أشار عاصم الشّيدي في رسالة صوتية له: «إلى أنّ تكريم الفلاحيّ تكريم لعمان جميعا»، لما يمثله الفلاحيّ من محبّة في قلوب جميع المثقفين في عُمان خصوصا، وعند محبّيه الكثر في الخليج والوطن العربيّ عموما، فهو يختصر عُمان بتواضع المثقف ومحبّته للكلّ، بجانب كرمه واقترابه من جميع الأجيال، وليس كعادة بعض المثقفين الانزواء والافتخار بالذّات، والاستعلاء على الآخر، فكلّ من اقترب منه يدرك لأول لقاء هناك روح تجمع بينهما، وكأنّ علاقة كبيرة بينهما لسنين مضت وليس تعارفا لحظيّا، وإن تفارقا في العمر؛ بيد أنّ روحه متساوية في تعاملها مع الكلّ.
من سوء حظّي تعرفت على الفلاحيّ مؤخرا، وإن عرفته سابقا اسما، فقد تعرّفت عليه عندما كان يأتي لفترات متباعدة لزيارة المرحوم أحمد بن محمّد بن عبدالله السّالميّ في الموالح الجنوبيّة، وكانت أحاديث عابرة في مجلس السّالميّ اليوميّ في مزرعته بعد صلاة المغرب، وأغلبها أحاديث عن ذكرياتهم في الكويت وعُمان، وشيء من التّأريخ والأدب، ثمّ لمّا كنتُ عضوا في لجنة الفكر بالجمعيّة العمانيّة للكتّاب والأدباء أضفناه يوم الاثنين بتأريخ 6 نوفمبر 2017م للحديث حول «المجتمع المدني بين الواقع والمأمول»، وجدت الفلاحيّ يتحدّث بكلّ عفويّة عن المجتمع المدنيّ، لم يكن حديثه استعلائيّا ناقدا للسّلطة، محمّلا كلّ الشّرور عليها، ولا حديث فلسفيّا وثقافيّا متكلّفا، لكنه لم يخلُ حديثه من النّقد للسّلطة والمثقف والمجتمع جميعا، فتحدّث عن النّوادي الأولى وتحدّياتها، وما تمثله من عمل مدنيّ، وحتّى تأسيس الجمعيّة العمانيّة للكتّاب والأدباء 2006م، ولماذا تأخر إشهارها وحضورها.
حينها لم أكن معنيّا ــ بشكل كبير بهذا الأمر ــ بجانب اعتنائي بجوانب أخرى، لكن شاء القدر في ليالي كورونا، خصوصا في عام 2022م أن أقترب من الفلاحيّ أكثر في بيته بمنطقة الخوير بولاية بوشر، وكنتُ بدأت البحث حينها عن النّوادي الثّقافيّة، والأنشطة الثّقافيّة العمانيّة قبل 1970م وبعد هذا العام في بدايات النّهضة الجديدة، وكان يصاحبني بعض الشّباب ممّن لازم «صالون أنس» الّذي كنت أقيمه كلّ أثنين من كلّ أسبوع في الموالح الجنوبيّة، وقد وثقت العديد من فعاليّاته في القناة اليوتيوبيّة «أنس»؛ حينها وجدتُ في الاقتراب منه ذاكرة مليئة ليس بما يحفظه فحسب، بل عايش المرحلة عملا، فكان حاضرا ثقافيّا منذ خروجه إلى الكويت والتصاقه ببعض رجالات الإمامة عموما من جهة، وبالأديب المرحوم عبدالله الطّائيّ من جهة أخرى، والّذي فارق عالمنا الثّقافيّ مبكرا في 1973م، وكأنّ روحه الجامعة بين الأدب والثّقافة من جانب، والعمل الثّقافيّ الحركيّ ــ إن صح التّعبير ــ من جانب آخر؛ حلّت في الأستاذ الفلاحيّ، فهو صورة له في النّضال الثّقافيّ، لكنّه أبدع بشكل أكبر ــ لظروف المرحلة ــ في الاقتراب من جميع الرّموز الثّقافيّة والأدبيّة في عُمان والخليج والوطن العربيّ عموما.
حاولت تشجيع الفلاحيّ ــ كما حاول غيري ــ أن يوثق طرفا من سيرته الأدبيّة والثّقافيّة، لكنّه كثيرا ما يقلّل ويستصغر ذاته ــ كعادته ــ بدعوى أنّه لم يقدّم شيئا، وأنّه ليس في مقام من يكتب عن سيرته، فهي ليست ــ كما يعبّر ــ كسيرة الأدباء الكبار، أو السّياسيين المؤثرين، ومع هذا حاولنا شيئا ممّا بقي في ذاكرته في توثيقات مرئيّة عن بدايات حياته، وعن حياته في الكويت ودبيّ، ثمّ مسقط وعُمان، وعن النّادي الوطنيّ الثّقافيّ في مطرح، وعن الثّقافة الجديدة، وعن نادي المضيرب ومجلّة الغدير، وعن عمله في الإعلام والإذاعة العمانيّة، ثمّ في الملحقيّة الثّقافيّة في البحرين وذكرياته فيها، وبعدها عن عمله في الملحقيّة الثّقافيّة في القاهرة، وعلاقته برموزها ونواديها الثّقافيّة، وعلاقته مع القلم والصّحافة والإذاعة، والرّموز الكبار الّذين التصق بهم منذ بداياته الأولى.
كعادة المثقف أو أيّ رمز دينيّ أو سياسيّ أو اجتماعيّ تجد التّناقض في الحديث حوله، فهناك المغرم العاشق له ولنتاجه، وهناك من هو دون ذلك إلى درجة الكاره المبغض أحيانا، لكنّ عند الفلاحيّ يندر ذلك، يكاد الجميع يجمع على حبّه، أو على الأقلّ يتّفق على صفاء روحه، وجمال تعامله، وإن اختلف معه فكرا، فهذا طبيعيّ، حاولت أن أبحث عن سرّ ذلك، وجدت ذلك في مجلسه الّذي يعقده كلّ خميس في منزله في منطقة الخوير، ففي مجلسه تجد الكهل الّذي بلغ من العمر عتيّا، والشّاب الّذي في بدايات حياته، تجد صاحب المناصب الكبرى، ومن لا زال يبحث عن عمل، والمثقف الكاتب، والأديب المخضرم في الأدب والمعرفة، كما تجد من هو في بدايات تكوينه المعرفيّ، أو العاشق غير المتخصّص فيها، نجد الفلاحيّ يتعامل معهم كأنّهم أساتذة له، وهو الطّالب الصّغير الجالس بين أيديهم، يستمع إليهم بإنصات، ويتحاور معهم بكلّ محبّة وعفويّة، فلا يظهر لهم أنّه العالم الخبير، ولا يتظاهر أمامهم بالعظمة المقنعة، ولا يجعل من ذاته مستقبلا للأسئلة غالب الحديث له.
ففي مجلسه كما عبّر محمود الرّحبيّ في إحدى مقالاته وأصبح عنوانا لكتابه «فاكهة الفلاحيّ»، يكاد تجد غالب أصناف الفاكهة، لكنّك تجد أيضا غالب الفاكهة المعرفيّة، ففي مجلسه أحاديث السّياسة والأدب والفقه والتّأريخ وما يحدث في الواقع، وأحاديث السّاعة وغيرها، لهذا تجد التّنوع المعرفيّ عند الحاضرين في مجلسه، ولا تجد حديثا غير المعرفة والثّقافة، يتفكهون فيها وليس تفكها في الشّخوص وأعراضهم ونواقصهم، فلم أره يستصغر أحدا في مجلسه، أو يقلّل من حديثه، لكنّه أيضا يوجه وينقد ويعترض ويزيد بكلّ حبّ واحترام لمن يخالفه، لهذا الكلّ يكاد يجمع على حبّه وتوقيره.
الفلاحيّ كان سفيرا ثقافيّا متنقلا، لم ينزوِ في مكتبه الثّقافيّ في السّفارة كمستشار، لينتظر من يأتي إليه سواء في المنامة أو القاهرة بعدها، بل هو من يبادر بالذّهاب إلى نواديهم الثّقافيّة، والخلطة برموزهم الأدبيّة والمعرفيّة، يشاركهم كمثقف أو أديب لا يحمل أدلجة دينيّة أو سياسيّة مسبقة، فكسب ثقة ومحبّة الجميع، فاختلط في المنامة منذ الابتداء بأسرة الكتّاب والأدباء في البحرين، واقترب من أدبائها وآبائها الأوائل، فكان تكريمه في البحرين تذكارا لجهده الثّقافيّ فيها، وفي أسرة الكتّاب والأدباء البحرينيّة لارتباطه الرّوحيّ والأدبيّ العتيق معها، ومن النّادي الثّقافيّ العمانيّ تكريما أبويّا لعمان وللمثقف والأديب العمانيّ.
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: ة العمانی ة الث قافی ة فی مجلسه
إقرأ أيضاً:
أحمد صالح: أحمد عبد الرؤوف أفضل من فيريرا
أشاد أحمد صالح، نجم الزمالك السابق، بالمستوى الذي قدمه الفريق الأبيض تحت قيادة مدربه الجديد أحمد عبد الرؤوف، في أولى مبارياته، مشيرًا إلى أن المدرب المصري أثبت كفاءته مقارنة بالبلجيكي يانيك فيريرا.
وقال صالح في مداخلة هاتفية لبرنامج "الماتش" على قناة "صدى البلد":"مبروك الفوز لنادي الزمالك، الأداء كان جيدًا، وأحمد عبد الرؤوف تعامل نفسيًا مع اللاعبين بشكل مميز، وتغييراته في المباراة كانت سببًا مباشرًا في تحقيق الفوز، وهو ما لم نكن نراه مع فيريرا".
وأضاف نجم الزمالك السابق:" حديث عبد الرؤوف بعد المباراة كان متزنًا، وأعتقد أنه يستحق فرصة حقيقية، فالمدرب الوطني أفضل من الأجنبي في كثير من الأحيان، بدليل ما يقدمه علي ماهر مع سيراميكا كليوباترا الذي يتصدر الدوري".
وأوضح أحمد صالح أن إدارة الزمالك لن تصبر كثيرًا على عبد الرؤوف في حال تعثر الفريق في بطولة السوبر المصري، متوقعًا التعاقد مع مدير فني أجنبي حال عدم تحقيق نتائج إيجابية.
وتابع:" كان من الطبيعي أن يكمل أيمن الرمادي مهمته بعد التتويج بكأس مصر، لكن تعيين جون إدوارد مديرًا فنيًا جديدًا جعله يفضل الاستعانة بيانيك فيريرا، مما أدى لرحيل الرمادي".
واختتم صالح تصريحاته مؤكدًا:" الزمالك في الوقت الحالي لا يستطيع التعاقد مع مدرب أجنبي على أعلى مستوى بسبب الأزمة المالية، وأتوقع أن أول خسارة لعبد الرؤوف ستضعه تحت ضغط كبير وقد تُعجل برحيله".