عاوزين ردك يا وزير الشباب والرياضة ؟!
تاريخ النشر: 8th, November 2025 GMT
أحيانًا أشعر أن رياضتنا الجميلة تُدار بنفس الطريقة التي تُدار بها بعض المصالح الحكومية: المجاملة قبل الكفاءة، والواسطة قبل الموهبة، والنتيجة… فوضى تقتل الحلم في مهده. واقعة كأس مصر للجمباز الإيروبيك تحت 11 سنة، لم تكن مجرد خطأ تحكيمي عابر، بل صفعة مؤلمة على وجه العدالة الرياضية، ورسالة صريحة لكل طفل موهوب في مصر: "ما تتعبش.
ما حدث أمس في البطولة أشبه بمشهد تمثيلي سيئ الإخراج. الطفلة – ابنة وزير البترول – لم تستطع أداء الإجباريات، ومع ذلك خرجت بالمركز الأول والميدالية الذهبية! الصدمة لم تكن فقط في النتيجة، بل في الطريقة الفجة التي تم بها تجهيز الميدالية مسبقًا على صينية خاصة قبل إعلان النتائج. كأنهم يقولون للحاضرين: “النتيجة دي مش للعرض... دي تعليمات”.
أنا لا أتحدث هنا من فراغ، فالمشهد موثّق بالفيديو، وموقع الوفد نشر الواقعة، ووسائل التواصل الاجتماعي امتلأت بالغضب. ولكن الأغرب من كل ذلك أن وزارة الشباب والرياضة لم تحرّك ساكنًا، رغم أن هذه الحادثة ليست الأولى، بل واحدة من سلسلة طويلة من ملفات الفساد داخل اتحاد الجمباز، نشرناها مرارًا وتكرارًا دون رد، وكأن الوزير أشرف صبحي يكتفي بالمشاهدة من مقاعد الجمهور.
لكن دعوني أكون منصفًا في نقطة مهمة جداً: أنا لست ضد وزير البترول بشخصه. الرجل – حسب ما علمت من مصدر قريب منه – لم يكن على علم بأن الاتحاد سيجامل ابنته أو يمنحها ميدالية لا تستحقها. بل على العكس، هذا المصدر أكد لي أن الوزير لو كان يعلم مسبقًا بما حدث، لرفض تماماً أن تُمس سمعة أسرته أو تُستغل ابنته في مجاملة رخيصة. إذن، المشكلة ليست في الوزير، بل في اتحاد الجمباز نفسه، الذي صار يخلط بين الرياضة والولاء، وبين التحكيم والترضية، وبين الموهبة والاسم الكبير.
هؤلاء لا يضرّون فقط العدالة، بل يُهدرون المعنى الحقيقي للرياضة. كيف سنبني جيلاً يحلم بالبطولة إذا كان أول درس يتعلمه أن الفوز لا يأتي من التدريب، بل من النفوذ؟ كيف نقنع طفلة تبكي لأنها أدت عرضاً مثالياً ثم خرجت ببرونزية، بينما زميلتها التي لم تؤد أي إجباريات تُكرّم بالذهب، أن الرياضة أخلاق؟
المشكلة أن هذه الوقائع تتكرر، ولا أحد يحاسب أحداً. التحكيم في الجمباز – تحديداً – أصبح مرضاً مزمناً، فيه من التلاعب والمجاملات ما يكفي لإحباط أجيال كاملة. والأدهى أن الوزير يعلم، ويُقال له، وتُرفع إليه الملفات، ومع ذلك يختار الصمت دائمًا. يا دكتور أشرف صبحي ، الصمت أحياناً ليس حياداً... الصمت مشاركة. حين ترى الفساد بعينيك ولا تتحرك، فأنت جزء من المشكلة، مهما كانت نواياك طيبة.
لقد تحولت الرياضة إلى مرآة تعكس واقعاّ أكبر: غياب المحاسبة. نفس العقلية التي تجعل الحكم يمنح الذهب لمن لا يستحق، هي نفسها التي تُرسّخ فكرة أن الكبير لا يُسأل، وأن المناصب حصانة ضد النقد. لكن الرياضة لا تقوم على المجاملة، بل على العدالة. والاتحاد الذي لا يعرف العدل لا يستحق أن يُدير أحلام الأطفال.
أنا أكتب هذا المقال لا لأدين شخصاً، بل لأدق ناقوس الخطر. الجمباز – كغيره من الألعاب الفردية – يصنع أبطال المستقبل، لكنه اليوم يُدار بعقلية الشللية والمجاملة. الأطفال الموهوبون يُهزمون نفسيًا قبل أن يصعدوا إلى منصة التتويج، لأنهم يفهمون الرسالة أسرع من الكبار: "ما دمت بلا واسطة... فلن تفوز."
سيادة الوزير، أين أنت من كل هذا؟ كم واقعة تحتاج لتتحرك؟ كم فيديو، وكم بلاغ، وكم دمعة من لاعبة صغيرة كي تُدرك أن الصمت لم يعد خياراً؟ الرياضة لا تحتاج ابتسامة في المؤتمرات ولا صوراً على المنصات، بل تحتاج قراراً حاسماً يعيد للعدالة هيبتها، ويضع حداّ لهذا الاتحاد الذي استباح الموهبة باسم العلاقات.
ما حدث في بطولة تحت 11 سنة قد يبدو بسيطاً في نظر البعض، لكنه في الحقيقة جريمة في حق الرياضة المصرية. فحين يُكافأ الفشل بالذهب، ويُعاقب الاجتهاد بالفضة، نكون قد أعلنّا رسمياً وفاة مبدأ “الفرصة المتكافئة”. والسؤال الذي لا أجد له إجابة حتى الآن: إلى متى ستظل يا دكتور أشرف صبحي تشاهد في صمت؟ ألم يحن الوقت لتتحدث لغة الفعل بدل بيانات التهنئة؟
الرياضة ليست مجرد ميدالية... الرياضة عدالة، وإن فُقدت العدالة، ضاعت كل القيم التي نعلّمها لأولادنا في الملاعب.
يا دكتور أشرف اسمح لي بهذه الرسالة الصريحة: الرياضة المصرية اليوم بحاجة إلى ثورة تطهير حقيقية داخل الاتحادات الرياضية كلها، وليس فقط اتحاد الجمباز. لقد أفسدت هذه الاتحادات الكثير والمثير، وأهدرت مواهب، وأغلقت أبواب الأمل أمام آلاف الأطفال الذين كان يمكن أن يكونوا أبطال المستقبل. لن يُصلح الحال إلا إذا تحركت أنت شخصياً – لا ببيانات شكلية ولا لجان مؤقتة – بل بإرادة حقيقية لاقتلاع جذور الفساد من كل اتحاد، ومحاسبة من خان الأمانة الرياضية.
نعم، نحن نريد وزيراً يراقب من الميدان لا من المكتب. وزيراً يسمع صوت من بكى ظلماً في البطولات الصغيرة، قبل أن يبتسم في الاحتفالات الكبرى. وزيراً يعيد للرياضة معناها: أن الفوز شرف، لا مكافأة محسومة سلفاً.
الذهب الحقيقي يا دكتور أشرف صبحي، ليس في الميدالية التي تُعلق على الصدر، بل في العدالة التي تُعلق في ضمير من يحكم بين الأطفال.
المصدر: بوابة الوفد
كلمات دلالية: سامية فاروق إطلالة مصر والميدالية الذهبية التواصل الاجتماعي
إقرأ أيضاً:
اقتصاد الجولف في مصر.. الرياضة التي تحوّلت إلى محرك للسياحة والاستثمار
لم تعد رياضة الجولف في مصر مجرد لعبة نخبوية أو منافسة رياضية محدودة النطاق، بل أصبحت خلال السنوات الأخيرة قطاعًا اقتصاديًا واعدًا يسهم في تنشيط حركة السياحة وجذب الاستثمارات الأجنبية، ويفتح آفاقًا جديدة أمام صناعة الرياضة في البلاد.
فمع النجاح الكبير الذي حققته البطولات الدولية التي نظمها الاتحاد المصري للجولف خلال شهري أكتوبر ونوفمبر، وتوافد مئات اللاعبين والوفود من أكثر من ثلاثين دولة، بدأ يظهر بوضوح الأثر الاقتصادي المتنامي لرياضة الجولف في دعم قطاعات السياحة والفندقة، إلى جانب تنشيط بشكل غير مباشر لاسواق مثل العقارات والخدمات المرتبطة بالملاعب والمنتجعات.
وتاتى تأكيدات خبراء في مجال الاقتصاد الرياضي عالميا بان سياحة الجولف تمثل اليوم أحد أسرع أنواع السياحة نموًا في العالم، إذ يتجاوز إنفاق لاعب الجولف الواحد أضعاف ما ينفقه السائح العادي، نظرًا لطبيعة هذه الرياضة الممتدة زمنيًا ومكانيًا، وارتباطها بالإقامة الفندقية الراقية والخدمات الخاصة.
وفي المقابل، تمتلك مصر موقعًا فريدًا يجعلها جاذبة لهذا النوع من السياحة بفضل مناخها المعتدل على مدار العام، وتنوع ملاعبها الممتدة من القاهرة إلى السخنة والغردقة وشرم الشيخ.
وتشير تقديرات أولية إلى أن البطولات الأخيرة التي نظمها الاتحاد، ضمن مبادرته الجديدة سلسلة جولف مصر، أسهمت في زيادة الإشغال الفندقي في المناطق المضيفة بنسبة لافتة، كما عززت من معدلات الإقبال على المنتجعات والمطاعم المحلية، فضلًا عن الترويج لمصر عالميًا عبر التغطيات الإعلامية والصحفية التي رافقت تلك الفعاليات.
ويقول الأستاذ عمر هشام طلعت، رئيس الاتحاد المصري للجولف، إن رياضة الجولف في مصر لم تعد نشاطًا ترفيهيًا فحسب، بل أصبحت قطاعًا اقتصاديًا متكاملًا ترتبط به صناعات فرعية، بدءًا من السياحة والطيران وحتى التسويق العقاري والضيافة.
ويوضح أن الاتحاد يسعى إلى استثمار هذا الزخم عبر توسيع نطاق البطولات، واستضافة المزيد من الفعاليات الدولية التي تدر عوائد اقتصادية مباشرة وغير مباشرة.
وتتزامن هذه الرؤية مع خطط الدولة المصرية لتوسيع مفهوم الاقتصاد الرياضي باعتباره أحد ركائز التنمية المستدامة، عبر تشجيع الاستثمار في البنية التحتية الرياضية وتنويع الفعاليات التي تجمع بين التنافس والمردود السياحي.
ويبرز اتحاد الجولف كأحد النماذج الناجحة التي تمكّنت من تحقيق هذا التوازن، من خلال استضافة بطولات عالمية تجمع بين الجودة التنظيمية والترويج السياحي.
وفي ظل تصاعد اهتمام الشركات العالمية بدعم ورعاية البطولات الرياضية الكبرى، تبدو بطولات الجولف المصرية فرصة مثالية للشركات الوطنية والعالمية لتعزيز حضورها في السوق، خاصة في ظل الانتشار الإعلامي الدولي الواسع لتلك الأحداث.
كما تمثل هذه الفعاليات منصة لتبادل الخبرات وتنشيط التعاون بين مصر والدول المشاركة في مجالات التدريب والإدارة والتسويق الرياضي.
لقد أصبح قطاع الجولف في مصر اليوم أكثر من مجرد رياضة، إنه اقتصاد متكامل يجمع بين المنافسة والترفيه والاستثمار، ويؤكد أن اللعب على العشب الأخضر يمكن أن يتحول إلى مكسب اقتصادي حقيقي يعزز من صورة مصر في الخارج، ويدعم جهودها لتكون مركزًا إقليميًا للسياحة الرياضية في الشرق الأوسط وأفريقيا.