٢٦ سبتمبر نت:
2025-11-04@23:57:52 GMT

واشنطن.. من الحرب العسكرية إلى الحرب الإعلامية

تاريخ النشر: 4th, November 2025 GMT

واشنطن.. من الحرب العسكرية إلى الحرب الإعلامية

لكن نيرانًا أمريكية أخرى تصاعدت بالفعل، وهي نيران الخطاب الإعلامي، فالحرب الإعلامية ما تزال نيرانها تتصاعد، ابتداءً من القيود الرقابية وحجب حسابات على المنصات، مرورًا بحملات اتهام عبر شبكات إقليمية ودولية، وصولًا إلى ترويج روايات تربط اليمن بتهديدات أمنية كبرى. يشير محلّلون إلى أن ما يمكن وصفه بـ "التصعيد الهادئ" يأتي في سياق محاولة إعادة إنتاج مشهد الصراع بصورة مختلفة، تجعل الضغط الإعلامي بديلًا جزئيًا عن الضغط العسكري.

هذه الحرب الناعمة التي تُستخدم فيها وسائل الإعلام التقليدي والرقمي بكثافة باتت -وفقًا للمراقبين- جزءًا من معادلة الضغط الشامل على صنعاء، بغية الانتقام من الموقف اليمني المساند لغزة، وثأرًا للهزيمة الأمريكية في معركة البحر الأحمر، وكذلك تهدف لمحاولة تغيير قناعات الجمهور المحلي والإقليمي والدولي تجاه دور اليمن ومستقبل مواقفه السياسية.

حملات التشويه والبحث عن تنازلات

تتفق العديد من القراءات على أن تكثيف الخطاب الإعلامي السلبي تجاه صنعاء يهدف -بالدرجة الأولى- إلى تشويه صورة الفعالية اليمنية وإظهار الإسناد اليمني لغزة، بوصفه مُهدِّدًا للاستقرار الإقليمي، كما تسعى لإضعاف التماسك الشعبي ودق إسفين بين القيادة والجمهور، وبإزاء ذلك تعمل على تهيئة الرأي العام الدولي لتبرير أي إجراءات ضغط أو تصعيد محتمل، ولا يخفي الأمريكي أنه يعمل من أجل إقصاء الرواية اليمنية عن منصات التواصل والمنابر الإعلامية الكبرى، وتغييب حقيقة الموقف، أو على الأقل تشويه الموقف الإنساني تجاه غزة وما جرى فيها ولا يزال يجري من توحش صهيوني مدعوم من الغرب بقيادة واشنطن. ويرى مراقبون أن هذه الأدوات الإعلامية تحاول ملء الفراغ الذي خلفه انحسار العمليات العسكرية من خلال الاستثمار في الحرب النفسية وتشكيل الوعي.

الإعلام السعودي أداة ضغط

تلفت تقارير متخصصة إلى انعقاد اجتماعات تخطيط إعلامي ومعلوماتي ضمت ممثلين من دول خليجية، ما يشير إلى أدوار إقليمية متزايدة في هذا المسار. يقول خبراء إن بعض القنوات العربية أصبحت تلعب دورًا قذرًا وعدوانيًا في إعادة إنتاج سرديات غربية وإسرائيلية حول اليمن، عبر تغييب السياق اليمني وتأطير الصراع بزاوية أمنية فقط، وتجاهل الروايات المضادة. وبرأي هؤلاء الخبراء فإن هذا الاتجاه يخدم مصالح سياسية إقليمية ودولية ترى في اليمن لاعبًا مزعجًا لتوازناتها التي بنتها طوال عقود مضت.

دور أمريكي مُعلن، وحملات ذات طابع رسمي

يكشف المشهد الإعلامي والسياسي حول اليمن عن دور أمريكي واضح ومُعلن، يمتد من الإدارة المباشرة للمعلومات إلى الحملات الإعلامية ذات الطابع الرسمي. فقد أشارت تقارير صحفية دولية عام 2024 إلى إشراف مؤسسات أمريكية على رسائل إعلامية تخص اليمن، إلى جانب نشاط السفارة الأمريكية في المنطقة عبر منشورات وتصريحات موجهة، ما يعزز نظرية وجود ارتباط مباشر بين إدارة المعلومات والسياسة الخارجية الأمريكية.

شبكة "سي إن إن" أكدت أن وزارتي الخارجية والدفاع تعملان بشكل مباشر على تحريك الرأي الدولي ضد اليمن، ضمن ما تصفه الإدارة الأمريكية بالحرب المعلوماتية، سعيًا لتحدي الرواية اليمنية واحتواء نفوذها. وفي خطوة أكثر وضوحًا، دعا منتدى الشرق الأوسط الصهيوني إلى إطلاق حملة إعلامية مستمرة لنزع الشرعية عن "أنصار الله" وربطهم بإيران لتبرير العدوان رغم أن هذا الربط لا يبرر العدوان مطلقا، كما تعمل الحملة على تصوير اليمن كتهديد للاقتصاد العالمي، والدعوة لتنسيق الرسائل مع أنظمة الخليج في مواجهة ما وصفه بالدعاية "الحوثية".

وتتسق هذه التوجهات مع ما نشرته مجلة "فورين أفّيرز" من تقارير تشير إلى خطط واشنطن لإدارة حملة إعلامية عبر وسائل التواصل الاجتماعي بهدف تصوير العمليات العسكرية اليمنية على أنها تضر بالمدنيين، وتغيير الوعي الشعبي كما كشفت وثائق صحيفة "واشنطن بوست" عن عقد القيادة المركزية الأمريكية اجتماعات مع أطراف إقليمية لإطلاق عمليات معلوماتية تستهدف محور المقاومة وعلى رأسه اليمن، وذلك بعد فشل العدوان العسكري في البحر الأحمر.

الفضاء الرقمي ساحة المعركة الجديدة

مؤخرًا تحول الفضاء الرقمي إلى ساحةٍ للمعركة الجديدة، حيث أصبحت المواجهات تُخاض بالمعلومة والخوارزمية عوضًا عن السلاح، وأصبح الفضاء الإلكتروني عنوانًا بارزًا لصراعٍ خفي تُستخدم فيه أدوات التقنية لتقييد الأصوات وتوجيه الرأي العام. تتعرض الحسابات للتعطيل المتكرر، وتعمل الخوارزميات على الحد من وصول المحتوى اليمني إلى الجمهور، فيما تُشن حملات تشويه منظمة عبر جيوش إلكترونية من الحسابات الوهمية.. وتحت شعار مكافحة "التحريض" يُعاد تأطير الكثير من المحتوى المستقل ليبدو مخالفًا للمعايير الموضوعة أمريكياً. وتشير مصادر حقوقية إلى أن حجم الحجب الرقمي تجاوز ما يمكن تبريره بسياسات إدارة المحتوى، بل عن ضغوط سياسية غير مُعلنة تُمارَس في الخفاء لتكميم الأصوات وتوجيه الرأي العام.

ويرى بعض الباحثين أن هذا كله يشير إلى عمل إعلامي منظم لا يقتصر على وسائل الإعلام، فهو يمتد إلى غرف عمليات سياسية وأمنية وعسكرية، في محاولة لتوجيه الرأي العام الدولي، وتشكيل سردية تبرر التدخل وتحدد ملامح الصراع على الأرض.

تجارب قديمة بأدوات أحدث

بمتابعة بسيطة يمكن استنتاج أن هذه الحرب تشبه -إلى حدّ كبير- الحملة الدعائية ضد المقاومة اللبنانية بعد حرب تموز 2006. مع الفارق الجوهري الذي يكمن في تطور أدوات الدعاية الرقمية ومنصات التواصل، بالإضافة إلى اتساع نطاق التنسيق الدولي وخروجه إلى العلن بشكل واضح، وتأسيس غرف عمليات، ووجود بنية تقنية وتنظيمية تدير العمل المعلوماتي بشكل احترافي، وبالتالي تتجاوز الدعاية مجرد كونها رواية مضادة، لتصبح منظومة متكاملة تشتغل على تشكيل الرأي العام، والتحكم في تسييل المعلومات التضليلية.

المعركة مستمرة

المعركة لم تتوقف إذًا، وإن تغيرت ملامحها.. فقراءة المشهد الإعلامي تكشف أن الحرب على اليمن انتقلت من الميدان العسكري إلى ميدان آخر أكثر خفاء وتأثيرًا، حيث تستمر حرب السرديات في خلفية المشهد، وتسعى كل جهة -من خلالها- إلى صناعة الشرعية لنفسها ونزعها عن الآخر، فالمعركة الأخطر اليوم تدور في فضاء لا يُرى بالعين، حيث تُخاض حرب الوعي، تلك التي تُعاد فيها صياغة الحقيقة وتشكيل الإدراك الجمعي للشعوب.

 

المصدر: ٢٦ سبتمبر نت

كلمات دلالية: الرأی العام

إقرأ أيضاً:

مونيكا ويليام تكتب: رسائل القوة الروسية وإرباك الاستراتيجية الأمريكية

شهدت الساحة الدولية تطوراً لافتاً في مسار العلاقات الروسية – الأمريكية بعد أن كشفت عدد من المؤسسات البحثية العالمية عن أن واشنطن ألغت قمة كانت مقررة بين الرئيس الأمريكي دونالد ترامب ونظيره الروسي فلاديمير بوتين في العاصمة المجرية بودابست، وذلك إثر تلقيها مذكرة متشددة من موسكو تضمنت مجموعة من المطالب التي وصفتها الدوائر الأمريكية بـ”غير القابلة للنقاش”. والتي تتمحور حول المواقف الروسية الثابتة بشأن ضرورة إنهاء الحرب في أوكرانيا وفق شروط تضمن لروسيا أمنها القومي، وتفرض على كييف تقديم تنازلات إقليمية جوهرية، إلى جانب خفض كبير في قواتها المسلحة، وضمانات قاطعة بعدم انضمامها إلى حلف شمال الأطلسي (الناتو) ومن غير المرجح أن تقدم روسيا تنازلات كبيرة بشأن هذه النقاط، باعتبارها تمثل جوهر استراتيجيتها الأمنية منذ اندلاع الأزمة الأوكرانية. ويبدو أن موسكو تراهن على توازن جديد للقوى في أوروبا، يفرض على واشنطن الاعتراف بمناطق نفوذها التقليدية ويأتي هذا التطور بعد أيام فقط من مؤشرات بدت فيها واشنطن وكأنها تميل إلى إبداء مرونة نسبية تجاه موسكو، ولا سيما عقب تعليق خطط تسليح كييف بصواريخ “توماهوك” بعيدة المدى. 
وبالتزامن، هناك تقديرات عدة تتناول استخدام روسيا تكتيكات متنوعة خلال الأشهر الأخيرة يتمثل الشق الأول منها في توظيف صاروخاً مجنحاً أرضي الإطلاق من طراز 9729، وهو السلاح الذي كان أحد الأسباب الخفية وراء انسحاب إدارة ترامب من معاهدة الصواريخ النووية متوسطة المدى عام 2019. ووفقاً لتصريحات وزير الخارجية الأوكراني، فقد استخدمت موسكو هذا الصاروخ أكثر من 23 مرة منذ أغسطس الماضي، الأمر الذي يعكس تصعيداً نوعياً في أدوات الحرب الروسية. ويتميز هذا الصاروخ بمدى يصل إلى 2500 كيلومتر، ويمكن تزويده برؤوس تقليدية أو نووية، ما يجعله ورقة ضغط استراتيجية بيد موسكو في مواجهة أوروبا والولايات المتحدة.
إن استخدام هذا النوع من الصواريخ يحمل دلالات متعددة، أبرزها أن روسيا تسعى إلى توسيع نطاق قدرتها على الضربات بعيدة المدى، وإرسال رسائل ردع واضحة إلى أوروبا التي ما زالت تقدم الدعم العسكري لأوكرانيا. كما أن تصاعد وتيرة استخدام هذه الأسلحة في المرحلة الأخيرة قد يعكس محاولة روسية للضغط على الغرب قبيل أي مسار تفاوضي محتمل، وذلك من خلال رفع كلفة المواجهة العسكرية وتوسيع خيارات الردع. إضافة إلى ذلك، يتيح الصاروخ لروسيا تنويع مسارات الهجوم وتعقيد مهمة الدفاعات الجوية الأوكرانية، فضلاً عن إمكانية إطلاقه من عمق الأراضي الروسية بما يحافظ على أمان مواقعها القتالية.
فيما يتمثل الشق الثاني في إعلان روسيا في خطوة وُصفت بأنها تحول نوعي في ميزان القوى العالمي، عن نجاح اختبار صاروخ كروز باليستي يعمل بالطاقة النووية يحمل اسم “بوريفيستنيك”، وهو سلاح قال عنه الرئيس فلاديمير بوتين إنه “لا يقهر” أمام الدفاعات الصاروخية الحالية والمستقبلية. وجاء هذا الإعلان في توقيت بالغ الدقة، إذ استمر الصاروخ في التحليق نحو 15 ساعة متواصلة، قاطعًا مسافة تبلغ 14 ألف كيلومتر، ونفذ خلالها مناورات رأسية وأفقية معقدة أظهرت قدراته العالية على تفادي أنظمة الدفاع الجوي والطائرات، وبالتالي فهو يعد بمثابة رسالة سياسية واستراتيجية موجهة إلى الغرب بأن روسيا لا تزال قادرة على الابتكار العسكري واستعادة زمام الردع النووي في مواجهة الولايات المتحدة.
ومع محاولة استقراء مقومات الصاروخ الذي بدأ تطويره منذ عام 2001 وكُشف عنه لأول مرة عام 2018 فهو يمثل نتاج مشروع روسي يهدف إلى تجاوز أنظمة الدفاع الصاروخي الأمريكية التي تطورت بعد انسحاب واشنطن من معاهدة الحد من هذه الأنظمة. ويعمل “بوريفيستنيك” بمحرك نووي مصغر يمنحه مدى طيران شبه غير محدود، وقدرة على المناورة في مسارات يصعب التنبؤ بها، وارتفاع طيران منخفض يتراوح بين 50 و100 متر، ما يجعل رصده بالرادار شبه مستحيل. كما أن الدفع النووي يمنحه ميزة التحليق لفترات طويلة قبل ضرب الهدف، وهو ما يمنح روسيا عنصر المفاجأة والمرونة العملياتية في حال استخدامه في أي صراع مستقبلي.
وعليه فالإعلان الروسي لم يأتِ بمعزل عن سياق سياسي متشابك. فبينما كانت الأنظار تتجه إلى احتمالية عقد قمة بين الرئيسين فلاديمير بوتين ودونالد ترامب في بودابست لمناقشة الأزمة الأوكرانية، جاء فشل عقد القمة، بالتزامن مع إعلان اختبار الصاروخ وإجراء مناورات نووية تحت إشراف بوتين، ليعكس تصعيدًا مقصودًا في اللهجة الروسية تجاه واشنطن. هذا التصعيد تزامن كذلك مع فرض الولايات المتحدة عقوبات جديدة على شركتين من أكبر شركات النفط الروسية، ما أضفى على الإعلان بعدًا راسخاً مفاده أن موسكو لن ترضخ للضغوط الاقتصادية، وأنها تمتلك أوراق قوة استراتيجية قادرة على تغيير موازين اللعبة.
وفي موازاة هذا التصعيد الروسي، أعلنت الولايات المتحدة تقليص وجودها العسكري على الجناح الشرقي لحلف الناتو، وهو ما أكده بيان صادر عن قيادة الجيش الأمريكي في أوروبا وإفريقيا، مشيراً إلى أن لواء المشاة الثاني من الفرقة 101 المحمولة جواً سيعود إلى قواعده في ولاية كنتاكي، دون أن يتم تدوير قوات جديدة بديلة في أوروبا. هذا القرار، وإن كان جزءاً من خطة إعادة الانتشار الأمريكية، فإنه أثار قلقاً متزايداً داخل أوروبا، خاصة في ظل التوترات الأمنية المتصاعدة على الحدود مع بيلاروسيا وروسيا.
ورغم تأكيد واشنطن أن تقليص وجودها لا يعني بأي حال تراجع التزامها تجاه أمن أوروبا أو حلف الناتو، فإن العواصم الأوروبية ترى في القرار مؤشراً مقلقاً على احتمال انكفاء أمريكي تدريجي عن مسرح المواجهة الأوروبية، ما قد يترك فراغاً أمنياً تحاول موسكو استغلاله. وربما يدفع هذا الوضع الاتحاد الأوروبي إلى تسريع خطواته نحو بناء قدراته الدفاعية الذاتية، إلا أن غياب المظلة الأمريكية يظل يمثل تحدياً استراتيجياً يصعب تجاوزه في المدى القريب.
ختاما، يمكن القول إن سلسلة التطورات الأخيرة بداية من المذكرة الروسية المتشددة، إلى تصعيد استخدام الأسلحة بعيدة المدى، وصولاً إلى تقليص الوجود العسكري الأمريكي في أوروبا ، تعكس مرحلة جديدة من سياسة الشد والجذب بين موسكو وواشنطن، حيث تسعى الأولى إلى ترسيخ واقع ميداني وسياسي جديد يفرض على الغرب التعامل معها كقوة كبرى لا يمكن تجاوزها، فيما تحاول الثانية موازنة ضغوط الداخل الأمريكي مع متطلبات الردع الخارجي. وبين هذين المسارين، تبقى القارة الأوروبية هي ساحة التجاذب الأبرز وميدان اختبار حقيقي لصلابة التحالف الغربي في مواجهة الطموحات الروسية المتصاعدة.

طباعة شارك الساحة الدولية العلاقات الروسية – الأمريكية الرئيس الأمريكي دونالد ترامب

مقالات مشابهة

  • واردات الوقود في موانئ الحكومة اليمنية ترتفع بأكثر من 10%
  • تفاصيل الخطة الأمريكية لتشكيل قوة دولية واسعة الصلاحيات في غزة
  • من الهزيمة العسكرية إلى صناعة الكذب .. السعودية تحاول إسقاط اليمن إعلامياً
  • باسمير ينال الماجستير في العلوم العسكرية برسالة عن الجرائم الإلكترونية في اليمن
  • نائب وزير الخارجية: اليمن على أتم الجهوزية لاستئناف العمليات العسكرية ضد الكيان
  • مونيكا ويليام تكتب: رسائل القوة الروسية وإرباك الاستراتيجية الأمريكية
  • مجرم الحرب نتنياهو يعتبر اليمن مصدر تهديد كبير جدا لـاسرائيل
  • الأمم المتحدة في اليمن: من وسيط إلى طرف في المعركة
  • “الإعلامي الحكومي” بغزة يدين المزاعم الأمريكية حول “نهب المساعدات”