جريدة الرؤية العمانية:
2025-11-18@18:07:59 GMT

أهوال غزة لا تنتهي

تاريخ النشر: 18th, November 2025 GMT

أهوال غزة لا تنتهي

 

 

صبحي حسن

 

من يظن أنَّ الأمر قد انتهى في غزة بعد أن أُوقفت الحرب فهو واهم، أقول أُوقفت لأنَّها كانت بالإكراه لا لأنَّ الطغيان أفاق إلى رشده، لا والله، ولكن لحاجة في نفس أمريكا والصهاينة ومن يتمسح بهم. ليست الإنسانية الباعث إلى وقف الحرب أبدا، ولا لرحمة أو تأنيب ضمير نزل عليهم، الإبادة في غزة لا زالت مستمرة، بعد أن فشل العدو في تحقيق أغراضه.

ولكن من يظن أن هذا الشعب فوق البشرية في احتماله وصموده، ويستطيع أن يصمد أكثر طالما سكتت أصوات الطائرات والدبابات والقنابل، يعيش النرجسية. الشعب الفلسطيني بشر مثلنا يتألم ويتوجع ويصرخ مثلنا تماما، عاش الويلات والحروب والمجاعة، وفي بدايات وقف القتال يريد شعب غزة أبسط حقوق العيش ريثما تتم معالجة بقية الأمور.

هذا الشعب لا يريد أن تفتح له مطاعم فاخرة وبوفيهات تقدم له خدمة الطعام وهو جالس على طاولة، يكفيه ما يسد به جوعه وجوع أطفاله وهزاله بعد طول معاناة.. هذا الشعب لا يريد أن يشرب قهوة مرفهة من الماركات العالمية بأكواب جميلة، يكفيه كوب صدئ به ماء وقليل من أوراق الشاي.

هذا الشعب لا يطالب أن يتم معالجته في "مايوكلينك" أو في أحد مستشفيات تايلند، فقط ادخلوا له المساعدات الطبية وسيتكفل أبناؤه من الأطباء الأكفاء بمعالجته بإمكانياتهم المتواضعة، وافتحوا له المعابر لإيصال الحالات الحرجة إلى أقرب مستشفيات الدول المجاورة لمعالجته.

هذا الشعب لا يطلب سيارات فارهة تنقله من مكان إلى مكان في غزة لقضاء حوائجه، فهو يقطع المسافات من نقطة إلى أخرى مشيا على الأقدام رغم الجراح والألم والأثقال والحمولات التي يحملها على ظهره ليوصلها إلى أهله وجيرانه وهو مرهق منهك، يكفيه دابة تجر عربة أو سيارة متهالكة. رأيت مشهدا لرجل مع ابنته ذاهبان للتسوق مشياً على الأقدام رغم المسافة الطويلة التي قطعوها من مخيمهم الذي يعيشون فيه، تمزق حذاء ابنته من كثرة المشي وبدأت تبكي لصعوبة المشي على طرقات مغبرة مليئة بالحجارة من بقايا مخلفات قصف البنايات والمنازل المتناثر على الطرقات، والطين الذي تكون نتيجة لهطول الأمطار مؤخرا، مما اضطر الأب إلى أن يشترى لها حذاءً جديدا عاديا يباع عندنا بريال عُماني واحد ويباع هناك بأضعاف ثمنه على قلة ذات اليد.

هذا الشعب لا يريد أن تُبنى له قصور أو فلل ليسكن فيها مع أطفاله الذين يعيلهم ليحتمي من برد الشتاء وأمطاره والرياح العاتية، تكفيه خيمة تصمد أمام الأنواء الجوية القارسة بدلاً من الخيمة المهترئة التي تتراقص مع الرياح ويتراقص معها أولاده الصغار من شدة البرد. أهذا كثير عليهم وثقيل مُغرم علينا؟

شاهدوا مقاطع الفيديو التي يرسلها الكثير من أفراد هذا الشعب العزيز عن معاناتهم اليومية يستضيفونكم فيها مباشرة مع أسرهم في خيمهم وكأنكم تعيشون معهم، واحكموا بأنفسكم عليهم. اسمعوا إلى مناشداتهم التي تقطع القلوب وهي موجهة إلينا يطلبون مساعدتنا كإخوة وأشقاء. أتدرون في مقابل ماذا؟ دعواتهم لكم من قلوبهم ومن أرض غزة، وسط البنايات المهدمة وخيمهم المهترئة وأطفالهم يدعون لكم أيضاً. أي عز وشرف هذا؟!

لماذا سكتت الأصوات والأقلام عن الخوض في معاناة أهل غزة بمجرد الإعلان عن وقف الحرب؟ ماذا نريد منهم أن يقدموا أكثر مما قدموا لكي يحركوا ضمائرنا ومسؤوليتنا تجاههم؟ أرواحهم وأرواح أطفالهم وأهليهم وعشيرتهم قدموها، هي أثمن ما يملكه الإنسان في هذا الوجود. بيتوهم دمرت وهدمت، بنيتهم التحتية أصبحت من الماضي، لا كهرباء ولا ماء، معيشتهم اليومية بالكاد يستطيعون توفيرها. تُرى ماذا بعد لم يقدموا لكي نقول لهم قدموا هذا ونساعدكم ونسرع إلى نجدتكم؟

وقد أعلنت منظمة الصحة العالمية أن أكثر من 900 مريض توفوا في قطاع غزة نتيجة تأخر عمليات الإجلاء الطبي خارج القطاع، ولا يزال نحو 16500 مريضا ينتظرون الموافقة على سفرهم بينهم 4000 طفل يحتاجون إلى إجلاء عاجل. ودعا مدير عام منظمة الصحة العالمية تيدروس أدهانوم إلى فتح المعابر فورا والسماح بحرية الحركة الطبية والإنسانية من وإلى غزة في ظل الحصار والإغلاق المستمرين للمعابر التي تتفاقم فيها الكارثة الصحية.

وقال مستشار وكالة الأونروا عدنان أبو حسنة إن مئات الآلاف من الخيام مهددة في قطاع غزة مع سقوط الأمطار، موضحا أن الوكالة تمتلك مواد غذائية تكفي لثلاثة أشهر ومساعدات لإيواء مليون و400 ألف فلسطيني، إلّا أن الاحتلال يرفض إدخالها. وأضاف أن منسق الأمم المتحدة يتواصل مع الجانب الإسرائيلي للسماح بإدخال المساعدات دون جدوى.

أكد مدير عام مجمع الشفاء الطبي محمد أبو سليمة أن القطاع يعيش كارثة حقيقة منذ بدء المنخفض الجوي ولا توجد إمكانيات كافية للتعامل معه. وأضاف أن 60% من الأدوية الأساسية غير متوفرة في القطاع، فيما اختلطت المياه الملوثة بمياه الشرب مهددة بانتشار أمراض صحية، كاشفا أن المستشفيات تستقبل حالات لأمراض جلدية بسبب تراكم النفايات.

هذه إبادة جماعية بعينها، ولكن بطبعتها الفاخرة المستحدثة، ترى ماذا نحن فاعلون؟

المصدر: جريدة الرؤية العمانية

إقرأ أيضاً:

بين دعم خطة ترمب والاعتراض عليها .. تقسيم غزة أخطر السيناريوهات التي يخشاها الفلسطينيون

بين دعم خطة ترمب والاعتراض عليها .. تقسيم غزة أخطر السيناريوهات التي يخشاها الفلسطينيون

مقالات مشابهة

  • الإدارة والعدل تتابع ملف القضاء… ومداولات تنتهي بتعديلات أولية
  • بين دعم خطة ترمب والاعتراض عليها .. تقسيم غزة أخطر السيناريوهات التي يخشاها الفلسطينيون
  • الأردن يدين تصريحات بن غفير التحريضية التي تدعو إلى استهداف القيادة الفلسطينية
  • ما أبرز ملامح خطة ترامب التي أقرها مجلس الأمن بشأن غزة؟
  • التراث والسياحة تنتهي من ترميم عدد من الأماكن التاريخية والأثرية بشمال الشرقية
  • قصة حب تنتهي في محكمة الأسرة.. والسبب: فتاة أخرى و«أوردر شحن» بالغلط
  • ماذا يريد نتنياهو من القوة الدولية في غزة.. هيئة البث تكشف التفاصيل
  • نتنياهو يريد قوة دولية في غزة قادرة على مواجهة حماس بالقوة
  • عملية سطو في فرنسا تنتهي بسرقة مجوهرات تقدَّر بـ1.2 مليون دولار