يعتقد البعض بأن اهتمام اليمنيين وتفاعلهم الكبير مع قضايا خارج حدودهم، ناتج عن وعي فكري وسياسي عالي، واحساس بالمسؤولية تجاه "قضايا الأمة العربية والإسلامية". والحقيقة أن هذا الاهتمام ما هو إلا حالة من التشوه الفكري والتخلف الحضاري.
ويرجع السبب في ذلك إلى رواج عقائد غير وطنية، وغياب العقيدة الوطنية. فخلال السبعين عاما الماضية تشكل الوعي السياسي/الفكري في اليمن عبر تيارين رئيسيين هما تيار اليسار بشقيه الماركسي/القومي، وتيار اليمين الديني الإخواني، والحوثي لاحقا.

وهذه التيارات رغم اختلافاتها الجذرية لكنها تشترك في خاصية أساسية وهي أنها تيارات غير وطنية من حيث المنطلقات الفكرية والغايات السياسية العامة، رغم ادعاءاتها الزائفة بأنها تيارات يمنية أصيلة.
فاليسار الماركسي في اليمن، والذي هو عبارة عن رجع صدى باهت لعقيدة صنعت في بيئة مختلفة تماما عن البيئة اليمنية، خلق وعي سياسي/فكري زائف لتفسير الواقع المحلي والدولي. وكان من مخرجات هذا الوعي -خاصة خلال فترة الشطط الإيديولوجي في اليمن الجنوبي السابق- خلق اهتمامات غير وطنية في ذهن الناس، مثل الصراع مع الإمبريالية العالمية وعملائها المحليين و الإقليميين، ممن كان يطلق عليهم قوى الرجعية.
أما اليسار القومي بشقيه البعثي والناصري، فكل أدبياته، والتي تتصف بالركاكة مقارنة بأدبيات اليسار الماركسي، تتركز حول ما تسميه قضايا الأمة العربية، وتحديدا موضوع الوحدة العربية وقضية فلسطين، ومن ثم لا وجود فعلي لليمن ومشاكله في هذه الأدبيات، إلا ضمن سياق قضايا الأمة العربية.
ولم يكن تيار الإسلام السياسي السني، والذي تمثله حركة الإخوان المسلمين، مختلفا عن التيار اليساري من حيث اهتماماته، بقضايا غير وطنية. فهذا التيار، رغم أنه يدعي بأنه يمثل الدين الصحيح لليمنيين، إلا أنه عمليا، وخاصة في الجانب الفكري، أبعد من أن يكون فكرا يمنيا. فأساس هذا التيار يقوم على فكرة الأمة الإسلامية المتجاوزة للدولة الوطنية، والتي يعتبرها حالة مؤقتة مصنوعة من قبل أعداء الأمة الإسلامية. ومن ثم فإن إنهاء هذه الحالة وإنشاء الأمة الإسلامية وعودة الخلافة هو الحل السحري والنهائي للمشاكل اليمنية.
ووفقا لذلك؛ فإن قضايا "الأمة الإسلامية" مثل قضية فلسطين والحرب ضد أعداء الأمة في أفغانستان خلال الغزو السوفيتي، ومساعدة المسلمين في البوسنة والهرسك، والشيشان وغيرها، لها الأولوية على القضايا اليمنية، وخاصة خلال فترة اشتعال الحروب في هذه المناطق.
أما التيار الحوثي، فإنه أكثر التيارات السياسية تطرفا في الانشغال -فكريا على الأقل- بمواضيع غير وطنية، فالأساس الفكري لهذا التيار يقوم على أن الحركة الحوثية وجدت من أجل التصدي لأعداء الأمة (أمريكا وإسرائيل).
لقد أدت التعبئة الفكرية للتيارات المذكورة إلى قلب الأولويات لدى الكثير من النخب اليمنية والغالبية الساحقة من العامة. ولم يعد من أولويات هؤلاء الخروج من التخلف الحضاري الذي يعيشونه، وما يعنيه ذلك من بؤس وفقر وعبث من قبل الخارج في وطنهم، وإنما تحرير فلسطين، وهزيمة السوفيت في أفغانستان، ونصرة العرب والمسلمين في مناطق الصراع مهما كانت بعيدة عنهم.
فخلال الثمانينات تم الدفع بآلاف الشباب للجهاد في أفغانستان، وفي فترات لاحقة تم الزج بالألاف كوقود لمعارك لا شأن لهم فيها في دول عديدة. وليس من المبالغة القول أن من الممكن تجنيد مئات الألوف من اليمنيين في معارك خارج بلدهم في الوقت الحالي بكل سهولة نصرة لقضايا لا تخصهم، لو كان الأمر متاح.
في المقابل تجد غالبية اليمنيين غير مكترثين بتغيير واقعهم المزري وخوض معارك، غير عسكرية، مثل معارك التنمية والتحديث والرفاهية، لأن تيارات اليسار واليمين حرفت بوصلة اهتماماتهم عن هذه القضايا لصالح قضايا لا ناقة لهم فيها ولا جمل.
أن أخطر ما نتج عن غرس العقائد غير الوطنية أنها سهلت على الدول الخارجية التدخل في شؤون اليمن تحت لافتة الأمة العربية أو الإسلامية وما يسمى كذبا بالمشروع العربي وغيرها من التسميات الزائفة. وكانت النتيجة تدمير الدولة اليمنية واستباحتها من قبل الغرباء والذي ينعتونهم اليمنيين بصفة أشقاء.

المصدر: المشهد اليمني

كلمات دلالية: الأمة الإسلامیة الأمة العربیة

إقرأ أيضاً:

اللجنة الوزارية المكلّفة من القمة العربية الإسلامية المشتركة تعقد اجتماعًا موسعًا مع مجموعة مدريد وعددٍ من الدول الأوروبية

عقد أعضاء اللجنة الوزارية المكلّفة من القمة العربية الإسلامية المشتركة غير العادية بشأن التطورات في قطاع غزة، اليوم، برئاسة صاحب السمو الأمير فيصل بن فرحان بن عبدالله وزير خارجية المملكة العربية السعودية، وبحضور معالي رئيس مجلس الوزراء وزير الخارجية في دولة قطر الشيخ محمد بن عبدالرحمن بن جاسم آل ثاني، ودولة رئيس وزراء فلسطين وزير الخارجية الدكتور محمد مصطفى، ومعالي نائب رئيس الوزراء ووزير الخارجية وشؤون المغتربين في المملكة الأردنية الهاشمية أيمن الصفدي، ومعالي وزير الخارجية والهجرة وشؤون المصريين بالخارج في جمهورية مصر العربية الدكتور بدر عبدالعاطي، ومعالي الأمين العام لجامعة الدول العربية أحمد أبو الغيط، ومعالي الأمين العام لمنظمة التعاون الإسلامي حسين إبراهيم طه، ونائب وزير خارجية جمهورية تركيا الدكتور نوح يلماز، اجتماعًا موسعًا مع مجموعة مدريد، وعددٍ من الدول الأوروبية، وذلك في العاصمة الإسبانية مدريد.

 

وبحث الاجتماع تطورات الأوضاع في قطاع غزة والضفة الغربية، والجهود الدولية الرامية إلى إيقاف الحرب وإنهاء المعاناة الإنسانية في القطاع، كما ناقش الاجتماع التحضيرات الجارية للمؤتمر الدولي رفيع المستوى من أجل التسوية السلمية للقضية الفلسطينية وتنفيذ حل الدولتين الذي سيُعقد في مقر الأمم المتحدة خلال شهر يونيو المقبل بمدينة نيويورك، برئاسة مشتركة من المملكة العربية السعودية والجمهورية الفرنسية.

 

وأكد أعضاء اللجنة الوزارية أهمية التعاون المشترك لإنجاح المؤتمر الدولي رفيع المستوى من أجل التسوية السلمية للقضية الفلسطينية وتنفيذ حل الدولتين، وذلك عبر تقديم التزامات واضحة وخطوات ودعم ملموس سواء على الصعيد السياسي أو الاقتصادي أو الأمني.

 

وشدد أعضاء اللجنة على أهمية تنفيذ حل الدولتين على أساس القرارات الدولية ذات الصلة وبما يكفل الحق الأصيل للشعب الفلسطيني بإقامة دولته المستقلة على خطوط الرابع من يونيو “حزيران” لعام 1967م وعاصمتها القدس الشرقية، مثمنين في ذات السياق جهود مجموعة مدريد والدول الأوروبية في دعم هذه المساعي الهادفة إلى تحقيق السلام العادل والدائم.

وأعرب أعضاء اللجنة عن تطلعهم لنجاح جهود الوساطة القطرية المصرية الأمريكية لوقف إطلاق النار وإطلاق سراح الرهائن والأسرى، مؤكدين أهمية إنهاء الحصار المفروض على قطاع غزة، وفتح جميع المعابر بشكل فوري ودون شروط، وضمان تدفق المساعدات الإنسانية والإغاثية والطبية لتلبية احتياجات سكان القطاع.

اقرأ أيضاًالمملكةبرئاسة المملكة وفرنسا.. انعقاد الاجتماع التحضيري لمؤتمر تنفيذ حل الدولتين

وأعرب أعضاء اللجنة الوزارية عن إدانتهم للانتهاكات المتكررة التي تقوم بها سلطات الاحتلال الإسرائيلي بحق المدنيين في قطاع غزة، مؤكدين أهمية التصدي لكافة التعديات الإسرائيلية على القانون الدولي والقانون الدولي الإنساني.

وجدد أعضاء اللجنة دعمهم لجهود التعافي المبكر وإعادة إعمار قطاع غزة وفقًا للخطة العربية لإعادة الإعمار التي تم اعتمادها في القمة العربية غير العادية بالقاهرة، ودعمهم للمؤتمر الدولي الذي تعتزم مصر استضافته في القاهرة بالتعاون مع الحكومة الفلسطينية والأمم المتحدة حول إعادة إعمار قطاع غزة.

ونوّه أعضاء اللجنة بالإصلاحات التي أطلقتها الحكومة الفلسطينية، مجددةً دعمها الثابت لجميع مايحقق مصالح وتطلعات الشعب الفلسطيني الشقيق وكل مايضمن أمنه واستقراراه وازدهاره.

 

حضر الاجتماع، صاحبة السمو الأميرة هيفاء بنت عبدالعزيز آل مقرن سفيرة خادم الحرمين الشريفين لدى مملكة إسبانيا، وسمو مستشار وزير الخارجية للشؤون السياسية الأمير مصعب بن محمد الفرحان، والمستشار في وزارة الخارجية الدكتورة منال رضوان.

مقالات مشابهة

  • صحيفة صهيونية: لماذا لم تستطع “إسرائيل” ولا الولايات المتحدة هزيمة اليمنيين في اليمن؟
  • رئيس مجلس النواب يهنئ الأمة الإسلامية بقرب حلول عيد الأضحي
  • الرئيس السيسي ورئيس وزراء إسبانيا يؤكدان دعم الخطة العربية الإسلامية لإعمار غزة
  • لماذا أصبحت المرأة العربية أكثر عرضة للإصابة والموت بالسرطان؟
  • حركات المقاومة الفلسطينية تستنفر أبناء الأمة العربية والإسلامية للدفاع عن الأقصى.. وهذا ما حدث اليوم؟!
  • الاتحاد العام للطلبة اليمنيين في ماليزيا يُحيي الذكرى الـ35 للوحدة اليمنية بفعالية وطنية مميزة في كوالالمبور
  • بعد اجتماع مدريد.. بيان مشترك لوزراء المجموعة العربية الإسلامية بشأن غزة
  • "اللجنة الوزارية العربية الإسلامية" تعقد اجتماعًا موسعًا بشأن غزة
  • اللجنة الوزارية المكلّفة من القمة العربية الإسلامية المشتركة تعقد اجتماعًا موسعًا مع مجموعة مدريد وعددٍ من الدول الأوروبية
  • بيان مشترك لأعضاء اللجنة الوزارية المكلّفة من القمة العربية الإسلامية المشتركة غير العادية بشأن التطورات في قطاع غزة