منذ آلاف السنين، حملت سيناء قداسة لا تضاهى في التوراة. تُعرف هذه الأرض باسم جبل سيناء أو جبل حوريب  وهي المكان الذي تلقّى فيه موسى الوصايا العشر من الله.  
كل صخرة ورمل في هذه الأرض تحمل رمزية دينية عميقة،. اليوم، بينما تُعلن إسرائيل عن عسكرة الحدود المصرية، يظهر هذا البعد الرمزي في كل حساب أمني وسياسي.

فالقلق الإسرائيلي من تحركات الجيش المصري في الصحراء ليس مجرد مسألة أمنية أو عسكرية، بل يتداخل مع إرث ديني وتاريخي يجعل أي تعزيز للقاهرة يُنظر إليه داخل تل أبيب كتهديد
 . وهكذا تتحول سيناء من رمز روحي للعبور والتحول إلى ساحة صراع إستراتيجي مشحونة بالمعاني الدينية والسياسية 
إلى جانب البعد الديني، هناك حالة غضب من مصر بعد تعطيل مشروع تهجير  شعب غزة الي سيناء  ومنع إسرائيل من ضم 365 كيلو متر لمساحتها الجغرافية  كخطوة نحو مشروع إسرائيل الكبري 
لكن القاهرة رفضت تمامًا هذا السيناريو، ولم تنساق لأي ضغوط مالية أو سياسية، بما في ذلك محاولات ترامب دفع مصر لاستقبال سكان غزة مقابل سداد ديونها..

ورغم محاولات تل ابيب بكل أنواع الضغوط علي القاهرة  سواء كانت سياسية أو اقتصاديًة  حتي تتخلي مصر عن ثوابتها الوطنية وحماية أمنها القومي  الا ان تلك المحاولات 
فشلت  
وكان شهر سبتمبر الماضي هو محور الضغوط و الزخم   الذي تمخض عنه في النهاية حدث  عسكرة الحدود  الإسرائيلية مع مصر بالتزامن مع اعلان انضمام  كازاخستان لقطار التطبيع .

في بداية سبتمبر أعلنت إسرائيل 
تعليق صفقة الغاز بين مصر وإسرائيل، البالغة 35 مليار دولار، رغم 
ان الصفقة كانت أحد أعمدة “تحالف الطاقة الإقليمي” الذي تبنته واشنطن لربط مصر وإسرائيل واليونان وقبرص بمشروع توريد الغاز إلى أوروبا.
وحين أوقف نتنياهو الاتفاق بحجة “أنشطة الجيش المصري شرق القناة”، 
ضرب عمليًا  بغباء منقطع النظير  قدرة إسرائيل على تصدير غازها،  وحرمها من عائدات بملايين الدولارات 
لأن كل محطات تسييل الغاز الطبيعي تقع داخل الأراضي المصرية (إدكو ودمياط). ومن المستحيل أن تصدر إسرائيل غازها دون المرور علي مصر 
اما القاهرة فتوقيت القرار مع نهاية الصيف لم يربكها علي الاطلاق كما انها تمتك بدائل عديدة  
ولانها تفهم أن جوهر الأزمة  ليس الغاز بل الخضوع للنفوذ الإسرائيلي. 
فصفعت نتنياهو برد مؤلم وغير متوقع  في منتصف سبتمبر. 
و ردت  برسالة غاية في الازعاج  لتل أبيب: 
إطلاق مناورات عسكرية مشتركة مع عدو الأمس تركيا في شرق المتوسط. بهدف غير معلن إعادة  توزيع وصياغة خريطة غاز شرق المتوسط .

اما الرسالة المعلنة من تلك المناورات 
، فمفادها أن مصر لن تخضع للضغوط الإسرائيلية   وأن هذه الخطوة تمثل جزءًا من إعادة رسم القاهرة لمعادلات القوة في المنطقة، لتؤكد أن مصالحها الوطنية لا تُساوم، وأن أي محاولات لإضعافها أو فرض شروط اقتصادية وسياسية عليها ستقابل بتحركات عسكرية واستراتيجية محسوبة. 
فقدت إسرائيل عقلها علي خلفية تلك المناورات وادركت انها في حرب غير معلنة مع مصر وعلي الهامش تركيا..
و تمهيدا لخطوة  عسكرة الحدود مع مصر .
ونحديدا في العشرين من سبتمبر الماضي، وبينما كانت حرب غزة تُلهب الحدود،
طلبت إسرائيل من الولايات المتحدة الضغط على مصر بسبب تعزيزاتها العسكرية في سيناء، وفق ما نقلته قناة 12 الإسرائيلية وBBC.
واتهم نتنياهو القاهرة بـ “حشد قواتها في انتهاك محتمل لاتفاقية كامب ديفيد”، مشيرًا إلى مدارج للطائرات الحربية ومنشآت تحت الأرض يُعتقد أنها لتخزين الصواريخ.
و قال 
مصدر أمني إسرائيلي  لموقع BBC:
“ان ما يفعله المصريون في سيناء خطير للغاية... نحن قلقون جدًا، ليس فقط من حجم الحشد، بل من طبيعة البنية العسكرية التي تُقام هناك في صمت..
.
والان و بعد أسابيع من التحركات الإسرائيلي علي المستوي السياسي والاقتصادي ضد مصر 
أعلنت  إسرائيل بالفعل  عسكرة الحدود وتُنشئ وحدة أمنية خاصة لمراقبة الجنوب المصري،
ولم يكن هذا   مجرد إجراء أمني وليد اللحظة هدفه كما تزعم إسرائيل  منع تهريب السلاح الي المقاومة  
، بل عمل مخطط ومدروس و تحول نوعي في طبيعة العلاقة الاستراتيجية بين البلدين.
فمن الناحية التقنية، يعني القرار:
إنشاء بنية عسكرية دائمة تضم وحدات استخبارات ومراقبة ميدانية.
تكوين قوة مهام مشتركة بين الجيش الإسرائيلي، الشاباك، والشرطة العسكرية.
تأسيس وحدة قتالية خاصة مدربة على العمل الليلي في الصحراء، ما يشير إلى استعداد لمهام هجومية استباقية.
بمعنى آخر، إسرائيل لا “تغلق الحدود”، بل تؤسس جبهة نشطة قابلة للاستخدام المستقبلي عند الضرورة — حتى لو لم تقل ذلك صراحة. 
فالذرائع الإسرائيلية تُخفي أهدافًا استراتيجية 
فالبحث في السجل السياسي والعسكري التاريخي 
لإسرائيل يمكن القول انها تستعد لعمل عدائي ضد التواجد العسكري المصري في سيناء أو علي أقل تقدير  دعم اذراعها الإرهابية للقيام بهذا العمل نيابة عنها 
فالحديث عن “الدرونز المجهول  وهي في الأساس ملك مزارعين يهود تزعم إسرائيل أنها سرقت منهم واستخدمت بعد ذلك  في تهريب الأسلحة عبر الحدود المصرية” ليس جديدًا، لكنه اليوم يُستخدم كغطاء لإعادة تموضع إسرائيلي في منطقة بالغة الحساسية .
.
ولان إسرائيل تعلم أن مصر لن تتهاون مع أي وجود عسكري قرب سيناء، لذلك تُغلف تحركاتها بخطاب “احترازي” ودفاعي . 
لكن  الواقع يقول عكس ذلك:
فلا توجد بيانات دولية محايدة  توثق اختراقات حقيقية بطائرات مسيرة من مصر، 
ليؤشر ذلك  أن الهدف الفعلي من المبررات الإسرائيلية.

هو تعزيز الحضور الاستخباراتي الإسرائيلي الدائم علي حدودها الجنوبية .
وأن النخبة في إسرائيل علي مدار  اكثر من عام تتحدث عن حرب محتملة بنسبة كبيرة مع مصر .

ففي فبراير الماضي، نشر الخبير الأمني الإسرائيلي شاي إيتان دراسة بحثية أثارت قلقًا واسعًا في تل أبيب، حذّر فيها من احتمال فتح جبهة “قديمة 
ضد إسرائيل من الجانب المصري.
وقال إيتان إن القاهرة تواصل منذ حرب السيوف الحديدية (حرب غزة الأخيرة) إرسال تعزيزات عسكرية كبيرة إلى سيناء، تشمل معدات ثقيلة وتجارب على قنابل خارقة للتحصينات الخرسانية، وهي — على حد وصفه — "أنشطة لا علاقة لها بمكافحة التهريب أو المهاجرين
ويضيف أن الخطاب العسكري المصري يُدرج إسرائيل ضمن التهديدات الأساسية، وأن الجيش المصري يُعيد بناء نفسه كقوة إقليمية تتفوق عددًا وتسليحًا على معظم جيوش المنطقة.
وأن القاهرة تتسلّح من الغرب والشرق معًا — من الولايات المتحدة، وروسيا، والصين — ما يمنحها مرونة استراتيجية غير مسبوقة.
ويشير إيتان إلى أن مصر، رغم أزمتها الاقتصادية العميقة، توجّه مواردها إلى تعزيز جيشها الذي يضم أكثر من 450 ألف جندي نظامي وملايين من الاحتياط، إضافة إلى بحرية قوية تمتلك غواصات حديثة وحاملة طائرات.
وان إسرائيل يجب أن تتابع كل التحركات يدقة قي ظل تغير التوازنات السياسية المستقبلية في حكم مصر

يمكن لنا تلخيص ماسبق بأن 
“إسرائيل تري  أن الجنوب لم يعد هادئًا كما كان. .
وشهد تغييرًا في المعادلة الأمنية.
فهناك فرعون يستيقظ تحت رمال سيناء، يذكرهم بسنوات العبودية والعذاب  بمصر  
. وإذا اندلعت الحرب القادمة، فلن تكون كالحروب السابقة.”
بهذا الخطاب المفعم بالقلق، تُظهر النخبة الإسرائيلية أن ما يزعجها ليس فقط التسلح المصري، بل رمزية النهوض ذاته  كأن “الفرعون العسكري” يعود من أعماق التاريخ ليذكّر تل أبيب أن النيل ما زال حاضرًا في المعادلة.ويذكرهم 
بسنوات  التيه  لمدة 40 عامًا في صحراء سيناء  أرض الخراب  والابتلاء حسب معتقدهم الديني ...

ان ما تقوم به إسرائيل الآن  من إعادة  رسم التوازن الأمني عند الحدود بشكل أحادي، وفي لحظة سياسية واقتصادية حساسة للقاهرة.
رسالته الضمنية واضحة: “لسنا ملزمين بالتنسيق القديم، بل نعمل وفق مصالحنا الأمنية الخاصة.”
وهو ما يثير قلقًا مشروعًا في مصر، لأن عسكرة الحدود تمسّ جوهر معاهدة كامب ديفيد التي حددت مناطق منزوعة السلاح في سيناء.
كما أن تحويل المنطقة إلى ثكنة مراقبة إسرائيلية يفتح الباب أمام إعادة تفسير مفهوم “التهديد”، بما يسمح لتل أبيب مستقبلًا بتبرير أي نشاط ميداني متقدم. 
عبر القيام بعمل عدائي مباشر  او إعادة إحياء الجماعات التكفرية في سيناء عبر نقلهم من سوريا الي سيناء  

فتحليل المشهد  الإقليمي بعدسة مكبرة 
يُظهر أن عسكرة الحدود الإسرائيلية وتجميد صفقة الغاز مع مصر  ليسا قرارين معزولين، بل جزء من استراتيجية ضغط مركبة على القاهرة: بالتزامن مع حدث التحاق كازاخستان بالمدرسة الإبراهيمية. 
اقتصاديًا: تجميد صفقة الغاز يقلّص عائدات الطاقة المصرية في وقت تحتاج فيه الدولة إلى العملة الصعبة.
أمنيًا: عسكرة الحدود تضع سيناء تحت رقابة ميدانية إسرائيلية مشددة.
سياسيًا: الانشغال بالحدود يحدّ من قدرة مصر على التحرك في الملف السوداني، ويمنح حليف إسرائيل غير المعلن — حميدتي — مساحة للتنفس في دارفور وكردفان. وتجعل الحليف الأخر حاكم إثيوبيا قريب من حلم ميناء علي البحر الأحمر رغما عن إرادة مصر 
بهذا الشكل، تُبقي إسرائيل جبهة النيل الغربي مشتعلة بينما تنقل ثقلها الاستراتيجي إلى البحر الأحمر. 
خاصة أيضا ان قرار عسكرة الحدود الإسرائيلية مع مصر 
يأتي متزامن مع رسالة إسرائيلية اخري غاية في الأهمية والخطورة
وهي اعلان انضمام   كازاخستان   الي قطار التطبيع الإبراهيمي 
واذا كانت الرسالة في ظاهرها موجهة ضد الصين للتخلي عن تسليح إيران فهذا التطبيع في سياقه يأتي 
كتهديد بقطع  وإغلاق مسار طريق الحرير بين آسيا و أوروبا  عبر 
فكازاخستان  موقعها يجعلها حلقة وصل برية بين شرق آسيا (الصين) وأوروبا الغربية.
وهي بذلك اهم محطات طريق الحرير الجديد و.

الآ أن الرسالة الأهم والغير معلنة فهي لاردوغان 
بحكم ان كازاخستان احد اهم الحدايق الخليفة لتركيا 
وشريك اقتصادي غني بالمعادن النادرة ومصادر الطاقة تجمعهما وحدة العرق 70 %  من سكان كازاخستان من العرق التركي وينحدون من جذور ثقافية واحدة .
ولاشك ان وجود إسرائيل هناك في هذا التوقيت في احد جوانبه الضغط علي أردوغان ليقدم تنازلات لإسرائيل في  غزة 
والملف السوري . وابعاده عن التعاون السياسي والعسكري مع مصر  حتي تظل مصالحه في كازاخستان في حالة نمو ..

ان ما يحدث ليس مجرد صدفة حسب دستور  الدهاء السياسي 

وما تقوم به إسرائيل ليس مجرد “تحصين أمني” ولا “صفقة غاز مجمّدة ولا فتح باب قطار التطبيع لراكب جديد 
بل إعادة صياغة كاملة لتوازن القوى في الشرق الأوسط .

فإسرائيل تُعيد رسم حدودها لتخدم رؤيتها لما بعد حرب غزة، لكنها تفعل ذلك بطريقة تستفز القاهرة  وتربك تركيا وتعزل إيران عن الصين ، وتفتح الباب لتوترٍ طويل الأمد.
وهكذا، يتكرر الخطأ الإسرائيلي القديم:
الاستخفاف بالحسّ القومي المصري، والرهان على أن مصر لن تتحرك.
لكن التاريخ المصري لا ينام طويلًا — فكلما اعتقد أحد أن  الجيش المصري استكان، خرجت من عمق أرض سيناء  أصوات الفراعنة وهم يضربون الأرض بأقدامهم، معلنين أن السيادة لا تُستأذن… بل تُفرض. كما حدث في حرب أكتوبر عام 1973
وعلي "إسرائيل أن تفهم وهي تعبث  مع مصر  ، ان من  يزرع الشر  على الحدود، يحصد الخوف — وتتحول المواجهة إلى كابوس استراتيجي

المصدر: بوابة الوفد

كلمات دلالية: علاء عوض سيناء جبل سيناء

إقرأ أيضاً:

إسرائيل تعلن الحدود مع مصر منطقة عسكرية مغلقة.. وتوضح السبب

أعلن وزير دفاع الاحتلال الإسرائيلي يسرائيل كاتس الخميس أنه أمر الجيش بتحويل المنطقة الحدودية بين إسرائيل ومصر إلى منطقة عسكرية مغلقة في مسعى لمنع تهريب الأسلحة الى قطاع غزة بواسطة الطائرات المسيّرة، بحسب ادعاءاته.
وجاء في بيان صادر عن كاتس نشر على حسابه على تطبيق تلغرام أنه وجّه جيش الاحتلال "لتحويل المنطقة المتاخمة للحدود بين إسرائيل ومصر إلى منطقة عسكرية مغلقة".
أخبار متعلقة 40 قتيلًا في هجوم على تجمع عزاء بمدينة الأُبيض شمال كردفانالأردن يدين طرح مناقصات لبناء وحدات استيطانية جديدة في الضفة الغربية .article-img-ratio{ display:block;padding-bottom: 67%;position:relative; overflow: hidden;height:0px; } .article-img-ratio img{ object-fit: contain; object-position: center; position: absolute; height: 100% !important;padding:0px; margin: auto; width: 100%; } إسرائيل تعلن الحدود مع مصر منطقة عسكرية مغلقة.. وتوضح السبب - وكالات
بالإضافة إلى "تعديل قواعد الاشتباك تبعا لذلك من أجل التصدي لتهديد الطائرات المسيرة الذي يعرّض أمن الدولة للخطر"، بحسب قوله.
وذكر أن "تهريب الأسلحة عبر الطائرات المسيرة هو جزء من الحرب في غزة، ويهدف إلى تسليح أعدائنا، ويجب اتخاذ كل الإجراءات اللازمة لإيقافه".

مقالات مشابهة

  • دبلوماسي سابق: مصر ستلعب دورًا محوريًا في ضمان العمق الأمني لغزة بالتنسيق مع شمال سيناء
  • الحجار: على المجتمع الدولي الضغط على إسرائيل للانسحاب ووقف اعتداءاتها
  • الإعلام العبري: إسرائيل تبدأ الضغط على مصر بقرار إعلان الحدود منطقة عسكرية
  • هل كذب ترامب بإعلان تطبيع كازاخستان؟.. نخبرك ما لا تعرفه عن علاقات أستانا بتل أبيب
  • هل كذب ترامب حين أعلن تطبيع كازاخستان؟.. نخبرك ما لا تعرفه عن علاقات أستانا بتل أبيب
  • رسالة مصرية بعد إعلان حرب على الحدود مع إسرائيل
  • إسرائيل تعلن الحدود مع مصر منطقة عسكرية مغلقة بزعم تهريب أسلحة
  • إسرائيل تعلن الحدود مع مصر منطقة عسكرية مغلقة.. وتوضح السبب
  • إسرائيل تحول الحدود مع مصر لمنطقة مغلقة