جريدة الرؤية العمانية:
2025-11-08@18:00:41 GMT

حديث الجهل

تاريخ النشر: 8th, November 2025 GMT

حديث الجهل

 

 

 

 

عائض الأحمد

 

يتقدّم الصفوفَ، ويتبعه القطيع، وتتناثر حوله الورود، وتمجّده الردود، ويزهو بين محبّيه، مكرّرًا خيبته.

ظهوره مخجل، وعباراته سوقيّة مبتذلة، تُرهق أسماع أطفال الشوارع قبل أن تُرهق من يصفّق له تعصّبًا أو نكايةً بالآخرين.

لقد تجاوز الوسط الإعلامي الرياضي مرحلةَ الانفلات، إلى التوغّل في النوايا، وربما في البيوت وأسلوب الحياة، مقتحمًا كلّ الخطوط، متجاوزًا المباحَ والمستباح.

ما عاد الصوت العالي دليلَ حقّ، ولا كثرة المتابعين معيارَ وعي.

السطحيّ اليوم يُقدَّم نجمًا، والفارغ يُستضاف خبيرًا، والجاهل يُرفع منابر، لا لعلمٍ يحمله، بل لصوتٍ يجيد الصراخ.

تحوّل الإعلام إلى ساحة تراشقٍ لفظيّ، لا إلى منبر معرفةٍ أو تربيةٍ رياضية.

أضاع كثيرون الرسالة حين جعلوا الإثارة غاية، والتجريح وسيلة، الجهل مادّةٌ تُغذّي جمهورًا يبحث عن التسلية لا الوعي.

ولأننا تركنا مساحة الجلبة الإعلامية تتضخّم، صار من الطبيعي أن نرى "الجهل" يتكلّم بثقة، و"العقل" يلتزم الصمت خجلًا من مستوى النقاش.

لكنّ الصمت هنا ليس ضعفًا، بل احترامٌ لذائقةٍ أرهقها الجدل الفارغ.

المُضحك أن تبادُل الألوان صار عنوانَ الولاء، فمن يحقق مصالحه سارع خلفه، وسلّ سيفه دون هوادة، ظانًّا أن حصانه الأبيض يشقُّ صفوف أعدائه ويُثير النقع في جبين البطولة.

أولم نجد فيكم رشيدًا يقول: أيُّ عيبٍ هذا؟ وأيُّ حماقةٍ تصدّرونها لأجيالٍ تعشق التنافس، وتتابع الرياضة بشغفٍ ونقاء؟

ومن أعجب ما في القوم أن كبيرَهم وصدى صوتهم يحمل حرف "الدال"، يُدرِّس في مدرج علمٍ صباحًا، ثم يُدير مدرّج ملعبٍ مساءً!

وذاك المخضرم الذي يصدح كلّ يومٍ، وله من اسمه نصيب، سيبقى رغم كلّ هذه السنوات وليد أفكاره وتعصّبه.

لها: إنْ كانت الرياضة أنثى أقول: ما خُلِقتِ للخصام، ولا لتجاذب الأهواء؛ بل كنتِ ميدانَ تنافسٍ شريفٍ يرفع الأخلاق قبل الكؤوس.

كم شوّهوا وجهك الجميل بالصراخ والادّعاء، لكنّ نقاءكِ لا يزول، فالفطرة تعرف الجمال وإن غيّبته الأصوات. فهل آن لكِ أن تستعيدي بهاءك من بين أيدي العابثين؟

شيءٌ من ذاته: ليست المنابر من ترفع الناس، بل ما يحملونه إليها من فكرٍ ووعيٍ وأدب.

ولعلّ الصمت اليوم أجملُ أشكال المقاومة، حين يصبح الحديث صدىً لا معنى له، وحين يكون العقلُ هو الغائبَ الأكبر عن مشهدٍ يزدحم بالصراخ.

نقد: الجهل حين يلبس ثوب المعرفة، يصبح أخطر من الجهل العاري.

وما يعيشه الوسط الإعلامي الرياضي اليوم ليس نقصًا في الوعي، بل فائضًا في الادّعاء؛ فبعض المنابر لا تبحث عن رأيٍ يُبنى عليه، بل عن صخبٍ يُشاهد ويُتداول.

ولأن المعيار غاب، صار المظهرُ يُقدَّم على الجوهر، والادعاء الباطل على الفكرة، والمجاملة على الموقف.

إنه زمنٌ يُكافَأ فيه المتحدث قبل أن يُسأل: عمّ تكلّمت؟

 

رابط مختصر

المصدر: جريدة الرؤية العمانية

إقرأ أيضاً:

هل يصبح زهران ممداني الرئيس المقبل لأمريكا؟!

 

 

 

د. محمد بن عوض المشيخي **

 

نعيش في عالم مُتغيِّر تتحكم في قراراته المصيرية الزوايا والدهاليز الرمادية في الفضاء الافتراضي للسموات المفتوحة التي يتحصن فيها جيل الشباب الذين رضعوا التكنولوجيا ويحرصون على أن يقضوا ساعات طويلة يوميًا على المنصات الرقمية التي يتفاعلون معها بكل صدق وأمانة؛ لكونها أصبحت هي المصدر الأساسي للمعلومات التي يتخذون بعدها ما يعتقدون أنه صحيح من قرارات، ويتوافق مع معتقداتهم وطموحاتهم في نفس الوقت.

شبكات التواصل الاجتماعي أصبحت من أهم المراجع المطلقة لهؤلاء الأجيال المتعاقبة من (جيلي زد وألفا) وغيرهم من أجيال الألفية الجديدة، فلم تعد النصوص التلمودية وحديث الوعظ والإرشاد والدعاية الرمادية يشكلان المرجع الوحيد لليهود الذين يُقدَّر عددهم بمليون ونصف المليون يهودي من سكان نيويورك التي يصفها البعض بأنها ذات ملامح وثقافة يهودية؛ أي أنهم أكثر من سكان تل أبيب من اليهود أو حتى وصاية منظمة "أيباك" العنصرية التي تتحكم بكل شاردة وواردة في أمريكا وتساند إسرائيل بالمطلق؛ بل المصادر الموثوقة الجديدة لجيلي زد وألفا هي الخوارزميات والذكاء الاصطناعي والشاشات التفاعلية في الإعلام الرقمي بمختلف أشكاله. وكشفت استطلاعات الرأي قبيل انتخابات عمدة نيويورك بأن نصف عدد سكان المدينة من اليهود سيصوتون للمرشح المسلم زُهران ممداني ذي التوجه الاشتراكي والمرشح عن الحزب الديمقراطي.    

وبالفعل نجح ممداني الشاب المسلم المولود في افريقيا في الفوز بمنصب عمدة نيويورك بفارق كبير مُحرزًا نصرًا حاسمًا؛ متغلبًا بذلك على حاكم الولاية السابق أندرو كومو المقرب من الرئيس الأمريكي دونالد ترامب.

لا شك أن فوز هذا الشاب الثلاثيني- الذي وطأت قدمه أمريكا لأول مرة وهو ابن السابعة لم يكن من الأثرياء؛ فهو لا يملك حتى سيارة؛ بل يستخدم المواصلات العامة- يعد استثنائيًا بكل المقاييس، فهذه المدينة تمثل عاصمة لكوكب الأرض؛ إذ تعد مركز العالم؛ حيث مقر الأمم المتحدة ومجلس الأمن الدولي، والأهم من ذلك تعتبر نيويورك مدينة المال والأعمال؛ فشارع وول ستريت بحي منهاتن يضم البورصات والبنوك ذات الطابع الدولي، فكل الفوائد البنكية التي يحصل عليها المودعون في البنوك المحلية عبر العالم، مصدرها ذلك الشارع الشهير المعروف بخزائن المال العالمي من الدولار والذهب والفضة والمعادن الثمينة الأخرى. لقد زرتُ هذه المدينة الصاخبة بسكانها الذين أتوا من مختلف بقاع الأرض للعمل والبعض لتمثيل بلدانهم في مقر الأمم المتحدة، وكنت أعتقد أن اليهود يقيمون في الأحياء الراقية وناطحات السحاب في وسط المدينة باعتبار أنهم الأغنى عن غيرهم في هذه البقعة من العالم التي تعتبر المعقل المفضل لبني إسرائيل منذ قرون مضت، وبعكس تلك التوقعات شاهدت خلال تجوالي في أطراف المدينة- حيث يسكن الفقراء- وجود يهود باللباس التقليدي الديني المعروف؛ حيث الشعر الطويل و"الكيباه" التي تغطِّي جزءًا من الرأس، والبعض منهم من اصحاب الدخل المحدود في نيويورك، وكان ذلك ضربًا من ضروب الخيال بالنسبة لي.

كان زُهران خلال الحملة صاحب رباطة جأش وإرادة قوية وثقة صادقة بالله وبالناخبين من المسلمين والأفارقة والعرب الذين يشكلون قاعدته الانتخابية، فقد وعد في حالة فوزه باعتقال رئيس وزراء الكيان الصهيوني عند قدومه للمدينة وتقديمه للمحكمة الجنائية الدولية في لاهاي؛ والأهم من ذلك كله كان برنامجه الذي تم إعداده بحكمة يلامس تطلعات المجتمع المحلي وعلى وجه الخصوص الشباب الذين يشكلون الأغلبية في أنحاء الولايات المتحدة الأمريكية، فلم يكن بعيدًا عن عقلية جيل زد العنيد الذي تنتمي إليه زوجته راما دوجي ذات الأصول الشامية وتحديدًا دمشق.

صحيحٌ أنه تعرض للتشهير من اليمين المتطرف لأنه مسلم وتم استخدام ما يعرف بالإسلاموفوبيا ضده على نطاق واسع لكسره عن مواصلة مشوار الترشح؛ بل إن الرئيس الأمريكي نفسه دعا اليهود لتجنب التصويت لزُهران لكونه اشتراكيًا أو كما وصفه بأنه "شيوعي صغير".

وفي الختام.. بعد هذا الفوز الكبير والساحق بمنصب عمدة نيويورك؛ تشير كل التوقعات بإمكانية ترشُّحه للرئاسة الأمريكية عن الحزب الديمقراطي في الانتخابات المقبلة بعد ثلاثة أعوام من الآن، فهو جدير بالفوز نتيجة انقلاب الموازين التقليدية وحضور جيل المنصات الرقمية الذي يعتمد بالدرجة الأولى على المنطق والوقوف مع الحق لكونهم يرون أنفسهم جزءًا من العالم، لا من حدود الدولة القُطرية؛ كما إنهم يفتخرون بوقفهم مع قضايا عابرة للحدود؛ كمناصرة المظلومين في غزة وفلسطين وكذلك الاهتمام بقيم العدالة الاجتماعية ومحاربة الفقر، والمساواة والمناخ وغيرها من القضايا، بعيدًا عن التميز العنصري الذي كان سيد الموقف في مختلف الولايات الأمريكية الخمسين.

** أكاديمي وباحث مختص في الرأي العام والاتصال الجماهيري

رابط مختصر

مقالات مشابهة

  • كيف يصبح الشتاء موسم جمالك وليس جفافك؟
  • هل يصبح زهران ممداني الرئيس المقبل لأمريكا؟!
  • إله المقاهي.. حين يصنع الجهل آلهته في زمن «الفيسبوك»
  • العراق: دخول مرحلة الصمت اليوم في أنتخابات البرلمان لاختيار 329 عضوًا
  • لأول مرة .. رمد المنصورة تنجح في تصوير قاع عين حديث الولاده بتقنية OCT
  • بعد وعوده بجعل نيويورك أكثر جذباً للسياح .. زهران ممداني يصبح كابوساً لـAirbnb
  • بدء الصمت الانتخابى بانتخابات النواب ظهر اليوم الخميس
  • قبل بدئه اليوم.. احذر عقوبة خرق الصمت الانتخابي
  • مجلس الصحافة التونسي يطالب بوقف التضييق على المنابر الإعلامية المستقلة