كشفت إذاعة موزاييك التونسية قرارا النيابة العمومية بالمحكمة الابتدائية بتونس في التهم الموجهة إلى  رئيس مجلس شورى حركة النهضة عبد الكريم الهاروني.

وذكرت الإذاعة التونسية أن التهم تمثلت في شبهات تتعلّق بالفساد المالي والإداري وتبييض وغسيل الأموال لذا صدرت أوامر  النيابة لأعوان الفرقة المركزية للجرائم المالية المتشعبة بالحرس الوطني بالعوينة، بالقبض علي القيادي الإخواني والتحفيظ عليه مدة 48 ساعة.


كما شملت الاتهامات  في القضية نفسها مديرا عاما بشركة بترولية عمومية تقرّر الاحتفاظ به.


وكان وزير الداخلية كمال الفقي، أصدر مساء السبت 2 سبتمبر 2023، قرارا إداريا بوضع عبد الكريم الهاروني قيد الإقامة الجبرية. 

تونس.. الشرطة تعتقل المسؤول البارز في النهضة عبد الكريم الهاروني تونس.. إطلاق سراح رئيس الحكومة الأسبق حمادي الجبالي

المصدر: صدى البلد

إقرأ أيضاً:

في مواجهة الانكسار.. قراءات فكرية في دروب النهضة العربية (1)

ظل سؤال النهضة العربية ـ منذ لحظة الانكسار التاريخي أمام الحداثة الغربية ـ سؤالًا مؤجَّلًا، مؤجَّلًا لا لأنه غاب عن الوعي، بل لأنه بقي أسيرًا بين التبعية والتقليد، أو بين الاستلاب والجمود. وفي هذا المسار المتوتر، برزت مشاريع فكرية حاولت أن تُخرج العقل العربي من أزمته، وأن تؤسّس لتصوّر جديد للذات والآخر، للعقل والدين، للتراث والحداثة.

ومن بين هذه المشاريع، استوقفتني كمشتغل بالفكر والكتابة ثلاث محطات مركزية في المشهد العربي المعاصر: محمد عابد الجابري، الذي خاض معركة "نقد العقل العربي" بمنهج بنيوي تاريخي صارم؛ وطه عبد الرحمن، الذي اختار أن ينحت مشروعًا قيميًا أخلاقيًا بعمق روحي وفلسفي أصيل؛ ونايف بن نهار، الذي دخل ساحة الفكر بتفكيك جريء للمؤسسة الدينية السلطوية، متحديًا السائد ومؤسسًا لخطاب تحرري لا يخشى الاصطدام بالواقع.

ما شدّني إلى هؤلاء المفكرين الثلاثة هو أن كلًّا منهم حاول، من زاويته الخاصة، أن يعيد مساءلة المفاهيم المؤسسة للثقافة العربية: ما العقل؟ ما علاقة الدين بالسلطة؟ كيف نواجه الحداثة دون أن نخسر ذواتنا؟ وهل يمكن تأسيس حداثة عربية ـ إسلامية دون أن نستنسخ النموذج الغربي؟ هذه الأسئلة ليست مجرد قضايا نظرية، بل هي إشكاليات وجودية تمسّ الكينونة الحضارية للأمة.

في كتابه الأهم "تكوين العقل العربي"، رسم الجابري معالم مشروع تفكيكي للعقل العربي، مميزًا بين ثلاثة نظم معرفية (البياني، العرفاني، البرهاني)، معتبرًا أن الخلاص يكمن في ترسيخ البرهان كمنهج عقلاني حداثي. أما طه عبد الرحمن، ففي مؤلفاته مثل "الحق العربي في الاختلاف الفلسفي" و"روح الحداثة"، قدّم قراءة عميقة للحداثة من الداخل، داعيًا إلى تأسيس "حداثة إيمانية" تنقذ الإنسان من فقدان المعنى. في حين جاء نايف بن نهار، في كتبه مثل "جدلية الدين والسياسة" و"الخطاب الديني المعاصر"، ليضع يده على الجرح السياسي الذي جعل الدين أداة طيعة في يد السلطة، ورفع راية التفكيك في وجه المؤسسات المغلقة.

ما يجمع هذه المشاريع ـ رغم اختلاف المناهج ـ هو سعيها للإجابة عن سؤال واحد: كيف ننهض؟ لكن ما يفرّقها هو تصورها لماهية الأزمة: فالجابري يراها أزمة في البنية العقلية، وطه يراها في انطفاء البعد الأخلاقي والروحي، ونايف في تواطؤ الخطاب الديني مع السلطة.

وهذا التباين لا يُضعف قيمة أي مشروع، بل يُغني خارطة الفكر ويُضيء لنا بأن النهضة لن تكون بزاوية واحدة، بل بتكامل العقل، والأخلاق، والتحرر.

إن هذه الورقة تحاول أن لا تكتفي بتقديم تلخيص أو مقارنة سطحية، بل تنحو نحو الغوص في البنية العميقة لكل مشروع، لا من أجل المفاضلة، بل لاستخلاص عناصر القوة والقصور، علّنا نسهم في فتح أفق جديد للفكر العربي نحو نهضة طال انتظارها، ولا تزال ملامحها تتشكل في مدارات النقد والفكر والمساءلة.

العقل النقدي وتحرير الوعي.. بين الجابري والتاريخ المسكوت عنه

"كل فكر لا يُمارس النقد هو فكر قابل للاستعباد".. (محمد عابد الجابري)

في محاولة فهم تشكُّل "العقل العربي"، لا يمكن تجاهل مشروع محمد عابد الجابري، الذي شكل علامة فارقة في الفكر العربي المعاصر. لقد سعى الجابري إلى إخراج العقل من أسر التقليد، والى بناء عقل نقدي، عقل يعي ذاته وتاريخه، ويملك أدوات التجاوز لا مجرد التكرار. لكن السؤال المحوري هنا هو: كيف قرأ الجابري العقل العربي؟ ولماذا ربط أزمة النهضة ببنية هذا العقل لا بظروفه السياسية فحسب؟

نقد العقل أم نقد الذاكرة؟

يرى الجابري أن أكبر عائق أمام انطلاقة عربية جديدة هو "بنية العقل العربي" كما تشكلت في سياقات تاريخية معينة. في مشروعه الضخم "نقد العقل العربي"، لا يكتفي بتوصيف أزمة الفكر، بل يحاول تفكيك النظم المعرفية التي وجهت هذا العقل:

أحد أهم إسهامات الجابري هو ربط البنية المعرفية بالتكوين التاريخي والسياسي للمجتمعات الإسلامية. لقد فهم أن العقل لا يعمل في فراغ، بل يتشكل في قلب الصراع على السلطة، بين الفقهاء، والفلاسفة، والمتكلمين، والسلاطين.ـ البياني: الذي يتغذى على النصوص والشروح.
ـ العرفاني: الذي يستند إلى الحدس والكشف الصوفي.
ـ البرهاني: الذي يمثل العقل الاستدلالي البرهاني المنطقي.

يرى الجابري أن النظام البرهاني هو القادر وحده على بناء عقل حداثي عقلاني، في حين أن النظم الأخرى كرّست الجمود والتكرار، وأعاقت النقد والمساءلة.

لكنه لا يقع في فخ الرفض الجذري للتراث، بل يمارس عليه عملية “الحفر المعرفي”، مميزًا بين ما يمكن استعادته، وما يجب تجاوزه.

الجابري والتفكيك التاريخي

أحد أهم إسهامات الجابري هو ربط البنية المعرفية بالتكوين التاريخي والسياسي للمجتمعات الإسلامية. لقد فهم أن العقل لا يعمل في فراغ، بل يتشكل في قلب الصراع على السلطة، بين الفقهاء، والفلاسفة، والمتكلمين، والسلاطين.

لذلك، فإن تفكيك البنية المعرفية للعقل العربي يعني أيضًا تفكيك التواطؤ التاريخي بين الفكر والسلطة. هنا يظهر البعد السياسي لمشروع الجابري:

ـ لم يكن هدفه إعادة إنتاج التراث، بل تحرير العقل من "التاريخ المسكوت عنه" الذي كُتبت فيه كثير من معارفنا باسم الدين، لكنها كانت أحيانًا أدوات للهيمنة.

حداثة بلا استلاب

رفض الجابري الحداثة المستوردة كنسق فوقي يُفرض على المجتمع، كما رفض التقليد الأعمى للغرب. لقد نادى بـ "تحديث من الداخل"، تحديث يستند إلى نقد الذات، لا محاكات الآخر، ويرتكز على استعادة “التراث البرهاني” كأداة عقلانية.

لكن المشروع لم يكن خاليًا من التحديات:

ـ تعرّض الجابري لنقد حاد من مفكرين رأوا أن نزوعه العقلاني أغفل البعد الروحي أو الأخلاقي.

ـ كما اتُّهم أحيانًا بـ "تغريب الفكر" حين دعا إلى قطيعة معرفية مع نظم البيان والعرفان.

رغم ذلك، يظل مشروعه أحد أكثر المشاريع الفكرية العربية صرامة واتساقًا.

تحرير الوعي.. المهمة المستمرة

إن ما يجعل فكر الجابري ملحًا اليوم، هو أنه لا يقف عند حدود الأكاديمية، بل يحمل بعدًا تحرريًا واضحًا:

ـ تحرير الوعي من الأسطورة.

ـ تحرير المعرفة من التكرار.

ـ تحرير الدين من التوظيف السياسي.

وفي ظل التحولات العميقة التي تعيشها مجتمعاتنا، تزداد الحاجة إلى “عقل نقدي” لا يخاف من الحفر في التربة العميقة للتراث، ولا ينجرف مع سطحيات الحداثة.

الجابري في مرآة اليوم

اليوم، بعد عقدين على وفاته، تبقى أعمال الجابري مرجعًا لفهم أزمة العقل العربي، ولكننا أيضًا بحاجة إلى تطوير مقاربته: فالعقل العربي اليوم لا يواجه فقط تراثًا جامدًا، بل يواجه أيضًا سلطة رقمية، وفرة معرفية غير نقدية، وأزمات هوية مركبة، ومشروع الجابري كان تأسيسيًا، لكن الأجيال الجديدة مطالبة بتركيب جديد يجمع بين النقد العقلي والوعي الأخلاقي والروح التحررية.

رفض الجابري الحداثة المستوردة كنسق فوقي يُفرض على المجتمع، كما رفض التقليد الأعمى للغرب. لقد نادى بـ "تحديث من الداخل"، تحديث يستند إلى نقد الذات، لا محاكات الآخر، ويرتكز على استعادة “التراث البرهاني” كأداة عقلانية.من الواضح أن الجابري لم يكن مجرد ناقد للتراث، بل كان معماريًا للفكر العربي الحديث. لقد وضع حجر الأساس لعقل عربي ناقد، عقل يرفض التقديس، ويستأنف الحوار مع الماضي من موقع الفاعلية لا من موقع الخضوع.

وإذ نتابع في المقال القادم قراءة مشروع طه عبد الرحمن، سنكتشف وجهًا آخر للأزمة: إنها ليست فقط أزمة عقل مغلق، بل أزمة ضمير مفرغ من القيم. وهناك، سننتقل من "تفكيك البنية العقلية" إلى "بعث الروح الأخلاقية".

المراجع:

ـ محمد عابد الجابري، تكوين العقل العربي
ـ محمد عابد الجابري، بنية العقل العربي
ـ حوارات وندوات منشورة للجابري
ـ أعمال نقدية معاصرة حول مشروعه (انظر: رضوان السيد، جورج طرابيشي، فهمي جدعان)

*كاتب وإعلامي 

مقالات مشابهة

  • مجمع الإخوة الأصاغر للرهبنة الفرنسيسكانية بمصر ينتخب مجلس شورى الرهبنة لعام 2025
  • البيانوني يروي لـعربي21 شهادة مرحلة مفصلية في تاريخ الإخوان بسوريا
  • في مواجهة الانكسار.. قراءات فكرية في دروب النهضة العربية (1)
  • تحرك بالبرلمان للرقابة على حركة بيع اللحوم خلال الساعات المقبلة
  • مجلس الأمن يبحث قرارا بوقف الحرب في غزة وواشنطن قد تستخدم الفيتو
  • رئيس هيئة النيابة الإدارية يهنئ الرئيس السيسي بعيد الأضحى المبارك
  • رئيس هيئة النيابة الإدارية يهنئ السيسي بـ عيد الأضحى المبارك
  • رئيس النيابة الإدارية يهنئ الرئيس السيسى بمناسبة عيد الأضحى المبارك
  • عمّار بن حميد يصدر قراراً بإعادة تشكيل مجلس إدارة نادي عجمان
  • هجمات سيبرانية من قراصنة مغاربة يدعمون غزة على الحكومة التونسية