من توت عنخ آمون إلى المتحف الكبير.. الدرس الذي لا يجب أن ننساه
تاريخ النشر: 10th, November 2025 GMT
إنّ افتتاح المتحف المصري الكبير ليس مجرد حدث ثقافي أو سياحي، بل هو إعلان رمزي عن عمق حضارة هذا الوطن وامتداد جذوره التاريخية وقدرته على تقديم قيمة حضارية خالدة للعالم. وفي الوقت نفسه يأتي الحدث متزامنًا مع الانتخابات البرلمانية التي أثارت طريقة تنظيمها وطبيعة هندستها السياسية قلقًا عامًا بشأن مستقبل الحياة النيابية، نتيجة الاعتماد على المال بوصفه معيارًا أساسيًا للترشح سواء عبر القائمة المطلقة أو النظام الفردي تحت شعار “الحفاظ على الدولة”.
الدولة القوية لا تُبنى من فوق الشعب، بل من داخله.
عندما تُغيب إرادة المواطنين أو يُختزل دورهم في دور متلقٍّ أو متفرج، تصبح الدولة جسدًا ضخمًا بلا روح. أما حين يُشرك الشعب في حمل هموم الوطن وصناعة مستقبله، تتحول الدولة إلى كيان صلب يستند إلى توافق اجتماعي وثقة عامة واستعداد جماعي للدفاع عنها في لحظات الخطر.
التاريخ يقدم نموذجًا واضحًا
شاء القدر أن يعيد الحدث الحالي إلى الذاكرة مثالًا تاريخيًا على دولة كانت تحت الاحتلال الإنجليزي، ولكنها امتلكت من القوة ما مكّنها من حماية آثارها وصون إرثها. فقد تمكن وزير الأشغال في حكومة الوفد، مرقص باشا حنا، من الحفاظ على مقبرة الملك توت عنخ آمون من محاولات الاستيلاء والنهب البريطانية بعد اكتشافها. رغم الضغط السياسي والإعلامي الهائل الذي قادته الصحافة البريطانية، وعلى رأسها صحيفة "التايمز"، فإن الوزير لم يتراجع. شدد الحراسة ومنع دخول المقبرة دون تصريح رسمي، وأمر بتسجيل كل قطعة ونقلها تحت حماية مشددة إلى المتحف المصري بالقاهرة.
وعندما حاولت بريطانيا استصدار حكم قضائي يمنحها حق التصرف في نصف محتويات المقبرة، رفضت حكومة سعد زغلول تنفيذ الحكم الصادر من المحاكم المختلطة، وانتزعت انتصارًا قضائيًا نهائيًا يؤكد ملكية المصريين لإرثهم التاريخي.
السؤال هنا:
ما الذي منح تلك الحكومة القدرة على المواجهة رغم الاحتلال؟
الجواب واضح: كانت حكومة ولدت من رحم الأمة، تمثل الشعب لا الأجهزة، وتحمل تفويضًا حقيقيًا للدفاع عن مصالحه.
على النقيض من ذلك
عندما يُختزل العمل السياسي في تحالف المال والنفوذ، وتُهندَس الحياة النيابية وتُفرَّغ التعددية من مضمونها، تتكون شبكات مصالح مغلقة تنتهي إلى فساد اقتصادي واجتماعي. هذا ما عاشته مصر قبل 2011 عندما أدى تزاوج السلطة بالمال إلى الخصخصة العشوائية، وتعطيل قانون المنافسة، واحتكار السوق، والاستيلاء على شركات وطنية، واستغلال الأراضي، وتشكيل مجموعات نفوذ اقتصادية حمت مصالحها بعيدًا عن مصالح الشعب.
ولذلك فإنّ الشعب حين خرج، لم يخرج لهدم الدولة أو مؤسساتها، بل خرج ليواجه الحزب الأوحد ومنظومة النفوذ المالي الاحتكاري التي عطلت الإرادة العامة.
الدروس واضحة:
الدولة القوية تُبنى على شرعية شعبية حقيقية.
البرلمان القوي هو الذي ينتج عن تعددية حزبية تنافسية حقيقية لا عن ترتيبات مسبقة أو هندسة انتخابات محددة النتائج سلفا.
الوطنية لا تُترجم بالشعارات، بل بصيانة الحقوق العامة ومنع احتكار القرار السياسي أو الاقتصادي
إن الثقة في القيادة السياسية قائمة، والإدراك بأن الدولة تعي أخطاء الماضي موجود، لكن عندما تعود ممارسات هندسة المشهد السياسي تحت ستار الوطنية، يجب دق جرس الإنذار.
لأنّ الوطنية الحقيقية لا تُقصي الشعب، بل تجعله شريكًا كاملًا في بناء المستقبل.
خلاصة القول:
قوة الدولة لا تأتي من قدرتها على فرض الإرادة، بل من قدرتها على التعبير عن إرادة الأمة.
وحين يختار الشعب ممثليه بحرية، يصبح البرلمان درعًا للوطن لا عبئًا عليه، وتصبح الدولة ملكًا لمواطنيها لا لمراكز النفوذ.
هذه هي الدولة القادرة على حماية آثارها كما حمت مقبرة توت عنخ آمون.
وهذه هي الدولة القادرة على حماية مستقبلها.
المصدر: بوابة الوفد
كلمات دلالية: افتتاح المتحف المصري الكبير الاحتلال الإنجليزي الإرادة العامة
إقرأ أيضاً:
عرض محاضرة وفيلم تسجيلي حول افتتاح المتحف المصري الكبير في كندا
شارك مكتب مصر للعلاقات الثقافية والتعليمية في كندا في افتتاح الجناحين المصريين الممثلين في معرض السياحة والسفر الدولي بمونتريال لعام 2025.
وجاءت المشاركة المصرية بتنظيم من الجمعية المصرية الكندية لرجال الأعمال برئاسة الأستاذ عادل بولس، حيث قدّم الجناحان تصميماً متميزاً جذب أنظار الزوار وأبرز الهوية الثقافية والسياحية لمصر.
حيث قام السفير نبيل مكي، قنصل مصر العام في مونتريال، بافتتاح المعرض وقص الشريط إيذاناً بانطلاق الفعاليات، وذلك بحضور الدكتور أحمد جابر، الملحق الثقافي المصري، و السيدة حرمه، والسيد شريف عرفان، الملحق التجاري، إلى جانب نخبة من رموز الجالية المصرية وشخصيات عامة من المجتمع الكندي.
تخلل الحدث عرض محاضرة وفيلم تسجيلي حول افتتاح المتحف المصري الكبير، بهدف تسليط الضوء على مصر كوجهة سياحية عالمية غنية بالتاريخ والحضارة.