حكم التحرش وانتهاك خصوصيات الآخرين في الشرع
تاريخ النشر: 8th, November 2025 GMT
يُطْلَق "التحرش" عرفًا على: الأفعال أو الأقوال أو الإشارات ذات الطابع الجنسي التي يُنْتَهك بها خصوصية الغير. وهذا هو التوصيف القانوني لهذا الفعل، كما نَصَّ على ذلك قانون العقوبات المصري في المادة (306 مكرر "أ").
التحرش في الشرع الشريف:والشرع الشريف قد حَذَّر من انتهاك الحرمات والأعراض، وقبَّح ذلك ونفَّر منه، وشدَّد الوطأة والعذاب على مرتكبيه، ونوَّه إلى عِظَم شأن الحرمات وكبير وزنها عند الله تعالى؛ من أجل تعلقها بحقوق العباد؛ فأخرج الإمام البخاري في "صحيحه" عن ابن عباس رضي الله عنهما أنَّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم خطب الناس يوم النحر فقال: «يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَي يَوْمٍ هَذَا؟»، قالوا: يوم حرام، قال: «فَأَي بَلَدٍ هَذَا؟»، قالوا: بلد حرام، قال: «فَأَي شَهْرٍ هَذَا؟»، قالوا: شهر حرام، قال: «فَإِنَّ دِمَاءَكُمْ وَأَمْوَالَكُمْ وَأَعْرَاضَكُمْ عَلَيْكُمْ حَرَامٌ كَحُرْمَةِ يَوْمِكُمْ هَذَا فِي بَلَدِكُمْ هَذَا فِي شَهْرِكُمْ هَذَا»، فأعادها مرارًا، ثم رفع رأسه فقال: «اللَّهُمَّ هَلْ بَلَّغْتُ، اللَّهُمَّ هَلْ بَلَّغْتُ.
والمُتَحَرِّش الذي أَطْلَق سهام شهوته جامعٌ بين منكرين؛ الأول: استراق النظر، والثاني: خَرْق خصوصية الغير، والنبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: «إِيَّاكُمْ وَالْجُلُوسَ عَلَى الطُّرُقَاتِ»، فقالوا: ما لنا بد، إنما هي مجالسنا نتحدث فيها، قال: «فَإِذَا أَبَيْتُمْ إِلاَّ الْمَجَالِسَ فَأَعْطُوا الطَّرِيقَ حَقَّهَا»، قالوا: وما حق الطريق؟ قال: «غَضُّ الْبَصَرِ، وَكَفُّ الأَذَى، وَرَدُّ السَّلاَمِ، وَأَمْرٌ بِالْمَعْرُوفِ، وَنَهْىٌ عَنِ الْمُنْكَرِ» متفق عليه.
التحرش بالإسلام:
بل إنَّ هذه الفِعْلة القبيحة من شأن المنافقين الذين قال الله فيهم: ﴿لَئِنْ لَمْ يَنْتَهِ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ وَالْمُرْجِفُونَ فِي الْمَدِينَةِ لَنُغْرِيَنَّكَ بِهِمْ ثُمَّ لَا يُجَاوِرُونَكَ فِيهَا إِلَّا قَلِيلًا مَلْعُونِينَ أَيْنَمَا ثُقِفُوا أُخِذُوا وَقُتِّلُوا تَقْتِيلًا سُنَّةَ اللهِ فِي الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلُ وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللهِ تَبْدِيلًا﴾ [الأحزاب: 60-62].
قال الإمام الفخر الرازي في "مفاتيح الغيب" (25/ 184، ط. دار إحياء التراث العربي): [الذي في قلبه مرض: الذي يؤذي المؤمن باتباع نسائه] اهـ.
التحرش
فأعلن الإسلامُ الحربَ على مَنْ يقترف مثل هذه الجريمة، وتَوعَّد فاعليها بالعقاب الشديد في الدنيا والآخرة؛ وأوجب على أولي الأمر أن يتصدّوا لمظاهرها الـمُشينة بكل حزمٍ وحَسْمٍ، ولذا فقد نَصَّ قانون العقوبات على تجريم هذه الفِعْلة ووضع العقاب الرادع لكل مَنْ تُسَوِّل له نفسُه التلطخَ بهذا العار.
وفي سبيل ذلك؛ فإنَّ إلصاقَ جريمة التحرش النَّكْرَاء بقَصْر التُّهْمَة على نوع ملابس المرأة وصفته؛ تبريرٌ واهمٌ لا يَصْدُر إلَّا عن ذوي النفوس المريضة والأهواء الدنيئة، فالحجاب لا يُنْظَر فيه إلى توصيف شَكْل أو نوع الملابس، كما أنَّ المُسْلِم في ذلك مأمورٌ بالبُعْد عن المحرَّمات في كل الأحوال والظروف؛ وذلك امتثالًا لقوله تعالى: ﴿قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ﴾ [النور: 30].
المصدر: بوابة الوفد
كلمات دلالية: التحرش حكم التحرش التحرش الجنسي
إقرأ أيضاً:
أحمد عبد الله.. كاتب الواقعية الشعبية الذي رسم ملامح الكوميديا المصرية الحديثة
على مدار 3 عقود من الإبداع، تمكن المؤلف والسيناريست أحمد عبد الله من ترسيخ بصمته الخاصة في الدراما والسينما المصرية، عبر أعمال جسدت نبض الشارع وقدمت رؤية إنسانية عميقة، مزجت بين الواقعية الصادقة والكوميديا القريبة من وجدان الجمهور.
وفي إطار شراكته الفنية المثمرة مع المخرج الراحل سامح عبد العزيز، قدّم عبد الله سلسلة من الأعمال التي جمعت بين الشعبية والعمق الفني، ما رسّخ مكانته كأحد أبرز كتاب الدراما في العقدين الأخيرين.
اقرأ أيضا list of 2 itemslist 1 of 2بمناسبة مرور 100 عام على ميلاده.. مهرجان الأقصر للسينما الأفريقية يحتفي بيوسف شاهينlist 2 of 2"أصدقاء شخصيون مقربون" يعيد ميغان ماركل إلى الشاشة الكبيرةend of listرحل أحمد عبد الله عن عالمنا مساء أمس عن عمر ناهز الـ60 عاما، تاركا خلفه إرثا فنيا يجمع بين البساطة والصدق والتأثير، سيظل حاضرا في ذاكرة الدراما المصرية.
بدايات صنعت جيلا من نجوم الكوميدياوُلد أحمد عبد الله في منتصف ستينيات القرن الماضي، ورغم تخرجه في كلية الحقوق، فإن شغفه بالفن ظهر مبكرا خلال دراسته الجامعية، حين قدّم على مسرح الجامعة مجموعة من الأعمال المقتبسة عن المسرح العالمي، لفتت موهبته الأنظار ووضعت خطواته الأولى على طريق الاحتراف.
مع أواخر التسعينيات، بدأ مشواره المهني من بوابة المسرح، حيث كتب مسرحية "عالم قطط"، ثم "آلابندا" التي شكّلت محطة فارقة في مسيرته، إذ جمعت على خشبتها مجموعة من الوجوه الشابة التي أصبحت لاحقا من نجوم الصف الأول، مثل محمد هنيدي، وعلاء ولي الدين، وأحمد السقا. وكانت تلك التجربة بوابته إلى السينما، إذ كتب فيلم "عبود على الحدود" للنجم الراحل علاء ولي الدين، لتبدأ بينهما شراكة فنية ناجحة أثمرت عن أعمال خالدة مثل "الناظر"، مسرحية "حكيم عيون"، وآخر أفلام علاء "ابن عز".
امتدت بصمة أحمد عبد الله لتشمل جيلا كاملا من نجوم الكوميديا، فكان وراء انطلاقة محمد سعد في فيلم "55 إسعاف"، ثم قدّم معه شخصية "اللمبي" التي أصبحت أيقونة في الكوميديا المصرية، وتعاونا لاحقا في فيلم "كركر". ومع محمد هنيدي كتب أفلاما ناجحة مثل "عسكر في المعسكر"، و"فول الصين العظيم"، و"يانا يا خالتي"، بينما كانت له إسهامات في صعود أحمد حلمي من خلال أول بطولة سينمائية له في فيلم "ميدو مشاكل".
إعلانكما كتب عبد الله عددا من الأعمال الكوميدية البارزة في تلك المرحلة، من بينها "غبي منه فيه" لهاني رمزي، و"لخمة راس" لأحمد رزق، و"أحلام الفتى الطايش" لرامز جلال، إلى جانب أفلام "قصة الحي الشعبي"، "عيال حبيبة"، و"صباحو كدب"، التي رسخت مكانته كأحد أهم صنّاع الضحك في السينما المصرية الحديثة.
وتشكّلت ملامح أحمد عبد الله الفنية في حي بين السرايات العريق بالقاهرة، ذلك المكان الشعبي الذي صاغ وجدانه وأثر بعمق في رؤيته الإبداعية. فقد انعكست واقعيته الصادقة على كتاباته التي نبضت بروح الناس، فكان قادرا على التقاط تفاصيل الحياة اليومية وتحويلها إلى دراما إنسانية بسيطة وعميقة في آنٍ واحد.
وفي عام 2008، شهدت مسيرته نقطة تحول محورية مع بداية شراكته الإبداعية مع المخرج الراحل سامح عبد العزيز، الذي رحل في يوليو/تموز الماضي. وجمعت بينهما رؤية فنية متناغمة جعلت أعمالهما أقرب إلى نبض الشارع المصري، وجعلت من الواقعية ملمحا أساسيا في كل ما قدّماه معا. وترك رحيل سامح أثرا بالغا في نفس أحمد عبد الله، الذي لحق برفيق دربه بعد أشهر قليلة، لتكتمل حكاية فنية وإنسانية نادرة.
قدّم الثنائي سلسلة من الأفلام التي اعتمدت على البطولة الجماعية وتيمة الحدث في يوم واحد، فكانت البداية بفيلم "كباريه"، تلاه "الفرح" و"الليلة الكبيرة"، إلى جانب عدد من المسلسلات التي حملت نفس الروح الواقعية مثل "الحارة"، "بين السرايات"، و"رمضان كريم". وجميعها أعمال جسّدت الحياة الشعبية المصرية بصدق ودفء، وحققت نجاحا جماهيريا واسعا في السينما والدراما على حد سواء. وكان آخر ما جمعهما فيلم "ليلة العيد" الذي عُرض عام 2024.
ورغم قوة هذه الثنائية، إلا أن أحمد عبد الله واصل نجاحاته منفردا، فكتب أفلاما لافتة مثل "الماء والخضرة والوجه الحسن" مع المخرج يسري نصر الله، و"ساعة ونص" مع وائل إحسان، و"شنطة حمزة" مع أكرم فاروق، فضلا عن تعاونه مع المخرج محمد أمين في فيلم "200 جنيه" ومسلسل "المحكمة". وكان آخر أعماله السينمائية فيلم "المخفي"، الذي عُرض عام 2024، مؤكّدا استمرار قدرته على الموازنة بين الواقعية والبراعة الفنية حتى آخر لحظة في حياته.
وداع مؤثروقد سادت حالة من الحزن بين زملاء أحمد عبد الله في الوسط الفني عقب إعلان المنتج أحمد السبكي خبر وفاته عبر حسابه على إنستغرام، وتوالت بعدها كلمات النعي من عدد كبير من الفنانين الذين عبروا عن حزنهم لرحيله وتقديرهم لمسيرته الفنية.
View this post on Instagramوعبّرت الفنانة يسرا، التي تعاونت مع الراحل أحمد عبد الله في فيلم "ليلة العيد"، عن حزنها العميق لرحيله، مؤكدة أنه كان واحدا من أهم كتاب السيناريو الذين أسهموا في تشكيل وجدان جيل كامل منذ تسعينيات القرن الماضي. واستعادت يسرا ذكرياتها معه خلال العمل، مشيدة بموهبته الفريدة وقدرته على تقديم شخصيات حقيقية تنبض بالحياة، معبّرة عن اعتزازها بتجربتها الفنية إلى جانبه، ومودّعة إياه بكلمات يغمرها الأسى والامتنان تقديرا لما تركه من أثر إنساني وفني لا يُنسى.
View this post on Instagramكما عبر الفنان محمد هنيدي عن حزنه الكبير لفقدان صديقه المقرب أحمد عبد الله، مشيرا إلى أن الخبر كان مؤلما بالنسبة له، ووصفه بصديق العمر الذي سيترك غيابه فراغا كبيرا، داعيا له بالرحمة ولأسرته وأحبائه بالصبر على فراقه.
ونعاه الفنان أشرف عبد الباقي بكلمات مؤثرة، وكتب عبر حسابه على فيسبوك: "إنا لله وإنا إليه راجعون، ربنا يرحمك ويغفر لك يا رب، من أجمل الناس، ربنا يصبر أهلك وأصحابك".
View this post on Instagramأما الفنان صلاح عبد الله، فعبر عن صدمته العميقة وحزنه الشديد لرحيل صديقه الكاتب أحمد عبد الله، مؤكدا أن الخبر وقع عليه كالصاعقة، وأنه عجز عن إيجاد كلمات تعبّر عن حالته في تلك اللحظة الأليمة، مكتفيا بالدعاء لرفيقه الراحل بالرحمة والمغفرة.
View this post on Instagramورغم الرحيل المفاجئ، يبقى أحمد عبد الله حاضرا بإبداعه في وجدان الجمهور، بأعمال صنعت جزءا من الذاكرة الفنية المصرية، وخلّدت اسمه كأحد أبرز من كتبوا للسينما والدراما بروح صادقة وبصمة خاصة. فقد ترك خلفه مسيرة ثرية امتدت على مدى عقود، قدّم خلالها نحو 40 عملا تنوّعت بين الكوميديا والدراما الاجتماعية، لتظل شاهدا على موهبة أصيلة وصدق فني نادر.
إعلان