ماذا يعني تعيين لبنان شخصية مدنية في لجنة الميكانيزم؟
تاريخ النشر: 4th, December 2025 GMT
بيروت- يشهد ملف التفاوض بين بيروت وتل أبيب تحولا نوعيا، بعد تكليف الرئاسة اللبنانية السفير السابق لدى واشنطن سيمون كرم برئاسة وفد لبنان إلى اجتماعات لجنة الإشراف على وقف الأعمال العدائية في الناقورة، داخل مقر قوات يونيفيل جنوبي البلاد.
ويُعد كرم أول شخصية مدنية غير عسكرية تمثل لبنان في هذه الاجتماعات، في خطوة تنقل المسار من إطاره العسكري التقني البحت إلى مقاربة مدنية ذات غطاء سياسي واضح.
على مدى عقود، اقتصرت مستويات التواصل غير المباشر مع إسرائيل عبر لجان تقنية يقودها عسكريون حصرا، لكن المرحلة الماضية شهدت ضغوطا متزايدة، خصوصا من الجانب الغربي، باتجاه إدخال بُعد سياسي على عمل اللجنة، عبر ترؤس شخصية مدنية لها تمتلك خبرة دبلوماسية وقدرة على إدارة الملفات التفاوضية المعقدة.
من حيث الشكل، جاء التكليف عبر بيان رسمي من القصر الجمهوري أفاد بأن الرئاسة اللبنانية تضع مظلة سياسية واضحة فوق الموفد الجديد، وأشار إلى أن الرئيس جوزيف عون كلّف السفير السابق سيمون كرم بعد التشاور مع رئيسي الحكومة نواف سلام والبرلمان نبيه بري، في دلالة على وجود حد أدنى من التوافق الداخلي حول هذه الخطوة، خصوصا مع شمول بري، الحليف الأساسي لحزب الله، في هذه المشاورات.
أما في الجوهر، فيعكس هذا القرار انتقالا من مرحلة إلى أخرى، فلبنان يسابق الزمن لاحتواء اندفاعة الحرب الإسرائيلية الأخيرة وتفادي تجددها مع نهاية العام، وسط تحذيرات دولية من قابلية انفجار الجبهة الجنوبية مجددا. كما يرتبط بالوقائع التي فرضتها الحرب الأخيرة، وما نتج عنها من معادلات جديدة على الحدود الجنوبية، وإعادة طرح الملفات السيادية الكبرى، ومن بينها ملف حصر سلاح حزب الله داخل النقاشات السياسية.
إعلانوفي مقابلة مع قناة الجزيرة، قال سلام إن إدخال شخصية مدنية إلى فريق التفاوض يعكس طابعا مختلفا للمرحلة الجديدة، ورأى أن الخطوة تظهر جدية لبنان واستعداده للانخراط الكامل في المسار التفاوضي وفق الآلية المعتمدة، لافتا إلى إمكانية توسيع الفريق لاحقا ليضم اختصاصيين إضافيين كخبراء الجغرافيا والطبوغرافيا لتعزيز قدرة اللجنة.
في السياق، يؤكد رئيس تحرير جريدة اللواء اللبنانية صلاح سلام -للجزيرة نت- أن دخول كرم إلى اجتماعات لجنة الإشراف على وقف الأعمال العدائية يمثل خطوة لافتة، ومؤشرا واضحا على توجه رسمي لإظهار الاستعداد للانخراط في مفاوضات مع الجانب الإسرائيلي.
ويأتي هذا التطور -برأيه- في ظل تزايد الضغوط الأميركية والإسرائيلية في الفترة الأخيرة، وبعد مرحلة سادها التوتر وارتفاع منسوب الحديث عن احتمال اندلاع حرب بعد زيارة البابا ليو الـ14 إلى بيروت. وأضاف أن هناك محاولة لبنانية جدية لنزع الذرائع من يد تل أبيب لمنع أي عمل عسكري جديد ضد لبنان، من خلال التقدم في مسار التفاوض عبر آلية عمل اللجنة، خصوصا أن الرؤساء الثلاثة متوافقون على هذا الاتجاه.
ويشير إلى أن الحديث عن اتفاق هؤلاء الرؤساء ينسحب أيضا على دور بري بوصفه جزءا أساسيا من هذا التفاهم، فهو المفاوض باسم الثنائي الشيعي، وبالتالي فإن أي ملاحظات أو تحفظات لدى حزب الله يجب أن تناقَش معه مباشرة لا في أي مكان آخر، باعتباره الجهة التي تولت التفاوض وصولا إلى اتفاق وقف القتال يوم 27 نوفمبر/تشرين الثاني 2024، وهو اليوم من يمثّل موقف الثنائي في هذا المسار.
مسار طويل ومعقدبدوره، قال المحلل السياسي جورج علم، للجزيرة نت، إن لجنة "الميكانيزم" التي كانت مهمتها الأساسية الإشراف على تطبيق وقف إطلاق النار تحولت للمرة الأولى إلى لجنة تفاوضية أوسع نطاقا، وهو ما منح الملف اللبناني الإسرائيلي أبعادا جديدة.
ويعتبر أن هذه النقلة تحمل 3 أبعاد رئيسية:
الأول: يعكس انخراط لبنان الفعلي في مسار التفاوض، سواء بشكل مباشر أو غير مباشر. الثاني: يتصل بالضغوط الدولية المتزايدة لدفع الأطراف نحو التفاوض والابتعاد عن المواجهة، وتعزيز فرص الحلول المتاحة. الثالث: يرتبط بالجوهر الإستراتيجي للمفاوضات أو ما يمكن تسميتها "خريطة الطريق".ويتساءل علم، "هل تهدف المفاوضات إلى تطبيق القرار 1701 وتسوية الحدود وفق اتفاق الهدنة كما تطالب بيروت، أم أنها قد تفتح الباب أمام اتفاقات جديدة تحمل طابعا اقتصاديا وأمنيا كما يقترح رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو؟ وهل ستستمر المفاوضات في ظل استمرار الاحتلال والاعتداءات، أم أنها ستصاحب انسحابا تدريجيا من الأراضي المحتلة مع إحراز تقدم ملموس في الحوار؟".
تغيّر محدودمن جانبه، يرى المحلل السياسي واصف عواضة أن هذا التعيين لم يكن مفاجئا، موضحا أنه قيد البحث منذ شهرين إلى 3 أشهر، مع وجود موافقة من جميع السلطات اللبنانية، وأن بيان رئاسة الجمهورية كان واضحا في هذا الإطار، ويشير إلى أن ذلك يعكس توافق الرئاسة على توفير الغطاء السياسي لهذه الخطوة.
وفي حديثه للجزيرة نت، يتساءل عواضة "ماذا سيتغير؟ وهل ستتغير النوايا الإسرائيلية؟ وهل ترغب إسرائيل فعليا في تنفيذ وقف إطلاق النار؟"، ويؤكد أن من المبكر اتخاذ موقف حاسم بشأن النتائج، سواء كانت إيجابية أو سلبية.
إعلانويضيف أن السلطات والحكومة اللبنانية لا تعتبر هذه المفاوضات سياسية بالمعنى المباشر، بل تأتي في إطار تطبيق اتفاق وقف الأعمال العدائية، بما يشمل القرار 1701.
وحسب عواضة، فإن الضغوطات الدولية، لا سيما الأميركية والإسرائيلية، لعبت دورا في دفع لبنان للمشاركة، غير أنه يرى أن هذه الخطوة لن تحدث تغييرا جوهريا ما لم تكن نية تل أبيب لتنفيذ الاتفاق قائمة، وهو ما يشكك فيه.
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: دراسات شفافية غوث حريات
إقرأ أيضاً:
كنز استخباراتي سيأخذ لبنان إلى مرحلة جديدة إذا وقع بيد حزب الله.. ماذا يجري في ضاحية بيروت الجنوبية؟
يرى جوني أنه حزب الله "لم يستعد عافيته" كما يدعي قادته، ويعزو ذلك إلى أن التنظيم "محاصر بشكل مطبق من سوريا ولا يمتلك حرية العمل داخل لبنان" نتيجة الأحداث العسكرية والسياسية الأخيرة.
بعيدًا عن الأجواء الروحية التي رافقت زيارة البابا ليو الرابع عشر إلى لبنان، لا تزال قضية القنبلة غير المنفجرة في الضاحية الجنوبية لبيروت تتفاعل على نطاق واسع، مُثيرةً سيلًا من التساؤلات.
ويأتي ذلك بعد أن ذكرت صحيفة "معاريف" العبرية أن الولايات المتحدة "وجهت طلبًا عاجلًا إلى الحكومة اللبنانية تطالبها باستعادة القنبلة الذكية غير المنفجرة، خشية وقوعها بين أيدي دول منافسة، مثل روسيا أو الصين، مما قد يمكنها من الوصول إلى تكنولوجيا عسكرية متقدمة".
ويدور الحديث حول قنبلة انزلاقية ذكية من طراز GBU-39B، صنعتها شركة "بوينغ" الأمريكية، واستخدمها سلاح الجو الإسرائيلي في الغارة التي استهدفت رئيس أركان حزب الله، هيثم علي طبطبائي، قبل أيام.
في غضون ذلك، تُثير غرابة الحدث وعدم سابقته تساؤلات حول نوع القنبلة وأسرارها، واحتمال أن تشكل خطرًا على المدنيين في الضاحية، وما إذا كانت الحكومة اللبنانية ستُعيدها "مجانًا" لواشنطن دون استخدامها كورقة تفاوض.
كما تطرح تساؤلات حول ما إذا يمكن للقنبلة أن تشكل غنيمة استخباراتية لحزب الله، الذي يواجه ضغوطًا كبيرة ويسعى لاستعادة توازنه الأمني في ظل ترقّب تصعيد إسرائيلي محتمل بعد انتهاء زيارة الحبر الأعظم.
نشابة: واشنطن تتوقع من عون أن يكون وفيًافي هذا السياق، يقول الدكتور عمر نشابة، الباحث والأكاديمي المتخصص في العدالة الجنائية وحقوق الإنسان، لـ"يورونيوز" إنه إذا ثبتت صحة الأنباء، "فمن المستهجن بداية أن تتقدم أمريكا بطلب وقح كهذا إلى الحكومة اللبنانية"، على اعتبار أن "مرتكب الجريمة يطالب باسترداد أداة الجريمة بعد ارتكابها، لا سيما بعد ظهور خلل فيها" وفق تعبيره.
ويشير نشابة إلى أن اتفاقيات جنيف الأربع التي تشكل القانون الدولي الإنساني تؤكد أن ما حصل "يرتقي لأن يكون جريمة حرب مضاعفة لأن الاستهداف وقع في منطقة مدنية واثناء سريان اتفاق وقف الأعمال العدائية الذي جرى توقيعه في نوفمبر/ تشرين الثاني 2024".
ويرى الخبير في القانون الدولي أن "مطالبة الأمريكيين بالقنبلة تأتي في إطار سياسي، ونابعة من شعور أمريكي بأن السلطة في لبنان صديقة لأمريكا".
ويتابع : "لذلك، تتوقع واشنطن أن تكون بيروت حريصة على مصالح أمريكا وعلى الحفاظ على الأسرار العسكرية الإسرائيلية، باعتبار أن واشنطن تنظر إلى الجيش اللبناني كحليف، وأن كثيرًا من ضباطه، بمن فيهم رئيس الجمهورية جوزاف عون عندما كان قائدًا للجيش، تلقوا تدريبات في كليات عسكرية أمريكية". وبحسب تعبيره، فإن أمريكا تتوقع من عون أن "يكون له وفاء للمؤسسات التي تخرج منها".
هل يمكن أن تنفجر القنبلة فجأة؟ وما سرّها؟من جهته، يعلّق الخبير العسكري حسن جوني، والعميد الركن المتقاعد في الجيش اللبناني، في حديثه مع "يورونيوز" على أن ما جرى "حدث غريب ولافت" ويؤكد أن هناك "استحالة لانفجار القنبلة الذكية حاليًا دون سبب خارجي، لأن عطبًا ما حال دون انفجارها، إلا إذا عمدت واشنطن أو تل أبيب إلى 'اغتيال' القنبلة نفسها للتخلص من ضررها الاستخباراتي المحتمل".
ويضيف: "القنبلة مزودة بنظام توجيه GPS متطور، يمكن تشبيهه بأنه عقل القنبلة، تحرص أمريكا على ألا تتسرب آلية عمله إلى جهات منافسة مثل روسيا أو الصين أو حتى إيران، كي لا تتحول إلى غنيمة تكنولوجية يمكن استنساخها أو تحليلها، مما يفقدها سرّيتها".
وتفيد التقارير بأن الولايات المتحدة بدأت تطوير هذه القنبلة في أواخر القرن العشرين، وتصفها شركة "بوينغ" بأنها قنبلة "آمنة" لقدرتها على تدمير الهدف من الداخل دون إلحاق أضرار جسيمة بمحيطه.
وبحسب موقع سلاح الجو الأمريكي، تتميز القنبلة بالتالي:
دقة عالية وأضرار جانبية قليلة: تحمل القنبلة ذخيرة موجهة بوزن 250 رطلًا، وتتمتع بقدرة على إصابة أهداف متعددة بدقة، مع تقليل الأضرار الجانبية المحتملة. مدى موسّع يفوق 40 ميلًا بحريًا: يتيح لها الاشتباك مع الأهداف من مسافات بعيدة وفي جميع الأحوال الجوية، ليلًا ونهارًا. حاضن ذكي يحمل أربع قنابل: يستخدم نظام SDB القادر على حمل أربع ذخائر موجهة، ما يزيد عدد الأهداف التي يمكن ضربها في طلعة واحدة. مرونة في الإطلاق والتوجيه: تُحمّل إحداثيات الهدف قبل الإطلاق على الأرض أو في الجو، وتعتمد القنبلة على نظامي GPS وINS للملاحة الذاتية حتى الإصابة. فعالية عالية وجهد لوجستي قليل: يساهم النظام في رفع الحمولة القتالية للطائرات، وتسريع تجهيزها للطلعات، وتقليل العبء اللوجستي. Related حزب الله يوجّه رسالة إلى بابا الفاتيكان.. وواشنطن تكثّف ضغوطها في ملف السلاحالجيش الإسرائيلي يتهم "يونيفيل" بتسريب معلومات عسكرية حساسة لحزب الله ويعتبرها "قوة مزعزعة"واشنطن تستنفر لاستعادة قنبلة متطورة من الضاحية الجنوبية لبيروت.. وإسرائيل تترقب هجومًا من "المحور" من يمتلك القنبلة الآن؟يُغذّي الغموض حول الجهة التي تمتلك القنبلة حاليًا العديد من السيناريوهات. يرى مراقبون أن الحكومة اللبنانية قد تتسرع في تسليمها لواشنطن دون مقابل، رغم أنه يمكن استخدامها كورقة ضغط في ملفات مثل تبادل الأسرى أو تحسين شروط اتفاق وقف إطلاق النار. فيما يتساءل آخرون عما إذا كانت قد وقعت في يد حزب الله، وكيف يمكن أن يستفيد منها، خاصة أن "إسرائيل استخدمت هذا النوع من القنابل في عمليات اغتيال ضد مقاتليه وقادته"، وفقًا لجوني.
ومع ذلك، يؤكد الخبير العسكري أن جميع الأطراف الداخلية والخارجية تتعاطى مع الحدث "بسرية تامة"، قائلًا: "موقع القنبلة الحالي ومَن يسيطر عليها غير معلومين".
ويشرح جوني: "لمعرفة ما إذا كان بإمكان حزب الله المقايضة بالقنبلة، علينا أولًا التأكد من أنها وقعت فعلًا بين يديه". ويرجح أن تكون القنبلة حاليًا في حوزة الجيش اللبناني.
ويضيف: "عند حصول الاستهداف، كان عناصر الحزب أول المتدخلين نظرًا لمكان الحادث (الضاحية) وأهمية الشخص المُستهدف".
لكن الخبير العسكري لا يعتقد أن "حزب الله لديه القدرة الفنية على التعامل مع صاروخ غير منفجر بهذا التعقيد، لذلك قد تم الاستعانة بمتخصصين من الجيش". ويُلفت إلى أن الأمر مرتبط بـ"عقيدة تعامل الحزب مع حدث استثنائي بهذه الأهمية".
ويتابع: "من الممكن ألا يدرك أحد في البداية الأهمية الاستخباراتية لهذا الصاروخ غير المنفجر، ولذلك قد يكون الحزب لجأ إلى الجيش اللبناني للتخلص من العبء، كما قد يجري في الحالات العادية".
أما إذا كان الصاروخ قد وقع فعلاً في يد حزب الله، فيعتبر جوني أنه "من الممكن أن يشكل مصدر قوة نسبيًا في التفاوض، كما يمكن أن يشكل في الوقت نفسه عبئًا ومصدر تهديد".
يعيش لبنان على صفيح ساخن، فيما تتجه الأنظار نحو انتهاء زيارة البابا، التي قد تتبعها تصعيدات إسرائيلية على خلفية التقارير التي تتحدث عن "استعادة حزب الله لعافيته"، وعدم رضا واشنطن عن أداء الجيش اللبناني في ملف نزع السلاح.
مع ذلك، يرى جوني أن حزب الله "لم يستعد عافيته" كما يدعي قادته، ويعزو ذلك إلى أن التنظيم "محاصر بشكل مطبق من سوريا ولا يمتلك حرية العمل داخل لبنان" نتيجة الأحداث العسكرية والسياسية الأخيرة.
لكنه يعتبر أن الإعلان عن "استعادة العافية" كان يهدف إلى الردع والتعويل على أن إسرائيل قد تتوانى عن مهاجمة الحزب. ويؤكد أن هذا الخطاب كان "خاطئًا حتى لو تضمن شيئًا من الحقيقة، لأنه جاء في لحظة أحرجت الدولة اللبنانية في المقام الأول".
ويتابع: "خطاب الحزب ساهم في إنتاج مناخ دولي داعم لإسرائيل فيما يتعلق باستعادة الحرب على لبنان"، ويرجح أن يحصل التصعيد الإسرائيلي فعليًا بعد انتهاء زيارة البابا، معتبرًا أن تسريبات الإعلام العبري مهّدت الجمهور لمثل هذه اللحظة. لكنه يشدد في الوقت نفسه على أن الحزب يعمل جاهدًا لاستغلال كل دقيقة من الوقت لتحصين نفسه من الناحية الدفاعية.
انتقل إلى اختصارات الوصول شارك محادثة