جريدة الرؤية العمانية:
2025-11-05@18:39:31 GMT

السودان.. وطن تمزَّق بين نِيلَين!

تاريخ النشر: 5th, November 2025 GMT

السودان.. وطن تمزَّق بين نِيلَين!

 

 

 

 

سُلطان بن خلفان اليحيائي

 

وفاءً لأهلِ العلم والفضل.. قبل أن أكتب عن جراح السودان، لا بُدّ أن أكتب عن أهله الذين كانوا وما زالوا عنوانَ علمٍ وخُلقٍ وثقافة.

لقد كان للسودانيين في عُمان فضلٌ لا يُنسى، حينما جاءت النهضةُ الأولى تبحث عن عقولٍ تبني وتُعلِّم، فكانوا من أوائل المُعلّمين الذين حملوا نور المعرفة إلى مدارسنا.

تعلّمنا على أيديهم العربية نحوًا وبلاغة، وتشرّبنا منهم الإنجليزية نطقًا وكتابة، وتربّينا على أيديهم على الأدب والسمت الحسن، فشهدنا فيهم دماثة الخُلق وعمق الإيمان وتمسّكًا بالمبادئ والقيم.

إنّهم من زرعوا فينا حبّ الكلمة وحُسن البيان وصناعة الفكر، فحقٌّ علينا أن نذكر فضلهم ونتألّم لألمهم، وأن نقف معهم اليوم وهم يواجهون أعتى المحن في تاريخهم الحديث.

ولعلَّ أكثر ما يُحزن القلب أن ترى أرضَ أولئك الأساتذة الأجلّاء، الذين علّمونا كيف نُقيم الحرف ونصون المعنى، قد غمرتها الفوضى وبدّدتها النزاعات.

أرضٌ كانت منارةَ عطاءٍ واستقرار، صارت مسرحًا لتجاذباتٍ لا تنتهي، وحروبٍ لا يعرف أحدٌ متى تُطفأ نيرانها.

حُلمُ الاستقرار.. ولماذا يُحارَب؟

ظلَّ حُلمُ الاستقرار بعيدًا عن شعوبٍ أنهكتها الحروب، لا لأنها أرادت الخراب، بل لأنها تجرّأت أن تنهض.

وكلّما حاولت أن تُرمّم جراحها وتتنفّس شيئًا من السلام، عصفت بها رياحُ الخارج من جديد، كأنّ هناك من أقسم ألا يرى الشرقَ إلّا مضطربًا.

فالعراقُ الذي كان مهدَ الحضارة، وليبيا التي حاولت أن تستعيد مكانتها، واليمن الذي تكسّر على صخور الطمع، وسوريا التي تآمروا على كسر صمودها القريب قبل البعيد، والسودان الذي ما زال ينزف بين نيلَيه… كلُّها شواهد على أنّ حلمَ النهوض في هذه المنطقة لا يُغفَر.

فلماذا هذه الدُّول بالذات؟ ولماذا تُستهدفُ كلّما لاحت فيها بوادرُ النهوض؟

الجواب واضح: لأنّها مفاتيحُ التوازن في هذا الشرق المُمزّق، ومن يُمسك بمفاتيحها يُمسك بزمام القرار في خرائط الاقتصاد والسياسة معًا.

ولهذا صارت ساحةً مفتوحةً لتصفية الحسابات الإقليمية، تتناوب عليها أيادٍ من كل صوب، تُغذّي الفوضى بالمال والسلاح والإعلام، لتبقى النارُ مُشتعلةً لا تخبو، والجرحُ نازفًا لا يندمل.

وما إيران من ذلك ببعيد؛ فهي الأخرى ذاقت مرارة الحصار والخديعة، وتشترك جراحُها مع جراحِ العالم العربي والإسلامي، كلّما استُهدفت إرادةُ الشعوب، وحوصِر القرارُ المُستقل، ووُئدَ أيُّ مشروعٍ يُريد أن يتحرّر من طوقِ الهيمنة الغربية.

ولا يُمكن لأيّ وطنٍ أن ينهض ودمُ أبنائه يسيل على أعتاب الكرسي! فمنذ انفصال الجنوب، لم يتّعظ الفرقاء، وكأنّهم لم يدركوا أنَّ تمزيق الجغرافيا لا يورث إلا الفشل والضعف.

 

التشنّج الحزبي، والعصبيّات المقيتة، والتنافس على الولاءات القبلية، كلّها أفرغت الوطن من محتواه، حتى صار السودان يُدار كغنيمةٍ في ميدانٍ لا ينتصر فيه أحد.

ولأنّ الطامعين لا يرحمون، امتدّ الصراع من الخرطوم إلى دارفور، ومن المدن إلى الجبال، حيث تختبئ الثروات في صمتٍ كأنّها تشهد على خيانة الإنسان لأرضه.

جبلُ مرّة لأهله لا للغرباء

وفي قلب دارفور يقف جبلُ مرّة، كأنّه خُصَّ من الله بعطايا الأرض كلّها؛ ماءً زلالًا، وتربةً خصبة، وثرواتٍ لا تُعدّ ولا تُحصى.

فيه الذهب واليورانيوم والنحاس، وتحت سفوحه تنبض ينابيع الحياة التي أغنت الزراعة والإنسان معًا.

غير أنّ هذا الجبل، الذي كان ينبغي أن يكون رمزًا للنماء والسيادة الوطنية، صار مطمعًا للغرباء والطامعين، ومسرحًا لصراعٍ يُراد به تمزيق السودان من خاصرته الغنيّة.

إنّ جبلَ مرّة حقٌّ لأهله الذين سقوا ترابه بعرقهم، لا لمن جاء يبتاع الأرض ويستنزف خيراتها باسم الاستثمار أو الإغاثة.

ومن لم يتّعظ بما جرى في اليمن السعيد، فريسةً لتدخّلات العملاء والمغرضين، فليحذر أن يُلدغ السودان من الجُحر ذاته، ولا يطمئنَّ لمن أجمع العالم في الجهات الأربع على سوء نواياهم وشرورهم.

وإن لبسوا أثواب النصحاء الأمناء، فهكذا بدأ الخداع والإغواء حين أسدى الشيطان لأبوينا نصيحةً فكانت سبيلهما إلى الخروج من الجنّة.

نيران تُشعلها الأيدي القريبة

لم يَعُد خافيًا أنّ السّودان صار ساحةً لتصفية الحسابات الإقليمية والدوليّة، وأنّ بعض النيران التي تشتعل في أطرافه مصدرُها من داخل الدّار نفسها.

قوى تدفع المال والسلاح وتُبرّر الفوضى تحت شعارات الوساطة والنُّصح، حتى غدا بعضُ العرب طرفًا في الأزمة لا وسيطًا فيها.

تختلط المصالح بالتحالفات، وتُستبدل الحكمة بالمزايدات، وتُفتح الأبواب للغريب كي يتدخّل باسم "الصلح" وهو يؤجّج الجراح.

ولأنّ مصدر الصراع لم يَعُد بعيدًا، بات النصحُ حرجًا، والخطأُ يُسوّغ بالصمت، والسكوتُ مشاركةٌ في إطالة الألم.

ولم يفكّر الفرقاء، بعد كلّ هذا النزف، في سؤالٍ بسيط: مَن المستفيد من إضعاف السودان؟

جرائمٌ تُبثّ والعالَمُ على الصّامت

ومن فصول المأساة أنّ ما يجري في السّودان لم يَعُد حربًا فحسب، بل صار إبادةً مكتملة الأركان.

مدنٌ تُحرق، وقرًى تُباد، وأُسرٌ تُذبح بالسكاكين، وأجسادٌ تُلقى في الشوارع كأنّها بلا حرمةٍ ولا وجدان.

إنّه القتل حين يفقد آخرَ ما تبقّى له من مبرّرٍ أو إنسانيّة.

ومع ذلك، يمرّ كلّ ذلك في الإعلام الموالي مرورَ الخاطر البارد، وكأنّ الدمَ السّوداني لا لونَ له، ولا يُثير وجعًا في ضميرٍ أو شاشة.

تُرتكب المجازر على مرأى العالم، بينما تُشغَلُ الفضائيّات بتحليلاتٍ واهيةٍ تُخفي الجريمة ولا تُدينها.

لِمَ لا يُحكَّمُ العقل؟

كلّ حربٍ تنتهي بطاولة، فلماذا لا يبدأ السودان من حيث تنتهي الحروب؟

الجلوس للحوار ليس ضعفًا، بل قمّة الشجاعة، فالقوّة ليست في عدد البنادق بل في القدرة على إنقاذ وطنٍ من السقوط.

وإن لم يتحرّك العقلاء اليوم، فسيغدو السودان بلدًا فاشلًا تعبث فيه الميليشيات وتجار السلاح.

لقد آن الأوان لأن يُطفئ السودانيون نارهم بأيديهم، فالوطن أكبر من أيّ حزبٍ أو زعيم، والكرسي لا يستحقّ قطرة دمٍ واحدة من أبنائه.

ليَكُنِ النداءُ من دارِ الحِكمة.. عُمان

وفي خضمّ هذا المشهد، تبرز دولةٌ لم تعرف يومًا الانحياز إلى محورٍ على حساب آخر، بل كانت على الدوام صمّام توازنٍ واتزانٍ في بحرٍ من العواصف.

سلطنة عُمان.. بلادُ السلام والعقل والحكمة، التي علّمت العالم كيف يكون الحياد قوّةً لا ضعفًا، وكيف يُدار الخلاف بالعقل لا بالدم.

وليس من المبالغة أن نأمل أن تتحوّل مسقط إلى منطلقٍ لمبادرةٍ عربيةٍ صادقة، تجمعُ السوداني بالسوداني، بعيدًا عن وصاية الغريب، وتستعيد للوطن روحه قبل أن يغمره رماد الحروب.

السودانُ يستحقّ الحياة

سيذكر التاريخ أنّ السودان لم يُهزم إلا حينَ استسلم أبناؤه للفرقة، وأنّه لم يُنقَذ إلا حين استيقظت الضمائر، وجلس الجميع حول طاولةٍ واحدةٍ باسم الوطن لا الحزب، باسم الشعب لا السلاح.

فيا أبناء النيلين، أوقفوا الحرب قبل أن تبتلع الأرضُ أبناءَها، وأعيدوا للسودان وجهه العربيّ والإفريقيّ الجميل، قبل أن يُمحى من الذاكرة والخرائط.

المصدر: جريدة الرؤية العمانية

إقرأ أيضاً:

عمّان التي تسكنني

يصف عبدالرحمن منيف مدينة عمّان في كتابه سيرة مدينة (ص 395) وصفًا ينطبق على المُدن الكبيرة بوجه عام، قائلاً: «المدينة هي الحياة بتعددها وتنوعها، هي الأمكنة والبشر والشجر ورائحة المطر، وهي التراب أيضًا، وهي الزمن ذاته، ولكن في حالة حركة. المدينة هي طريقة الناس في النظر إلى الأشياء، وطريقة كلامهم، كيف تجاوزوها. المدينة هي الأحلام والخيبات التي ملأت عقول الناس وقلوبهم، التي تحققت وتلك التي طاشت ثم خابت، وكم تركت من العلامات والجروح. المدينة هي لحظات فرح الناس وأوقات حزنهم».

وتطفو بعد تأمل هذا الوصف أسئلة عديدة: كم عدد المدن التي سكنت في داخلنا، وتركت أثرًا لا يُمحى؟ كيف نتعامل معها إذا عدنا بعد غياب؟ ما الذي يحرّك ذاكرتنا؟ أهي ذاكرة السعادة أم الألم؟ من الوجوه التي نتذكّر صعوبتها، أو مرونتها معنا؟ ما مذاقات الطعام المختلفة، أكانت لاذعة أم باردة؟ ما الروائح الأثيرة؟ ما الأمثال الشعبية والأغاني والأناشيد التي شكلت وجداننا؟ ما الحراك المدني الذي خضناه وصاغ تكويننا؟ ما أول عنوان شدّنا إليه عنوان جريدة أو غلاف مجلة ملونة على الأسفلت؟ ما أول سيارة أجرة أو حافلة أو سرفيس أو دلمش؟

تنبع أهمية المكان من مجموع الإحالات التاريخية والمرجعيات الثقافية التي يختزنها؛ فلا قيمة لأي مكان في بعده الجغرافي إلا بمقدار ما يحدثه في داخل المرء من اتصال أو انفصال، وهو فعل يشبه التناصّ.

سكنتني مدينة عمّان منذ أن قررت دراستي الجامعية فيها، بعد حوار طويل مع والدي - رحمه الله - الذي قال إنه لا يمانع دراستي خارج عُمان شريطة ألا تكون في مجال السياسة ناصح ألا أتجاذب فيها أي شكل من أشكال الجذب.. وافقته على مضض، لكن حين سجّلت في عمادة القبول والتسجيل بالجامعة الأردنية كان تخصص العلوم السياسية هو هدفي الحقيقي؛ إذ فعلت كل ما بدا ممكنًا للهروب من دراسة ما لا أريده.

سجّلت المواد المطلوبة، وشققت طريقي كقطار يشق قلب المدينة ــ وهذا التشبيه لم أكن لأكتبه عن عمّان التي ليس فيها قطار لولا أني شاهدت القطارات وركبتها في دول أجنبية. فلماذا أعود إلى الذكرى اليوم؟

لماذا أعود إلى الذكرى اليوم؟ لم أقطع وعدًا على نفسي بالكتابة عن عمّان، لا كتابة سردية ولا مسرحية، لكن هناك ما يشدّني إليها؛ المدينة التي تأتي في المقام الثاني بعد بلدي عُمان. غبت عنها بعد التخرج من البكالوريوس والماجستير، وعدت إليها في مناسبات متباينة: مرة للعلاج برفقة الأهل، وأخرى عضوة في لجنة تحكيم الدورة السادسة لمهرجان المسرح الحر الدولي عام 2011م، وثالثة للمشاركة في الدورة (12) لمهرجان الهيئة العربية عام 2020م

في مهرجان الهيئة العربية للمسرح. لكن زيارات العلاج كانت الأوفر، وهي الملاحظة التي أكدها أخي النمير حين ردّ على سائق الأجرة الذي سألنا عن الأماكن السياحية التي زرناها.

في كل زيارة تمنحني عمّان وجوهًا مختلفة، بعضها جديد وبعضها ينتمي إلى الذاكرة. أظنّ ذلك مرتبطًا بما لا أستطيع نسيانه أو محوه من عقلي تمامًا؛ لأن المرء لا يمكن أن يتحدث عن الجديد إلا بالعودة إلى أشيائه القديمة، فهي وحدها القادرة على منحه الطلاقة في الحديث بأريحية مع الآخرين.

لا أنسى سكن الرابطة للطالبات المغتربات في الجبيهة، مقابل البوابة الشمالية للجامعة الأردنية، الذي أقمتُ فيه قبل أن أغيره إلى آخر، حيث تعلّمتُ ورأيت النور ونضج وعيي. ولا أنسى مقر نادي طلبة سلطنة عمان القابع على ربوة عالية في الجبيهة، يحيل منظره إلى قلعة عُمانية شامخة. كما لا أنسى دورة الانتخابات الأولى والأخيرة التي خضناها كطالبات لتشكيل مجلس إدارة النادي، ولا تلك الصديقات اللواتي رافقنني وما زلن حتى اليوم. وفي عمّان أخرجتُ للمرة الأولى مسرحيتي الطعنة عام 1995 في مدرج سمير الرفاعي، وهي تجربة شكّلت منعطفًا مهمًا في مساري الفني وأسهمت في تعميق صلتي بالمدينة.

تسكن ذاكرتي الطرق المؤدية إلى مدينة ملاهي الجبيهة الترويحية، وصويلح، والزرقاء، ومَعان، ودور النشر والمكتبات وأقربها إلى قلبي مكتبة الطليعة العلمية في وسط البلد، وكذلك الفعاليات الثقافية والمسرحية التي حضرتها في المركز الثقافي الملكي، ورحلات الطلبة العمانيين إلى العقبة والقاهرة. هذه الذكريات تكوّنت في مشاهد اجتماعية، فكوّنت تاريخًا شخصيًا نحو المدينة.

فهل هذه هي عمّان حقًا؟ هل هذه الذكريات هي كل ما سكنني منها وسكنته فيها؟ المدينة التي أحببتني وأحببتها؟ ثمة شعور أعمق وغائر جدا أحاول فهمه في جوهر العلاقة بالمكان، وهو ما يدفع إلى تخليده بالكتابة.

تغيّرت عمّان في تفاصيلها كلها؛ ازدادت كثافتها السكانية، وانتشرت المجمعات السكنية والفنادق والمجمعات التجارية، وتعددت المطاعم والمقاهي، وتنوعت أطعمتها ومشاربها، وظلّت أكشاك القهوة المغلية أو «الصَب» علامة بارزة تتعاقبها الأجيال. في سيارة الأجرة يمكنك أن تقف أمام أي كشك أو محطة بنزين وتطلب قهوتك. تغيّرت الذائقة وتبدّل الناس، كَثُرت الارتباطات وتداخلت شبكة العلاقات وتعقّدت، وتضخّمت الهموم السياسية، وكان للمتغيرات الديمغرافية أثر هائل على الاقتصاد.

هل يمكن تأطير ذلك كله في قصيدة، أو رواية، أو مسرحية، أو فيلم درامي، أو وثائقي؟ أو كتابة نقدية؟ هل ما زال هناك مكان لأفكار التنوير؟ وهل بقي لرسالة التعليم والجامعات أثر إزاء المتغيرات العالمية الكاسحة للقيم والمبادئ؟ وماذا عن اللغة التي نتكلم بها؟ أهي الأخرى خضعت لإغراءات الزمن السهل؟

مثلما للتداعيات والاستذكارات حنينٌ خاص، فإن لها لغة ووظيفة. فعند مروري صباحًا نحو المخبز، تعلق في أنفي رائحة خبز الحَمَام الطازج، وهي رائحة يمكن التقاطها في أي مكان في العالم، كأنها لغة كونية. الحنين بمفرداته التي يستخدمها وعناصره التي يستدعيها يؤدي وظيفة الوسيط أو المترجم؛ كأن الماضي بمرجعياته وإحالاته يتحول إلى لغة ثانية غير مفهومة في العصر الحديث، ما يجعلنا بعُدَاتنا القديمة عصيّين على الاستسلام التام لأفكار الجيل الجديد، بما يملكه من طاقة لاستقبال كل شيء بشكل سلس.

إن التداعيات التي توقظها المدينة يقف خلفها ما أشار إليه منيف من «الأحلام والخيبات التي ملأت عقول الناس وقلوبهم، التي تحققت وتلك التي طاشت ثم خابت، وكم تركت من العلامات والجروح».

في سيارة الأجرة، وأثناء الانتقال من دُوار إلى جبل إلى ضاحية في عمّان، دار حديث عن دوريات الشرطة الراصدة لحركة المرور. انبعثت رسالة تحذيرية من الهاتف تنبّه إلى وجود شرطة بعد مسافة معينة، فسألتُ السائق: هل كانت هناك صيغة متفق عليها بين السائقين قبل وجود هذا الاختراع التقني؟ قال: نعم، كنّا نقول لبعضنا: هناك طبق كنافة!

ضحكت وعلّقت: ونحن في عُمان نقول: هناك حريم يبعن خبزًا!

ذلك الاتفاق الشعبي بين السائقين يدخل في باب علم اللغة والدلالة؛ إذ اتفقت الجماعات في عمّان وعُمان على توظيف لغة رمزية تحذيرية، لكنها في جوهرها لغة محبة للحياة... لغة تشبه المدينة ذاتها: متعددة، متحركة، لا تكفّ عن خلق المعاني.

مقالات مشابهة

  • «الجامعة» وقلب العروبة النازف
  • المذيع احمد طه يجب ان يرعوي من قلة الادب والاحترام التي يقوم بها
  • عمّان التي تسكنني
  • الصليب الأحمر: العالم غض الطرف عن فظائع لا تُصدّق في السودان
  • كاتبة من غزة: من هنا إلى السودان ألَمُهم هو ألمنا
  • الأمين العام للامم المتحدة: كابوس العنف في السودان يجب أن ينتهي
  • نهيان بن مبارك: العلم رمز لقيمنا وحضارتنا التي نفاخر بها العالم أجمع
  • الفاشر.. عار إنساني جديد
  • الهدنة خيانة