زيت تركي بطعم التاريخ.. معصرة حجرية تقاوم الزمن في أرتفين
تاريخ النشر: 7th, December 2025 GMT
منذ أكثر من 45 عاما يواصل الأخوان أحمد وعاصم أرسلان، في منطقة يوسفلي التابعة لولاية أرتفين شمال تركيا، إنتاج زيت الزيتون بالطريقة التقليدية التي تعتمد على الطاحونة الحجرية، محافظَين بذلك على إرث والدهما ومُحيين تقاليد عائلية متجذّرة في هذه المهنة.
وتشتهر منطقة يوسفلي بزيتون "بوتكو"، الذي يمتاز بنكهته الفريدة ونسبة حموضته المنخفضة، ويُعد من أبرز المحاصيل الزراعية في المنطقة.
ويُنتج هذا النوع زيتا متفردا في طعمه، حاز على جوائز عالمية متعددة، بفضل جودته العالية وخصائصه الطبيعية المتميزة، ويُزرع هذا الزيتون في وادي "تشوروه"، المعروف بخصائصه المناخية الفريدة، التي توفر بيئة مثالية لزراعة أشجار الزيتون، وهو ما يجعل إنتاجه عالي الجودة وذا قيمة مضافة.
ومع حلول موسم الحصاد منتصف أكتوبر/تشرين الأول من كل عام، تنشط الحركة الإنتاجية في المنطقة، إذ يبدأ الأخوان أرسلان عملية استخراج زيت الزيتون وتعبئته باستخدام الوسائل التقليدية نفسها التي ورثاها عن والدهما، يعقوب أرسلان، الذي أسس قبل نحو 55 عاما معصرة الزيتون معتمدا على نظام العصر بالحجر.
بدأ الأخوان أحمد وعاصم أرسلان العمل في معصرة الزيتون إلى جانب والدهما منذ طفولتهما، وتعلّما منه أساسيات المهنة وتفاصيلها الدقيقة. وبعد تقدّم والدهما في السن، توليا مسؤولية الإنتاج وواصلا مسيرة العائلة في الحفاظ على هذا الإرث الممتد لعقود.
وبفضل التعاون المستمر بينهما، يواصل الأخوان ممارسة هذا العمل الشاق منذ أكثر من 45 عاما، ملتزمَين بالحفاظ على جودة الزيت وتقاليد العمل التي ورثاها عن والدهما.
وقال عاصم أرسلان لوكالة الأناضول إنه تعلّم أسرار وتفاصيل المهنة من والده، مؤكّدا أنه يمارس عمله بحب وشغف كبيرين. وأضاف "نحن نحب هذه المهنة ونعمل فيها بكل إخلاص، بدأنا في المعصرة عندما كنا في الـ12 من عمرنا، ولا يزال الشغف نفسه يرافقنا حتى اليوم".
إعلانوفي معرض حديثه عن زيتون "بوتكو"، الذي يُنتجان منه الزيت، أوضح عاصم أن له نكهة خاصة ويحتوي على نسبة زيت أعلى مقارنة بالأنواع الأخرى. وتابع قائلا "من 2.7 كيلوغرام من زيتون بوتكو يمكن استخراج لتر واحد من الزيت، وهذه الميزة تجعل منه أحد أكثر الأصناف المحبّبة في المنطقة. كما أن نكهته الفريدة وجودته العالية أثبتت مكانته، وهو ما أهّله للفوز بعدد من الجوائز المختلفة".
طلب متزايدوأشار عاصم أرسلان إلى وجود طلب متزايد على زيت الزيتون المنتج في المنطقة، موضحا أن الإقبال في تزايد مستمر لدرجة أنّهم يواجهون صعوبة في تلبية جميع الطلبات. وقال "الطلب على الزيتون وزيته يزداد عاما بعد عام. السكان هنا يستهلكون كميات كبيرة منهما، وبعد أن يلبّوا احتياجاتهم الشخصية، يبيعون الفائض".
وأكد عاصم أن معصرتهم هي الوحيدة التي ما زالت تستخدم الأساليب التقليدية في المنطقة، مشيرا إلى أن الأهالي يجلبون محصولهم إلى المعصرة من أجل وزنه وتحديد موعد استلام الزيت بعد عصره.
ويشرح عاصم طريقة العصر التقليدية التي يعتمدونها، قائلا "نغسل الزيتون أولا، ثم نطحنه بالطاحونة الحجرية. وبعد ذلك نضغط العجين لاستخراج الزيت، ونتركه ليترسب في أوعية خاصة ساعات عدة قبل تعبئته في عبوات مخصّصة".
وفيما يتعلق بالأسعار، أشار إلى أن سعر لتر واحد من زيت الزيتون لا يقل عن ألف ليرة تركية (ما يعادل نحو 23.5 دولارا)، مشيرا إلى أن المنطقة تشهد ارتفاعا واضحا في الطلب على الزيت في موسم الإنتاج.
وأضاف أن معظم الإنتاج يتركز في قرية "ياغجيلر" بوادي "تشوروه"، وهي من أبرز مناطق الزيتون في تركيا، فضلا عن أن المناخ الذي تتمتع به ولاية أرتفين عموما، والوادي خصوصا، يضفي جودة ونكهة مميزة على النباتات المتوسطية مثل الزيتون.
وفيما يتصل بالوصول إلى العالمية، قال عاصم "هنا يُزرع أفضل زيتون في تركيا. زيت الزيتون المنتج في هذه المنطقة حقق شهرة محلية واسعة، وهو في طريقه لأن يصبح علامة تجارية معروفة عالميا".
من جانبه، أكد أحمد أرسلان أنه وشقيقه عازمان على مواصلة العمل في إنتاج زيت الزيتون ما دامت صحتهما تسمح بذلك. وختم قائلا "هذه المهنة إرث عائلي ثمين، ونحن متمسكون به بقوة، وسنواصل العمل فيها ونقلها إلى الأجيال القادمة".
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: دراسات شفافية غوث حريات زیت الزیتون فی المنطقة العمل فی
إقرأ أيضاً:
عند لحظات الفراق..لا نقول وداعًا ولكن!
اعتدنا عند لحظات الفراق أن نقول لمن نحب: "إلى اللقاء"، حتى وإن لم يكن هناك ثَمّة أمل في لقاء قريب، نقولها ليطمئن قلب الآخر بأن في عقولنا وقلوبنا وأمنياتنا نتركها على طاولة القدر، أملٌ ربما يأتي من الغيب ولو بعد حين من الزمن، قد يأتي ولو لمرة واحدة ليخالف أقدارنا المعهودة، وهو أن "بعض الفراق" لا يكون بعده لقاء!.
من المؤسف جدًا أن بعض الأمنيات لا تتحقق، ويصبح "الوداع" هو آخر لحظة نلملم فيها بقايا الواقع لنجعله في حقيبة الذكريات، والعجيب في أمر البشر أن البعض يبحث عن الفرص الجديدة فلا يجدها متاحة له، كل شيء ذهب في طريقه، وكأن الطيور طارت بأرزاقها... لذا لا تتعجب إذا بحث البعض عن أصوات مسافرة نحو البعيد وأصبح يفتقد نبرتها بعمق الحب الذي يحمله في جوفه، هناك في الفضاء وجوهٌ مسافرة اختفت ملامحها، أما هيئتها فقد ذهبت هي الأخرى نحو أفق لا يعود إلى الوراء ولا يهبط على أرض الواقع!.
الواضح لدينا أن مجرد نفورنا من أجواء المكان يجعلنا لا نعود إليه ثانية كما كنا أول مرة، وكأن ما حدث بالأمس ما هو إلا محطة النهاية التي انقضت سريعًا وأصبحت شيئًا من الماضي الذي يلفّه وجه الغياب الحزين.
دائمًا وأبدًا تعدّ لحظات الوداع من أصعب اللحظات التي تمرّ على الإنسان على وجه الأرض، تذكّر دائمًا أن الوداع ما هو إلا تنازل منك أمام سطوة القدر، فعندما تفارق زملاءك في العمل في آخر يوم لك بينهم، ستجيش في نفسك الكثير من الأحزان، وتفيض من عينيك وإن لم تفضحك الدموع، ولكن ثَمّة شيء غير عادي يتجلّى في داخلك، حتى وإن هبطت إلى الأرض أحزانك وعبراتك إلا أن قلبك لن يطاوعك أن تغلق الباب خلفك راحلًا عن مكان عشتَ فيه طويلًا.
الفراق علّمنا الكثير من الدروس الصعبة التي لا تُنسى، علّمنا أن الوجع قد يكون أكثر لمن سيكون مكانه خاليًا في المكان، علّمنا أن الشمس ستشرق كعادتها بدون الوجوه الراحلة بالأمس.
عند الوداع ستأخذك "العَبْرة" نحو من تُودّعهم بنظرات اليأس والأمل، تُسلّم عليهم وفي رأسك سؤالٌ حائر: هل سنراهم ثانية؟
في أرض المطار، يتجلّى موقف آخر، وأنت تودّع صديقًا أو عزيزًا عليك ذاهبًا نحو أرض جديدة أو عالم آخر، قد تبكي وأنت الأقوى لأنك ربما لن تراه مرة أخرى.
بعض الذين عاشوا معنا يغادرون لسنوات طويلة، يحزمون حقائب سفرهم عائدين إلى أوطانهم وذويهم، ودّعناهم بألم، ومع الزمن ظلّت ذكراهم في القلب حاضرة، لكن الذاكرة سرعان ما أخفت هذا الاشتياق في تربة النسيان.
إن أكبر الخسائر التي نخسرها في حياتنا تأتي عندما تجمعنا الصدف مع أشخاص رائعين في "مناسبة معينة"، أشخاص يأتون من أماكن متفرقة، يقضون معنا فترة زمنية محددة، واليوم الأخير لنا في هذا المكان ينتهي بمجرد انتهاء تلك الفعالية، ثم يعود كل منا إلى مكانه القديم، وربما هذا الفراق سيدوم طويلًا جدًا وقد لا يتكرر مع الزمن.
كثير من أصحابنا الذين درسنا معهم أو عشنا إلى جوارهم، فرّقتنا ظروف الحياة ولم نعد نلتقي بهم أبدًا، قد تكون ذكراهم الشيء الوحيد الذي تبقى لنا، أما أصواتهم القديمة أو ملامحهم فهي حتمًا قد تغيّرت مع الزمن، وقد لا نعرفهم إن التقينا بهم ذات يوم.
إذن عند الوداع تسقط وعود اللقاء مجددًا، قد يكون هناك لُقْيا لبعض الناس، لكن ليس في كل مرة تصدق اللقيا بمن نعرفهم أو التقينا بهم لفترة زمنية معيّنة، فربما لن يُسمح لنا أن نراهم مرة أخرى في حياتنا.
ذات مرة كنتُ في مهمة عمل خارجية لفترة زمنية ليست قصيرة، كان المشاركون في تلك الفعالية قد قدموا من دول مختلفة، كنا نرى بعضنا لفترات طويلة من اليوم، حياتنا كانت أشبه بعائلة واحدة، التقينا في مكان واحد ولهدف واحد، مرّت الأيام سريعًا دون أن نعرف أن لحظات الوداع للعودة إلى أوطاننا هي لحظة موت حاسمة، وبداية لافتقاد مشاعر إنسانية عظيمة، تفرّقنا ولم نلتقِ ثانية، لكن الذكريات القديمة تخبرنا أن أصعب الأشياء تأتي عندما نودّع بعضنا البعض، وأمل اللقيا قد يكون معدومًا أو مستحيلًا.