جريدة الرؤية العمانية:
2025-11-10@17:58:55 GMT

اللهم ارزقنا "مخلوق" يُغيِّر حال أمتنا!

تاريخ النشر: 10th, November 2025 GMT

اللهم ارزقنا 'مخلوق' يُغيِّر حال أمتنا!

 

 

 

د. مجدي العفيفي

 

(1)

إن تعجب فعجب.. «هدهد» كان سببا في هداية أمة.. و«نملة» غيرت مسار جيش .. و«غراب» عَّلم البشر الدفن.. و«حوت» أنقذ نبيا.. و«فيل» رفض هدم الكعبة!

حين يُخرس اللهُ ألسنة الملوك، يُطلِق لسانَ (هدهدٍ) صغير.. وحين يُعمى القادةُ عن الحقّ، تبصره "نملة". وحين يتجبر الإنسان، يبعث الله إليه (غرابًا) يعلمه كيف يكون إنسانًا.

.

وحين تضيق الأرض بنبيٍّ، يجعل بطنَ (حوتٍ) أوسعَ من قصر، وأرحمَ من أمة..

وحين يجنّ جنون الطغيان، يثبّت اللهُ (فيلًا) على الأرض ليقول: «لا»..

هكذا يتكلم اللهُ بلغاتٍ لا يسمعها إلا من طهرت فطرته...

نحن أمام مشهدٍ قرآنيٍّ بالغ الدهشة، يتكرّر في سورٍ متفرقة، ليذكّرنا أن العِظَم لا يُقاس بالحجم، ولا التأثير بالعدَد، ولا العِبرة بالقوة المادية، بل بالرسالة، وباللحظة التي يُقدّرها الله لتكون فاصلة بين النور والظلام.

(2)

الهدهد سفير الحق بين نبيٍّ وملكة؛ طائرٌ صغير يهزّ عرش «سبأ» بكلمة واحدة.. لم يدرس علوم السياسة، ولم يقرأ فلسفة الحكم، طائرٌ لم يخف الملك، ولم يساوم على الحق؛ بل حمل الرسالة، فعاد بها إلى النبيّ.. وكم من الهداهد اليوم قُصّت أجنحتها لأنَّ الملوك لا يحتملون من يخبرهم أن الشعوب تسجد لغير الله.

نعم.. هدهدٌ يهدي أمةً.. لم يكن نبيًّا، ولا صاحب سلطة، ولا جيشًا جرّارًا. كان مجرّد هدهدٍ صغيرٍ في مملكةٍ عظيمة يقودها نبيّ. لكنه رأى ما لم يرَ سليمان، ونطق بما لم ينطق به أحد.

وقف هذا الطائر الصغير أمام عرش الوثنية في سبأ، وقال كلمته التي خلّدها الوحي:

"إِنِّي وَجَدتُّ امْرَأَةً تَمْلِكُهُمْ وَأُوتِيَتْ مِن كُلِّ شَيْءٍ وَلَهَا عَرْشٌ عَظِيمٌ" (النمل: 23).

فكان سببًا في هداية أمة بأكملها إلى التوحيد.

ألا يخجل الإنسان اليوم من أن طائرًا بلا لسانٍ بشريّ استطاع أن يفتح باب الإيمان، فيما أممٌ كاملة من البشر تغلقه؟

(3)

النملة.. وعيٌ في حجم الذرّة؛ سمعها الوحي وسجّلها التاريخ، نملة فهمت معنى الخطر الجماعي، فأنقذت أمتها، ما أعجب أن تمتلك نملةٌ حسًّا وطنيًا وضميرًا جماعيًا، بينما في عالم البشر، نخبٌ كاملة تبيع أوطانها مقابل حقيبة مال أو كرسيٍّ مهتز.

ففي مشهدٍ آخر، في عظمة الجيوش وعجرفة الملوك، يأتي صوتٌ من التراب، خافتٌ لكن حازم: "يَا أَيُّهَا النَّمْلُ ادْخُلُوا مَسَاكِنَكُمْ لَا يَحْطِمَنَّكُمْ سُلَيْمَانُ وَجُنُودُهُ وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ" (النمل: 18)؛ فتتوقف الجيوش بأكملها، احترامًا لصوت نملة!

نملة! تلك التي يسحقها الناس بلا مبالاة، كانت صاحبة وعي سياسي واستشراف استراتيجي وحرص جماعي أوقف جيش نبيّ.. فهل فينا اليوم من يملك وعي «نملة» قبل أن تنسحق الأمة تحت أقدام الطغاة؟

(4)

الغراب.. أوّل معلمٍ في تاريخ الدم: قتل الإنسانُ أخاه ولم يعرف كيف يواري الجريمة، فأرسل الله غرابًا ينقر الأرض.. طيرٌ يدرّس الإنسانَ أول درسٍ في الإنسانية! والمفارقة أن الإنسان اليوم- بعد آلاف السنين- ما زال يحتاج غرابًا جديدًا ليعلمه كيف يدفن عاره لا ضحاياه.

غراب يعلّم الإنسان الدفن حين عجز ابن آدم عن فهم معنى الموت، بعث الله غرابًا ليفقه الإنسان أول درسٍ في إنسانية الوداع.

"فَبَعَثَ اللَّهُ غُرَابًا يَبْحَثُ فِي الْأَرْضِ لِيُرِيَهُ كَيْفَ يُوَارِي سَوْءَةَ أَخِيهِ" (المائدة: 31) وهنا يُلقّن الطير الإنسانَ درسًا في الكرامة بعد الموت، وكأن الوحي يقول لنا: إن الحيوان قد يُذكّرك بإنسانيتك حين تفقدها.

(5)

الحوت.. حضن الرحمة في ظلمات البحر: لم يكن الحوت وحشًا، بل كان رحمًا سماويًا في عمق البحر.. ابتلع النبيّ لا ليقتله، بل ليطهّره من الغفلة؛ فداخل ظلمة الحوت وُلد النور: "لَّا إِلَهَ إِلَّا أَنتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنتُ مِنَ الظَّالِمِينَ" (الأنبياء: 87).

ذلك الحوت الذي ظنّه الناس وحشًا من أعماق البحر، كان في الحقيقة ملاذًا مقدّسًا حفظ نبيًّا من الغرق والتيه واليأس "فَالْتَقَمَهُ الْحُوتُ وَهُوَ مُلِيمٌ" (الصافات: 142)، لكنه لم يهلكه؛ بل احتواه، واحتضن نداءه فكان الحوت مدرسةَ نجاةٍ لمن ضلّ في ظلمات البحر والضمير.

ما أعظم أن يكون الإنقاذ أحيانًا على هيئة ابتلاع! لعلنا نحن أيضًا بحاجة إلى «حوتٍ» يبتلع أمتنا لتستفيق، ثم يلفظها على شاطئ الوعي من جديد.

(6)

الفيل.. الفطرة التي رفضت أن تهدم المقدّس، قادوه قسرًا لهدم الكعبة.. فثبت في مكانه، رفض التقدّم، رفض الجريمة، كأن فطرته قالت: لن أكون أداة شرٍّ حتى لو أمرني الملك. يا لعظمة الفيل الذي أدرك بعينيه ما عجزت عنه عقول الملوك.

أهكذا.. فيلٌ يرفض الهدم وجاءت قصة الفيل الذي أبى أن يكون أداة شرٍّ، حين ساقه أبرهة ليهدم بيت الله،

فرفض التقدّم، وكأن فطرته أبصرَت ما لم يُبصره العقل البشريّ، فتجمّد في مكانه، ليُخلّد التاريخ مشهده كرمزٍ للمخلوق الذي عصمته الفطرة من الخطيئة، في حين أن الإنسان، صاحب الفكر والعقل، صار في بعض الأزمنة هادمًا لكل مقدّس.

تأملوا المفارقة: الفيل أبى الهدم، والإنسان اليوم يهدم باسم الدين والوطن والحرية!

(7)

تلك المخلوقات الصغيرة والعظيمة، كانت جميعها جنودًا في جيش الحقّ، تحرّكت حين صمت الإنسان، ونطقت حين خرس اللسان، وأطاعت الله حين تمرّد العاقل.

 إنها تقول لنا اليوم: أنتم الذين ضللتم الطريق، فعودوا إلى فطرتكم قبل أن يسبقكم الحيوان في الطاعة مرة أخرى.

اللهم إنك بعثت هدهدًا لهداية أمة، ونملةً لتوقظ ملكًا، وغرابًا ليعلّم القاتل، وحوتًا ليحتوي النبي، وفيلًا ليحمي بيتك، فابعث لأمتنا من جنسهم من يعيدنا إلى رشدنا.

اللهم ارزقنا «مخلوق» يهزّ ضمير العرب كما هزّ الهدهد عرش سبأ، ويصرخ كما صاحت النملة، ويُذكّرنا بما نسيناه من آياتك، فقد صرنا نخجل أن نُسمّى بشرًا، ونحن نرى الحيوان أقرب إلى الله منّا.

(8)

كل هؤلاء «الضعفاء» من مخلوقات الله- من طيرٍ ونملٍ وغرابٍ وحوتٍ وفيل- كانوا رسلًا من نوعٍ آخر، أو «جنودًا من جنود الله» أرسلهم القدر في لحظةٍ ليقلبوا مسار التاريخ.

لم يكونوا وزراء، ولا قادة جيوش، ولا إعلاميين... كانوا فقط «كائنات حيّة» تعرف طريقها إلى الله، وتتحرك في الكون بوحيٍ من الفطرة والطاعة والحق.

فأين نحن من هذه الفطرة؟

أمّتنا اليوم تملك ألسنة لا تنطق بالحق، وأعينًا لا ترى الباطل، وأياديَ تصفّق للطغاة، وعقولًا تسجد أمام الدولار والكرسيّ والعمامة.

فلو كان لله أن يغيّر حال أمةٍ، فقد يبعث إليها هدهدًا جديدًا، أو نملةً جريئة، أو فيلًا عاقلًا...

لكنّه لن يبعثهم إلا حين تتوقف الأمة عن عبادة أصنامها البشرية والسياسية والفكرية.

(9)

 اللهم ارزق أمتنا بـ«مخلوق» يغيّر حالها، إن لم تجد بيننا إنسانًا يجرؤ على التغيير.

اللهم ابعث لنا هدهدًا يرى ما لا يرى الملوك.. ونملةً توقظ الضمائر قبل أن تسحقها الأحذية.. وحوتًا يحفظ من الغرق.. وفيلًا يرفض أن يكون أداة الشرّ.

(10)

اللهم إننا نخجل من مخلوقاتك التي سبقتنا إلى الطاعة، فاجعلنا نستحق أن نكون بشرًا بحق.

رابط مختصر

المصدر: جريدة الرؤية العمانية

إقرأ أيضاً:

أدعية للتحصين من أذى الناس

وردت عدّة آيات تنهى عن الخيانة قال الله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْخَائِنِينَ}، فالخيانة فعل مشين وهو مخالف للشريعة الإسلامية؛ فبه تفرّق الجماعات، قال صلّى الله عليه وسلّم : (اللَّهمَّ إنِّي أعوذُ بِكَ منَ الجوعِ فإنَّهُ بئسَ الضَّجيعُ وأعوذُ بِكَ منَ الخيانةِ فإنَّها بئسَتِ البطانةُ)، وقد حثت الشريعة على العفو والصفح

 وفي الآتي سرد لمجموعة من الأدعية التي تقال للتحصين من أذى الناس، وأدعية تقال عند التعرّض للحزن: اللهُمَّ مَتِّعْني بسَمْعي وبَصَري، واجعَلْهما الوارِثَ منِّي، وانصُرْني على مَن ظلَمَني، وأَرِني فيه ثَأْري).. رواه شعيب الأرناؤوط ، في شعيب الأرناؤوط ، عن أبي هريرة، الصفحة أو الرقم:435، حديث سنده حسن. اللهمَّ اقسِمْ لنا مِنْ خشيَتِكَ ما تحولُ بِهِ بينَنَا وبينَ معاصيكَ، ومِنْ طاعَتِكَ ما تُبَلِّغُنَا بِهِ جنتَكَ، ومِنَ اليقينِ ما تُهَوِّنُ بِهِ علَيْنَا مصائِبَ الدُّنيا، اللهمَّ متِّعْنَا بأسماعِنا، وأبصارِنا، وقوَّتِنا ما أحْيَيْتَنا، واجعلْهُ الوارِثَ مِنَّا، واجعَلْ ثَأْرَنا عَلَى مَنْ ظلَمَنا، وانصرْنا عَلَى مَنْ عادَانا، ولا تَجْعَلِ مُصِيبَتَنا في دينِنِا، ولَا تَجْعَلِ الدنيا أكبرَ هَمِّنَا، ولَا مَبْلَغَ عِلْمِنا، ولَا تُسَلِّطْ عَلَيْنا مَنْ لَا يرْحَمُنا).. رواه الألباني، في الكلم الطيب، عن عبدالله بن عمر.

 "يا الله جئت أطرح عليك مشكلتي ولا أحد أعلم بها منك، ولا أحد أقدر على حلّها منك، جئت أشكو إليك همّي وأنت أعلم به، يا الله جئت أشكو إليك همّي وغمّي وأنت على كشف الضرّ عني قدير، جئت أشكو إليك قلة حيلتي وضعف إرادتي وشدّة فاقتي وفقري، ولا حول ولا قوة إلا بك يا عليّ يا عظيم ادفع عني ظلم من يكيد لي ولا تجمعني به واصرف كيده عني يا رب العالمين، أرجو رحمتك يا أرحم الراحمين، يا أرحم الراحمين، يا أرحم الراحمين ادفع عني من خانني". "اللهم إنّي أسألك باسمك الأعظم الذي إذا سئلت به أجبت، وإذا دعيت به أعطيت يا حيّ يا قيّوم يا أرحم الراحمين يا ربّ العالمين فرّج همّي ونفّس كربي وأسعد فؤادي بك وأرح بالي وانصرني على من يكيد لي ومن يخونني يا أرحم الراحمين


 

مقالات مشابهة

  • اجعلنا ممن يورثون الجنان.. دعاء الصباح اليوم الاثنين 10 نوفمبر 2025
  • أذكار الصباح اليوم الاثنين 10 نوفمبر 2025
  • عمار: أمتنا لن تهزم بعد اليوم
  • أدعية للتحصين من أذى الناس
  • أذكار الصباح اليوم الأحد.. حصن المسلم من الهم والحزن
  • دعاء الصباح اليوم.. «اللهم ارزقنا سعادة الدارين وراحة القلب»
  • حكم قص أظافر الميت وحلاقة شعره وآراء الفقهاء في ذلك
  • عطر لسانك بذكر الله.. أذكار الصباح اليوم لجلب الرزق ودفع البلاء
  • ماذا تفعل حتى لا يصيبك هم ولا كرب؟.. علي جمعة يوصي بـ10 أذكار