لا يكاد يوم يمضي بما فيه، ويأتي آخر حتى يذكر فيه اسم "الذكاء الاصطناعي"، ثم يتوالى الحديث عبر مشارب الأرض، وسرعان ما يصبح ككرة الثلج كلما تدحرجت في منحدراتها كبرت أكثر من السابق، فيصبح هذا المارد منتشرا ما بين ثنايا العالم، يتداوله الناس كعملة تحمل وجهين لا ثالث لهما.

هذا العلم دخل إلى حياة الناس بشغف المنتظرين عند أبوابه الكثيرة، لكنه سرعان ما أرعب البشر بوجه الشاحب، وأصبح جزءا من تحدي الشعوب لتعامل معه بحذر، لم يترك أرضا ولا سماء إلا وأسمع البشر، ففي قاعات المحاكم ينظر القضاة بشكل يومي في قضايا من نوع جديد: أشخاص يحاولون إثبات الحقائق التي لفها التزييف والخداع، فبعض الجناة استغلوا " الذكاء الاصطناعي لصالحهم سواء من أجل "التشهير أو بابتزاز" وإيقاع أكبر قدر ممكن من الضحايا، وكم من أشخاص تدمرت حياتهم بسبب تقنيات الذكاء الاصطناعي!

على مختلف الأصعدة بات هناك حراك عجيب تشهده الحياة منذ أن انتشر بيننا هذا العلم "القديم الجديد".

أصواتنا وحركاتنا وملامحنا أصبحت قابلة للفك والتركيب على هيئات مركبة بشكل متقن وعلى نماذج تحاكي شيئا آخر غير الواقع، وكأن الاستنساخ البشري أصبح متاحا بعد أن فشلت التجارب الماضية.

في الجانب الآخر انتشر الغش الإلكتروني بصورة صادمة. في الصحف هناك عشرات أو لنقل المئات من المقالات التي تم توليدها بالتقنية الحديثة على أنها فكر إنساني لكنها للأسف ما هي إلا أفكار معبأة في أدوات مصطنعة، واستسهل الناس الأشياء باستخدام الذكاء الاصطناعي في عمليات الإبهار وشد الانتباه للأشياء.

لقد أصبح المتلقي في حيرة من أمره ما بين "شك ويقين "؛ فسراب الذكاء الاصطناعي أصبح هو الحدّ الفاصل بين الحقيقة والزيف، وعليه أصبحنا لا نميز ما بين ما هو مكتوب أهو من لغة البشر أم تأليف إلكتروني. وازداد الخوف عند رؤية بعض المقاطع المصورة التي تحاكي الواقع، ولكنها لا تمت إلى الواقع بصلة. وكم أصبنا برعب الأصوات التي تأتينا من داخل هواتفنا كتظليل آخر لصوت يشبه بعض الراحلين عن عالمنا منذ زمن.

إذا كان الذكاء الاصطناعي له إيجابيات كثيرة فلماذا يلتفت الناس إلى الجانب المظلم منه؟ وهذا الأمر يذكرنا بـ"الإنترنت" فما بين مجال حيوي ونابض بالحياة والخير، ومكان آخر مؤذ للإنسان ومدمر لكل شيء ذي قيمة أخلاقية أو إنسانية.

أحد الأكاديميين حدثني بأن بعض الأعمال الطلابية التي يكلف بها تلامذته يكتشف أن كثيرا منها استوحي كاملا من الذكاء الاصطناعي. أحد الكتاب تحدث طويلا عن المقالات التي تنشر في بعض المنابر الإعلامية مستوحاة من الذكاء الاصطناعي، وهي للأسف يدفع لها مبالغ مالية نظير هذا النشر!

إن ظهور هذه النماذج السلبية تجعلنا نتشكك كثيرا فيما نراه أو نسمعه أو نقرأ عنه. لقد ارتكب المخربون جرائم ضد إنسانيتنا المعهودة؛ فهناك من سعى إلى تشويه سمعة البشر، والنيل من كرامة الإنسان باستخدامه نوعا من أنواع الذكاء الاصطناعي فيما أصبحت عمليات التزوير مزدهرة عالميا، وعمليات والقرصنة تتم بشكل روتيني عبر استخدام أدوات الذكاء الاصطناعي، وتحقق مآربها وتخلف خسائر مالية كبيرة.

أصبح العالم في حالة " اضطراب نفسي"، ومن المفارقات التي بات الحذر منها واجبا هو عدم تصديق أي شيئا يصل إلى هاتفك أو حاسوبك الشخصي؛ لأن الكثير من الأشياء المرسلة "مزيفة" و تم إخضاعها إلى عمليات مبرمجة ومعالجة تقنية حديثة ذات احترافية عالية. الآن أصبحت الأشياء ليست حقيقية كما ينبغي لها أن تكون، وإنما عبارة عن تظليل مصطنع وخداع محكم؛ فهل أصبح بعد كل تلك الأشياء الوثوق بالذكاء الاصطناعي آمنا؟!

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: الذکاء الاصطناعی ما بین

إقرأ أيضاً:

جوجل تختبر عناوين ومُلخصات الذكاء الاصطناعي في Discover

في خطوة جديدة تظهر مدى تغلغل الذكاء الاصطناعي في خدمات جوجل اليومية، بدأت الشركة باختبار معالجة المقالات باستخدام الذكاء الاصطناعي داخل منصة Discover، مما أثار جدلًا بين الناشرين والخبراء حول دقة المعلومات ودور جوجل كوسيط إعلامي. 

لاحظ موقع The Verge أن بعض المقالات المعروضة لمستخدمي Discover تحمل عناوين رئيسية مولدة بالذكاء الاصطناعي تختلف عن العناوين الأصلية المنشورة، وأحيانًا تكون مضللة أو خاطئة تمامًا.

على سبيل المثال، تم عرض عنوان جديد لمقال منشور على Ars Technica باسم "الكشف عن سعر جهاز Steam Machine"، بينما كان العنوان الأصلي يقول: "جهاز Steam Machine من Valve يبدو كجهاز تحكم، لكن لا تتوقع أن يكون سعره كذلك". لا توجد أي معلومات رسمية عن الأسعار، سواء في المقال الأصلي أو في أي منشور آخر من Valve. 

هذه الفجوة بين العنوان المولّد بالذكاء الاصطناعي والمحتوى الأصلي توضح المخاطر التي قد تنجم عن اعتماد الذكاء الاصطناعي في صياغة العناوين، خصوصًا أن المستخدم قد يتلقف معلومات غير دقيقة دون وعي.

لم يقتصر الأمر على العناوين، بل شمل المُلخصات أيضًا. لاحظ فريق Engadget أن Discover قد يعرض العناوين الأصلية مع ملخصات مولدة بالذكاء الاصطناعي، تحمل علامة تشير إلى أنها مولدة بالذكاء الاصطناعي، ما يُنبّه المستخدم لاحتمالية وجود أخطاء، لكنه لا يمنع هذه الأخطاء من الوصول إلى القراء. بعض الخبراء يرون أن الحذر الأفضل كان يتمثل في الامتناع عن استخدام الذكاء الاصطناعي في هذه الحالات حتى تتحقق دقة المعلومات بشكل كامل.

من جانبها، أوضحت مالوري ديليون، ممثلة جوجل، أن هذه الحالات كانت جزءًا من "تجربة صغيرة في واجهة المستخدم لمجموعة فرعية من مستخدمي Discover". وأضافت: "نختبر تصميمًا جديدًا يُغير موضع العناوين الحالية لتسهيل استيعاب تفاصيل الموضوع قبل استكشاف الروابط من جميع أنحاء الويب". 

وعلى الرغم من أن التجربة تبدو غير ضارة من الناحية النظرية، إلا أن جوجل لديها تاريخ طويل من التوتر مع الناشرين الإلكترونيين، حيث سعت الشركات الإعلامية مرارًا للحصول على تعويضات مقابل استخدام محتواها، وفي بعض الحالات قامت جوجل بحذف تلك المصادر من نتائج البحث، ثم بررت ذلك بأنها لا تضيف الكثير إلى أرباحها الإعلانية.

في الوقت نفسه، توسّع جوجل تجربة الذكاء الاصطناعي عبر وضع AI Mode، وهو روبوت دردشة وصفه تحالف وسائل الإعلام الإخبارية بأنه "سرقة" صريحة للمحتوى. نشر روبي ستاين، نائب رئيس المنتجات في بحث جوجل، على منصة X أن الشركة تختبر دمج وضع الذكاء الاصطناعي بشكل أكثر تكاملاً مع البحث على الأجهزة المحمولة، بحيث يظهر على نفس شاشة "نظرة عامة على الذكاء الاصطناعي" بدلاً من وجود خدمتين منفصلتين في علامات تبويب مختلفة. 

هذه الخطوة قد تجعل تجربة البحث أكثر تكاملاً، لكنها أيضًا ترفع التساؤلات حول دقة وموثوقية المعلومات المعروضة للمستخدمين، خصوصًا إذا اعتمدت على الذكاء الاصطناعي في إعادة صياغة الأخبار والمُلخصات.

تظهر هذه التحركات أن جوجل تسعى إلى دمج الذكاء الاصطناعي بشكل أعمق في تجربة المستخدم، لكن التحدي الأكبر يتمثل في ضمان دقة المعلومات والحفاظ على مصداقية المصادر. وبينما يرحب بعض المستخدمين بميزات الذكاء الاصطناعي التي توفر ملخصات سريعة وتسهّل الوصول إلى المعلومات، يحذر خبراء الإعلام من المخاطر المحتملة لتضليل القراء ونشر معلومات غير دقيقة قد تؤثر على الفهم العام للأخبار.

مع استمرار التجارب، يظل السؤال قائمًا: هل سيصبح الذكاء الاصطناعي في Discover أداة لتعزيز المعلومات، أم أنه سيزيد من ضبابية المحتوى ويضع جوجل في مواجهة جديدة مع الناشرين ومستخدمي الأخبار حول العالم؟

مقالات مشابهة

  • كاودا… الحقيقة التي خافت الحركة من نشرها
  • الذكاء الاصطناعي يحسن رصد مشاكل القلب عند الأجنة
  • عملاق الذكاء الاصطناعي يشتري شركة ناشئة لتطوير أدواته
  • تحقيق أوروبي حول دمج الذكاء الاصطناعي في واتساب
  • جوجل تختبر عناوين ومُلخصات الذكاء الاصطناعي في Discover
  • من هي الفئة التي تستفيد من زيادة الحد الأدنى للمعاشات في يناير 2026؟
  • الأمم المتحدة تحذر من الذكاء الاصطناعي
  • نقيب المعلمين: دمج الذكاء الاصطناعي أصبح ضرورة لمواكبة تطورات النظم التعليمية
  • الزناتي : دمج الذكاء الاصطناعي في النظم التعليمية أصبح ضرورة حتمية