوداني، أن الولايات المتحدة لن تعترف بنتائج الانتخابات فيما لو جرت بسبب مشاركة وهيمنة الفصائل المسلحة التابعة… pic.twitter.com/7Ld2Sjy2Ml

— Dr.Gada Ennab (@gadaennab) October 22, 2025

ولدى إشارته إلى الانتخابات البرلمانية المقررة خلال الأيام القليلة المقبلة في العراق، يرى كنعاني أن واشنطن تسعى للتأثير على نتائجها من خلال تقويض وزن وموقع بعض التيارات السياسية، بما يضمن لها الإخلال بتوازنات طائفية وسياسية يظن الجانب الأميركي أن طهران تعتمد عليها للنفوذ في بغداد.

أما النائب السابق لقائد فيلق القدس في الحرس الثوري العميد منصور حقيقت بور، فلا يرى فرقا بين استهداف إيران أو حلفائها الإقليميين، ذلك لأن "أي ضربة عسكرية موجهة لحزب الله اللبناني أو الحشد الشعبي العراقي ستكون ضربة لمحور المقاومة بأكمله".

وأوضح للجزيرة نت أن طهران لا تفرق بين واشنطن وإسرائيل، وأنها على أهبة الاستعداد "لقطع أي يد تتطاول عليها"، لكنه استدرك أن دعمها لحلفائها في محور المقاومة سيكون بحدود الدعم السياسي والمعنوي، ولن تنخرط في حرب نيابة عنها.

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: شفافية غوث حريات دراسات للجزیرة نت على أن

إقرأ أيضاً:

وزير الاتصالات العراقية تنتقد قطع الانترنت خلال الامتحانات النهائية وتدعو لإلغائه

وزير الاتصالات العراقية تنتقد قطع الانترنت خلال الامتحانات النهائية وتدعو لإلغائه

مقالات مشابهة

  • رئيس الوزراء العراقي يحسم قضية نزع سلاح الفصائل المسلحة
  • التحذير الأميركي.. رسائل ما قبل الانتخابات تهز المشهد العراقي
  • واشنطن تحذر بغداد: إلى أين يتجه المشهد الأمني والسياسي في العراق؟
  • ملف ضبط الحدود يتصدر مباحثات وزير الدفاع العراقي مع فيدان
  • واشنطن تصعّد تحذيراتها للعراق بشأن الفصائل المسلحة
  • دمج الفصائل العراقية.. استراتيجية واشنطن بين الرؤية والمخاطر
  • الخارجية الأميركية تكشف لشفق نيوز موقفها من الانتخابات العراقية
  • خبير اقتصادي:النفط العراقي سيكون نحت السيطرة الأمريكية المطلقة
  • وزير الاتصالات العراقية تنتقد قطع الانترنت خلال الامتحانات النهائية وتدعو لإلغائه