ألقى فضيلة الشيخ الدكتور عبدالله بن عواد الجهني خطبة الجمعة اليوم بالمسجد الحرام، وافتتحها بتوصية المسلمين بتقوى الله حق تقواه، والمداومة على تقواه إلى الممات.

وقال فضيلته: نحمد الله عز وجل على ما منّ به على هذه البلاد (المملكة العربية السعودية) من نعم كثيرة، أعظمها وأجلها نعمة التوحيد والإيمان، وكذلك نعمة اجتماع الكلمة ووحدة الصف التي ما تمت إلا بتلاقي القلوب على هدي الكتاب والسنة على يد جلالة الملك عبدالعزيز بن عبدالرحمن آل سعود – رحمه الله – الذي أيده الله ونصره ومكنه في أرضه، فوحَّد أطراف المملكة العربية السعودية، وجمع شتاتها سائراً على شريعة نبي الرحمة نبينا محمد صلى الله عليه وعلى آله وسلم تسليماً، فجعل القرآن دليله والسنة سبيله.

وأكَّد أن الناس أصبحوا في هذه البلاد بعد أن كانوا قوى متفرقة في نفوس متناثرة إخوة متآلفين، يتناصرون ويتناصحون، وسار أبناؤه البررة من بعده على طريقته إلى هذا العهد الزاهر، عهد القوي الأمين خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز آل سعود -حفظه الله- وسمو ولي عهده الأمير محمد بن سلمان -حفظه الله-، فساد الأمن والرخاء والاستقرار والازدهار، وستبقى هذه البلاد -بإذن الله تعالى- جامعة بين الأصالة والمعاصرة على نهج الكتاب والسنة، فوجب لمن هذا وسمه السمع والطاعة في المعروف، قال تعالى: {يَأَيُّهَا الَّذِينَ آمنوا أَطِيعُوا اللَّه وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأولي الْأَمْرِ مِنكُمْ فَإِن تَنازعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوه إلى اللَّه وَالرَّسُولِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّه وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَلكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا}. وفي الحديث المتفق على صحته عن أبي هريرة رضي الله عنه عن رسول الله –صلّى الله عليه وسلم- أنه قال: “من أطاعني فقد أطاع الله ومن عصاني فقد عصى الله، ومن أطاع الأمير فقد أطاعني ومن عصا الأمير فقد عصاني”.

وأشار فضيلته إلى أن من النعم العظيمة على هذه البلاد المباركة خدمة الحرمين الشريفين؛ إذ يشرف أهل هذه البلاد -وعلى رأسهم ولاة أمرهم- بتقديم كل ما يستطيعون عمارة معنوية ومادية حتى يؤدي زوار بيت الله الحرام ومسجد رسوله صلى الله عليه وسلم شعائرهم في طمأنينة وراحة وصفاء نفس، يقصدها الناس من كل مكان امتثالاً لقوله تعالى: {وَإِذْ بَوَّأْنَا لِإِبْرَاهِيمَ مَكَانَ الْبَيْتِ أَن لَّا تُشْرِكْ بِي شَيْئًا وَطَهِّرْ بَيْتِي لِلطَّائِفِينَ وَالْقَائِمِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ}.

وأضاف: ومن نعم الله العظيمة علينا في المملكة العربية السعودية ما منّ الله تعالى به علينا من البيعة الشرعية لولاة الأمر على الكتاب والسنة، وانتقال الحكم بين ملوك هذه البلاد بكل ثقة وطمأنينة ووحدة صف واجتماع كلمة مما يسرُّ الصديق، ويغيظ العدو.

وخاطب إمام وخطيب المسجد الحرام المسلمين بقوله: عباد الله، قال الله تعالى: {فَلَوْلَا إِذْ جَاءَهُم بَأْسُنَا تَضَرَّعُوا} أي: هلا تضرعوا؛ فحث الله عباده إذا حلَّت بهم المصائب من الأمراض والزلازل والريح العاصفة على أن يتضرعوا إليه، ويفتقروا إليه، فيسألونه العون. وقد ثبت عن عمر بن عبدالعزيز -رحمه الله- أنه لما وقع الزلزال كتب إلى عماله في البلدان أن يأمروا المسلمين بالتوبة والضراعة والاستغفار.

وهذه الكوارث والآيات نذرٌ تظهر ضعف البشر، لا يستطيعون ردها، ولا هم ينصرون، ولا هم يُنظَرون؛ لعلهم يحذرون، لعلهم يتقون، لعلهم يتذكرون، لعلهم يرجعون، لعلهم ينتهون.. فعن سَهْل بن سَعْدٍ رضي الله عنه، يُحَدِّثُ عَنِ النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْه وَسَلَّمَ أنه قَالَ: “إِنَّ الْمُؤْمِنَ مِنْ أهل الْإِيمَانِ بِمَنْزِلَة الرَّأْسِ مِنَ الْجَسَدِ، يَأْلَمُ الْمُؤْمِنُ لِأهل الْإِيمَانِ كَمَا يَأْلَمُ الْجَسَدُ لِمَا فِي الرَّأْسِ” رواه أحمد. وأردف يقول: إننا في هذه المملكة العربية السعودية مع إخواننا في كل الظروف والأحوال، نشاركهم في مشاعرهم، في أفراحهم وأحزانهم وأتراحهم. ولقد تألمنا كثيرًا لأحداث الزلزال والفيضان اللذين أصابا المملكة المغربية ودولة ليبيا الشقيقتَين فأحدثا نقصاً في الأموال والأنفس والثمرات. وشأن المؤمن عند الابتلاء الصبر والاحتساب والتسليم لينال بشارة الله سبحانه وتعالى: {وَلَنَبْلُوَنَّكُم بِشَيْءٍ مِّنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِّنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنفُسِ وَالثَّمَرَاتِ ۗ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ * الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُم مُّصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ * أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِّن رَّبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ ۖ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ}. فخالص العزاء وصادق الدعاء والمواساة لأهلنا في المغرب وليبيا.

ومضى الشيخ الجهني قائلًا: وقد وجَّه خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز وسمو ولي عهده الأمين رئيس مجلس الوزراء الأمير محمد بن سلمان بن عبدالعزيز -نصرهما الله- مركز الملك سلمان للإغاثة والأعمال الإنسانية بتيسير جسر جوي لتقديم المساعدات الإغاثية المتنوعة للشعبين المغربي والليبي الشقيقين تضامناً واستشعاراً للأخوة الإسلامية، ولتخفيف معاناتهم.

وأكَّد إمام وخطيب المسجد الحرام أن ذلك يأتي ذلك امتداداً لدعم المملكة العربية السعودية المتواصل للدول الشقيقة والصديقة خلال مختلف الأزمات والمحن التي تمرّ بها، فجزاهما الله عنا وعن الإسلام والمسلمين خيراً. وخير ما نقول ما قاله عباد الله الصالحون: إِنَّا لِلَّه وَإِنَّا إِلَيْه رَاجِعُونَ، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.

* وفي المدينة المنورة أوصى إمام وخطيب المسجد النبوي فضيلة الشيخ حسين آل الشيخ المسلمين بتقوى الله تعالى. قال جل من قائل {وَمَن يَتَّقِ اللَّه يَجْعَل لَّه مَخْرَجًا}.

وأوضح إمام وخطيب المسجد النبوي أن من أصول وأركانه العظام الإيمان بالقضاء والقدر، مشيرًا إلى أن كل شيء بقدر الله –جل وعلا- وبعلمه المحيط، وبمشيئته النافذة.. ومن واجب المسلم الإيمان بجميع المقادير، خيرها وشرها، وكل ما يحدث هو بتقديره وعلمه.. قال تعالى {إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاه بِقَدَرٍ}.

وبيّن فضيلته أن المصائب التي تقع بالخلق تحمل من الحكم الربانية ما لا يكون على بال، ولا تحيط به الأذهان.. ففيها من الحكم ما لا يحصى، ومن المصالح ما لا يجارى.

وإن القدر كصفة للرب وأفعاله القائمة بذاته كله خير محض.

اقرأ أيضاًالمملكة“إنفاذ”: بيع 206 عقارات عبر 19 مزادًا علنيًا في 4 مناطق بالمملكة

وتابع فضيلته: المسلم حين يصبر ويحتسب عندما يصاب بمصيبة فهو مبشر بأعلى الدرجات واسمى المراتب.. قال جل من قائل {وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ * الَّذِينَ إذا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَة قَالُوا إِنَّا لِلَّه وَإِنَّا إِلَيْه رَاجِعُونَ * أولئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَة وَأولئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ}، وقال صلى الله عليه وسلم: “عجباً لأمر المؤمن، إن أمره كله خير، وليس ذلك لأحد إلا لمؤمن، إن أصابته سراء شكر فكان خيراً له، وإن أصابته ضراء صبر فكان خيراً له”.

وأوضح فضيلته أنه كلما عظمت المصيبة عظم الأجر عند الله، ففي الحديث: “إن عظم الجزاء مع عظم البلاء، وأن الله إذا أحب قوماً ابتلاهم، فمن رضي فله الرضا، ومن سخط فله السخط”.

وتابع آل الشيخ بأنه بالصبر والرضا بالقضاء والقدر تهون المصائب، وتسلو النفوس، وتطمئن القلوب.. مشيرًا إلى أن من الحكم في المصائب أن الله يكفر بها الذنوب، ويرفع الدرجات.. ففي الحديث: “ما يصيب المؤمن من شوكة فما فوقها إلا رفعه الله بها درجة، أو حط بها عنه خطيئة”.

مبيناً أن الفوز أن يلقى العبد ربه وقد حطت عنه خطاياه؛ قال صلى الله عليه وسلم: “مَا يُصِيبُ الْمُسْلِمَ مِنْ نَصَبٍ وَلاَ وَصَبٍ وَلاَ هَمٍّ وَلاَ حَزَن وَلاَ أَذًى وَلاَ غمٍّ، حتَّى الشَّوْكَة يُشَاكُها إِلاَّ كفَّر اللَّه بهَا مِنْ خطَايَاه“.

وحث إمام وخطيب المسجد النبوي المسلمين على الصبر على قضاء الله وقدره، مبشرًا بأن الله أعد للمؤمن الخير؛ قال تعالى {إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُم بِغَيْرِ حِسَابٍ}، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “من يرد الله به خيراً يصب منه”.

وتابع فضيلته بأن الابتلاء بالمحن هو أعظم كاشف لحقيقة هذه الدنيا؛ فهي سُنة من السنن الربانية الجارية في هذه الحياة؛ قال تعالى: {وَنَبْلُوكُم بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً، وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ}.

وفي الخطبة الثانية بيّن إمام وخطيب المسجد النبوي أن من رحمة الله تعالى على المؤمن حين تقع به المصائب أن يعوَّض عنها؛ ففي الحديث عنْ أبي هُرَيْرةَ، قالَ: قالَ رَسُولُ اللَّه: “الشُّهَدَاءُ خَمسَةٌ: المَطعُونُ، وَالمبْطُونُ، والغَرِيقُ، وَصَاحبُ الهَدْم، وَالشَّهيدُ في سبيل اللَّه“.

المصدر: صحيفة الجزيرة

كلمات دلالية: كورونا بريطانيا أمريكا حوادث السعودية المملکة العربیة السعودیة صلى الله علیه وسلم ى الله علیه وسلم بن عبدالعزیز هذه البلاد الله تعالى قال تعالى ى الله ع

إقرأ أيضاً:

خلال صلوات القداس.. رئيس الكنيسة الأسقفية: الإيمان الحقيقي يظهر في وسط الألم والاحتياج

ترأس المطران الدكتور سامي فوزي رئيس أساقفة إقليم الإسكندرية للكنيسة الأسقفية الأنجليكانية، صلوات القداس الإلهي في كنيسة القديس ميخائيل وجميع الملائكة الأسقفية بالكوربة، حيث قام بخدمة تثبيت أعضاء جُدد بالكنيسة، بحضور القس عماد باسليوس، راعي الكنيسة، و الشماس ريمون دميان.

وتحدث رئيس الأساقفة في عظته قائلاً: إن معجزة العشرة البرص تحمل الكثير من المعاني الروحية العميقة، فهي تذكّرنا بأن الإيمان الحقيقي يظهر في وسط الألم والاحتياج. فقد جمع المرض بين هؤلاء العشرة، رغم اختلافهم في الأصل والجنس، إذ كان بينهم يهود وسامري، ولكنهم اتحدوا في المعاناة والرجاء. واتخذوا معًا قرارًا حكيمًا بالتوجه إلى المسيح الطبيب الأعظم، مدفوعين بالإيمان والرجاء في نوال الشفاء. لم يهتموا بكلام الناس ولا بالخوف من الرفض، بل ساروا إليه بكل تواضع طالبين رحمته، في صورة تعبّر عن الشجاعة الروحية والثقة في محبة الله التي لا تميز بين شخص وآخر.

وأوضح: المسيح لم يلمسهم بيده كما اعتاد أن يفعل في معجزات أخرى، ولم ينطق بكلمات شفاء علنية، لكنه اكتفى بأن يأمرهم قائلًا: «اذهبوا وأروا أنفسكم للكهنة». ورغم أن الشفاء لم يظهر بعد، إلا أنهم أطاعوا كلامه في إيمان كامل، وساروا في الطريق كما أمرهم، وهناك حدثت المعجزة، فشُفي الجميع في أثناء سيرهم. وهنا تظهر طاعة الإيمان، فالبركة جاءت في الطريق، لا قبل الطاعة ولا بعدها. ومع ذلك، عاد واحد فقط من العشرة، وهو السامري، ليشكر المسيح ويُمجّد الله من كل قلبه، أما الباقون فانشغلوا بما نالوه دون أن يتذكروا من وهبهم الحياة من جديد.

بحضور لفيف من الأساقفة.. قداس افتتاحي بكنيسة جديدة في شرق إنجلترا | صورالكنيسة الكاثوليكية بمصر تهنئ أعضاء مجلس الشيوخ المنتخبين والمُعيّنينمكتب الرسالات البابوية بإيبارشية طيبة تنظم يومًا تكوينيًا لكنائس منطقة البحر الأحمر بالإيبارشيةالبابا تواضروس يستقبل الأمين العام لمجلس كنائس الشرق الأوسط

وأختتم: إن هذه المعجزة تفتح أمامنا باب التأمل في حياة الشكر الحقيقية، فالله يمنحنا يوميًا عطايا وبركات لا تُحصى، ومع ذلك كثيرون ينسون أن يعودوا بالشكر والعرفان. فالإيمان ليس مجرد طلب عطايا، بل علاقة حية تقوم على المحبة والشكر الدائم. كما أن المسيح ينتظر منا أن نكون مثل السامري الذي عاد ليقدّم الشكر، لأن الشكر هو علامة القلب المملوء إيمانًا.

الجدير بالذكر أن خدمة التثبيت هى إعلان انضمام الفرد لعضوية الكنيسة الأسقفية، إذ يتعهد العضو الجديد أمام الأسقف والراعي والحضور جميعاً، بالتعمق في دراسة كلمة الله، وعيش حياة الصلاة المنتظمة.

طباعة شارك الدكتور سامي فوزي الأسقفية القداس خدمة التثبيت

مقالات مشابهة

  • «أزمة نفسية كلفته حياته».. التصريح بدفن جثة شاب عثروا عليه بشقة في الجيزة
  • خلال صلوات القداس.. رئيس الكنيسة الأسقفية: الإيمان الحقيقي يظهر في وسط الألم والاحتياج
  • أمين عام البحوث الإسلامية: الإيمان والعلم طريقان متكاملان
  • رئيس جامعة بنها ووكيل الأزهر الشريف يفتتحان ندوة الإيمان أولا
  • حكيمي يتحدث عن دور الإيمان في حياته: سر التوازن والنجاح
  • أمين البحوث الإسلاميَّة: الإيمان والعِلم طريقان متكاملان والدِّين لا يتعارض مع حقائق الكون والعقل
  • أمين البحوث الإسلاميَّة: الإيمان والعِلم طريقان متكاملان
  • الفرق بين الإيمان والإسلام ودقة استعمال كل منهما في القرآن والسنة
  • فتاوى| ماذا يحدث لمن صبر عند البلاء والكرب؟.. زوجت نفسي بعقد رسمي وبدون ولي فهل زواجي صحيح؟.. كيف أعرف الحائل الذي يمنع صحة الطهارة؟
  • ماذا يحدث لمن صبر عند البلاء والكرب؟.. 10 عجائب تهون المصيبة