قمة الـ20 بجوهانسبرغ: أفريقيا في صدارة المشهد في مواجهة عاصفة جيوسياسية
تاريخ النشر: 18th, November 2025 GMT
في قلب مدينة جوهانسبرغ، التي قامت على أكبر اكتشاف للذهب في التاريخ، تستعد جنوب أفريقيا لاستضافة حدث لا يقل قيمة عن المعدن الأصفر الذي بنيت عليه المدينة، وهو قمة مجموعة العشرين (G20) التي ستُعقد يومي 22 و23 نوفمبر/تشرين الثاني 2025.
هذه ليست مجرد قمة عادية، بل هي لحظة تاريخية بكل المقاييس، فهي المرة الأولى التي يجتمع فيها قادة أقوى اقتصادات العالم على أرض أفريقية.
كان من المفترض أن تكون هذه القمة احتفالا بصعود القارة، وتتويجا لرئاسة جنوب أفريقيا للمجموعة تحت شعار "التضامن، المساواة، والاستدامة". لكن قبل أيام فقط من انطلاقها، تحولت الأجواء الاحتفالية إلى ترقب قلق، بعد أن ألقى الرئيس الأميركي دونالد ترامب بظلال كثيفة على الحدث بإعلانه مقاطعة كاملة للقمة، وتبعه غياب الرئيسين الصيني والروسي، مما يضع مستقبل الحوكمة الاقتصادية العالمية في مهب الريح، ويحول القمة التاريخية إلى اختبار غير مسبوق لقدرة العالم على التوافق في زمن الانقسامات الحادة.
لفهم حجم هذا الحدث، يجب أولا تبسيط مفهوم مجموعة العشرين. هي ليست منظمة رسمية مثل الأمم المتحدة، بل منتدى أو ناد يجمع 19 من أكبر اقتصادات العالم، إضافة إلى هيئتين إقليميتين، هما الاتحاد الأوروبي والاتحاد الأفريقي (الذي انضم حديثا عام 2023).
هذا النادي يمثل قوة اقتصادية هائلة: أعضاؤه ينتجون 85% من كل السلع والخدمات في العالم، ويستحوذون على 75% من التجارة الدولية، ويعيش في بلدانهم ثلثا سكان الكوكب.
تأسست المجموعة عام 1999 باجتماع لوزراء المالية بعد الأزمة المالية الآسيوية، لكنها اكتسبت أهميتها الحقيقية في عام 2008، عندما رُفعت إلى مستوى قمة الرؤساء لمواجهة الأزمة المالية العالمية.
منذ ذلك الحين، أصبحت القرارات التي تُتخذ في هذا المنتدى تؤثر على حياة المليارات، من أسعار الغذاء في القاهرة إلى فرص العمل في جاكرتا. والآن، ولأول مرة، تُعقد هذه القمة في أفريقيا، مما يمنح القارة فرصة فريدة لوضع همومها على رأس الأجندة العالمية.
إعلان عاصفة المقاطعة تهز القمةكانت جنوب أفريقيا تأمل في أن تكون قمة جوهانسبرغ لحظة إجماع عالمي، لكنها تحولت إلى دراما سياسية عالية المخاطر. بدأت العاصفة في 7 نوفمبر 2025، عندما أعلن الرئيس الأميركي دونالد ترامب مقاطعة كاملة للقمة، ليس فقط بالغياب، بل بمنع أي مسؤول أميركي من الحضور.
والسبب الذي ساقه ترامب كان صادما ومبنيا على معلومات مضللة، إذ ادعى وجود "انتهاكات لحقوق الإنسان" و"ذبح" للمزارعين البيض في جنوب أفريقيا، وهي رواية تروج لها جماعات اليمين المتطرف في الولايات المتحدة وتفندها الحقائق على الأرض.
لم يكتف ترامب بذلك، بل صرح بأن "جنوب أفريقيا لم يعد لها مكان في مجموعة العشرين". هذا الموقف المتشدد أحدث صدمة دبلوماسية، ورد عليه رئيس جنوب أفريقيا سيريل رامافوزا بحزم، حيث صرح في 14 نوفمبر، أن بلاده ستمضي قدما في عقد القمة، وأنها ستسلم الرئاسة الدورية للمجموعة في نهاية القمة إلى "كرسي فارغ" يمثل الولايات المتحدة، في لفتة رمزية.
لم تكن مقاطعة ترامب هي الضربة الوحيدة، ففي 13 نوفمبر/تشرين الثاني، أعلنت وزارة الخارجية الصينية أن الرئيس شي جين بينغ لن يحضر القمة أيضا، وسيمثله رئيس الوزراء لي تشيانغ. ورغم أن الصين لم تقدم سببا رسميا، إلا أن التوقيت أثار التكهنات بأن بكين لا تريد أن تبدو وكأنها تستغل غياب واشنطن لتصدر المشهد. هذا القرار الصيني له دلالات عميقة، فالصين كانت أكبر شريك تجاري لجنوب أفريقيا ولأفريقيا عموما، وغياب شي يقلل من وزن القمة بشكل كبير.
كما تأكد غياب الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، الذي لا يستطيع الحضور بسبب مذكرة الاعتقال الصادرة بحقه من المحكمة الجنائية الدولية (التي تعتبر جنوب أفريقيا عضوا فيها وملزمة بتنفيذ قراراتها)، وسيمثله نائب رئيس إدارة الكرملين مكسيم أوريشكين.
ورغم أن المتحدث باسم الكرملين دميتري بيسكوف أكد أن "مجموعة العشرين لا تزال مهمة للعديد من البلدان"، فإن غياب بوتين يحرم القمة من صوت روسيا، التي تعتبر نفسها قوة عالمية منافسة للغرب.
وانضم إليهم الرئيس الأرجنتيني خافيير ميلي، الذي أعلن غيابه أيضا متضامنا مع موقف ترامب.
وهكذا، ستُعقد القمة بدون قادة أكبر ثلاثة اقتصادات في العالم (أميركا والصين وروسيا)، وهو ما يطرح سؤالا جوهريا عن شرعية ومستقبل المجموعة كمنصة للحوكمة العالمية. لكن هناك من يرى في هذا الغياب فرصة نادرة لدول الجنوب للتحرك بحرية أكبر، دون أن تخشى من معارضة القوى العظمى.
في خضم هذه العاصفة الجيوسياسية، تتمسك جنوب أفريقيا بأجندتها الطموحة التي تأمل منها ترك بصمة أفريقية على النظام الاقتصادي العالمي.
تدور الرئاسة الجنوب أفريقية حول ثلاثة محاور رئيسية: التضامن، المساواة، والاستدامة، لكن خلف هذه العناوين البراقة، تكمن قضايا حقيقية ومؤلمة للقارة الأفريقية والعالم النامي.
القضية الأولى والأكثر إلحاحا هي "فخ الديون" وتكلفة رأس المال غير العادلة. ببساطة، عندما تحتاج دولة أفريقية إلى قرض لتمويل مشروع بنية تحتية، فإنها تدفع أسعار فائدة أعلى بكثير من دولة أوروبية، وذلك بسبب تقييمات وكالات التصنيف الائتماني الكبرى (Moody’s, S&P, Fitch) التي تتهمها الدول الأفريقية بالتحيز والافتقار إلى الشفافية.
إعلانووفقا لتقرير صادر عن الأمم المتحدة، فإن هذا التقييم غير العادل يكلف القارة الأفريقية ما يقدر بنحو 74.5 مليار دولار سنويا كفوائد إضافية، وهي أموال كان يمكن أن تبني مدارس ومستشفيات.
القضية الثانية التي تضعها جنوب أفريقيا في قلب النقاش هي "عدم المساواة العالمية"، وهي قضية اكتسبت زخما هائلا بعد أن تسلم الرئيس رامافوزا في 4 نوفمبر تقريرا تاريخيا أعدته لجنة من الخبراء بقيادة الاقتصادي الحائز على نوبل جوزيف ستيغليتز.
كشف التقرير عن أرقام صادمة، أبرزها، أن أغنى 1% من سكان العالم استحوذوا على 41% من كل الثروة الجديدة المستحدثة منذ عام 2020. ليس هذا مجرد رقم إحصائي جاف، بل يعني أن الفجوة بين الأغنياء والفقراء تتسع في تسارع، حتى في الدول الغنية.
التقرير، الذي شارك في إعداده أكثر من 500 عالم واقتصادي من جميع أنحاء العالم، دعا إلى إنشاء "لجنة دولية لعدم المساواة" على غرار الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ (IPCC)، وهي هيئة تأسست عام 1988 لتقييم العلوم المتعلقة بتغير المناخ وأصبحت مرجعا عالميا في هذا المجال. الفكرة هي إنشاء هيئة مماثلة تراقب عدم المساواة وتقدم توصيات ملزمة للحكومات.
هذا الاقتراح تدعمه دول مثل فرنسا والبرازيل وإسبانيا، لكنه يواجه مقاومة من دول أخرى مثل الولايات المتحدة (رغم غيابها) وسويسرا، التي تخشى من أن تؤدي هذه اللجنة إلى ضغوط لفرض ضرائب على الأثرياء أو إعادة توزيع الثروة إجباريا.
تسعى جنوب أفريقيا إلى حشد الدعم لهذا الاقتراح خلال القمة، وتحويل النقاش حول عدم المساواة من مجرد شعارات إلى آليات عمل دولية ملزمة. وإذا نجحت في ذلك، فستكون قد حققت واحدا من أهم الإنجازات في تاريخ مجموعة العشرين.
لا يمكن فهم سياق القمة دون فهم المدينة التي تستضيفها: جوهانسبرغ، أو "إيغولي" (eGoli) بلغة الزولو، والتي تعني "مدينة الذهب". هذه المدينة لم تكن موجودة قبل 140 عاما، لكن اكتشاف الذهب عام 1886 حولها إلى أكبر مدينة في جنوب أفريقيا ومركزها الاقتصادي.
لكن تاريخها هو أيضا تاريخ من التناقضات الصارخة، فهي مدينة الأبراج الشاهقة والقصور الفاخرة في ضاحية ساندتون (حيث يُعقد مركز القمة الإعلامي)، وهي أيضا مدينة "التاونشيبس" (Townships)، وهي الأحياء الفقيرة والمكتظة التي أنشأها نظام الفصل العنصري "الأبارتايد" (1948-1994) لعزل السكان السود. أشهر هذه الأحياء هي سويتو (Soweto)، التي كانت مركزا للمقاومة ضد الأبارتايد وأنجبت زعيمين حائزين على نوبل للسلام، نيلسون مانديلا وديزموند توتو.
اليوم، وبعد ثلاثة عقود من الديمقراطية، لا تزال جوهانسبرغ تعاني من إرث هذا الفصل. فبينما تستعد المدينة لاستقبال قادة العالم، يكافح سكانها مع بنية تحتية متهالكة، وانقطاع متكرر للكهرباء والمياه، ومعدلات جريمة مرتفعة.
بلدية جوهانسبرغ تعاني من أزمة مالية حادة، حيث كشفت تحقيقات عن إنفاق غير قانوني بقيمة 23.6 مليار راند (أكثر من ربع الميزانية السنوية)، وتعاقب على رئاستها 10 عمداء منذ عام 2016، في مؤشر واضح على عدم الاستقرار والفساد.
في الأسابيع التي سبقت القمة، اضطر الرئيس رامافوزا للتدخل شخصيا وقيادة حملة تنظيف واسعة لإصلاح الطرق وإعادة طلاء الشوارع، في مشهد غير معتاد لرئيس دولة.
وفي 16 نوفمبر/تشرين الثاني، ظهر رامافوزا في شوارع جوهانسبرغ مرتديا قميصا أزرق، يشارك في إزالة القمامة وإصلاح الحفر، برفقة عمدة المدينة دادا موريرو وفريق طوارئ من العمال. هذه الحملة، التي وصفتها وسائل الإعلام المحلية بأنها محاولة لإنقاذ ماء الوجه، تسلط الضوء على التحدي الذي يواجه جنوب أفريقيا: كيف يمكنها أن تقود نقاشا عالميا حول المساواة والاستدامة، بينما لا تزال تكافح لتحقيق ذلك على أرضها؟ لكن رامافوزا، في تصريحاته الأخيرة، لم يتراجع عن طموحاته، بل أكد أن التحديات الداخلية لن تمنع جنوب أفريقيا من قيادة النقاش العالمي حول العدالة الاقتصادية.
أحد أهم الإنجازات التي تحققت قبل هذه القمة، ولا تحظى بالاهتمام الكافي، هو انضمام الاتحاد الأفريقي عضوا دائما إلى مجموعة العشرين في عام 2023. هذا القرار، اُتخذ في قمة نيودلهي بالهند، ويمثل تحولا تاريخيا في موازين القوى العالمية. فلأول مرة، تحصل القارة الأفريقية، التي يبلغ عدد سكانها 1.4 مليار نسمة ويتوقع أن يتضاعف بحلول 2050، على مقعد دائم في أهم منتدى اقتصادي عالمي.
إعلانلكن الانضمام وحده لا يكفي، فالتحدي الحقيقي هو تحويل هذا المقعد إلى نفوذ حقيقي. تسعى جنوب أفريقيا، بصفتها المضيف الأفريقي الأول، إلى تحقيق هذا الهدف بتنسيق مواقفها مع الاتحاد الأفريقي ودول أفريقية أخرى مثل نيجيريا ومصر. الرهان هو أن تتمكن أفريقيا من التحدث بصوت واحد، بدلا من أن تكون مجرد متفرج على نقاشات تحدد مستقبلها الاقتصادي.
القضايا التي تطرحها جنوب أفريقيا ليست أفريقية فقط، بل تمس كل دول الجنوب العالمي. فمشكلة الديون المرتفعة تعاني منها دول عربية مثل مصر ولبنان والسودان، ومشكلة عدم المساواة تتفاقم في أميركا اللاتينية وآسيا.
لذلك، تحاول جنوب أفريقيا بناء تحالف واسع من الدول النامية لمواجهة ما تعتبره نظاما اقتصاديا عالميا غير عادل. هذا التحالف يشمل دول بريكس (البرازيل، روسيا، الهند، الصين، جنوب أفريقيا)، لكنه يمتد أيضا إلى دول أخرى تشعر بالإحباط من هيمنة الغرب على المؤسسات المالية الدولية مثل البنك الدولي وصندوق النقد الدولي.
#ترمب يعلن مقاطعة قمة العشرين ويمنع مشاركة أي مسؤول حكومي أمريكي في اجتماعاتها.. فهل نحن أمام بوادر أزمة جديدة بين واشنطن وبريتوريا؟#الجزيرة_رقمي pic.twitter.com/XUDWBbnF7f
— قناة الجزيرة (@AJArabic) November 9, 2025
مستقبل القمة في عالم منقسممع غياب قادة القوى العظمى، تدخل قمة جوهانسبرغ منطقة مجهولة، ويرى بعضهم أن هذا الغياب يفرغ القمة من محتواها ويجعلها مجرد حدث بروتوكولي، فبدون حضور الرئيسين الأميركي والصيني، من الصعب التوصل إلى أي اتفاقيات جوهرية في القضايا الكبرى، مثل التجارة أو تغير المناخ.
لكنّ آخرين يرون في هذا الغياب فرصة تاريخية، فلأول مرة، ستتاح لدول الجنوب العالمي، بقيادة جنوب أفريقيا والبرازيل والهند، فرصة لتوحيد صفوفها وتمرير أجندتها دون اعتراض "فيتو" أميركي أو صيني. قد تكون هذه القمة أقل انقساما وأكثر تركيزا على قضايا التنمية، مثل إصلاح البنوك الدولية، ومعالجة أزمة الديون، والاستثمار في البنية التحتية في أفريقيا.
القمة ستشهد أيضا حضور قادة مهمين آخرين، مثل الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، والمستشار الألماني أولاف شولتس، ورئيس الوزراء البريطاني كير ستارمر، ورئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي، والرئيس البرازيلي لويس إيناسيو لولا دا سيلفا. هؤلاء القادة سيكون لهم دور حاسم في تحديد ما إذا كانت القمة ستنجح في تمرير إصلاحات حقيقية، أم أنها ستكتفي ببيانات عامة ووعود غير ملزمة.
المفارقة الكبرى هي أن الولايات المتحدة ستتسلم رئاسة مجموعة العشرين لعام 2026 من جنوب أفريقيا، وهذا يعني أن الرئيس رامافوزا سيسلم المطرقة الرئاسية رمزيا إلى "كرسي فارغ"، في مشهد سريالي يلخص حالة الاستقطاب التي وصل إليها العالم.
هذا المشهد لن يكون مجرد لحظة رمزية، بل سيكون رسالة واضحة من جنوب أفريقيا إلى العالم: التعددية لا تعني الضعف، بل تعني البحث عن نظام عالمي أكثر عدلا وشمولا.
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: دراسات شفافية غوث حريات الولایات المتحدة الاتحاد الأفریقی مجموعة العشرین جنوب أفریقیا عدم المساواة هذه القمة فی هذا
إقرأ أيضاً:
تحقيقات تطال منظمة سيّرت رحلات مشبوهة من غزة إلى جنوب أفريقيا
#سواليف
فتحت جهات تحقيق دولية ملف #منظمة تُدعى ” #المجد_أوروبا ” بعد تنظيمها #رحلات_جوية من قطاع #غزة إلى #جنوب_أفريقيا، وسط شبهات تتعلق بالاتجار بالبشر تحت غطاء العمل الإنساني، حسب تقرير مصور بثته قناة الجزيرة الإنجليزية.
وكشف التقرير عن تفاصيل مثيرة للقلق بشأن هذه الجهة التي قدّمت نفسها كمنظمة إنسانية، بينما تشير الدلائل إلى نشاطات غير قانونية.
وحسب التحقيق، فقد نظّمت “المجد أوروبا” في 13 نوفمبر/تشرين الثاني #رحلة_جوية لنقل 153 فلسطينيا من #غزة إلى مدينة جوهانسبرغ بجنوب أفريقيا، في وقت يعاني فيه القطاع من حصار خانق وظروف إنسانية متدهورة، وكانت هذه هي الطائرة الثانية التي تحمل أشخاصا من غزة إلى جنوب أفريقيا في غضون أسبوعين.
مقالات ذات صلةويقول رئيس جنوب أفريقيا سيريل رامافوزا في التقرير إن “أمته فوجئت بالرحلة”، وأضاف أن “هؤلاء أناس من غزة، تم وضعهم بطريقة ما غامضة على متن طائرة، عبرت نيروبي وأتت إلى هنا، وسمعت بشأنها من وزير الداخلية”.
وتابع أن الوزير “أراد معرفة ما الذي علينا فعله الآن، فقلت له لا يمكننا إعادتهم، حتى وهم لا يملكون الوثائق والأوراق الضرورية، فهم جاؤوا من بلد مزقته الصراعات والحرب، ومن باب الرحمة والتعاطف يجب أن نستقبلهم”.
وقال ركاب -وفقا للتقرير- إن الطائرة أقلعت من إسرائيل بعدما تم نقلهم إليها من غزة، مشيرين إلى أنهم تقدموا بالطلبات عن طريق الإنترنت، ودفع كل واحد منهم 5 آلاف دولار.
وأظهر التحقيق أن المنظمة تعتمد على موقع إلكتروني مسجّل في آيسلندا، وتعرض عليه ما تسميه “الإجلاء الإنساني” للمدنيين، لكن الجهات الرقابية في جنوب أفريقيا بدأت في طرح تساؤلات حول طبيعة هذه العمليات وتمويلها والجهات التي تقف خلفها بعد عدد من الأمور المثيرة للشك.
ويوضح التحقيق أن هذه المنظمة تقبل التبرعات عبر العملات الرقمية فقط ما يعقد تتبع مصادر تمويلها، كما أن الصور المنشورة على الموقع لأشخاص يُفترض أنهم مديرون تنفيذيون تبيّن لاحقا أنها مُنتجة باستخدام الذكاء الاصطناعي، ما أثار شكوكا إضافية حول مصداقية المنظمة.
ولم ترد المنظمة المزعومة على طلبات التعليق رغم محاولات التواصل معها، ما عزز الغموض المحيط بها.
ويشير التقرير إلى أن التحقيقات تتركز حاليا على ما إذا كانت هذه الرحلات قد استُخدمت لنقل أشخاص بطرق غير قانونية، مستغلّة حالة الطوارئ الإنسانية في غزة.
كما سلط التحقيق الضوء على التحديات التي تواجهها الجهات الرقابية في التعامل مع منظمات تنشط في مناطق النزاع، خاصة عندما تستخدم أدوات رقمية متقدمة مثل الذكاء الاصطناعي والعملات المشفّرة، حيث يمكن استخدام هذه التقنيات كوسائل للتمويه والاحتيال ما يستدعي تعزيز آليات التدقيق والمساءلة.
ويأتي هذا الملف في وقت تتزايد فيه المخاوف من استغلال الأزمات الإنسانية لأغراض مشبوهة وسط غياب رقابة دولية فعّالة على بعض الجهات التي تعمل تحت مظلة العمل الإغاثي.
ويطرح التقرير تساؤلات جوهرية حول مسؤولية الدول والمنظمات عن ضمان أن تكون المساعدات الإنسانية فعلا في خدمة المحتاجين، لا وسيلة للتهريب أو الاتجار بالبشر.