«الجامعة» وقلب العروبة النازف
تاريخ النشر: 5th, November 2025 GMT
في داخل الوطن العربي الممتد من الماء إلى الماء، تعاني دول تنضوي تحت لواء (جامعة الدول العربية)، من الحروب المدمرة، والمجاعة، والدمار، تنزف حتى الموت، ويتصارع أبناؤها على النفوذ، والثروة، والسيطرة، وتكون الشعوب حطبا لحروب لا يد لهم فيها، يدفعون ثمن قتال مجنون، يقوده مجموعات إثنية، أو طائفية، يرفع كل فريق منهم شعار (الوطنية)، ويقتلون أبناء شعبهم على الهوية، ويبحثون عن نصر مزيّف على جثث الناس الأبرياء، الذين لا ناقة لهم في هذه الصراعات، ولا جمل.
السودان، وليبيا، واليمن، والصومال، كل دولة من هذه الدول انقسمت إلى (دولتين)، يحكم كل جزء مجموعة مسلحة، وتتحكم فيها عقليات ترفض التفاوض مع الطرف الآخر، وتتعنّت في مواقفها، وتغلّب مصالحها الخاصة، على مصلحة الوطن العليا، بينما يتحول الشعب إلى أداة تغذي هذه الحروب العبثية، وتتعلم كيف تقتل ابن جلدتها على الهوية، أو العرق، أو الطائفة، فيخرج إلى الدنيا أجيال تمتلئ كرها لبعضها، وتتربص به كي تذبحه، دون أن يرف لها جفن، أو يرق لها قلب، بينما تظل (الدولة) غائبة، والمؤسسات الصحية والتعليمية والاجتماعية مجرد هياكل إسمنتية، ليس لها أي دور.
السودان، ذلك البلد الوادع، الذي كنا نعتقد لسنوات أنه بلد مسالم، أصبح مثار اهتمام العالم، وتحول فجأة إلى حلبة صراع، قوتان تتنازعان السيطرة على أرضه، ودعوات للانفصال في مناطق أخرى، ونزاعات دموية، وفضائع لا يمكن وصفها، ومشاهد متكررة لأناس يموتون جوعا، وعطشا، في ظل صراع مميت، وجرائم حرب أدانها العالم، ونهب ممنهج لثروات البلاد، وفوضى عارمة تجتاح كل شبر فيها.
صراع تغذيه الطائفية، وتثيره النعرات القبلية، وتسيّسه عقول تغذي الحقد والكراهية، وتنتهك أعراض النساء، وتذبح الرجال بدم بارد، كل ذلك يُقترف باسم الوطن، ورغم أن المنظمات العالمية صنفت السودان كواحدة من أشد مناطق المجاعة في العالم، ورغم أن عدد النازحين بلغ أرقاما خيالية (حوالي 12 مليون نازح)، وهو أكبر نزوح في العالم، إضافة إلى أكثر من 25 مليون نسمة -وهو نصف السكان تقريبا- يعانون من «مستوى حاد من سوء التغذية»، في ظل كل هذه الكوارث الإنسانية تذهب ثروات السودان لتغذية الصراع، وشراء آلة القتل، والدمار.
في كل هذا الصراع الدموي، وهذا الانقسام ليس في السودان فحسب بل في دول عربية أخرى، تقف جامعة الدول العربية، عاجزة عن فعل أي شيء، وكأنها مجرد هيكل رمزي، يضم الخلافات العربية، ولا يستوعبها، وبقيت دبلوماسيتها مقيدة، وهي ترى القتل والخراب يجوس بلدانا ما زالت أعضاء فيها، ولكن.. ماذا ننتظر من كيان عجز عن اتخاذ موقف عملي حازم من غزة، بينما علّق عضوية دولة عربية أخرى في جلسة واحدة؟!!.
في كل الأحوال.. لا يصنع الأوطان إلا أبناؤها، ولا تعلو دون قادتها، ولا ظلام إلا ويعقبه الصباح، ويقينا سوف تشرق الشمس على السودان، وليبيا، واليمن، ذات أمل، ولكن بكثير من العمل.
المصدر: لجريدة عمان
إقرأ أيضاً:
كاتبة من غزة: من هنا إلى السودان ألَمُهم هو ألمنا
في مقالها المؤثر "من غزة إلى السودان: ألمهم هو ألمنا"، تكتب الصحفية الفلسطينية لينا غسان أبو زيد من قلب غزة عن الرابط الإنساني العميق بين معاناة الفلسطينيين ومعاناة السودانيين، مؤكدة أن الحروب والجوع والدمار ليست أحداثا معزولة، بل فصول متصلة من قصة إنسانية واحدة يغيب عنها الضمير العالمي.
تصف الكاتبة في مقالها بموقع إنترسبت الأميركي مشاهد الحياة اليومية في غزة تحت القصف، حيث الخوف والجوع والدمار، ثم تربط ذلك بما يحدث في السودان، خصوصا في دارفور والفاشر، حيث يعيش المدنيون حصارا خانقا ويفتقرون إلى الماء والغذاء والدواء، في حين تنهار المستشفيات والمدارس وسط صمت دولي مؤلم.
اقرأ أيضا list of 2 itemslist 1 of 2تحليل في فورين بوليسي: لماذا يتحدث ترامب فجأة عن غزو نيجيريا؟list 2 of 2لاكروا: هكذا يوثق المحققون الانتهاكات في دارفورend of listوتقول أبو زيد وهي تتحدث من قلب غزة المحاصرة، إنها ترى في المأساة السودانية مرآة لمآسي الفلسطينيين، وتؤكد أن الدمار والجوع والحصار ليست قضايا محلية، بل وجع إنساني مشترك يجمع بين الشعوب المنكوبة.
ويمكن تلخيص ما ذهبت إليه الكاتبة بشأن تطابق مأساة غزة ومأساة السودان في 5 نقاط:
أولا: حياة بين الخوف والجوعتصف الكاتبة المشهد اليومي في غزة حيث يعيش الناس تحت القصف، يعدّون الأيام بين وجبة وأخرى، ويتنقلون بين الخوف والأمل في دورة لا تنتهي. اعتقد سكان غزة أن معاناتهم فريدة، حتى شاهدوا السودان يحترق بالصمت نفسه الذي يلف مآسيهم.
وفي غزة كما في السودان، يموت الناس جوعا وتحت الأنقاض، في حين تغيب الكاميرات وكأن الألم في الجنوب العالمي لا يستحق أن يُرى في شمال الكرة الأرضية.
ثانيا: نسخة أخرى من الألم
تنتقل أبو زيد إلى السودان، حيث يعيش المدنيون في دارفور والفاشر والخرطوم وضعا مأساويا مشابها لما عاشته غزة، مشيرة إلى مقتل أكثر من 460 مدنيا في يوم واحد بمدينة الفاشر على يد قوات الدعم السريع، وإلى نزوح أكثر من 14 مليون سوداني داخل البلاد وخارجها، مقابل نسبة نزوح تبلغ نحو 90% في غزة.
وتصف الكاتبة كيف أن الحصار والجوع وانعدام المياه والدواء جعلت من المدن السودانية مناطق موت بطيء، تشبه ما عاشه الغزيون بعد القصف والدمار.
وتضيف أن المدنيين السودانيين أصبحوا رهائن لحرب يتعرضون فيها للقتل والاختطاف والتهجير القسري، دون حماية دولية أو اهتمام إعلامي.
الإنسانية الحقيقية لا تُقاس بموقع الضحية، بل بالاستجابة لآلام البشر أينما كانوا
ثالثا: الصمت العالمي إعلانترى الكاتبة أن ما يضاعف الألم في غزة والسودان ليس فقط القصف أو الجوع، بل صمت العالم، وتدين ازدواجية المعايير لدى المجتمع الدولي الذي يرفع شعارات حقوق الإنسان في المؤتمرات، في حين يتجاهل ضحايا الحروب في الجنوب.
تقول "ما يؤلمنا أكثر من الجوع هو صمت العالم"، وتشدد على أن الإنسانية الحقيقية لا تُقاس بموقع الضحية، بل بالاستجابة لآلام البشر أينما كانوا.
وتصف هذا الصمت بأنه "خيانة مضاعفة"، تجعل الضحايا يشعرون بأن العالم يرى لكنه يختار ألا يتكلم.
ترى أبو زيد أن ما يجمع بين غزة والسودان ليس الجغرافيا بل الجراح، فدماء الأطفال في دارفور هي ذاتها دماء الأطفال في غزة، والمدارس والمستشفيات المدمرة في الخرطوم تشبه تماما تلك التي سويت بالأرض في دير البلح والنصيرات.
كلما قرأت عن الموت في الفاشر أو الجنينة، أشعر أن ألمهم هو ألمنا
وتؤكد أن الحروب في الجنوب العالمي سواء في فلسطين أو السودان ليست سوى وجوه مختلفة للمعاناة ذاتها، وأن التاريخ يعيد نفسه لأن العالم لا يتعلم من صمته.
تكتب "كلما قرأت عن الموت في الفاشر أو الجنينة، أشعر أن ألمهم هو ألمنا"، لتجسد وحدة الوجع بين الشعبين.
وتختم الكاتبة مقالها بنداء صادق إلى العالم:
"تحدثوا عن السودان، كما تتحدثون عن غزة، فالصمت يقتل كما تفعل القنابل".
تحدثوا عن السودان، كما تتحدثون عن غزة، فالصمت يقتل كما تفعل القنابل
وتدعو الكاتبة إلى كسر دائرة الصمت الإعلامي والاهتمام بمعاناة الشعوب المنسية، لأن الإنسانية ليست امتيازا، بل واجب أخلاقي.
وتؤكد أن كل كلمة تُكتب وكل قصة تُروى يمكن أن تُخفف من الألم وتعيد بعض الكرامة للضحايا.
وتختتم أبو زيد مقالها بعبارة تلخص رسالتها قائلة "لا تتركوا السودان وحيدا كما تُركت غزة، فالألم مشترك، والإنسانية مسؤولية الجميع".