بدء انسحاب القوات الفرنسية من النيجر
تاريخ النشر: 9th, October 2023 GMT
بدأ انسحاب القوات الفرنسية من النيجر مع عدة قوافل انطلاقاً من القواعد المتقدمة في شمال غرب البلاد حيث ينتشر 400 جندي ومن العاصمة نيامي، كما ذكرت الاثنين مصادر أمنية في النيجر وفرنسا.
كان المجلس العسكري في النيجر، الذي استولى على السلطة يوم 26 يوليو الماضي، أعلن الجمعة عن تحركات أولى للقوات الفرنسية "بحلول نهاية الأسبوع مع استئناف إعادة إمداد القواعد ومغادرة طليعة الجنود والمعدات النيجر إلى فرنسا".
وأكد بذلك ما أعلنته هيئة الأركان العامة الفرنسية في اليوم السابق.
وسمحت قافلتان على الأقل مذاك بتزويد قاعدتي "ولام" و"طبري باري" بالإمدادات، ونقل العديد من الجنود الفرنسيين الذين لديهم أولوية إلى نيامي من حيث يغادرون الثلاثاء في طائرة عسكرية، وفقا للمصادر نفسها.
يوجد الجنود الفرنسيون في المنطقة المعروفة بـ"المثلث الحدودي" بين النيجر وبوركينا فاسو ومالي، حيث كانوا ينتشرون في إطار عملية مكافحة الإرهاب إلى جانب قوات النيجر.
وأكد المجلس العسكري في نيامي أن الانسحاب سيتم "بأمان تام بمواكبة الجيش النيجري".
وكان يوجد نحو ألف جندي وطيار متمركزين في العاصمة نيامي و400 آخرون في القواعد الأمامية، في مراكزهم، لكنهم لم ينفذوا أي مهمات وبقيت المروحيات والمقاتلات على الأرض. أخبار ذات صلة
المصدر: صحيفة الاتحاد
كلمات دلالية: النيجر قوات فرنسية انسحاب
إقرأ أيضاً:
القواعد الأجنبية في الدول العربية ووَهْم الحماية
أحمد بن محمد العامري
ahmedalameri@live.com
منذ أن حلَّت القواعد الأجنبية في البلاد العربية تحت شعارات "الحماية" و"الاستقرار"، والعالم العربي يعيش حالة من الارتهان الأمني والسياسي، تنتشر القواعد العسكرية الأجنبية في أكثر من بلد عربي، لكن ما يُقدَّم على أنه دعم استراتيجي ليس في حقيقته إلا غطاءً لفرض الوصاية وتكبيل القرار الوطني، وما من تجربة مع هذه القواعد إلا وكشفت أن وجودها لم يكن يومًا ضمانة للأمن القومي، بل كان أداة لحماية مصالح الخارج ودرعًا خفيًّا لحماية الكيان الصهيوني.
خذ على سبيل المثال سوريا، حيث تتواجد القاعدة الروسية في حميميم، أحد أكبر مظاهر النفوذ العسكري الروسي في المنطقة، هذه القاعدة التي جاءت بذريعة دعم "الشرعية" و"محاربة الإرهاب"، لم تمنع العزلة السياسية التي عاشها النظام ولم تحمِ الأراضي السورية من الغارات الإسرائيلية المتكررة التي باتت تحدث بلا رادع حتى قرب القاعدة ذاتها.
لقد كانت في أفضل حالاتها مراقبًا صامتًا، وفي أسوأها شريكًا ضمنيًّا في تثبيت توازنات دولية وإقليمية لا تخدم إلا المصالح الروسية، ولم تحمِ حتى الرئيس السوري الذي لاذ بالفرار في العام المنصرم.
وفي الخليج، برز مثال أوضح عندما قصفت إيران قاعدة "العديد" الأمريكية في قطر ردًّا على العدوان الأمريكي. كان المتوقع منطقيًّا، أن تقوم القوات الأمريكية بصد الهجوم، أو على الأقل حماية الدولة المستضيفة التي منحتها الأرض والغطاء السياسي.
لكن ما حدث كان العكس تمامًا: هربت بجنودها وعتادها وأخلت القاعدة تمامًا، وكأن الدولة التي تحتضن هذه القاعدة ليست في حساباتها عندما تتعرض للخطر. وهذا يفضح بوضوح أن الحماية الموعودة ليست سوى "وهم استراتيجي".
وناهيك عن ذلك، فإن بعض هذه القواعد الأجنبية تحوّلت إلى حاضنات للجماعات المتطرفة ومفرخات للإرهاب؛ بل وأداة لضرب الوحدة الوطنية في بعض الدول العربية من خلال إذكاء النعرات الطائفية والمذهبية وتأجيج الصراعات الداخلية بما يخدم مشاريع التقسيم والهيمنة.
وتحت غطاء "محاربة الإرهاب"، وُلدت كيانات مشبوهة وحركات دموية، وفُتِحت الأبواب أمام مشاريع لا تمت لأمن المنطقة ولا لاستقرارها بأي صلة.
وفي السياق ذاته، لا بُد من التوقف عند طبيعة المناورات العسكرية المشتركة التي تُجريها الجيوش العربية مع قوات أجنبية، تحت مبرر اكتساب الخبرات القتالية. هذه المناورات تُنفذ غالبًا على الأراضي العربية، بينما لا يُسجَّل أي نشاط مماثل للقوات العربية على أراضٍ أجنبية بنفس العدد والوتيرة. أليس في ذلك ما يثير التساؤل عن الغايات الحقيقية من هذه التمارين؟
ألا تُعدّ هذه المناورات شكلًا آخر من أشكال إقحام الدول العربية في أدوار ميدانية تخدم خططًا عسكرية غير عربية؛ حيث تصبح الأراضي العربية حقل اختبار وميدان تمرين لقوات أجنبية تتعرف من خلالها على طبيعة الأرض ونفسية المقاتل العربي؟
إن استمرار هذه السياسات دون توازن في المصالح أو شفافية في الأهداف، يضع السيادة الوطنية للدول العربية في مهب الريح، ما يستدعي مراجعة جذرية لمسار التعاون العسكري مع الخارج.
وفي ضوء هذه الوقائع، ألا يجب أن نُعيد قراءة مفهوم الأمن القومي في منطقتنا؟ إلى متى سنظل نراهن على الخارج، بينما كل التجارب تقول لنا: لن يحميك إلا ابنك؟
إن هذه القواعد بدلًا من أن توفر الطمأنينة، تنتقص من السيادة الوطنية وتكرّس التبعية وتربط القرار السياسي العربي بشبكة من المصالح الأجنبية، تتناقض مع المصلحة الوطنية والقومية. والأسوأ من ذلك أن وجودها يخدم حماية الكيان الصهيوني بشكل غير مباشر، بتجريد الدول العربية من أدوات الردع المستقل وجعلها تدور في فلك وهم التحالفات التي لا تراعي مصالحها.
لقد آن الأوان لتصحيح البوصلة. آن الأوان لتصفير الخلافات العربية البينية، وتدشين مرحلة جديدة من السياسات العربية تقوم على الاستقلال الحقيقي والتعاون البيني، لا التبعية للغرباء.
على الأنظمة أن تعيد بناء علاقتها مع شعوبها، وأن تعوِّل على قوى الداخل بدل الاتكاء على قواعد عسكرية أجنبية تفرّ عند أول طَلق نار.
"السيادة لا تُستعار، والأمن لا يُستورد، والاستقرار لا يُهدى من الخارج".
إن الشعوب العربية ليست قاصرًا، ولا عديمة الحيلة. إنها شعوب حية، وحرة، وصاحبة تاريخ نضالي طويل، وقادرة على صنع الفارق حين تُمنح الثقة لها، ويُتاح لها المجال للمشاركة في تقرير مصائرها.
لقد حان الوقت ليأخذ هذا المارد العربي زمام المبادرة ويقود مشروع الاستقلال العربي لنهضة شاملة ومصالحة كاملة مع جوارنا الجغرافي، ويُعيد القضية الفلسطينية إلى مركز الفعل العربي لا باعتبارها عبئًا سياسيًّا؛ بل بوصلة استراتيجية نعيد بها ترتيب أولوياتنا وتوحيد صفوفنا للوصول إلى "حل العودتين".
السيادة أولًا، وكل ما عداها سراب.