البرلمانية «مار اسبينار» من مدريد لـ«الأسبوع»: واقعة «علم فلسطين» رسالة واضحة ضد العدوان الإسرائيلي
تاريخ النشر: 11th, November 2025 GMT
- مصر تلعب دورًا معقدًا وصعبًا في مسار القضية، بحكم علاقتها الإقليمية وموقعها الجغرافي
- موقف الحزب الاشتراكي يلتزم بالقيم والدفاع عن الكرامة الإنسانية واحترام القانون الدولي
- ردود الفعل السياسية والشعبية في إسبانيا تكشف انقسامًا بين القلوب القاسية والضمائر الحية
- مشهد الأطفال تحت الركام يترك أثرًا عاطفيًّا عميقًا، مشاهد تفطر القلب وتُغرق في البكاء
- النيوليبرالية الفاشية تهدد المجتمع الغربي وتقوّض قيم العدالة، والضغط السياسي ضرورة للتغيير
- معركة إنقاذ الضمير الغربي تواجه صعوبات داخل أوروبا بسبب ضعف الشجاعة السياسية
- الدعم الأمريكي لنتنياهو مستمر بسبب أموال طائلة وعنصرية متجذّرة توجه السياسة الدولية
من العاصمة الإسبانية، مدريد، تحدثتِ البرلمانية اليسارية «مار اسبينار» لـ«الأسبوع» بكل وضوح وصراحة عن شعورها تجاه فلسطين، لاسيما حجم التدمير، القتل، والتجويع الذي يعانيه أهالي غزة، كتداعيات مباشرة للعدوان الإسرائيلي على القطاع (خلال الفترة من 7 أكتوبر 2023 حتى 13 أكتوبر 2025).
السياسية الإسبانية «مار اسبينار»، التي تُعتبر أحد رموز الحزب الاشتراكي العمالي (PSOE)، تقول عن مبادرتها برفع عَلَم فلسطين في البرلمان الإقليمي بمدريد، رغم إدراكها أن مثل هذه الخطوة قد تثير جدلًا سياسيًّا واسعًا: «الرموز، كالأعلام وغيرها، تجسّد العواطف، وتوقظ الضمائر، وتدعو إلى وحدة البشر في مواجهة المعاناة والمآسي».
تتحدث عن مشاعرها خلال اللحظات التي حملت فيها «عَلَم فلسطين» إلى قاعة البرلمان متحدية الأغلبية الحزبية: «كان إحساسًا خاصًّا. أردت لفتَ أنظار الزملاء في البرلمان والرأي العام إلى أن المعاناة التي يعيشها الفلسطينيون في قطاع غزة غير مقبولة. شعب يتعرض للاضطهاد والإبادة. لم أجد ما يعبر عن ذلك سوى العَلَم بألوانه، كعلم القلب الإنساني».
أضافت: «بعد رفع العلم الفلسطيني، أردت أن أوجه رسالةً واضحةً للعالم وللشعب الفلسطيني: رغم أن ما قمت به لا يخفف من آلام آلاف الرجال والنساء والأطفال، أقول إنكم لستم وحدكم، ومعاناتكم تهمنا جميعًا، وإن التضامن العالمي موجود لدعم حقوقكم والاعتراف بمعاناتكم». قالت هذا بقوة تعبر عن قناعة راسخة بالحقوق الفلسطينية.
سألتُ البرلمانية «مار اسبينار»: هل كان رفعكِ لـ«العَلَم» الفلسطيني قناعة شخصية- إنسانية، أم يعكس موقف الحزب الذي تنتمين إليه؟ فقالت: «الحزب الاشتراكي الإسباني، ملتزم بالدفاع عن الكرامة الإنسانية واحترام القانون الدولي. حزب يؤمن بالتضامن الإنساني والأخوي. المأساة الفلسطينية تمسّنا على المستويين السياسي والإنساني. لن نقف متفرجين».
وهي تتحدث عن ردود الفعل من زملائها والشارع الإسباني بعد مبادرتها التضامنية مع فلسطين، قالت: «لا يهمني رد فعل أصحاب الضمائر الحية بقدر ما يهمني موقف أصحاب القلوب القاسية. اليمين الإسباني كان قاسيًا ومتجردًا من الإنسانية في موقفه من القضية الفلسطينية، وهذا التوحش في الخطاب يثير غضبي».
أكملت (بحسرة واضحة): «مَن لا تهزُّه العدالة، ولا يؤلمه موت الأبرياء، لن يتحرك لأي شيء، وسيكون قادرًا على فعل أي شيء. هناك مَن يعيش في عزلة أنانية تامة. اليمين السياسي في إسبانيا كان مقززًا لأنه لم يتماهَ مع معاناة الآخرين. لدينا أيضًا في الداخل الإسباني مَن يتماهى مع الرواية الإسرائيلية، وهذا غير مقبول إطلاقًا».
مشاهد الأطفال تحت الأنقاض «مؤلمة»
قلت لـ«مار اسبينار»: إنسانيًّا وليس برلمانيًّا، كيف يؤثر فيكِ مشهد الأطفال الفلسطينيين العالقين تحت أنقاض منازلهم؟ فقالت (بتأثر واضح): «أشعر بعجزٍ يمزق القلب وأنا أرى صور الأطفال الفلسطينيين المحاصَرين تحت الركام. أنا أم، وهذه المشاهد تفطر قلبي. تُغرقني في البكاء أمام هذا القدر الهائل من الألم والوحشية».
وعمَّا تقوله للأمهات الإسبانيات اللواتي يتساءلن لماذا تهتمين إلى هذا الحد بفلسطين، رغم بعدها الجغرافي عنكم؟ شددت: «أنا مسيحية، اشتراكية. لا أفهم معنى البُعد الجغرافي حين أرى ظلمًا ومعاناةً تطال الأبرياء». وعن الموقف الذي جعلها تشعر بضرورة اتخاذ موقف حاسم، قالت: «عندما أبدى اليمين في مدريد ازدراءه العلني للشعب الفلسطيني، قلت لنفسي: كفى».
وعن نظرتها إلى صمود النساء الفلسطينيات اللواتي يواصلن حماية أسرهن وصون كرامتهن رغم الفقد والجوع والخوف، وفي ظل غياب الأمان والعدالة، قالت إن ذلك أمر يبعث على الإعجاب. عدم الاستسلام جزء من البنية الروحية للفلسطينيين، وكأنه محفور في چيناتهم الإنسانية، يعكس قوة إرادة لا تنكسر أمام التحديات».
وبخصوص تحوّل الرأي العام الإسباني تجاه فلسطين خلال 24 شهرًا من العدوان على غزة والضفة، قالت: «في الحقيقة، الرأي العام الإسباني لم يتغير حيال المأساة الفلسطينية. الإسبان، تاريخيًّا، رأوا في معاناة الفلسطينيين قضيةً عادلةً تستحق أن يُناضَل من أجلها على الساحة الدولية. إسبانيا كانت ولا تزال إلى جانب العدالة والإنسانية».
واستكملت «مار اسبينار»: «المشكلة أن بلادنا، شأنها شأن الغرب عمومًا، تعاني من فيروس النيوليبرالية الفاشية - تجمع بين اقتصاد السوق الحر المتطرف وتقليص دور الدولة في الخدمات الاجتماعية، تركز على تعزيز رأس المال والنخب الاقتصادية، وتستخدم القومية والخوف الاجتماعي أداةً للتحكم- إذا لم نتعافَ منه، فسنفقد جوهرنا الإنساني كمجتمع».
وعن تقييمها لدور الإعلام الإسباني في تغطية ما يجري في فلسطين (الضفة الغربية وقطاع غزة)، وهل تراه منصفًا ومتوازنًا أم يعبر عن الرواية الغربية السائدة، أوضحت: «في إسبانيا حرب إعلامية حقيقية بين مَن يمارسون الصحافة بمسئولية ومهنية، وبين مَن يعبِّر عن مصالح اليمين الاقتصادية. نحن وسط هذه المعركة، ولا أحد يعلم بعد لمَن ستكون الكلمة الأخيرة».
التعاطف وحده لا يكفي
وحول إمكانية تحوّل المشاعر الإنسانية والتعاطف إلى ضغط سياسي حقيقي قادر على التأثير في سياسات الحكومات، أشارت «مار اسبينار» إلى أنه «يجب أن تدفع الإنسانية الحقيقية الناس إلى أن يروا شخصيات نتنياهو وغيره بوصفهم رموزًا للمقت الأخلاقي. طالما هناك مَن يطيع هؤلاء ويبرر أفعالهم، فلن تنفعنا أي مشاعر تعاطف، وسنسير في طريق الضياع».
ونبهتِ البرلمانية الإسبانية إلى أن «معركة إنقاذ الضمير الغربي تبدأ من داخل الغرب نفسه. لكن للأسف، نحن نخسر هذه المعركة حتى الآن».. مشيرة بواقعية إلى أن «اعتراف دول أوروبية بدولة فلسطين لا يمكن أن يغيّر ميزان العدالة والمساءلة. الاتحاد الأوروبي لا يمتلك وحده الوزن الكافي لإحداث هذا التغيير».
وعن موانع تحوُّل التضامن الأوروبي إلى خطوات سياسية ملموسة، كفرض عقوبات أو الضغط الاقتصادي على إسرائيل، أوضحت «مار اسبينار» أن «أوروبا لم تتحلَّ بالشجاعة الكافية. صحيح أن إسبانيا كانت صاحبة أول خطوة مهمة - الاعتراف بالدولة الفلسطينية- في هذا الشأن، وتبعتها بعض دول الاتحاد، لكن غابتِ السرعة والحسم عن الموقف الأوروبي العام».
قادني هذا إلى سؤالها: هل تعتقدين أن دولًا غربية تمارس ازدواجية في المعايير عندما يتعلق الأمر بحقوق الإنسان في فلسطين مقارنةً بمناطق أخرى من العالم؟ فقالت: «لقد سمح الغرب بحدوث إبادة جماعية. لا شيء يختصر الموقف أكثر من هذا. الدول التي تزعم دفاعها عن حقوق الإنسان كانت شاهدةً على مجزرة مروّعة، ولم تفعل شيئًا لوقفها».
نقلنا هذا من الغرب الأوروبي إلى أقصى الغرب. سألتها: كيف تفسّرين الدعم الأمريكي اللامحدود لحكومة بنيامين نتنياهو رغم قيادته للعدوان الغاشم؟ فأكدت أن «الصهيونية قوية جدًّا داخل الولايات المتحدة، وهناك أموال طائلة وعنصرية متجذّرة تقف وراء ذلك. أمريكا اليوم تمثّل مشكلة كبرى وكابوسًا للعالم بأسره».
وبخصوص خطة السلام التي طرحها ترامب لإنهاء الحرب، سألتها: كيف تصفين رؤية الإدارة الأمريكية الحالية للصراع الفلسطيني- الإسرائيلي؟ وهل تعتبرين سياسة الرئيس دونالد ترامب عادلةً ومتوازنة؟ قالت: «سأعبّر هنا عن رأيي الشخصي: يحاولون فرض أمر واقع بالقوة. السلام العادل معروف. المأساة لاتزال قائمة، والمعاناة قد تعود مجددًا».
وحول دور مصر في القضية الفلسطينية (جهود الوساطة، فتح الممرات الإنسانية، ودعم المصالحة الداخلية) بعد اتفاق السلام في شرم الشيخ منتصف أكتوبر الماضي، قالت «مار اسبينار»: «تلعب مصر دورًا معقدًا وصعبًا بحكم علاقتها الإقليمية وموقعها الجغرافي». وعن موقف الداخل الفلسطيني أضافت: «الشجاعة تكمن في القدرة على تجاوز عقدة إسرائيل».
صمود وسط عالم متوحش
وحول خطط دعم القضية الفلسطينية بشكل ملموس، قالتِ البرلمانية الإسبانية: «من خلال نشاطي في مجتمع مدريد، تصديت للرئيسة إيزابيل أياسو بعد إعلانها حظر الرموز الداعمة لفلسطين. هي تتبنّى موقفًا مؤيدًا لإسرائيل دون أي اعتبار للفلسطينيين. سنواصل النضال بلا كلل، دفاعًا عن حقوق الفلسطينيين والدفاع عن العدالة الإنسانية مهما كان الثمن».
وقالت «مار اسبينار» إنها شرحت لرئيسة إقليم مدريد، أياسو، معنى ألوان العلم الفلسطيني: «الأسود يرمز إلى المنفى، الأبيض إلى السلام، الأخضر إلى الأمل في حياة كريمة ودولة مستقلة، والأحمر يمثل الفلسطينيين الذين فقدوا حياتهم دفاعًا عن قضيتهم عبر التاريخ وحتى اليوم، وكل لون يحكي جزءًا من النضال والمعاناة».
وعن صمود الشعب الفلسطيني والتغيير الذي تأمل أن يطرأ على ضمير الإنسانية تجاه مأساة قضيتهم، قالت: «لن نستسلم. لست متفائلة بشأن مستقبل العالم. الأشرار يبدون كأنهم يربحون المعركة، وأنهم اختاروا أسوأ نسخة: المال، الغرور، والتفاهة أصبحت كل ما يهم. واقع مؤلم، لكن صمود الفلسطينيين انتصار للعدالة الاجتماعية والأخوّة والتضامن».
البرلمانية الإسبانية «مار اسبينار» من مواليد مدينة غرناطة، جنوب إسبانيا. درستِ العلوم السياسية والإدارة في جامعة كومبلوتنسيه، بمدريد.بدأت نشاطها السياسي داخل الحزب الاشتراكي مبكرًا. قالت: «انضممت للحزب عام 1999، وشققت طريقي تدريجيًّا في العمل العام». ولم تقل (تواضعًا) إنها واحدة من الأصوات المؤثرة في الحياة السياسية.
ظهر اسمها على نطاق واسع عام 2015 عبر أسلوبها الحاد في الدفاع عن القضايا الاجتماعية والعدالة والمساواة. في عام 2021 عُيّنت متحدثة باسم المجموعة الاشتراكية داخل بلدية مدريد، الأمر الذي رسّخ مكانتها كإحدى القيادات النسائية البارزة في الحزب، وفي الانتخابات الإقليمية الأخيرة عام 2023، أصبحت «اسبينار» المتحدثة الرسمية باسم الحزب الاشتراكي في البرلمان الإقليمي.
جاء التعيين في مرحلة سياسية حساسة تشهد فيها مدريد هيمنة حزب الشعب بزعامة إيزابيل دياز أيوسو. تصف الصحافة الإسبانية «اسبينار» بأنها «من اليسار الشجاع» داخل الحزب الاشتراكي، حيث تجمع بين الخطاب الأخلاقي والجرأة في المواقف الإنسانية، خاصة بعد تسليط الضوء على ما وصفته بـ«الإبادة التي يتعرض لها الشعب الفلسطيني».
وأثار موقفها انقسامًا داخل الأوساط السياسية الإسبانية، فقد هاجمها نواب اليمين بشدة، معتبرين أن البرلمان ليس مكانًا لرفع أعلام دول أخرى أو التعبير عن مواقف خارجية، بينما أشاد نواب اليسار ومنظمات حقوقية بجرأتها، ورأوا في تصرفها تعبيرًا عن موقف أخلاقي يتجاوز الحسابات السياسية.
اقرأ أيضاًوزير الخارجية: حريصون على تخفيف وطأة المعاناة الإنسانية لسكان غزة
ارتفاع حصيلة الشهداء في قطاع غزة إلى 69 ألفا و179 شهيدا
عاجل.. الهلال الأحمر تطلق قافلة «زاد العزة» 69 بحمولة 7300 طن مساعدات إلى غزة
المصدر: الأسبوع
كلمات دلالية: إسبانيا الأطفال الفلسطينيين الضفة الغربية القضية الفلسطينية دعم القضي ة الفلسطينية فلسطين قطاع غزة الحزب الاشتراکی إلى أن موقف ا
إقرأ أيضاً:
ارتفاع حصيلة العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة إلى 69 ألفًا و176 شهيدًا
أعلنت مصادر طبية، اليوم الأحد، ارتفاع حصيلة الشهداء في قطاع غزة إلى 69 ألفا و176 شهيدا، أغلبيتهم من الأطفال والنساء، منذ بدء عدوان الاحتلال الإسرائيلي في السابع من شهر أكتوبر 2023.
وأضافت المصادر - حسبما ذكرت وكالة الأنباء الفلسطينية (وفا) - أن حصيلة الإصابات ارتفعت إلى 170 ألفا و690 جريحا منذ بدء العدوان، في حين لا يزال عدد من الضحايا تحت الأنقاض، ولا تستطيع طواقم الإسعاف والإنقاذ الوصول إليهم.
وأشارت إلى أنه وصل إلى مستشفيات قطاع غزة خلال الـ72 ساعة الماضية، جثامين 7 شهداء، (شهيد جديد، و6 شهداء جرى انتشالهم من تحت الركام)، بالإضافة إلى 5 إصابات.
وبلغت حصيلة الشهداء والإصابات منذ اتفاق وقف إطلاق النار في 11 أكتوبر الماضي 241 شهيدا و619 مصابا، وجرى انتشال 528 جثمانا.