من جزيرة ماوي وهي جزء من أرخبيل جزر هاواي في المحيط الهادي، إلى البحر الأبيض المتوسط دمرت حرائق الغابات التي يغذيها تغير المناخ المجتمعات هذا الصيف، وأسفر ذلك عن مقتل عديد من الأشخاص، وإرهاق رجال الإطفاء، وزيادة الطلب على حلول جديدة.

ومع تزايد حجم حرائق الغابات وزيادة حدتها مع ارتفاع درجة حرارة العالم، يسعى رجال الإطفاء والمرافق والحكومات جاهدين للتغلب على النيران عن طريق الاستفادة من أحدث تقنيات الذكاء الاصطناعي.

وفي حين يأمل المستجيبون الأوائل من رجال الإطفاء -الذين يعانون من الإجهاد بشكل متزايد- أن يوفر لهم الذكاء الاصطناعي الدعم، لا تزال هناك حاجة إلى البشر للتحقق من دقة التكنولوجيا.

كاليفورنيا قامت باختبار نظام ذكاء اصطناعي يبحث عن الدخان بواسطة استخدام أكثر من ألف كاميرا (أسوشيتد برس) البحث عن الدخان

أفاد تقرير حديث لموقع "فيز دوت أورغ" بأن وكالة مكافحة الحرائق الرئيسية في كاليفورنيا بدأت هذا الصيف باختبار نظام للذكاء الاصطناعي يبحث عن الدخان بواسطة استخدام أكثر من ألف كاميرا على قمة الجبل، وتقوم الآن بتوسيع نطاقه على مستوى الولاية.

وصُمم النظام لتنبيه مراكز قيادة الطوارئ، إذ يتأكد الموظفون مما إذا كان هناك دخان بالفعل أو أي شيء آخر في الهواء.

وتوفر الكاميرات -وهي جزء من شبكة كان يتعين على العمال مراقبتها سابقا- مليارات البايتات من البيانات لنظام الذكاء الاصطناعي ليتمكن من استيعابها.

وفي حين أن البشر لا يزالون بحاجة إلى تأكيد أي مشاهدات للدخان، فإن النظام يساعد على تقليل التعب بين الموظفين الذين يراقبون عادة شاشات وكاميرات متعددة، وينبههم للنظر فقط عندما يكون هناك حريق أو دخان محتمل.

وتتخذ شركة "بانو إيه آي" الناشئة في سان فرانسيسكو نهجا مشابها، حيث تقوم بتركيب كاميرات على الأبراج الخلوية التي تقوم بمسح الدخان وتنبيه العملاء، منها أقسام الإطفاء وشركات المرافق ومنتجعات التزلج. وتستخدم الكاميرات التعلم الآلي للرؤية الحاسوبية، وهو نوع من الذكاء الاصطناعي.

الكاميرات تستخدم التعلم الآلي للرؤية الحاسوبية، وهو نوع من الذكاء الاصطناعي (أسوشيتد برس)

ويتم دمج الصور مع موجزات من الأقمار الصناعية الحكومية للطقس التي تبحث عن النقاط الساخنة، إلى جانب مصادر البيانات الأخرى، مثل منشورات وسائل التواصل الاجتماعي.

وتتغلب هذه التقنية على إحدى المشاكل الرئيسية في الطريقة التقليدية للكشف عن حرائق الغابات، وهي الاعتماد على مكالمات 911 من المارة، والتي تحتاج إلى تأكيد من الموظفين قبل نشر الطواقم وطائرات إسقاط المياه.

برامج ونماذج أخرى في الطريق

يعمل فريق تقني في مايكروسوفت على تطوير نماذج الذكاء الاصطناعي للتنبؤ بالأماكن التي من المحتمل أن تبدأ فيها الحرائق. وقام الفريق بتغذية النموذج بخرائط المناطق التي احترقت سابقا، إلى جانب البيانات المناخية والجغرافية المكانية.

هذا النظام له حدوده، فهو لا يستطيع التنبؤ بأحداث عشوائية مثل ضربة البرق، لكن يمكنه التدقيق في بيانات الطقس والمناخ التاريخية لتحديد الأنماط، مثل المناطق التي عادة ما تكون أكثر جفافا.

وقال رئيس الفريق إن التكنولوجيا -التي تخطط مايكروسوفت لتقديمها كأداة مفتوحة المصدر- يمكن أن تساعد المستجيبين الأوائل الذين يحاولون معرفة مكان تركيز مواردهم المحدودة.

شركة أخرى تتطلع لإيجاد حل، وهي شركة "أورورا تك" الألمانية الناشئة، حيث تقوم بتحليل صور الأقمار الصناعية باستخدام الذكاء الاصطناعي.

للاستفادة من التقدم في الكاميرات والأقمار الصناعية والذكاء الاصطناعي، أطلقت أورورا تك قمرين صناعيين (أسوشيتد برس)

ومن خلال الاستفادة من التقدم في تكنولوجيا الكاميرات والأقمار الصناعية والذكاء الاصطناعي، أطلقت "أورورا تك" قمرين صناعيين صغيرين بحجم صندوق الأحذية إلى مدار منخفض، على ارتفاع حوالي 550 كيلومترا فوق سطح الأرض.

وتطمح الشركة -التي يقع مقرها في ميونخ- إلى وضع 8 أقمار أخرى العام المقبل لتصل إلى 100 قمر في نهاية المطاف بالفضاء.

ومع اجتياح حرائق الغابات لوسط تشيلي هذا العام، قالت شركة "أورورا تك" إنها قدمت صورا حرارية ليلا، إذ يقل استخدام الطائرات دون طيار في هذا الوقت نظرا للظلام.

وبعد أسابيع من إطلاق "أورورا تك" قمرها الصناعي الثاني، اكتشفت حريقا بالقرب من مجتمع نهر كيج في شمال ألبرتا، بكندا، حيث أحرقت النيران مساحات نائية من الغابات الشمالية بشكل متكرر هذا الصيف.

وقال الرئيس التنفيذي توماس غروبلر إن "هناك خوارزميات على القمر الصناعي، وهي فعالة للغاية لاكتشاف الحرائق بشكل أسرع".

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: الذکاء الاصطناعی حرائق الغابات

إقرأ أيضاً:

حروب بلا جنرالات.. كيف تعيد المسيّرات والذكاء الاصطناعي رسم خرائط القوة والردع؟

في زمن يتقاطع فيه الذكاء الاصطناعي مع الدمار، وتحل المسيرات محل الجيوش الجرارة، تُعاد كتابة معادلات الصراع، وتُصاغ خرائط الردع من جديد. 

لم تعد الحروب تندلع فقط عبر الجنرالات، بل تشعلها خوارزميات وتديرها شبكات عصبية ذكية. ومع كل هجوم بطائرة دون طيار، وكل خوارزمية تتخذ قراراً أسرع من البشر، يتأكد للعالم أن مشهد الحروب قد دخل حقبة جديدة، لا يشبه فيها الحاضر ماضياً، ولا يبدو المستقبل إلا أكثر تعقيداً وخطورة. 

وفي هذا الإطار، جاءت عملية "شبكة العنكبوت" الأوكرانية لتكشف عمق التحولات الجارية، وتدفع الخبراء إلى مراجعة أسس الردع والاستعدادات العسكرية في ضوء الابتكار التقني المتسارع.

العملية الأوكرانية.. اختبار لقواعد الاشتباك الجديدة

سلّطت عملية "شبكة العنكبوت" التي نفذتها أوكرانيا في العمق الروسي، الضوء على صعود دور الطائرات المسيّرة كأداة رئيسية في الحروب المعاصرة. فرغم أن العملية أثارت ضجة إعلامية كبرى، إلا أن أثرها الاستراتيجي يبقى محل جدل، بحسب ما تراه الخبيرة العسكرية الأمريكية مارا كارلين، الأستاذة بجامعة جونز هوبكنز، والمستشارة السابقة لستة وزراء دفاع أمريكيين.

كارلين، وفي مقابلة مع مجلة "فورين بوليسي"، أشارت إلى أن تضارب الروايات حول حجم الخسائر الروسية — بين تدمير 40 قاذفة كما تزعم أوكرانيا، وعدد محدود بحسب روسيا — يجعل من الصعب تقييم الأثر الحقيقي للعملية. لكنها بالمقابل شددت على أهمية عنصر المفاجأة ودقة التخطيط الذي سبق الهجوم، وهو ما يُعزز من قيمة العملية في ميزان الحروب النفسية والاستراتيجية.

وقامت كارلين بمقارنة "شبكة العنكبوت" بهجوم إسرائيلي سابق ضد حزب الله في الخريف الماضي، والذي أسفر عن إصابة نحو ألفي عنصر من الحزب، معتبرة أن الهجوم الإسرائيلي كان أكثر تأثيراً، رغم التشابه من حيث الاستخدام المبتكر للتقنيات الحديثة. كما رأت أن المسيّرات أصبحت عنصراً فاعلاً في العديد من الجبهات، منها التصعيد بين إسرائيل وإيران، وكذلك التوتر بين الهند وباكستان، مما يؤكد أنها أداة عالمية في إعادة تشكيل الصراعات.

الذكاء الاصطناعي.. أداة تعقيد أم تفوّق؟

أما في ما يخص الذكاء الاصطناعي، فقد اعتبرته كارلين عاملاً مضاعفاً للسرعة والفهم في ساحات القتال، لكنه في الوقت ذاته يطرح تهديدات على صعيد اتخاذ القرار. فالتكنولوجيا، برأيها، تفرض على القادة اتخاذ قرارات في توقيتات قصيرة، أشبه بلعبة شطرنج بين حاسوبين خارقين، مما قد يؤدي إلى اندلاع حروب دون تفكير كافٍ في التبعات.

وتقول: "أشعر بالقلق من تسريع الذكاء الاصطناعي لدورات اتخاذ القرار بشكل مفرط. قد تجد أشخاصاً يقررون تحت ضغط، دون التروي اللازم، وهو ما قد يفتح الباب أمام كوارث عسكرية غير محسوبة".

رغم ذلك، ترى الخبيرة أن الذكاء الاصطناعي قد يمنح الدول الصغيرة فرصاً جديدة، خاصة من خلال شبكات التحالفات الذكية، لكنه سيظل في خدمة الدول التي تحسن استثماره وتطوير بنيتها المؤسسية حوله.

الردع النووي وتزايد الشكوك

في سياق متصل، أوضحت كارلين أن الحديث عن الأسلحة النووية عاد بقوة، لا سيما في أوروبا ومنطقة المحيطين الهندي والهادئ، حيث بدأت ترتفع الأصوات في دول مثل كوريا الجنوبية واليابان وألمانيا وبولندا تطالب بامتلاك "قدرات نووية كامنة". حتى السويد، المعروفة بحيادها، شهدت نقاشات سياسية في الاتجاه ذاته.

ويأتي هذا القلق نتيجة تآكل الثقة في المظلة النووية الأمريكية، ما يطرح علامات استفهام حول فعالية الردع الممتد الذي لطالما شكل أحد أعمدة الاستقرار العالمي بعد الحرب العالمية الثانية.

وبنظرة أوسع، ترى كارلين أن فهمنا لمفهوم الحرب يجب أن يتجاوز التكتيكات العسكرية، ليشمل التأثيرات التقنية والاجتماعية والاقتصادية، تماماً كما كانت الثورات الصناعية والزراعية والديمقراطية محطات مفصلية في تاريخ البشرية.

عودة محتملة لفكرة “الحرب الشاملة”

وفي ضوء التصعيد في أوكرانيا والشرق الأوسط، تحذر الخبيرة من عودة سيناريو "الحرب الشاملة"، بما يتضمنه من استعدادات تقليدية ونووية. وتقول إن الاقتصار على مكافحة الإرهاب لم يعد كافياً، وأن الجيوش بحاجة إلى إعادة هيكلة استعداداً لصراعات أوسع وأكثر تقليدية.

أما الولايات المتحدة، فرغم تفوقها التكنولوجي، إلا أن كارلين ترى أن استعدادها غير مكتمل، في ظل تراجع الكفاءات المدنية في وزارة الدفاع، مما يؤثر على قدرتها على التخطيط الاستراتيجي طويل الأمد.

كما شككت في جدوى مشروع "القبة الذهبية"، الذي يجري الترويج له حالياً، نظراً لتكلفته العالية، وتعارضه مع الفلسفة العسكرية الأمريكية التي اعتادت على الردع الاستباقي لا الدفاع الثابت.

الصين.. القفزة الكبرى في سباق التسلح

وفي الملف الصيني، أبدت الخبيرة قلقاً من التسارع الكبير في تطوير القدرات النووية والبحرية والفضائية والسايبرية لدى الجيش الصيني. كما حذرت من غياب الحوار العسكري بين واشنطن وبكين، في وقت يتصاعد فيه التوتر حول تايوان، التي تطمح الصين للسيطرة عليها عسكرياً بحلول عام 2027.

وهكذا يبدو أن العالم يقف على أعتاب مرحلة جديدة من الصراعات، حيث لم تعد القوة الصلبة وحدها كافية، ولم يعد التفوق التكنولوجي محصوراً بالدول الكبرى. فالمعادلة تتغيّر، والتاريخ يعيد كتابة نفسه بأدوات جديدة وأخطار أعظم. وبينما تتقدم المسيرات وتخترق الخوارزميات جبهات القتال، يبقى السباق مفتوحاً على مستقبل غامض، ترسم ملامحه طائرات بلا طيار، وعقول إلكترونية أسرع من الضوء… وأخطر من الحرب نفسها.

طباعة شارك الذكاء الاصطناعي شبكة العنكبوت أوكرانيا روسيا إيران إسرائيل إسرائيل وإيران

مقالات مشابهة

  • استمرار حرائق الغابات في كندا
  • حرائق الغابات تلتهم 3.5 ملايين هكتار وتقترب من فانكوفر غرب كندا
  • حرائق الغابات في كندا تواصل تمددها والسلطات تدعو للحذر
  • حرائق الغابات تقترب من فانكوفر في غرب كندا
  • تلتهم الأخضر واليابس.. حرائق الغابات المبكرة تجتاح كندا
  • حروب بلا جنرالات.. كيف تعيد المسيّرات والذكاء الاصطناعي رسم خرائط القوة والردع؟
  • إجلاء آلاف الأشخاص في مقاطعة مانيتوبا الكندية بسبب حرائق الغابات
  • إجلاء 21 ألف شخص في كندا بسبب حرائق الغابات
  • بسبب حرائق الغابات.. كندا تجلي 21 ألف شخص من مقاطعة مانيتوبا
  • أبل ستتيح تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي التي تستخدمها للمطورين