المقاومة الشعبية للفساد نحو شراكة حكومية شعبية تعبوية مستدامة
تاريخ النشر: 10th, November 2025 GMT
لقد أثبتت تجارب التاريخ الحديث أن مواجهة الفساد في مجتمعاتنا ليست مهمة سهلة، وأن طريق الإصلاح الحقيقي مليء بالتحديات والتضحيات. فقد رأينا في العقود الماضية نماذج وطنية شريفة ممن خدموا بلادهم بإخلاص، وحاول بعضهم مواجهة الفساد بشجاعة وحسم نادر، واجتهد آخرون وتميزوا في عملهم، غير أن بعضهم سقط ضحايا المواجهة مع تلك الشبكات القذرة التخريبية مثل اللواء أحمد رشدي، وسقط البعض الآخر في مواجهة أعداء النجاح والتميز مثل الدكتور كمال الجنزوري والمشير أبو غزالة، وغيرهم المئات من الموظفين والمواطنين الشرفاء المغمورين الذين لم يسمع بهم أحد.
لقد تحول الفساد في كثير من الدول العربية والنامية من مجرد "سلوك فردي شعبي أو سلطوي" في الماضي إلى منظومة شبكية عابرة للقطاعات والحدود، تتداخل فيها المصالح الاقتصادية والسياسية والإجرامية مع أنشطة الجاسوسية والتخريب المنظم ومخططات "الفوضى الخلاقة" التي يُراد أن يكون جيل "زد" البريء أحد أدواتها بحسن نية، وصولًا إلى تقسيم الأوطان إلى دويلات صغيرة تحت الهيمنة الدولية.
وقد أكدت هذه التجارب أن التصدي للفساد لا يمكن أن يظل مسؤولية الأجهزة الرقابية أو الأمنية وحدها، بل يحتاج إلى مقاومة شعبية شاملة تكون جزءًا من شراكة شعبية حكومية ضد التحالف القذر بين الفساد والجريمة المنظمة وغسل الأموال وشبكات الجاسوسية والتخريب المتعمد وشبكات الإرهاب المخترق. ويمكن تحقيق ذلك من خلال حزمة من الإجراءات التكاملية على النحو التالي:
أولًا:
نزول الأجهزة الرقابية والأمنية برفقة فرق أكاديمية متخصصة إلى الشارع المصري، وعقد جلسات استماع ميدانية جماعية وفردية، علنية وسرية، تشمل زيارات للمؤسسات الحكومية (مع المسؤولين والموظفين)، والشركات والمصانع والأسواق والغرف التجارية والصناعية والبنوك والمحاكم والنيابات والمدارس والجامعات والمستشفيات والأندية والأحزاب والنقابات والجمعيات الأهلية ومراكز الشباب والمؤسسات الدينية ووسائل النقل.
كما يُنصح بتنظيم زيارات رسمية لمنازل الشخصيات العامة ورجال الدولة السابقين والموظفين المتقاعدين، بل والنزول إلى الشارع والحديث مع عينات عشوائية من المواطنين في القرى والعزب والنجوع والمدن الصغيرة والكبيرة. هذا القرب من المواطن يعزز ثقته في الدولة ويحقق طفرة معلوماتية هائلة لبناء قاعدة بيانات متكاملة قابلة للتحليل بوسائل بشرية وتقنيات الذكاء الاصطناعي.
ثانيًا:
تغيير آلية اختيار قيادات الدولة والهيئات والشركات عبر توسيع دائرة الترشيح لتضم مئات المرشحين من الجامعات ومراكز البحوث والهيئات الحكومية والشركات، فضلًا عن الترشيحات التلقائية باستخدام الذكاء الاصطناعي، مع مراعاة التخصص المناسب والكفاءة والنزاهة بعيدًا عن الواسطة والمحسوبية.
كما ينبغي إجراء تحريات دقيقة ومستمرة للمسؤولين والموظفين قبل وأثناء الخدمة، بل وبعد التقاعد مدى الحياة، بمشاركة ما لا يقل عن سبع جهات رقابية وأمنية إلى جانب لجان متغيرة.
ثالثًا:
رفع وتوحيد الأجور ومكافآت نهاية الخدمة والمزايا العينية، مثل الرعاية الصحية، للحد من دوافع الفساد والرشوة لدى الموظفين، خاصة في القطاعات المظلومة من حيث الأجور والمميزات.
رابعًا:
رفع وتوحيد المعاشات مع تطبيق حد أدنى موحد، حتى لا يكون خوف المسؤولين أو الموظفين من معاناة ما بعد التقاعد سببًا لانحرافهم أثناء الخدمة.
خامسًا:
استحداث أجهزة معلوماتية واستخباراتية متخصصة في ملفات مكافحة الفساد بالقطاعات الحكومية وغير الحكومية، على أن تضم كوادر فنية مؤهلة تتولى جمع وتحليل البيانات حول الشبكات المحلية والدولية المرتبطة بالفساد، ومعالجتها بوسائل بشرية وبالذكاء الاصطناعي، وضخها إلى الأجهزة الرقابية والأمنية التنفيذية لرفع كفاءتها في مواجهة تلك الشبكات.
سادسًا:
تعظيم الاستفادة من منجزات التكنولوجيا الأمنية والرقابية الحديثة للتتبع الدقيق لشبكات الفساد والجريمة وحلفائها داخليًا وخارجيًا، مع العمل على توطين إنتاج هذه التقنيات الأمنية من خلال قطاع الإنتاج الحربي، لخفض تكلفتها وتجنب الاختراقات الخارجية، على غرار ما حدث في لبنان وإيران مؤخرًا.
سابعًا:
ابتكار أساليب للقضاء على ظاهرة انتحال صفة الجهات الرقابية والأمنية لما تمثله من خطورة وما تسببه من فقدان للثقة في أجهزة الدولة.
كما يجب تسهيل طرق الإبلاغ عن الفساد والجريمة والترويج لها إعلاميًا بكثافة عبر مختلف وسائل الإعلام ومنصات التواصل الاجتماعي، مع توحيد قنوات الإبلاغ لمنع ارتباك المواطن بين عشرات الأرقام والمواقع، ومراعاة السرية والحساسية الخاصة ببعض البلاغات ذات الطبيعة الرقابية أو الأمنية، لتكون لها مسارات خاصة تحت مظلة موحدة مؤمنة.
إنني أؤمن بأن المقاومة الشعبية للفساد، في إطار شراكة شعبية حكومية، هي الحل الناجع لتحجيم ومحاصرة الفساد، حتى لا تكون مجرد فورة حماس مؤقتة من حين لآخر، بل منهج حياة.
وبهذه الروح نستطيع أن نحمي المسؤولين الشرفاء والمتميزين والمجتهدين، حتى لا يسقطوا ضحايا في مواجهة التحالف القذر بين الشبكات الداخلية والخارجية أو في مواجهة أعداء النجاح والتميز في مختلف القطاعات.
سياسي ونقابي مصري – المستشار الأسبق لوزير البيئة
المصدر: بوابة الوفد
كلمات دلالية: فی مواجهة
إقرأ أيضاً:
مع تصاعد التهديدات المتبادلة.. لبنان وإسرائيل على شفير مواجهة جديدة
نشرت صحيفة معاريف العبرية تقريراً عسكرياً، أكدت فيه أن الحرب القادمة مع لبنان باتت أقرب من أي وقت مضى، وسط مخاوف إسرائيلية من أن حزب الله قد يحاول تنفيذ هجوم ضد قوات الجيش الإسرائيلي.
وذكرت الصحيفة أن الجيش الإسرائيلي يواصل ممارسة الضغط على حزب الله في جنوب لبنان، حيث تم صباح اليوم استهداف ما لا يقل عن ثلاثة مقاتلين من الحزب، باستخدام الطيران الحربي.
وفي التفاصيل، قالت “معاريف” إن طائرة تابعة لسلاح الجو الإسرائيلي قتلت مسلحاً من قوة الرضوان أثناء استقلاله مركبة في قرية عيناتا قرب بنت جبيل في القطاع الأوسط من لبنان، ووصف المصدر الإسرائيلي القتيل بأنه “ناشط محلي في حزب الله”.
كما شنت الفرقة 210 في الجيش الإسرائيلي غارات على منطقة قرية شبعا، مستهدفة عناصر من “السرايا اللبنانية” التي تعمل بتوجيه من حزب الله، بحجة تورطهم في تهريب وسائل قتالية.
ووفق الجيش الإسرائيلي، فإن الهدف من هذه العمليات هو ممارسة الضغط على حزب الله لمنعه من تعزيز تحركاته القتالية في جنوب لبنان، وتغيير تفاهمات الاتفاق مع لبنان بشأن نزع سلاح الحزب.
وفي المقابل، أعلنت وزارة الصحة اللبنانية مقتل 3 أشخاص وإصابة 11 آخرين جراء ثلاث غارات شنتها مسيرات إسرائيلية على سيارات في بلدات جنوبي وشرقي لبنان، وهو ما يعكس تدهور الوضع الأمني وتصاعد التوتر على طول الخط الأزرق.
وأشار التقرير الإسرائيلي إلى أن الجيش الإسرائيلي يشتبه بأن حزب الله، رغم خوفه من تصعيد شامل، قد ينفذ هجمات ضد قواته، واستعداداً لذلك، أعد الجيش بنك أهداف شامل يشمل مبانٍ متعددة الطوابق في الضاحية الجنوبية لبيروت، وأهدافاً في سهل البقاع، وأهدافاً لحزب الله شمال نهر الليطاني، مع نية توجيه ضربات قوية تهدف إلى حرمان الحزب من قدرات ثقيلة بنى عليها خلال العقد الماضي.
من جهته، أكد حزب الله التزامه الكامل بوقف إطلاق النار، مطالباً الحكومة اللبنانية والجهات الضامنة للاتفاق بالضغط على إسرائيل لوقف خروقها، التي تجاوزت 7,000 خرق جوي و2,400 نشاط شمال الخط الأزرق منذ بدء سريان وقف إطلاق النار في نوفمبر 2024، وفق ما صرح به المتحدث باسم قوات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة “اليونيفيل”، داني غفري.
ويأتي هذا التوتر في وقت تسلم فيه رئيس الحكومة اللبنانية نواف سلام الجيش مهمة وضع خطة لحصر السلاح بيد الدولة بحلول نهاية العام الحالي، في حين شدد حزب الله على أن قرار الحكومة بنزع سلاح المقاومة يُعد مخالفة ميثاقية واضحة وسيتم التعامل معه كأنه غير موجود، مؤكداً أن المحافظة على قوة لبنان تعتبر إجراءً ضرورياً لأمن البلاد.
واشنطن: إيران حولت مليار دولار إلى حزب الله في 2025 رغم العقوبات
كشف وكيل وزارة الخزانة الأميركية لشؤون الإرهاب والاستخبارات المالية، جون هيرلي، أن إيران حولت نحو مليار دولار إلى حزب الله هذا العام، رغم العقوبات الغربية التي تستهدف اقتصادها.
وأوضح هيرلي في مقابلة مع رويترز أن الولايات المتحدة تسعى لاستغلال “فرصة سانحة” في لبنان للضغط على حزب الله للتخلي عن سلاحه، مؤكدًا أن المفتاح يكمن في قطع التمويل الإيراني عن الحزب.
وتأتي هذه التصريحات في ظل حملة “أقصى الضغوط” التي تعتمدها واشنطن للحد من نشاط إيران النووي ونفوذها الإقليمي، بما في ذلك في لبنان، حيث تراجعت قوة حزب الله بعد الضربات الإسرائيلية المكثفة على قدراته العسكرية.
وأشار هيرلي إلى أن طهران، رغم التدهور الاقتصادي والقيود الدولية، ما زالت تضخ أموالًا كبيرة لوكلائها، مؤكدًا أن تقليص النفوذ والسيطرة الإيرانية على لبنان يبدأ بوقف تمويل حزب الله.
وتتهم الدول الغربية إيران بالسعي لتطوير أسلحة نووية سرًا، بينما تقول طهران إن برامجها النووية لأغراض مدنية. من جهتها، تواصل إسرائيل غارات شبه يومية على جنوب لبنان خشية إعادة حزب الله بناء قدراته العسكرية، رغم اتفاق وقف إطلاق النار المبرم قبل عام.
جعجع يوجه رسالة حادة لـ”حزب الله”: “البلد فارط” إذا لم تُحلّ التنظيمات العسكرية
وجه رئيس حزب القوات اللبنانية، سمير جعجع، اليوم السبت، رسالة قوية إلى حزب الله على خلفية الأزمة السياسية والأمنية التي تشهدها البلاد، مؤكداً ضرورة خضوع كافة السلاح للسلطة اللبنانية وعودة الدولة لتكون صاحبة القرار الكامل في السلم والحرب.
وقال جعجع خلال العشاء السنوي لـ”منسقية زحلة” مخاطباً حزب الله: “لا يمكنك أن تقول ‘أنا أريد أن أتمسّك بخيار المقاومة’. لا يمكنك أن تتمسّك بخيار شيء، وإلّا فـ’البلد فارط'”، مشدداً على أن الدستور اللبناني لا يعرف مصطلح “الرؤساء الثلاثة”، وهو المصطلح الذي استخدمه الحزب في رسالته الأخيرة إلى القيادات السياسية.
وأضاف جعجع: “تقول إنك تقيدت تقيداً تاماً باتفاق وقف إطلاق النار المُبرم منذ نحو سنة، وهذا خطأ صريح. مقتضى الاتفاق أن تحل تنظيماتك العسكرية والأمنية وتسلم السلاح إلى الدولة، ماذا أنجزت من ذلك؟”.
وتابع: “بعضهم يرفع حجة إسرائيل واليهود، صحيح، لكن البداية تكون بما علينا نحن فعله. كان من المفترض أن تحل نفسك عسكرياً وأمنياً، ولم تفعل”.
وأشار جعجع إلى رسالة حزب الله الأخيرة إلى “الرؤساء الثلاثة” جوزيف عون ونبيه بري ونواف سلام، قائلاً: “في الدستور لدينا رئيس جمهورية، ولدينا رئيس حكومة وحكومة، ولدينا مجلس نيابي ورئيس مجلس، لا وجود لـ’رؤساء ثلاثة'”.
وأضاف بلهجة نقدية: “قالوا يا عنتر مين عنترك؟ رد: عنترت وما حدا ردني، ولعل اليوم هناك من يرده”.
وأكد جعجع على أن مطالبته بحصر السلاح بيد الدولة لا تعني الانصياع للضغوط الأمريكية أو الإسرائيلية، بل هي مطلب لبناني داخلي بحت: “نريد دولة فعلية، والدولة الفعلية لا تكون دولة إلا بجمع السلاح في كنفها وحصر قرار السلم والحرب فيها”.
من جانبه، سبق أن أصدر حزب الله كتاباً مفتوحاً إلى الرؤساء الثلاثة وعموم اللبنانيين، أكد فيه حرصه على التفاهم الوطني وحماية سيادة لبنان والحفاظ على الأمن والاستقرار، واعتبر أن موقفه يأتي “إسهاماً في تعزيز الموقف اللبناني الموحّد في مواجهة العدوان الصهيوني وانتهاكاته المستمرة لإعلان وقف إطلاق النار”، والذي تم التوصل إليه بوساطة الموفد الأمريكي آموس هوكشتاين بعد مفاوضات غير مباشرة بين لبنان وإسرائيل.
واختتم حزب الله رسالته بالتأكيد على أن المرحلة الحالية تتطلب توحيد الجهود لوقف الانتهاكات والاعتداءات الصهيونية وحماية لبنان من المخاطر الأمنية والوجودية، مشيداً بصبر الشعب اللبناني المقاوم ومتعهدًا بالبقاء في موقع العزة والكرامة دفاعاً عن الأرض والشعب، وتحقيق آمال الأجيال القادمة ومستقبلهم.
مصر تؤكد رفضها المساس بسيادة لبنان وتدعو لخفض التصعيد في الجنوب
بحث وزير الخارجية المصري بدر عبد العاطي مع رئيس الوزراء اللبناني نواف سلام آخر تطورات الأوضاع في جنوب لبنان، والجهود الجارية لخفض التصعيد وتحقيق التهدئة في المنطقة.
وأكد الوزير المصري، وفق بيان صادر عن وزارة الخارجية السبت، الرفض الكامل لأي مساس بسيادة لبنان ووحدة وسلامة أراضيه، مشدداً على أهمية خفض التوتر وتغليب مسار التهدئة بما يحافظ على أمن واستقرار لبنان والمنطقة ككل.
وجدد عبد العاطي التأكيد على موقف مصر الثابت والداعم لسيادة لبنان ووحدته الوطنية واستقلال قراره، مع التركيز على بسط الدولة اللبنانية سيطرتها على كامل أراضيها، ودعم مؤسساتها الوطنية لتمكينها من الاضطلاع بمسؤولياتها في الحفاظ على استقرار البلاد وصون أمنها، وتعزيز قدرتها على مواجهة التحديات الراهنة بما يحفظ مصالح الشعب اللبناني.