انتصار ممداني يظهر كيف غيّرت غزة المشهد السياسي عالميا.. صحوة ضد اليمين
تاريخ النشر: 11th, November 2025 GMT
لم تكن غزة بعيدة عن الانتصار الذي حققه المرشح الديمقراطي زهران ممداني في انتخابات عمدة مدينة نيويورك، أكبر مدينة في الولايات المتحدة، فقد كانت حاضرة بالصوت والصورة والمضمون والمعنى والدلالات.
صحيفة "الغارديان"، قالت إن فوز ممداني جاء ضد كل التحديات والعوائق التي وضعت في طريقه، مشير إلى أن العمدة الشاب تجنب في حملته الانتخابية خوض الحروب الثقافية التي حاول منافسوه جره إليها وركز تحديدا على الظروف المعيشية التي تخص أهل نيويورك، ورغم محاولات الجمهوريين تجريده من صفته كمواطن أمريكي والبحث عن طرق لترحيله إلى أوغندا، إلا أن محاولاتهم فشلت.
وبخاصة اتهامه بدعم "الانتفاضة العالمية" وموقفه من حرب غزة وتعهده بمنع بنيامين نتنياهو من دخول نيويورك لو انتخب، ومن هنا نفهم أصداء فوزه العالمية وخاصة في دولة الاحتلال التي شعر قادتها بالفزع، لدرجة دعوة وزير، اليهود في نيويورك للهجرة إلى إسرائيل. مع أن يهود نيويورك دعموا في المعظم المرشح الديمقراطي.
وفي مقال للكاتبة سمية الغنوشي نشرته صحيفة "ميدل إيست آي"، جاء فيه، أن الإبادة الجماعية في غزة لم تكشف عن عنف دولة الاحتلال الإسرائيلي فحسب، بل كشفت أيضا النظام الذي كان يحميها، ويعد فوز زهران ممداني أول تعبير انتخابي عن الصحوة الأخلاقية في الولايات المتحدة، وهي تواجه الآن فاعلا سياسيا جديدا، يتمثل بـ"الشباب، والمهاجرون، ومتعددو الأعراق، والطبقة العاملة"، وحمل المقال عنوان "فوز ممداني يظهر كيف أوقفت غزة مسيرة اليمين"، وفيما يلي نص ترجمته:
في مدينة اعتادت أن تحدد فيها القوة المالية وإجماع وسائل الإعلام حدود الإمكانات السياسية، استطاع شاب اشتراكي ديمقراطي مسلم أن يحقق انتصاراً ساحقاً على حاكم سابق يحظى بدعم الرئيس الأمريكي دونالد ترامب وشبكات المانحين الذين اعتادوا صناعة النتائج الانتخابية قبل صناديق الاقتراع.
واجه ممداني حملة تشويه منظمة في كبرى وسائل وسائل الإعلام، حيث حاولوا وصمه بـ"التطرف" و"الشيوعية" و"معاداة السامية"، لكن كل هذه الاتهامات فشلت، وفاز ممداني، حقق انتصاره رغم تحالف قوى المؤسسة الحاكمة ضده. فقد أعلن ترامب دعمه العلني للحاكم السابق أندرو كومو، بينما امتنعت شخصيات ديمقراطية بارزة عن تأييد ممداني حتى الأيام الأخيرة من الحملة، وحتى عندما قدمت دعمها، جاء ذلك بشكل متردد ومتأخر، لم يكن السباق مجرد مواجهة مع اليمين الجمهوري، بل أيضاً مع قيادة الحزب الديمقراطي الوسطية التي هيمنت على توجهاته لعقود.
تداعيات الانتصار على مشروع ترامب
يُشكّل فوز ممداني اختراقاً للتيار اليساري داخل حزب ظل لسنوات خاضعاً لسياسات المانحين والمناورات السياسية، كانت هذه انتخابات محلية – تركزت على النقل والإسكان والخدمات العامة – وليست انتخابات رئاسية. ومع ذلك، تعكس انتخابات مدينة نيويورك اتجاهات بدأت تترسخ على مستوى الولايات المتحدة. إنها تكشف عن مسار التيار الحالي قبل أن يصبح ذلك مرئيًا، وقد تغير المسار فعليا.
ففي فرجينيا، تمكنت أبيغيل سبانبرغر من الفوز بمنصب الحاكم بعد أربع سنوات من حكم الجمهوريين. وفي نيو جيرسي، حققت ميكي شيريل فوزا كاسحا على منافسها جاك سياتاريلي، أما في كاليفورنيا، فقد أيد ما يقرب من ثلثي الناخبين المقترح 50، في خطوة قوضت استراتيجيات إعادة تقسيم الدوائر الانتخابية على النمط الجمهوري المستورد من تكساس.
تُشير هذه النتائج مجتمعة إلى تراجع مشروع ترامب السياسي، القائم على استغلال الخوف من المهاجرين والإسلاموفوبيا، وتوظيف السخط العام، والقوة السياسية لرأس المال، كما تباطأ زخم مشروع ترامب، وهو يُواجه الآن فاعلًا سياسيًا جديدًا: "شباب مهاجرون من أعراق متعددة ينتمون للطبقة العاملة".
ولم تعتمد حملة ممداني على دعم النخب، بل اعتمدت تنظيم أفقي يضم طلابًا ومستأجرين وشبابًا من الطبقة العاملة ومنظمين لا يملكون وثائق ثبوتية وعائلات من الأقليات السوداء والملونة، وشبابًا بيضًا خاب أملهم في الليبرالية الإدارية، واعتمدت الحملة في تمويلها على التبرعات الصغيرة، واستمرت من خلال التواصل المباشر، لتفوق تنظيميًا تمويلات بعشرات الملايين من نخب الأعمال وجماعة الضغط المؤيدة لإسرائيل (أيباك).
كما حصد ممداني أكثر من ثلث أصوات الناخبين اليهود، وهو ما يدحض عمليًا – وليس نظريًا – الادعاء بأن التضامن مع فلسطين يعني معاداة السامية، لكن هذا التحول ليس حكرًا على الولايات المتحدة، ففي هولندا، نجح ائتلاف من أحزاب الوسط واليسار في كسر هيمنة خيرت فيلدرز، وفي المملكة المتحدة، قفز عدد أعضاء حزب الخضر إلى أكثر من 150 ألف عضو، بعدما وصف ما يحدث في غزة بأنه إبادة جماعية، حيث تحدث زعيمه الشاب اليهودي زاك بولانسكي عن ذلك بوضوح، وهو ما لم يفعله حزب العمال.
اختبار الشرعية
في ويلز، دان حزب "بليد كامري" بأشد العبارات ما وصفه بـ"الإبادة الجماعية" في غزة، دون أي تردد، مطالباً بفرض حظر على توريد الأسلحة، ومؤيداً الاعتراف بدولة فلسطين من على منبر البرلمان الويلزي. كما انضم إلى صفوف المتظاهرين في مسيرات احتجاجية، وهو موقف لم يؤدِ إلى تراجع شعبيته.
وأعاد الخطاب الحازم لحزب "شين فين" القومي البارز في أيرلندا بشأن العدوان على غزة، تأكيد مكانته كحزب مناهض للاستعمار، مما عزز شعبيته في صفوف أبناء الطبقة العاملة والشباب والجمهوريين الأكبر سناً، وفي إيرلندا أيضاً، جاء فوز كاثرين كونولي الساحق في 24 تشرين الأول/أكتوبر 2025، حيث حصدت 63.4 بالمئة من الأصوات، و914,143 بطاقة تفضيل أول، وهو الأعلى في تاريخ المنصب، ليؤكد أن الناخبين يكافئون الوضوح الأخلاقي في المواقف السياسية، وشهدت فرنسا صعوداً ملحوظاً لحزب "فرنسا الأبية" لتصبح القوة المعارضة الرئيسية في المشهد السياسي، مستقطبا دعماً قوياً من فئة الشباب، والجالية المسلمة، وسكان الأحياء الشعبية.
عبر هذه الأمثلة، يبرز نمط واضح: تحول الوضوح الأخلاقي في قضية غزة إلى معيار جديد لقياس شرعية القوى السياسية، بينما أصبح التردد في نظر الناخبين مرادفاً للضعف، والعبارات الملطفة قرينة للتواطؤ.
السبب وراء هذا التحول جلي: حطمت غزة آلة الصمت.
فضلاً عن كشفها عنف دولة إسرائيل – القصف المتواصل والحصار الشامل والتهجير القسري – فإن هذه الحرب كشفت أيضاً عن المنظومة التي كانت تحمي هذا العنف: انضباط إعلامي، ترهيب المانحين، واستخدام تهمة معاداة السامية كاستراتيجية لتكميم أي صوت معارض.
سقوط المحظورات
لما يقرب من عقد من الزمن، هيمنت الشعبوية اليمينية على المشهد السياسي العالمي. انزاح يمين الوسط أكثر نحو اليمين، وحذا حذوه يسار الوسط، تبنّت أجنحة واسعة من اليسار مشاريع معدّلة من برامجها الأصلية – حذر في ملف الهجرة، خطاب تطمين ثقافي، وقيود تكنوقراطية.
ثم جاءت حرب غزة، حيث انطلق الملايين إلى الشوارع في عواصم ومدن عالمية مثل لندن، ونيويورك، وبرلين، وشيكاغو، وجوهانسبرغ، وساو باولو، وجاكرتا، وباريس، عندها عاد اليسار إلى الواجهة، ليس كخطاب نظري، بل حركة جماهيرية فاعلة. استعاد روح التضامن الحقيقي، وإحساسه بالتاريخ، وهدفه الأصلي: "تحقيق العدالة".
برز فوز ممداني الانتخابي في ظل هذه الصحوة. لم يكن هو من صاغها، لكنه أول تعبير انتخابي ملموس عنها، ووصل الأمر إلى أن تتجرأ أطراف من اليمين الأمريكي على التعبير عما كان من المسكوت عنه: أن السياسة الخارجية للولايات المتحدة قد لا تكون محكومة بالمصلحة الوطنية في المقام الأول، بل بولاء غير مشروط لدولة أجنبية.
لم يعد هذا السؤال مجرد استفهام بلاغي، بل أصبح يُطرح علناً وبصوت عال. لقد سقط المحظور.
شهدت غزة دماراً شاملاً، لكنها لم تكن صامتة سياسيا. لقد حطمت الإجماعات المصطنعة، وأيقظت الضمائر، وأعادت فتح صفحات التاريخ.
فوز ممداني لا يعلن عن نظام عالمي جديد، بل يكشف عن وهن النظام القديم، لقد تغيرت معادلات اللعبة السياسية. لم يعد الجمهور مجرد متلقٍ أو متفرج، ولم تعد السلطة تُرتّب وراء الكواليس، الحركة القادمة، والفصل التالي من التاريخ، سيكون من صنع أولئك الذين أدركوا هذه الحقيقة.
المصدر: عربي21
كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة سياسة عربية مقابلات حقوق وحريات سياسة دولية ممداني واسرائيل المزيد في سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة قضايا وآراء أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة الولایات المتحدة فوز ممدانی
إقرأ أيضاً:
نيويورك تايمز: أزمة بي بي سي هي الأكثر خطورة منذ عقود
قالت صحيفة نيويورك تايمز إن الأزمة التي تواجهها شبكة "بي بي سي" هي الأكثر خطورة منذ عقود، مشيرة إلى أن الأزمة لا ترتبط بالرئيس الأميركي دونالد ترامب الذي هدّد بمقاضاة الشبكة بمبلغ مليار دولار، بقدر ما تتعلق بأزمات مستعصية تعاني منها محطة بث عامة شهيرة تعمل في عالم منقسم بشدة.
وبيّن الكاتب في الصحيفة الأميركية مارك لاندلر أن الشبكة تتعرض للهجوم من قبل أعدائها السياسيين الذين يتهمونها بالتحيز المزمن، كما تستهدفها المؤسسات الإخبارية المنافسة والمستاءة من تمويلها العام، مضيفا أنه بفضل انتشارها العالمي تتعارض الشبكة بشكل منتظم مع الحكومات الأجنبية، بما في ذلك الهند والولايات المتحدة.
واستقال مدير الشبكة ورئيس تحريرها تيم دافي، والرئيسة التنفيذية للأخبار ديبورا تورنيس، بعد أيام قليلة من صدور تقرير مفاجئ نشرته صحيفة تلغراف البريطانية كشف أن "بي بي سي" ضللت المشاهدين ودمجت بين خطابين لترامب في مقطع فيديو واحد، على نحو بدا فيه الرئيس الأميركي كأنه يدعو إلى العنف خلال أحداث الشغب التي وقعت في الكابيتول في 6 يناير/كانون الثاني 2021.
استقالة مدير “بي بي سي” عقب اتهامات بـ”التضليل”.. ما علاقة خطاب ترامب؟ pic.twitter.com/UtZGZxSL0W
— الجزيرة مباشر (@ajmubasher) November 10, 2025
تحديات متعددة أمام "بي بي سي"وقال لاندلر إن النظر إلى الاستقالات المفاجئة على أنها امتداد للضغط الذي مارسه ترامب على المؤسسات الإعلامية في الولايات المتحدة يعدّ فكرة مغرية، لكنها جاءت كذلك بعد سلسلة من الخلافات حول تغطية "بي بي سي" لقضايا حساسة أخرى، بما في ذلك الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة وقضية المتحولين جنسيا.
وأضاف أن دافي، وهو مدير تنفيذي قديم في "بي بي سي" له جذور في مجال التسويق وليس الصحافة، اضطر إلى مواجهة أزمة تلو الأخرى منذ تعيينه مديرا عاما في عام 2020، حيث تعرض لانتقادات غير مرة لعدم اتخاذه إجراءات إزاء موظفين في الشبكة اتهموا بقضايا أخلاقية.
إعلانويرى الكاتب أن الحرب على غزة جلبت لدافي مجموعة جديدة من المشاكل، إذ تعرض الفيلم الوثائقي "غزة: كيف تنجو من منطقة حرب" لانتقادات شديدة، بعد أن تبين أن والد الراوي البالغ من العمر 13 عاما هو مسؤول في حماس، وآنذاك سحب دافي الفيلم من خدمة "آي بلاير" التابعة لـ"بي بي سي"، قائلا إنه فقد ثقته به.
وفي الصيف الماضي، كان دافي مرة أخرى في موقف دفاعي عندما لم تقطع "بي بي سي" البث عن "بوب فيلان"، وهو ثنائي "راب بانك" إنجليزي، بعد أن هتف خلال مهرجان غلاستونبري الحاشد "الموت للجيش الإسرائيلي".
وحتى قبل دخول ترامب إلى الساحة، كانت "بي بي سي" تُستهدف بانتظام من قبل المحافظين، مثل بوريس جونسون، رئيس الوزراء البريطاني السابق الذي دعا مؤخرا إلى إقالة المسؤولين عن إنتاج الفيلم الوثائقي الذي تسبب بالاستقالات.
وخلص الكاتب إلى أنه على الرغم من الانتقادات المستمرة، فإن "بي بي سي" ما زالت تحظى بثقة المشاهدين أكثر من الشبكات الأميركية الكبرى، وفقا لدراسة أجراها مركز بيو للأبحاث.
ويلفت لاندلر إلى أن الحكومة البريطانية قدّمت دعما مشروطا لـ"بي بي سي"، رغم أن دور ترامب في هذه الأزمة وضع رئيس الوزراء كير ستارمر في موقف حرج، إذ حاول تجنب الصراع مع الرئيس الأميركي في قضايا مثل الرسوم الجمركية والحرب في أوكرانيا.
The front page of tomorrow’s Daily Telegraph:
‘Trump to sue BBC for $1bn’#TomorrowsPapersToday pic.twitter.com/z0tL1jBYQg
— The Telegraph (@Telegraph) November 10, 2025
غارديان: لا ينبغي الصمتبدورها، أكدت صحيفة غارديان في افتتاحيتها أن تهديد ترامب بمقاضاة "بي بي سي" يأتي في أسوأ وقت ممكن، إذ إن الشبكة بلا قيادة، ومجلس إدارتها عديم الخبرة في إدارة الأزمات، ومعارضيها اليمينيين مبتهجون بالغنائم التي حصدوها.
وشددت الصحيفة على أهمية تحرك الحكومة البريطانية للدفاع عن الشبكة، وقالت "بدلا من التزام الصمت لتجنب إهانة البيت الأبيض، يجب على السير كير ستارمر الدفاع عن حرية التحرير في هيئة الإذاعة البريطانية، عليه أن يعترف باستقلالية وسائل الإعلام وسيادتها على الفضاء المعلوماتي كمسألة أمن قومي".
وحذرت من تلاشي الوعي بقيمة الشبكة ووقوع خطأ إستراتيجي أمام مواجهة المنافسة من شركات التكنولوجيا الكبرى في الولايات المتحدة، مؤكدة أن "بي بي سي" تعدّ أكثر مصادر الأخبار موثوقية في المملكة المتحدة، ومن بين الخمسة الأوائل على مستوى العالم.
وفي تحليل كتبه جيريمي بار، حذّرت الصحيفة من انتقال تهديدات ترامب لوسائل الإعلام إلى المستوى العالمي، فمنذ إعادة انتخابه قبل عام اختارت سلسلة من الشركات الإعلامية والتكنولوجية أن تسلك الطريق الأسهل بالموافقة على تسويات مهمة مع الرئيس.
وعند جمع تسويات ترامب مع "إيه بي سي" و"سي بي إس"، بالإضافة إلى القضايا المرفوعة ضد كل من شركة ميتا، وغوغل، يكون قد حصل على أكثر من 80 مليون دولار.