يمهد الكاتب بولس أنطون مطر لكتابه: «خليج الأغاني» بنبذة تاريخية انطلاقا من نص لشاعر سومري يفتخر بحضارة دلمون العريقة التي كان مركزها منطقة البحرين وربما كانت تشمل أجزاء كبيرة من المنطقة المعروفة اليوم بالخليج العربي. وقد لعبت هذه المنطقة ولا تزال دورا كبيرا في التجارة العالمية النشاط الأول لسكانها إلى جانب صيد اللؤلؤ.

ومنطقيا وليس اختصاصا أشاطر الباحث فيما أشار إليه بخصوص الظروف المناخية المختلفة التي كانت أيام تلك الحضارة العتيقة، وأعتقد أن فترة ما قبل الجفاف العظيم يكتنفها الغموض، ومن المثير للاهتمام أن نجد قواقع لكائنات بحرية غريبة وفوهات ربما لبراكين قديمة جدا في وسط جبال ظفار الخضراء، حيث كنت هذا الخريف (الصيف) في جولة إلى الديار القديمة. وفي الواقع الجزيرة العربية كلها بحاجة إلى تكثيف البحوث والتنقيبات الأثرية، وقد يكون مفيد اكتشاف وإحياء طريقي تجارة اللبان والنحاس القديمين وتعظيم دورهما في العلاقات التجارية المعاصرة.

في هذا المقال أتابع قراءة كتاب «خليج الأغاني»، وأقف قليلا عند بعض الملاحظات والأسئلة التي طرحها الكاتب بعد رصده لمسألة التنوع الثقافي في المجتمعات الكويتية والبحرينية والقطرية والتحولات الجارية في أنماط حياتها. وفي تقديري السؤال الرئيسي للكاتب هنا هو: «إلى متى يبقى البحارة بحارة، والبدو بدوا؟ «. من المؤكد أن مجتمعات كهذه لم تعد موجودة اليوم من الكويت شمالا إلى عُمان جنوبا، وأن التصنيف الواقعي المعاصر قد تغير على أساس مستوى التعليم أو المستوى المعيشي، وحتى نوع المهنة. مثل أن نقول: فلان من الناس لاعب كرة قدم محترف، وفلان موسيقي مشهور، وآخر كاتب بارز، ولكن كان آباؤهم أو أجدادهم من بيئتين بدوية أو بحرية.

وقد سجل الكاتب تلك التحولات المبكرة الحاصلة في المجتمعات الخليجية، ولاحظ تشكل جيلين مختلفين، كان الأول قد واجه قساوة الحياة في الصحراء والبحر وصنع هوية ثقافية تتناسب مع طبيعة حياته في تلك البيئة، وجيل آخر يعيش حياة مختلفة بسبب التقنيات الحديثة التي سادت المدن الحديثة، حيث تحولت القرية في غضون عشر سنوات على الأقل إلى مدينة كاملة التجهيز، تغلّب بواسطتها الإنسان على الطبيعة القاسية. والسؤال هنا، هل ممكن أن تستمر الأجيال الجديدة على نفس الأنماط الثقافية والموسيقية القديمة المتوارثة من مجتمعات كانت تعيش في ظروف مختلفة؟

يرى الكاتب أن «الثقافة التقليدية تُركت لنفسها ولتيارات التاريخ، إنها لم تمت بعد، إنها تكافح وتناضل وربما كانت هذه المرحلة التي نشهدها الآن هي المرحلة الأخيرة».

وفي الواقع الموسيقي التقليدي (الشعبية) نلاحظ أمرين: الأول: إن الموسيقى التقليدية (الشعبية) عندنا في عُمان والخليج لم تعد لوحدها تصنع الذوق الجمالي والفني لهذا الجيل، وإن الموسيقى الأوربية والغربية أصبحت عاملا مؤثرا جديدا. الثاني: إن ممارسة الموسيقى التقليدية (الشعبية) انعدمت تقريبا في المدن الكبيرة أو أصبحت أقرب إلى الممارسة المتحفية منها إلى الممارسة الإبداعية.

إن أبرز التحولات الأساسية التي أحدثت فارقا عمليا في واقع الممارسة الموسيقية في المدن الخليجية الحديثة على الأقل، ما حصل للمكان الذي كان يستوعب تلك الممارسات من تراجع دوره ثم اختفائه، ونلاحظ ذلك عندما وصف الكاتب بعض أوجه الحياة الثقافية والموسيقية التقليدية التي انتهت تماما من الحياة المعاصرة بقوله: «إن للبحارة أسلوبهم في الحياة ولهم آدابهم وأغاني عملهم الخاصة المصاحبة لكل ما يقومون به في حياتهم المهنية مثل: رفع المرساة، بسط الأشرعة، استعمال المجاديف الخ.. وللبحارة أماكن لقاء في البر تعرف بالدور أو الديوانيات»، إن الأنماط الموسيقية لا تستجيب للفراغ، ولا تعيش خارج مؤسستها ووظيفتها الاجتماعية والثقافية، وقد كانت الأعراس أهم مناسبة تمارس فيها فنون الغناء التقليدي أمام الجميع وبمشاركتهم، وهذا وقعيا لم يعد كذلك في المدن الكبرى كما كان قبل سنوات قليلة.

أعتقد أن الحياة الحديثة قد جرفتنا نحوها كثيرا، وأن الإجراءات غير كافية لتجنب مزيد من الفقد التراثي والثقافي، لهذا من الأهمية بمكان تأسيس قرى تراثية يمارس فيها مختلف الأنشطة والفعاليات ذات الصلة بالمكان على مدار العام وبشكل خاص أنواع الصناعات الإبداعية وفي مقدمتها فنون الشعر والغناء التقليديين. قد يكون هناك حلول أخرى لحماية وصون الثقافة التقليدية (الشعبية) ولكن ربما القرى التراثية أكثرها انسجاما وأكثر فعالية في نظري لو تحققت... للمقال بقية.

مسلم الكثيري موسيقي وباحث

المصدر: لجريدة عمان

إقرأ أيضاً:

« اتحاد المصارف العربية»: الشراكة الأوروبية ضرورة حتمية في ظل التحديات الحالية

أكد رئيس مجلس إدارة اتحاد المصارف العربية محمد الإتربي، أن الشراكة العربية الأوروبية أصبحت ليست مجرد خيار استراتيجي، ولكنها ضرورة حتمية في ظل التحديات الحالية التي يمر بها العالم.

وقال الأتربي، في تصريح خاص لمراسلة وكالة أنباء الشرق الأوسط بباريس اليوم الجمعة، إن القمة المصرفية العربية الدولية تتناول هذا العام موضوع "الصمود الاقتصادي في ظل التغيرات الجيوسياسية"، وذلك في ظل ما يشهده العالم من تحديات وتقلبات والتي لها أثر بالغ على الدول العربية.

وأضاف "لذلك، فإن الشراكة العربية الأوروبية ليست مجرد خيار استراتيجي، ولكنها ضرورة حتمية أمام تحديات الحاضر وطموحات المستقبل"، مشيرا إلى أن التبادل بين الدول العربية والاوروبية تجاوز 24 مليار دولار خلال عام 2024.

وشدد على ضرورة ترسيخ هذه الشراكة قائلا "لابد أن نعزز هذه الشراكة ليس من الناحية الاقتصادية فقط، ولكن من الناحية الاجتماعية والثقافية، وأيضا في مجال التنمية المستدامة، هام جدا موضوع التمويل الاخضر، هام جدا موضوع التحول الرقمي والطاقة المتجددة".

كما أشار الأتربي إلى الجلسة المخصصة في القمة والتي ترتكز حول "إنعاش وإعادة هيكلة القطاعات المصرفية في الدول العربية المتضررة من الأزمات"، وقال "هناك عدة أزمات في السودان وفي اليمن ونتمنى أن تعود سوريا لوضعها الطبيعي.. فهي أزمات تؤثر على المنطقة العربية بأكملها، لذا عندما نخصص جلسة لبحث وضع هذه الدول التي تعاني من أزمات، فلابد أن يكون هناك دعم من أوروبا ودعم من الدول العربية التي لديها امكانيات مثل دول الخليج".

وأعرب عن أمله في أن تخرج القمة بتوصيات تُنفذ على أرض الواقع، مشيرا إلى نجاحها مع حضور هذا العدد الكبير من الشخصيات المصرفية المتخصصة والمتحدثين على أعلى مستوى، وهو "ما يؤكد أهمية الشراكة بين الدول الأوروبية والدول العربية من أجل التنمية المستدامة والمشاريع الحيوية والتحول الرقمي.. وهي شراكة مهمة للطرفين".

وفي كلمة له خلال افتتاح "القمة المصرفية االعربية الدولية لعام 2025"، قال الإتربي "نتطلع من هذه القمة إلى زيادة الثقة المتبادلة بين الدول العربية ودول الاتحاد الأوروبي، وعلى رأسها فرنسا، وتعزيز التعاون في كافة المجالات سواء كانت اقتصادية أو اجتماعية، حضارية أو ثقافية، تكنولوجية أو علمية، وبالأخص تجارية، بما يؤدي إلى دعم الصمود الإقتصادي في ظل التحديات التي تمر بها المنطقة والعالم، لا سيما في القطاع المصرفي العربي الذي يظل العامل الرئيسي للتمويل".

وقال إن انعقاد هذه القمة اليوم في باريس وبرعاية الرئيس الفرنسي، يجسد عمق العلاقات بين المنطقتين، ويؤكد مجددا أن الشراكة العربية الأوروبية ليست مجرد خيار استراتيجي، بل هي ضرورة تفرضها التحديات الحالية.

وأضاف أن العلاقات الاقتصادية بين العالم العربي وأوروبا قد شكلت على مدى عقود طويلة ركيزة أساسية للاستقرار والنمو، "ولكننا اليوم أمام منعطف جديد يتطلب منا جميعا تعزيز هذه العلاقات ودعم الصمود الاقتصادي في ظل التطورات الجيوسياسية إقليميا ودوليا على أسس أكثر مرونة وإبتكارا وشمولية".

وانطلقت اليوم القمة المصرفية العربية الدولية لعام 2025 في باريس، برعاية الرئيس الفرنسي وبمشاركة شخصيات مصرفية ومالية متخصصة يمثلون العديد من الدول الأوروبية والعربية من بينها مصر.

وينظم اتحاد المصارف العربية فعاليات القمة، بالتعاون مع الفيدرالية المصرفية الأوروبية، والفيدرالية المصرفية الفرنسية، واتحاد المصارف الفرانكفونية، والغرفة التجارية العربية الفرنسية، والاتحاد المصرفي الدولي وذلك بحضور عدد كبير من السفراء العرب المعتمدين في فرنسا، من بينهم السفير علاء يوسف سفير مصر بباريس، بالإضافة إلى قيادات من المؤسسات المالية والمصرفية والدبلوماسية العربية والأوروبية.

وتنعقد القمة هذا العام تحت عنوان "الصمود الاقتصادي في ظل التغيرات الجيوسياسية"، وتهدف إلى تعزيز حوار تعاوني بين الجهات المعنية من أوروبا، ومنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، وأفريقيا حول التحديات الاقتصادية والمصرفية المشتركة، واستكشاف فرص تسريع النمو الاقتصادي من خلال تعزيز الاستثمار والتجارة والابتكار التكنولوجي، ومناقشة التحديات الاقتصادية والجيوسياسية التي تواجه أوروبا، مع التركيز على أثر حالة عدم اليقين العالمية على الأنظمة المالية في المنطقة، والتعاون المصرفي والمالي العربي الأوروبي.

مقالات مشابهة

  • كأس العالم للأندية.. مدافع دورتموند: مباراة صن داونز كانت مثيرة
  • «تحولات رقمية وتحديات مهنية».. مؤتمر دولي بكلية التجارة جامعة مدينة السادات
  • إذا كانت الملابس لا تناسب جسمك.. انتبه لهذه الأعراض الخطيرة التي تظهر دون ألم وراجع الطبيب فوراً
  • في رحاب قلعة أربيل.. قصة 73 عاما من حفظ الأصالة الموسيقية في وجه التحديث
  • شاهد بالفيديو.. سيدة سودانية تنهار بالبكاء على الهواء: (زوجي تزوج من مطربة شهيرة كانت تجمعه بها علاقة غير شرعية وأصبحت تصرف علينا بأموال الحرام ومن أموال المبادرات التي تطلقها)
  • منى الشاذلي تتصدر تريند جوجل بعد استضافتها نجل حسن الأسمر: "كتاب حياتي" يُعيد الجمهور إلى زمن الأغنية الشعبية الذهبية
  • « اتحاد المصارف العربية»: الشراكة الأوروبية ضرورة حتمية في ظل التحديات الحالية
  • عون: بيروت كانت وستبقى نبض الحياة
  • مؤسسة موقع للتجارة الإلكترونية: الرقمنة ضرورة للبقاء وليست تهديدًا للتجارة التقليدية
  • انهيار حفار ضخم في خليج السويس