“الأسبستوس”.. الموت الصامت يطارد الغزيين بين ركام بيوتهم
تاريخ النشر: 18th, November 2025 GMT
الثورة نت /..
في قلب الدمار بغزة، حين يتوقف القصف لا يتوقف الموت. فالصمت الذي يعقب الانفجارات ليس سلامًا، بل بداية فصلٍ آخر من الخطر… خطرٍ لا يُسمع، ولا يُرى، لكنه يدخل إلى الرئتين دون استئذان.
هنا، فوق كل حجر محطّم وتحت كل سقف متهشّم، يطفو غبارٌ رمادي يحمل في داخله سمًّا بطيئًا اسمه “الأسبستوس”؛ عدوّ لا يشبه الحرب في ضجيجها، لكنه يفوقها في بطشه، لأنه يقتل بصمت.
وبينما يهرع الناس نحو بيوتهم المهدّمة بحثًا عن ما تبقّى من ذكريات، لا يعلم كثيرون أن الهواء الذي يتنفسونه أخطر من الركام الذي يمشون فوقه. إنها حرب أخرى.. حربٌ معلّقة في الهواء.
بعد توقف القصف الأخير، عاد فارس الحويطي (42 عامًا) إلى منزله المنهار كليًا. لم يكن يتوقع أن يواجه خطرًا جديدًا لا صوت له ولا شكل.
يقول فارس لـوكالة سند للأنباء: “لما رجعت على داري كان المشهد زي زيارة قبر… كنت أزيح الحجارة بإيدي، والهواء نفسه كان عدونا وأنا مش داري.”
ثلاثة أيام قضاها فارس وأبناؤه في قلب الركام بلا كمامات ولا قفازات. وبعدها بدأت الأعراض: سعال جاف، ضيق في التنفس، وآلام في الصدر. لم يأخذ الأمر بجدية في البداية، لكن الفحوصات كشفت الحقيقة: الألياف التي استنشقوها ليست غبارًا عاديًا.. إنها ألياف الأسبستوس القاتلة.
فالأمم المتحدة تقدّر حجم الأنقاض في غزة بأكثر من 60 مليون طن، وتؤكد تقاريرها أن إزالة الركام قد تستغرق أكثر من 20 عامًا بتكلفة تتجاوز 1.2 مليار دولار.
ومع كل هذا الركام، يوجد عدد كبير من الأطنان من ألواح الأسبستوس التي تفككت بفعل الصواريخ، وتحولت إلى غبار خفيف يبقى عالقًا في الهواء ويرتفع بمجرد أن يدوس شخص على الحجارة.
وتؤكد منظمة الصحة العالمية أن جميع أنواع الأسبستوس مواد مسرطنة شديدة الخطورة، خصوصًا الكريسوتيل (الأسبستوس الأبيض) المنتشر في أسقف غزة الخفيفة.
استنشاق هذه الألياف قد يؤدي إلى أمراض تظهر بعد سنوات طويلة، مثل: التهابات صدرية متكررة، تليّف رئوي، سرطان الرئة، ورم المتوسطة، سرطان الحنجرة والمبيض.
ويحذّر أستاذ العلوم البيئية والبحرية في الجامعة الإسلامية بغزة، الدكتور عبد الفتاح عبد ربه، من أن تفجير المنازل جعل الأسبستوس يتفتت إلى ألياف دقيقة جدًا، تدخل الجهاز التنفسي دون أن يشعر بها أحد.
ويقول:”الخطر الآن معلّق في الهواء. غياب الفحوصات البيئية ومعدات الحماية يجعل الوضع أكثر خطورة مما نتصوره.”
ويحثّ الأهالي على عدم الاقتراب من الركام دون كمامات وملابس واقية، ووضع بقايا الأسبستوس في أكياس محكمة، وغسل اليدين والوجه جيدًا بعد مغادرة المكان.
لكن في ظل غياب الإمكانات، تبقى التحذيرات مجرد كلمات لا يستطيع كثيرون تطبيقها.
في غزة، لا تكفي النجاة من القصف لتكون حيًّا؛ فالهواء نفسه بات يحتاج إلى معركة ليُستعاد. الأسبستوس لا يطلق صفارات إنذار، ولا يترك دخانًا يتصاعد، لكنه يترك أثرًا أشدّ قسوة: رئاتٌ منهكة، وأمراض تتسلل على مهل، ومستقبلٌ مُعلّق بين الركام.
ومع انعدام المعدات وغياب الرقابة، يصبح كل بيت مهدّم قنبلة صحية موقوتة، وكل خطوة فوق الأنقاض مقامرة بالحياة.
ما تحتاجه غزة اليوم ليس فقط إعادة إعمار الحجر، بل حماية البشر من خطرٍ لا يمكن رؤيته، لكن يمكن — إن وجد العالم شجاعته — السيطرة عليه قبل أن يترك ندوبًا لا تُشفى.
المصدر: الثورة نت
إقرأ أيضاً:
ذعر في المدارس الأسترالية.. رمال ملوّنة تكشف "مفاجأة"
أغلقت عدة مدارس ومراكز للتعليم المبكر في إقليم العاصمة الأسترالية، الجمعة، عقب اكتشاف مادة الأسبستوس في الرمال الملوّنة المستخدمة في أنشطة الفن واللعب الحسي الخاصة بالأطفال.
كما أعلنت مدرسة في مدينة بريسبان إغلاقها احترازيا بعد الاشتباه في وجود تلوث مماثل. بحسب موقع "ميديكال إكسبريس" البريطاني.
وكانت هيئة "ووركسيف ACT" قد أصدرت، الخميس، إشعارا بالتلوث بعدما أكدت الاختبارات المخبرية وجود آثار من أسبستوس الكريسوتايل في منتج "Kadink Decorative Sand".
ويأتي ذلك بالتزامن مع إعلان لجنة المنافسة والمستهلك الأسترالية "ACCC" سحب 3 منتجات من الرمال الملوّنة بعد الاشتباه في احتوائها على نوع آخر من الأسبستوس هو "التريموليت".
وتشير السلطات إلى أن المنتجات الملوّثة صنعت في الصين وبيعت عبر عدة متاجر كبرى، من بينها Officeworks وWoolworths، خلال الفترة ما بين 2020 و2025.
ورغم محدودية المعلومات بشأن مدى انتشار التلوث، ترجّح الجهات المختصة أن المشكلة قد تكون مقتصرة على دفعة إنتاج واحدة.
وتوضّح الجهات الرقابية أن المخاطر الصحية الناجمة عن التعرض لهذه المواد منخفضة، خصوصا أن المستويات التي جرى اكتشافها تعد ضئيلة للغاية، إلا أنها شددت على ضرورة التعامل مع الأمر بجدية نظرًا لخطورة الأسبستوس في حال استنشاقه، حيث يسبب السرطان على مدى عقود.
وفي الوقت ذاته، قدمت السلطات إرشادات للتخلص الآمن من الرمال الملوّثة، داعية الأهالي إلى استخدام معدات الوقاية المناسبة ومنع تطاير الغبار عند التخلص من المواد، بالإضافة إلى تغليفها جيدًا ووضع ملصقات تحذيرية واضحة عليها.
ودعت الجهات الصحية أي أسرة تشعر بالقلق بشأن تعرض أطفالها للتلوث إلى مراجعة طبيبها العام لاتخاذ الخطوات اللازمة.
ما هو الأسبستوس؟
داء الأسبستوس هو مرض رئوي خطر يحدث بسبب استنشاق ألياف الأسبستوس بشكل متكرر، وعادة ما يتطوّر بعد سنوات عديدة من ملامسة المادة.
الأسبستوس هو معدن طبيعي يُستخدم على نطاق واسع في صناعة البناء وغيرها من المجالات بسبب صلابته ومقاومته للحرارة.
وتتطوّر أعراض داء الأسبستوس تدريجياً، وتظهر الأعراض الأولى عادةً بعد مرور ما يقرب من 15 إلى 20 عاماً من مراحله المبكرة.
وفي البداية يمكن أن يحدث ضيق تنفس عندما يكون الجسم واقعاً تحت ضغط، على سبيل المثال أثناء ممارسة الرياضة.
ومع مرور الوقت، يزداد ضيق التنفس، ومن الممكن أن يحدث أيضاً أثناء الراحة.
وفي كثير من الحالات يتطوّر إلى سعال جاف مزمن، والذي عادة ما يكون خالياً من المخاط.
وفي بعض الحالات يعاني المصاب أيضاً ألماً طاعناً أو ضغطاً في الصدر، ولا يمكن الشفاء من داء الأسبستوس، كما لا يوجد علاج محدد لهذا المرض.