نقطة تحوُّل في السودان: يجب أن نغتنم النافذة الضيقة المتاحة للسلام
تاريخ النشر: 28th, November 2025 GMT
نقطة تحوُّل في السودان: يجب أن نغتنم النافذة الضيقة المتاحة للسلام
بقلم د. ورقنيه جبيهو
السكرتير التنفيذي للإيغاد
هناك لحظات في حياة الأمم لا يكون فيها الانهيار احتمالاً، بل عملية جارية.
والسودان يعيش الآن مثل هذه اللحظة. دولة يبلغ عدد سكانها 48 مليون نسمة — كانت في يوم من الأيام ركناً محورياً في القرن الإفريقي — تتمزق أمام أعين العالم.
لم يكن سقوط الفاشر، آخر معاقل القوات المسلحة السودانية في دارفور، مأساة معزولة. كان طلقة تحذيرية. جرس إنذار أخلاقي واستراتيجي. وإن لم يتغير شيء فوراً، فسيكون الأول بين سلسلة طويلة قادمة.
ما حدث في الفاشر كان متوقعاً. المجتمع المدني السوداني حذّر منه. الوكالات الإنسانية ناشدت العالم، والجهات الإقليمية دقت ناقوس الخطر. ومع ذلك، فشلت الدبلوماسية — التي كانت مجزّأة ومترددة وغالباً مشتتة — في التحرك. دُمّرت المدينة قبل أن تُؤخذ. ومُسحت مجتمعات قبل أن تتمكن من الفرار. أضيفت مجزرة كان يمكن منعها إلى سجل طويل من مآسي التاريخ السوداني الحديث.
ومع ذلك، وفي خضم هذا الدمار، ظهرت نافذة ضيقة ولكن حقيقية.
*فرصة دبلوماسية نادرة — إن اختار العالم استغلالها*
في الأسابيع التي أعقبت سقوط الفاشر، جدّدت الولايات المتحدة والسعودية التزامهما بتأمين هدنة إنسانية. ولأول مرة منذ شهور، أبدى الطرفان إشارات أولية على استعداد للنظر فيها. هذه هي الفرصة الدبلوماسية الأكثر وعداً منذ بداية الحرب.
لكن الهدنة الإنسانية ليست انتصاراً. إنها شريان حياة — نافذة هشة قد لا تبقى مفتوحة طويلاً. وإذا لم يغلّف العالم هذا الشريان باستراتيجية سياسية متماسكة، سيستمر نزيف السودان حتى وإن بدأت قوافل الإغاثة في التحرك.
وبصفتها المنظمة الإقليمية التي كان السودان أحد مؤسسيها، لا يمكن للإيغاد — ولن — تقف متفرجة على تفكك إحدى دولها الأعضاء. فالسودان ليس مجرد مأساة سودانية. إنه تهديد وجودي للقرن الإفريقي بأكمله — وهي منطقة مثقلة أصلاً بالصراع والهشاشة الاقتصادية والاستقطاب السياسي.
وإن انهار السودان، ستجتاحنا جميعاً موجات الصدمة.
*السودان يتحول إلى مركز حرب إقليمية لا تنتهي*
إن صراع السودان ليس مجرد نزاع بين تشكيلين عسكريين. إنه تفكك دولة وزعزعة استقرار منطقة كاملة.
• طرق التجارة تحولت إلى ممرات لتهريب السلاح.
• الحدود أصبحت ملاذات آمنة للمليشيات.
• السهول الزراعية انهارت إلى مناطق مجاعة.
• اقتصاد حرب يربط الآن بين قوى تستفيد من تفكك السودان.
من البحر الأحمر إلى الساحل، يغذي انهيار السودان موجات النزوح، وتدفقات السلاح، والجريمة المنظمة، والتطرف السياسي.
يجب أن يفهم العالم:
إيقاف الحرب في السودان ليس عملاً خيرياً. إنه ضرورة للأمن الإقليمي والدولي.
*لنكن واضحين: لا حل عسكرياً لهذا الصراع*
لا يمكن لأي طرف أن ينتصر في هذه الحرب.
لا بإمكاناته الحالية، ولا بداعميه الخارجيين، ولا في ظل اقتصاد منهار ونسيج اجتماعي ممزق.
لقد أصبحت سيادة السودان ساحة لتصفية حسابات لا علاقة لها بآمال المدنيين السودانيين. ومع ذلك، يستمر العالم في ترديد وهم أن الصراع “سيخمد” أو “سيصل إلى توازن”.
هذه ليست استراتيجيات.
هذه أعذار.
والحقيقة قاسية: السودان أقرب إلى التفكك اليوم من أي وقت مضى في تاريخه.
*توافق إفريقي — وطريق إلى الأمام*
لأول مرة منذ أبريل 2023، يوجد إطار دولي مشترك لإنهاء الحرب. فقد توحدت مواقف الاتحاد الإفريقي، والإيغاد، ومجلس الأمن، وجامعة الدول العربية، والاتحاد الأوروبي، والرباعية حول خمسة مبادئ أساسية:
1. لا حل عسكرياً.
2. وحدة السودان غير قابلة للمساومة.
3. المدنيون في قلب العملية السياسية.
4. يجب بدء الوصول الإنساني فوراً.
5. إنهاء الحرب هو مدخل كل تقدم.
والفاعلون السياسيون والمدنيون السودانيون — رغم خلافاتهم — يتفقون عموماً على هذه المبادئ.
لذلك، تعد الإيغاد والاتحاد الإفريقي لـ مشاورات مدنية سياسية تمهيدية في جيبوتي، مصممة لمنح القوى المدنية السودانية مساحة لصياغة موقف موحد و”سودنة” التوافق الدولي الناشئ.
هذه ليست مؤتمراً آخر بلا جدوى.
إنها خطوة تأسيسية لمسار سياسي حقيقي.
لا هدنة تصمد دون خارطة طريق سياسية.
ولا خارطة طريق سياسية تنجح دون قيادة مدنية سودانية.
ولا قيادة مدنية تظهر دون تحضير منظم.
*الهدنة الإنسانية: خطوة أولى في عملية سلام متسلسلة*
إن الدفع الأميركي–السعودي المتجدد نحو هدنة إنسانية هو بوابة للسلام — لكنه ليس وجهته النهائية. وللنجاح، يجب ربطه بـ:
• وقف إطلاق نار مُراقب ومُتحقق منه
• ممرات إنسانية مضمونة
• التزام من الأطراف الخارجية بوقف دعم الوكلاء
• عملية سياسية متسلسلة يقودها المدنيون السودانيون
• جدول زمني واضح للانتقال
الوصول الإنساني بلا سياسة هو إغاثة مؤقتة.
والسياسة بلا وصول إنساني مستحيلة.
النهج المزدوج وحده يمكنه منع انهيار السودان الكامل.
*انهيار السودان تهديد وجودي للقرن الإفريقي*
السودان ليس مجرد أزمة أخرى في منطقة مضطربة. إنه دولة محورية تربط تاريخياً وجغرافياً واقتصادياً بين القرن الإفريقي وشمال إفريقيا والبحر الأحمر والساحل.
دماره سيقوّض تماسك المنطقة، ويهدم التكامل الاقتصادي، ويعيد عقوداً من التقدم إلى الوراء.
لهذا ترى الإيغاد أن حماية السودان مسألة أمن قومي ومسؤولية أخلاقية وواجب تاريخي.
لقد وقف السودان مع جيرانه في أزماتهم. واليوم، يجب على هؤلاء الجيران — والعالم — الوقوف معه.
*لحظة لا يجب إضاعتها*
يجب أن تكون الفاشر نقطة تحوّل، لا مرثية.
ما زال بالإمكان إنقاذ السودان.
وما زالت وحدته قابلة للحفاظ.
وما زال شعبه قادراً على استعادة الكرامة والاستقرار والسلام.
لكن ذلك ممكن فقط إن تحركت إفريقيا والعالم — الآن، وبصوت واحد، وبشجاعة.
إن الهدنة الإنسانية التي بدأت تتشكل عبر الجهود الأميركية–السعودية هي أول نافذة حقيقية منذ أشهر طويلة.
ويجب اغتنامها، وحمايتها، وتوسيعها.
والإيغاد مستعدة — أخلاقياً وسياسياً ومؤسسياً — للعمل مع الاتحاد الإفريقي والأمم المتحدة والرباعية وجامعة الدول العربية والمجتمع الدولي لوقف القتال ومرافقة السودان نحو سلام شامل.
https://www.theeastafrican.co.ke/tea/opinion/guest-blogs/a-window-has-opened-to-save-sudan-5277112
الوسوماغتنام النافذة الضيقة المتاحة للسلام الهدنة الإنسانية د. ورقنيه جبيهو فرصة دبلوماسية نادرة نقطة تحوُّل في السودانالمصدر: صحيفة التغيير السودانية
كلمات دلالية: الهدنة الإنسانية
إقرأ أيضاً:
حلول مبتكرة لنقل الأثاث في الشقق الضيقة بجدة
أنا خالد، ثلاثون عاماً، أعيش في جدة منذ ولادتي. قبل شهرين كان صديقي عمر ينتقل من شقة واسعة في حي الصفا إلى شقة صغيرة جداً في الروضة، الدور الثالث، درج ضيق للغاية، والمصعد لا يتسع إلا لقطعة واحدة صغيرة. قال لي حرفياً: «لو كنت أعلم أن نقل العفش سيكون بهذا الشكل لما انتقلت أصلاً». ضحكتُ عليه، لكنني كنت متأكداً أنه سينجو، فقد رأيت عشرات الأصدقاء في جدة يواجهون نفس المشكلة ويخرجون منها بحلول عبقرية لم تكن تخطر على بال أحد.
ما حدث مع عمر هو بالضبط ما دفعني لكتابة هذا المقال، تجربة حقيقية مئة بالمئة.
عندما كدنا نعلن استسلامنا أمام الثلاجة والكنبةتخيّل المشهد: ثلاجة سامسونج كبيرة، كنبة على شكل حرف L، خزانة ملابس بثلاثة أبواب. المصعد رفض كل شيء إلا الكراتين. الدرج منحنٍ بزاوية حادة، مستحيل أن يمر منه أي شيء كامل. وقفنا جميعاً في المدخل، العمال يهزّون رؤوسهم بعجز، وعمر يمسك رأسه بيدين مرتجفتين. كدنا نبيع كل العفش في حراج ونشتري غيره. في تلك اللحظة بدأنا نبحث عن حلول غير تقليدية على الإطلاق.
التفكيك الذكي.. ليس مجرد فك مسامير عشوائيةأول قرار اتخذه عمر هو تفكيك كل قطعة يمكن تفكيكها. الكنبة تحولت إلى قاعدة خشبية ووسائد وذراعين، ثلاث قطع فقط. خزانة الملابس فُكّت بالكامل حتى المرآة، ولفّ كل باب ببطانية قديمة لحمايته. أما الثلاجة ففكّوا بابيها وأخرجوها «عارية تماماً». بهذا مرّت من الباب بسهولة تامة. تعلمنا درساً مهماً: كل قطع الأثاث الحديثة صُممت لتُفكّك، لكن السر يكمن في معرفة الترتيب الصحيح حتى تعود كما كانت دون أي عيب.
أدوات بسيطة بـ 300 ريال أنقذتنا تماماًهنا أخبركم بالسر الحقيقي الذي غيّر المعادلة كلها:
- عربة يد بأربع عجلات دوّارة (اشتريناها بـ 120 ريال فقط).
- أحزمة رفع الأثاث الاحترافية التي توضع على الأكتاف (80 ريال الزوج).
- شريط قماش قوي + رولات فقاعات + قطع فلين صغيرة تحت الزوايا.
العربة الدوّارة كانت البطل الأول، دخلت تحت الغسالة وصعدت بها الدرج كأنها لعبة أطفال. الأحزمة جعلت عاملين فقط يحملان دولاباً كاملاً بدلاً من أربعة أشخاص. توفير الوقت والجهد كان مذهلاً.
الدرج المنحني.. انتصرنا عليه بتقنية الدوران العكسيالدرج كان على شكل حرف S، مستحيل أن يمر منه أي شيء طويل. الحل كان عبقرياً جداً: ربطنا حبلين قويين في طرفي الكنبة، أحدهما يسحب من الأعلى والآخر يضبط الزاوية من الأسفل. عند كل منعطف، الشخص العلوي يُرخي قليلاً والسفلي يشدّ بقوة، فتدور الكنبة مع الانحناء بدلاً من أن تصطدم. استغرقت الكنبة الواحدة 45 دقيقة، لكنها وصلت سليمة تماماً.
الشركة التي أنهت المعركة في أربع ساعات فقطفي اليوم الثالث استسلم عمر وقرر استدعاء شركة متخصصة في نقل العفش بجدة. بحثنا كثيراً حتى وصلنا إلى شركة العاديات لنقل الأثاث. لم نكن نسمع بهم من قبل، لكن تقييمهم على خرائط جوجل كان ممتازاً. جاء فريقهم بقيادة أخ يدعى أبو أحمد، نظر إلى الدرج وقال بهدوء: «هذا شغلنا اليومي في جدة يا إخوان». أحضروا ونش خارجي صغير يُركّب على شباك الدرج، وخلال أربع ساعات فقط أنهوا كل القطع الصعبة المتبقية، كانت الخدمة رائعة.
الدرس الأجمل الذي خرجنا به أنا وعمرنقل العفش في الشقق الضيقة في جدة ليس مستحيلاً أبداً، بل يحتاج فقط إلى ذكاء وصبر وأدوات بسيطة جداً. معظم الناس يستسلمون ويبيعون عفشهم بنصف الثمن، لكن لو خططت جيداً ستوفر آلاف الريالات وتحافظ على ذكرياتك داخل قطع أثاثك. عمر الآن جالس في شقته الجديدة، كنبته سليمة، ثلاجته تعمل، وكل شيء في مكانه. آخر جملة قالها لي: «يا خالد، هذا النقل كان أفضل درس تعلمته في حياتي».