قمة غرناطة.. أوروبا تجتمع حول كاراباخ بغياب أذربيجان وتركيا
تاريخ النشر: 5th, October 2023 GMT
غياب تركيا وأذربيجان عن قمة غرناطة يقوض مساعي توفير إطار غير رسمي لتسوية أزمة إقليم ناغورني كاراباخ.
يلتقي نحو 50 قياديا أوروبيا في غرناطة بجنوبإسبانيا على أمل تأكيد عزمهم على إحراز تقدم حول مسائل جيوسياسية عدة، غير أن غياب رئيسَي أذربيجان وتركيا قد يقوض مصداقية الاجتماع.
مختارات على وقع أزمة لاجئين خانقة..بعثة أممية تبدأ زيارة تاريخية إلى كراباخ أرمن كاراباخ ـ مصير مجهول وحلفاء غائبون!
هجوم أذربيجان الخاطف مكن باكو من استعادة سيادتها على ناغورني كاراباخ، ولكن أيضا هروب آلاف الأرمن وسط ذهول المجتمع الدولي. تبدو أرمينيا اليوم في عزلة قاتلة، فلا حلفاء الأمس ولا أصدقاء اليوم هبوا لنجدتها وفق معلقين غربيين.
فرار ثلاثة أرباع الأرمن من كاراباخ .. وخبراء: يستوفي شروط جريمة حربفي عملية نزوح جماعي، فر أكثر من 90 ألفاً من الأرمن من إقليم ناغورني كاراباخ الانفصالي إثر سيطرة أذربيجان على الإقليم، وذلك على الرغم من دعوات أذربيجان لهم للبقاء. قال خبراء إن عملية الخروج تستوفي شروط جريمة حرب.
وسط نزوح الأرمن.. روسيا وأمريكا تتبادلان اللوم بشأن أزمة كاراباختتبادل كل من موسكو وواشنطن الاتهام بزعزعة الاستقرار في منطقة جنوب القوقاز، في ظل فرار الآلاف من عرق الأرمن من منازلهم في ناغورني كاراباخ بسبب الخوف من التطهير العرقي. فيما أكدت باكو ضمان حقوقهم.
وإن كانت هذه القمة الثالثة للمجموعة السياسية الأوروبية تحمل رمزية كبيرة، فإن غياب إلهام علييف كما غياب الرئيس التركي رجب طيب أردوغان المتوقع سيشكلان نكسة للمنتدى الذي يرمي بشكل أولي إلى توفير إطار غير رسمي لتسوية بؤر توتر إقليمية.
وأبدى مسؤول الشؤون الخارجية في الاتحاد الأوروبي جوزيب بوريل الخميس (الخامس من أكتوبر/ تشرين الأول 2023) أسفه لقرار رئيسَي أذربيجان إلهام علييف وتركيا رجب طيب أردوغانعدم المشاركة في القمة، قائلًا لدى وصوله "لن نتمكن من الحديث هنا عن مسألة خطيرة مثل اضطرار أكثر من مئة ألف شخص إلى مغادرة منازلهم على عجل للهروب من عملية عسكرية".
وبعد أسبوعين على الهجوم الخاطف الذي شنته قوات أذربيجان على ناغورني كاراباخ دافعة سكان الإقليم الأرمن إلى الفرار، كان المسؤولون الأوروبيون يأملون في استضافة اجتماع بين علييف ورئيس وزراء أرمينيا نيكول باشينيان. لكن عشية هذه القمة، عدل رئيس أذربيجان عن التوجه إلى إسبانيا إثر ورود إشارات دعم أوروبية ليريفان.
وندد بـ"أجواء معادية لأذربيجان" معتبرا أن من غير "الضروري" المشاركة في المفاوضات في إطار الاجتماع الأوروبي، على ما أعلن مسؤول أذربيجاني لوكالة فرانس برس الأربعاء. وأعرب باشينيان الذي سيحضر القمة عن خيبة أمله وقال "كنا في ذهنيّة بناءة ومتفائلة، كنا نعتقد أنه من الممكن توقيع وثيقة".
وفي وقت لاحق الخميس، أكّد مستشار الرئاسة الأذربيجاني حكمت حاجييف على منصة "إكس" أن باكو مستعدّة لإجراء محادثات مع أرمينيا بوساطة الاتحاد الأوروبي، حتى لو لم تحضر أذربيجان قمة المجموعة السياسية الأوروبية في إسبانيا. وقال حاجييف إن باكو مستعدة للمشاركة قريبًا في بروكسل "في اجتماعات ثلاثية بين الاتحاد الأوروبي وأذربيجان وأرمينيا".
وندّد بـ"سياسة العسكرة" التي تمارسها فرنسا في جنوب القوقاز والتي دفعت بلده وفق قوله إلى رفض المشاركة في قمة غرناطة، بالإضافة إلى تعامل الاتحاد الأوروبي مع المنطقة وغياب تركيا عن القمة. لكن ذلك لا يعني أن باكو "ترفض المحادثات مع أرمينيا"، وفق قوله.
والتقى باشينيان وعلييف خلال القمة الأخيرة للمجموعة السياسية الأوروبية في حزيران/ يونيو في مولدافيا، وشارك في الاجتماع آنذاك رئيس المجلس الأوروبي شارل ميشال والرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون والمستشار الألماني أولاف شولتس.
وفي حال إلغاء اللقاء المرتقب حول ناغورني كاراباخ بسبب غياب أذربيجان وتركيا، قد ينتقل تركيز قمة غرناطة إلى أزمة الهجرة التي يأمل رئيس الوزراء البريطاني ريشي سوناك في أن تكون في صلب المحادثات. واتفقت الدول الـ27 الأربعاء على نص يهدف إلى تنسيق استجابة مشتركة في حال تدفق أعداد كبيرة من المهاجرين إلى إحدى دول الاتحاد الأوروبي، كما حدث أثناء أزمة اللاجئين في 2015-2016.
ع.ش/ ع.خ (أ ف ب، د ب أ)
المصدر: DW عربية
كلمات دلالية: المجموعة السياسية الأوروبية الرئيس التركي رجب طيب أردوغان رئيس أذربيجان إلهام علييف إقليم ناغورني كاراباخ دويتشه فيله المجموعة السياسية الأوروبية الرئيس التركي رجب طيب أردوغان رئيس أذربيجان إلهام علييف إقليم ناغورني كاراباخ دويتشه فيله الاتحاد الأوروبی ناغورنی کاراباخ
إقرأ أيضاً:
اتفاق الشراكة على المحك.. هل تفتح أوروبا جبهة اقتصادية ضد إسرائيل؟
في ظل استمرار الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة، وتنامي الإدانات الدولية، دخلت الأزمة طورًا جديدًا من الضغوط الغربية، ليس فقط على الصعيد السياسي والإنساني، بل من بوابة العلاقات الاقتصادية والاتفاقيات الاستراتيجية.
إذ بدأت دول أوروبية كبرى، على رأسها فرنسا وبريطانيا، تلوّح بمراجعة أو إلغاء واحدة من أبرز الاتفاقيات التي تربط الاتحاد الأوروبي بإسرائيل، في خطوة غير مسبوقة تهدد بإعادة صياغة العلاقة بين الطرفين بعد أكثر من ربع قرن من التعاون.
فهل يمكن أن تصل الأمور إلى حدّ فرض العقوبات الاقتصادية؟ وما هو تأثير ذلك على الاقتصاد الإسرائيلي؟
في بيان مشترك صدر أمس الاثنين، وجّهت كل من فرنسا وبريطانيا وكندا تحذيرًا شديد اللهجة إلى إسرائيل، ملوّحين بفرض عقوبات مباشرة على إسرائيل في حال استمرار العملية العسكرية في غزة، واستمرار القيود على دخول المساعدات الإنسانية.
وفي خطوة نوعية، أعلن وزير الخارجية الفرنسي جان نويل بارو الثلاثاء، عن دعم باريس لمراجعة اتفاقية الشراكة بين الاتحاد الأوروبي وإسرائيل، داعيًا المفوضية الأوروبية إلى فتح تحقيق رسمي بشأن مدى التزام إسرائيل بالمادة الثانية من الاتفاقية، والتي تشترط احترام حقوق الإنسان والمبادئ الديمقراطية كأساس للتعاون.
بارو أوضح أن تسهيل إسرائيل وصول بعض المساعدات إلى غزة "غير كافٍ على الإطلاق"، مشددًا على الحاجة إلى تدخل إنساني فوري وكبير.
من جانبه، صعّد الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون لهجته، وندّد بسياسة رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، واصفًا تعامل حكومته مع الملف الإنساني بأنه "مخزٍ وغير مقبول"، وداعيًا الدول الأوروبية إلى دراسة فرض عقوبات إضافية، بما يشمل إعادة تقييم الاتفاقيات الاقتصادية القائمة مع إسرائيل.
وفي هذا السياق، يناقش وزراء خارجية الاتحاد الأوروبي، في اجتماعهم ببروكسل، إمكانية مراجعة الاتفاقية أو تعليقها، وهو ما قد يشكل سابقة منذ توقيعها.
ويأتي ذلك وسط شعور متنامٍ داخل أوروبا، بأن إسرائيل لم تعد تلتزم بالمعايير المشتركة التي وضعت كأساس للتعاون المستمر منذ ربع قرن.
ما هي اتفاقية الشراكة الأوروبية الإسرائيلية؟وقّع الاتحاد الأوروبي وإسرائيل اتفاقية الشراكة في بروكسل عام 1995، ودخلت حيز التنفيذ عام 2000 بعد مصادقة جميع البرلمانات الأوروبية والكنيست الإسرائيلي.
وتُعد هذه الاتفاقية حجر الأساس في العلاقات الثنائية، إذ تنظم التعاون السياسي والتجاري والاستراتيجي بين الجانبين، وتشمل محاور رئيسية أبرزها:
تحرير شبه كامل للتجارة: عبر إلغاء الرسوم الجمركية والحواجز التجارية.تعاون استراتيجي واسع: يشمل مجالات مثل التعليم، البحث العلمي، الزراعة، الأمن، النقل، والثقافة.إدماج تدريجي لإسرائيل في السوق الأوروبية: بمنحها امتيازات مماثلة لتلك التي تتمتع بها بعض دول الاتحاد.مجلس شراكة ثنائي: يُعنى بمتابعة وتنفيذ بنود الاتفاق.غير أن المادة الثانية من الاتفاقية أصبحت اليوم في قلب الخلاف الأوروبي الإسرائيلي، إذ تنص صراحة على أن "جميع أحكام الاتفاقية تقوم على احترام حقوق الإنسان والمبادئ الديمقراطية". وهذه المادة، التي لطالما اعتبرها الأوروبيون رمزية، أصبحت حاليًا القاعدة التي يُبنى عليها مطلب المراجعة وربما الإلغاء، في ضوء اتهامات متزايدة لإسرائيل بانتهاك هذه المبادئ في غزة.
التأثيرات الاقتصادية المحتملة على إسرائيلأي تعليق أو إلغاء لاتفاق الشراكة من قبل الاتحاد الأوروبي سيشكّل ضربة موجعة للاقتصاد الإسرائيلي، الذي يعتمد بنسبة كبيرة على أوروبا في معاملاته التجارية. وتشير البيانات إلى أن 31% من واردات إسرائيل و24% من صادراتها تتم مع دول الاتحاد الأوروبي، ما يجعل أوروبا الشريك التجاري الأكبر لتل أبيب.
ورغم الظروف الحربية، بلغت صادرات إسرائيل إلى أوروبا في الربع الأول من عام 2024 نحو 4.27 مليار يورو، ساهمت في تحقيق فائض تجاري ملموس. كما تستفيد الجامعات والمؤسسات البحثية الإسرائيلية من التمويل الأوروبي ضمن برامج علمية مشتركة، حصلت من خلالها على 126 مليون يورو منذ اندلاع الحرب الأخيرة فقط.
ويرى محللون أن ما يميز الحراك الأوروبي الحالي هو تجاوزه للمواقف الإعلامية إلى خطوات مؤسساتية فعلية، مثل التحركات داخل البرلمان الأوروبي والمبادرات الوطنية، كما في هولندا وفرنسا. ويشير ذلك إلى احتمال حدوث تحول جذري في نمط العلاقات الأوروبية الإسرائيلية، ما يعمّق من الأزمة السياسية والاقتصادية التي تواجهها إسرائيل، ويضعها أمام "أخطر أزمة دبلوماسية اقتصادية منذ عقود"، بحسب وصف مراقبين غربيين.
التهديدات الأوروبية لم تعد مجرد ضغوط دبلوماسية، بل تحوّلت إلى تهديد مباشر للبنية الاقتصادية والتجارية للعلاقات مع إسرائيل. وإذا ما قرر الاتحاد الأوروبي تعليق أو إلغاء اتفاقية الشراكة، فإن تل أبيب قد تواجه عزلة اقتصادية غير مسبوقة، تضيف إلى أزماتها الأمنية والدبلوماسية والإنسانية، في وقت يتزايد فيه الاستياء الدولي من سياساتها في غزة والضفة الغربية. الأيام المقبلة قد تكون حاسمة في رسم مستقبل هذه العلاقة الاستراتيجية الممتدة منذ أكثر من ربع قرن.
وفي هذا السياق، رحّب الدكتور محمد محمود مهران، أستاذ القانون الدولي، بالبيان الثلاثي الصادر عن بريطانيا وفرنسا وكندا، معتبراً أنه يمثل تحولاً في مواقف بعض الدول الغربية وتحملها لمسؤولياتها القانونية والأخلاقية.
واعتبر مهران، البيان بأنه اعترافاً ضمنياً بأن إسرائيل ترتكب جرائم حرب، خاصة من خلال منع دخول المساعدات الإنسانية، وهو ما يشكل انتهاكاً لاتفاقيات جنيف وللقانون الدولي الإنساني.
إسرائيل تستخدم التجويع كسلاحأضاف مهران في تصريحات لـ “صدى البلد”، أن سماح إسرائيل بدخول تسع شاحنات فقط من المساعدات لا يعدو كونه خطوة دعائية لتجميل صورتها أمام العالم، في وقت يعيش فيه أكثر من مليوني فلسطيني تحت حصار يرقى إلى استخدام التجويع كسلاح، وهو ما يندرج أيضاً ضمن جرائم الحرب حسب نظام روما الأساسي.
وشدد على ضرورة البناء على البيان الثلاثي لتحريك موقف دولي أوسع، خصوصاً بعد انضمام أكثر من 22 دولة للمطالبة بفتح المعابر وإدخال المساعدات. كما دعا إلى خطوات عملية مثل فرض العقوبات الاقتصادية والدبلوماسية، وتفعيل مبدأ الولاية القضائية الدولية لمحاكمة المسؤولين الإسرائيليين المتورطين في انتهاكات جسيمة.
وفي الختام، دعا الدكتور مهران إلى تحرك عربي موحد يستثمر هذا التحول الدولي، مؤكداً أن الاكتفاء بالتصريحات لن يكون كافياً، محذراً من أن استمرار ازدواجية المعايير سيقوّض مصداقية النظام الدولي ويفاقم حالة الإحباط من فاعلية القانون الدولي في إنصاف الشعوب المظلومة.