نشرت مجلة "فورين بوليسي" الأمريكية تحليلا حول فشل الاستخبارات الإسرائيلية باستشراف عملية "طوفان الأقصى" التي نفذتها كتائب القسام، في مستوطنات ونقاط عسكرية بمنطقة غلاف غزة.

وقالت المجلة في التحليل الذي كتبته خبيرة الدراسات الحربية إلينا غروسفيلد، إن "العجرفة والغطرسة، والسياسة المسمومة" غذت الاعتقاد الخاطئ لدى الاحتلال بأنه قارئ لكافة مخططات "القسام" الجناح العسكري لحركة "حماس"، وأن الأمور في نطاق سيطرته.



وتاليا الترجمة الكاملة للتحليل بقلم إليسنا غروسفيلد:
"لقد أخفقت أجهزة الاستخبارات الشهيرة بتبجحها في استشراف هجوم حماس – مما دفع الناس نحو المقارنة بين اليوم والإخفاق المشابه قبل خمسين عاماً حينما فشلت إسرائيل في التنبؤ بالهجوم المصري الذي أطلق شرارة الحرب العربية الإسرائيلية في عام 1973. ولكن هناك احتمال كبير بأن تكون الاستخبارات الإسرائيلية قد اجتمعت لديها جميع الحيثيات التي تحتاجها للتنبؤ بهجوم اشتمل على إرسال ربما ألف أو أكثر من المسلحين وإطلاق أكثر من ألفي صاروخ. ولكن، وكما كان عليه الحال في عام 1973، ربما حالت قوة التفكير القائم على انطباعات مشكلة مسبقاً دون التمكن من جمع المعلومات بعضها مع بعض – وخاصة إذا ما أخذنا بالاعتبار العلاقة المسمومة بين الحكومة اليمينية المتطرفة وأجهزة الاستخبارات.

في عام 1973، كانت الفكرة التي يحملها كبار المحللين الاستخباراتيين في إسرائيل حول نوايا الزعماء المصريين في غاية الجنوح. ففي تلك الفترة، جرى استبعاد المعلومات الاستخباراتية لأنها لا تنسجم مع "المفهوم" السائد – والمتمثل بالفكرة الراسخة التي ترى بأن مصر لن تهاجم مالم تطور قدراتها بما يكفي لتمكينها من التعامل مع سلاح الجو الإسرائيلي، وبأن سوريا ما كانت لتهاجم بدون مصر.

وظل هذا المفهوم قائماً على الرغم من التحذيرات الصريحة التي قدمها عاهل الأردن الملك حسين، الذي اجتمع برئيسة الوزراء غولدا مائير، ناهيك عن المعلومات الاستخباراتية التي زودت بها الموساد، وكالة الاستخبارات الوطنية في إسرائيل، من قبل أشرف مروان، زوج ابنة الرئيس المصري السابق جمال عبد الناصر. ومن الوراد جداً أن يكون حصل نفس الشيء ههنا.

في عام 1973، أثبت الالتزام بذلك المفهوم أنه غلطة جسيمة. أما في عام 2023، بعد يوم واحد وخمسين سنة، فكان المفهوم السائد حتى الجمعة الماضية يرى بأن حماس كانت مشغولة في حكم غزة، ولديها وعي بمحدودية قدراتها، وكانت راضية بما تحصل عليه من تسهيلات اقتصادية من كل من إسرائيل وقطر.

بعد سنين من تقويض السلطة الوطنية الفلسطينية في مسعاها لإقامة دولة فلسطينية، كان رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو قد قنع في تعامله مع حماس بما بدا له أنها مقاربة تقوم على منهجية فرق تسد. من خلال الاعتراف بمنظمة مسلحة لها ارتباطات بكل من حزب الله وإيران، وذلك باعتبارها السلطة التي تهيمن على غزة بحكم الأمر الواقع، راحت إسرائيل تتفاوض مع حماس مستعينة بمصر. لم تكن قيادة إسرائيل هي الجماعة الوحيدة التي خدعتها حماس من خلال الامتناع عن القيام بأعمال عسكرية. بل إن الجولة الأخيرة من الاحتجاجات وما تلا ذلك من زيادة أعداد العمال الفلسطينيين الذين يسمح لهم بالعبور إلى إسرائيل، كل ذلك أثبت عدم اهتمام إسرائيل بالتصعيد بل وحرصها على التعاون مع حماس.


بعد إنفاق المليارات في بناء حواجز مزودة بأحدث تقنيات الرقابة والرصد على امتداد الحدود مع غزة لديها القدرة – أو هكذا اعتقد أنصارها – على منع الاختراقات تحت الأرض وفوق الأرض على حد سواء، خلص السياسيون الإسرائيليون إلى الاقتناع بأنه لم يعد ثمة حاجة لحل سياسي للقضية الفلسطينية، وأنهم سيكتفون بسياسة "قص العشب"، والتي تعني شن حملة عسكرية كل حين بهدف ردع العدو والنيل من قدراته. باتت تلك هي مقاربة إسرائيل المفضلة منذ حرب لبنان في عام 2006، وهي مقاربة تعتمد بكثافة على التفوق التكنولوجي لإسرائيل وفي نفس الوقت على تجنب القيام بعمليات برية. انبثاقاً من الواقع التاريخي لتأسيس دولة إسرائيل والعداوة واسعة النطاق على صعيد الدول العربية، تآلفت الممارسة بسهولة تامة مع مقاربة ما بعد حروب البطولة، وذلك للتأكيد على القيمة التي تولى لحياة القوات الإسرائيلية وللمدنيين في الطرف المعادي.

لسنوات بقيت إسرائيل عاجزة عن تحقيق إجماع حول حل الدولتين، ووضعت ثقتها بدل ذلك في المقاربات العسكرية وفي التقنيات المتقدمة. بدا كما لو أن الأمر الواقع سوف يستمر إلى الأبد، مع وقوع عدد ضئيل من الضحايا الإسرائيليين بشكل ثابت وبما فيه الكفاية، بينما يتخلل ذلك اندلاع من حين لآخر لأعمال العنف. انسحاب إسرائيل من غزة في عام 2005، والذي كانت الغاية منه توفير أقصى درجات الأمن للمواطنين، وإنشاء الحواجز والاستمرار في تعزيزها حول قطاع غزة كلاهما كانا محاولتين للتغاضي عن القضية وكنسها تحت السجادة واحتواء العنف في الداخل.

سمح المفهوم الجديد بتصور إمكانية وجود حالة دائمة من العنف المنخفض، يبررها عدم وجود شركاء أهل للثقة يمكن التفاوض معهم، وعدم وجود دعم سياسي داخل إسرائيل للمضي قدماً في حل عن طريق التفاوض، بالإضافة إلى التفوق العسكري الجلي الذي تحظى به قوات الدفاع الإسرائيلية. في عملية الجرف الواقي، عندما تم اكتشاف شبكة ممتدة من الأنفاق التي حفرت تحت الأرض وتمتد من داخل غزة إلى المستوطنات الإسرائيلية على الجانب الآخر من الحدود، تارة أخرى جرى البحث عن حل تكنولوجي. وفعلاً، تم الانتهاء في عام 2021 من إقامة حاجز جديد يتكون من ثلاث طبقات، بما في ذلك واحدة تحت الأرض، اعتبر حينها الأكثر تقدماً وتعقيداً في العالم، وكان في ظاهره يشير إلى حالة من التفوق الأمني.

بدا كما لو أن المشكلة تم احتواؤها بنجاح، وهو حدث مرحب به في دولة غير قادرة على حسم أمرها إزاء الحل السياسي، حيث أجريت خمس دورات انتخابية خلال أربع سنين، انتهت بأن تصل إلى السلطة حكومة هي الأكثر يمينية في تاريخ البلد. هذا المفهوم الذي يقوم على فكرة أن حماس تحكم داخل السياج – وتقنع بما تمارسه من سلطة داخل غزة، غير قادرة على التسبب بأكثر من قليل من الأذى بفضل إبداعات "الدولة الصاعدة" – تم إثباته من خلال الحاجز الذي أقيم تحت الأرض لتوفير الحماية، من الأسفل، ومن خلال القبة الحديدية، منظومة صواريخ الدفاعات الجوية الإسرائيلية، من الأعلى، ثم قوات الدفاع الإسرائيلية التي تتحكم بذلك كله.

أتاح ذلك للحكومة نقل الموارد العسكرية إلى الضفة الغربية للتعامل مع العنف المتصاعد هناك، تاركة الحدود مع غزة بدون حراسة بشرية، بينما مضى رئيس الوزراء في تعزيزه لحركة حماس، لأن تطرفها يفيده في إحباط أي فرصة لإنجاز حل الدولتين.

لقد أثبت المفهوم أنه بمتانة الحاجز الحدودي موضع الثقة الوافرة، والذي اخترق في ثمانين موضعاً تحت غطاء كثيف من الهجوم الصاروخي الضخم الذي وجدت القبة الحديدية مشقة بالغة في اعتراضه. في المقابل، لم تنضبط حماس بنفس تلك الأفكار، رغم أن تصوراتها حول الحرب تخضع للاختبار في الوقت الحالي.


لا بد أن الاستخبارات الإسرائيلية في مستوى ما قد تحرت مستوى التدريب والتنسيق المطلوب، وما تمت مارسته قبل ذلك بأسابيع من إجراءات للتشتيت وصرف الانتباه. فيما لو ثبتت صحة الأنباء التي تحدثت عن التحذيرات المصرية لإسرائيل (رغم أن نتنياهو حالياً ينفي حدوث ذلك)، فإن ما حدث سيكون تكراراً مباشراً للسيناريو الذي جرى في عام 1973، عندما رفض رئيس "أمان"، جهاز الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية، تفعيل ما لديهم من "وسائل خاصة" لجمع المعلومات، والتي كانت تنضوي على مخاطرة بالانكشاف، ظناً منه بأنه كانت تتوفر لديه معلومات كافية لتأييد فهمه هو للأحداث ضمن حدود المفهوم المشار إليه أعلاه.

في عام 2023، تجلى نفوذ المفهوم في الاستهانة بهذه التحذيرات، والتي لم تخضع للتحليل حسب الأصول. وكذلك كان حال انعدام الثقة، وبشكل متزايد، بين حكومة الائتلاف اليميني القح من جهة والجيش الإسرائيلي والمخابرات الإسرائيلية من جهة أخرى، حيث يرى التيار اليميني بأنهم يدعمون المعارضة.

كانت هناك تحذيرات جادة من رئيس الدفاع في حكومة نتنياهو وكذلك من رئيس الموساد ورئيس الشين بيت (جهاز الأمن الداخلي الإسرائيلي) حول تأثير الصراع المتفشي داخل المجتمع الإسرائيلي على الجهوزية العسكرية، وهذه التحذيرات لم تمر بدون أن تعار اهتماماً فحسب وإنما استخدمت من قبل ممثلي أحزاب التيار اليميني كدليل إضافي على ميل قوات الدفاع الإسرائيلية والأجهزة الاستخباراتية وعلى تحيزها لصالح التيار اليساري. انتشار الإشاعات بأن الاحتجاجات تتم بتحريض من الموساد، وتوجيه شركاء التحالف من أحزاب اليمين اللوم للجيش بسبب ما رأوا أنه مقاربة ناعمة في التعامل مع تهديدات الاحتياط بالامتناع عن التطوع، ومقاومة الشين بيت الدؤوبة للسياسات المقترحة من قبل المستوطن المتطرف الذي تحول إلى وزير للأمن الوطني، جاء ذلك كله ليسلط الضوء على الانقسامات العميقة بين السياسيين وبعض المؤسسات الإسرائيلية ذات المكانة المرموقة.

أفضى ذلك الإلهاء والإشغال، والإيمان الواهم بالأنظمة القائمة، إلى كارثة. حتى لو كانت الأجهزة الاستخبارية قد التقطت شيئاً يدل على الاستعدادات، لم تجمع المعلومات بعضها إلى بعض، وبذلك فات الإسرائيليين أن ينتبهوا إلى توقيت وحجم الهجوم المحدق. في تلك الأثناء أجاز الجيش إقامة مهرجان موسيقي على بعد بضعة أميال من سياج غزة. ما لبث المهرجان أن تحول إلى هدف لهجوم مسلح عبر الطيران المظلي، حيث تمكن المسلحون من قتل واختطاف كثير من الفتيان الإسرائيليين.

صحيح أن الإخفاق الاستخباراتي في الحرب العربية الإسرائيلية عام 1973 كلف الكثير من الأرواح، إلا أن الإخفاق الحالي كان واحداً من أكثر الإخفاقات إزهاقاً للأرواح في تاريخ إسرائيل. على النقيض مما كان عليه الوضع في الحرب العربية الإسرائيلية عام 1973، حيث كانت الأغلبية العظمي من الإصابات والأسرى في الحرب من العناصر العسكرية، في هذا الهجوم، قتل مئات المدنيين، ويوجد رهن الاعتقال داخل غزة الآن أكثر من مائة شخص، ومن بينهم نساء وأطفال ومسنون. ويقال إن بعضهم قد أعدموا.


إن عدم الثقة الذي تسبب في هذه الكارثة عميق جداً. نسبة كبيرة من أفراد المجتمع الإسرائيلي يتم إعفاؤهم، وبشكل متزايد، من أداء ما كان سابقاً خدمة عسكرية إجبارية في كل أنحاء الدولة. ولم يزل الشركاء الأرثوذكس في الائتلاف الحاكم يضغطون على نتنياهو حتى يكرس التخلي عن أداء الخدمة العسكرية الإجبارية. بالإضافة إلى ذلك يتهم أنصار الإصلاحات القضائية قوات الدفاع الإسرائيلية بالتدخل في السياسة بينما تقوم في نفس الوقت بتصوير طياري سلاح الجو وقوات العمليات الخاصة وعناصر الاحتياط في وحدات النخبة المقاتلة على أنهم نخبويون ولهم الحق في امتيازات خاصة.

لم يتردد الرؤساء السابقون لأجهزة الاستخبارات الإسرائيلية في التعبير علانية عن رأيهم في أولويات نتنياهو المتغيرة، من خدمة مصالح الدولة إلى الرغبة في النجاة والبقاء سياسياً. وما من شك في أن انعدام الثقة المتفشي في المجتمع، ما بين رئيس الوزراء وائتلافه الحاكم من جهة والجيش وأجهزة الاستخبارات من جهة أخرى يمثل تحولاً بارزاً وكبيراً يتحدى أعراف ومعتقدات إسرائيل القائمة منذ وقت طويل، ومن بينها الطبيعة غير السياسية للجيش والأجهزة الاستخباراتية والثقة السابقة في السياسيين.

في عام 1973، حققت هيئة أغرانات المستقلة في الإخفاقات التي وقعت في الحرب العربية الإسرائيلية عام 1973 – وقد نجم عن ذلك طرد أربعة من كبار الضباط، كان من بينهم رئيس جهاز "أمان"، بالإضافة إلى استقالة حكومة غولدا مائير، وتنظيم احتجاجات جماهيرية كبيرة. يبدو ذلك مستحيلاً اليوم. فبينما ينتقل نتنياهو باتجاه حكومة سلطوية، وإذ يقود ائتلافاً مشاكساً، فقد بات تحقيق الإجماع بعيد المنال. سوف يكون من الصعب على أي هيئة تحقيق أن تتجنب الانجرار نحو معارك سياسية الغاية منها البحث عن كبش فداء بدلاً من البحث عن إجابات حقيقية – وكبش الفداء هذا قد يكون أجهزة الاستخبارات نفسها".

للاطلاع إلى النص الأصلي (هنا)

المصدر: عربي21

كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي صحافة الاحتلال حماس حماس الاحتلال طوفان الاقصي صحافة صحافة صحافة سياسة سياسة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة الحرب العربیة الإسرائیلیة الاستخبارات الإسرائیلیة تحت الأرض فی عام 1973 فی الحرب من خلال أکثر من من جهة ما کان

إقرأ أيضاً:

المصافحة التي لم تتم.. خلافات عميقة تعوق التوصل لاتفاق في غزة برعاية أمريكية

في الوقت الذي تتكثف فيه الجهود الدولية للتوصل إلى هدنة توقف نزيف الدم في قطاع غزة، تكشف المقترحات المتبادلة بين الأطراف المعنية عن حجم الهوة التي تفصل بين مواقف كل من حركة "حماس" وإسرائيل، برعاية ومتابعة أمريكية مباشرة. 

ومع كل اقتراب من نقطة الاتفاق، تظهر الشروط المتبادلة كحواجز أمام تحقيق اختراق سياسي حقيقي، مما يُبقي المشهد مفتوحًا على مزيد من التعقيد والمعاناة الإنسانية.

خلافات تُجهض التقدم

كشفت تقارير إعلامية، الإثنين، أن حركة "حماس" وافقت مبدئيًا على مقترح هدنة تقدّم به المبعوث الأمريكي إلى الشرق الأوسط، ستيف ويتكوف، يقضي بوقف إطلاق النار لمدة 70 يومًا مقابل الإفراج عن 10 رهائن أحياء على دفعتين، إلى جانب إطلاق سراح مئات من الأسرى الفلسطينيين، بينهم محكومون بأحكام عالية ومؤبدات.

غير أن متحدثًا باسم ويتكوف نفى هذه الموافقة، مشيرًا إلى أن المفاوضات لا تزال مستمرة، وسط تضارب في الروايات. ووفق صحيفة "إسرائيل هيوم"، فإن مسؤولًا إسرائيليًا رفيعًا – لم يُكشف عن اسمه – وصف المقترح بأنه لا يعكس "نية حقيقية من قبل حماس للمضي قدمًا"، مشددًا على أن "أي حكومة مسؤولة في إسرائيل لا يمكن أن تقبل بهذا الطرح"، ما يعكس موقفًا إسرائيليًا رافضًا للعرض الأمريكي – أو على الأقل لبعض بنوده.

مطالب جديدة تثير الجدل

المقترح الذي طُرح عبر وسطاء تضمن بنودًا غير مسبوقة من قبل حركة حماس، من بينها طلب مصافحة علنية بين خليل الحية، القيادي في الحركة ورئيس وفدها المفاوض، والمبعوث الأمريكي ستيف ويتكوف، كرمز لضمانة بعدم استئناف القتال عقب فترة التهدئة. كما تضمن الإفراج التدريجي عن 10 رهائن، 5 منهم في اليوم الأول من الهدنة، والباقون بعد شهرين.

هذه البنود – بحسب الصحافة العبرية – تتناقض مع الخطة الأصلية التي قدمها ويتكوف، والتي تنص على إطلاق سراح جميع الرهائن على مرحلتين: الأولى مع بداية التهدئة، والثانية في نهايتها. كما شملت مطالب حماس انسحابًا واسعًا للقوات الإسرائيلية من المناطق التي سيطرت عليها في قطاع غزة، إضافة إلى إدخال كميات كبيرة من المساعدات الإنسانية، وهو ما تعتبره إسرائيل "تنازلات مفرطة".

غضب إسرائيلي داخلي

ردًا على هذه التطورات، أصدر "منتدى عائلات الرهائن" بيانًا غاضبًا، انتقد فيه استمرار الحرب ورفض الاتفاقات الجزئية، واصفًا إياها بأنها "خسارة إسرائيلية يمكن، بل يجب، تجنبها". وطالب المنتدى بعقد اتفاق شامل يعيد جميع الأسرى الـ58 وينهي الحرب، مشيرًا إلى أن "الحكومة يمكنها التوصل إلى مثل هذا الاتفاق صباح الغد إذا اختارت ذلك"، في إشارة إلى وجود دعم شعبي واسع لهذا الخيار.

مقترح "بحبح" بين التفاؤل والتشكيك

في خضم هذا التوتر، كشفت تقارير إعلامية عن وثيقة جديدة يُبحث فيها حاليًا، قدمها الوسيط الفلسطيني–الأمريكي بشارة بحبح، بالتنسيق مع ويتكوف، تقضي بوقف شامل للحرب خلال فترة الهدنة، وتعهد من حماس بعدم تنفيذ هجمات أو تهريب أسلحة أو تطوير ترسانتها العسكرية خلال هذه الفترة.

لكن هذه الوثيقة لم تُعلن رسميًا، وتُقابل بقدر من التشكيك في إسرائيل، خصوصًا في ظل تصريحات رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو الأخيرة، والتي جدّد فيها التزامه بإعادة جميع الرهائن "أحياء وأموات"، تزامنًا مع مواصلة جيشه قصفه المكثف على القطاع.

وفي ظل تواصل العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة وتفاقم الكارثة الإنسانية، انتقد الدكتور أيمن الرقب، أستاذ العلوم السياسية بجامعة القدس، موقف المجتمع الدولي، وخصوصًا الإدارة الأمريكية، مؤكدًا أنها لا تمارس ضغطًا حقيقيًا على إسرائيل لوقف إطلاق النار أو إدخال المساعدات. 

أمريكا لا تمارس ضغطًا حقيقيًا على الاحتلال

وأضاف الرقب في تصريحات لـ “صدى البلد”، أن ما تفعله إدارة ترامب لا يتجاوز الضغط السياسي، عبر مقترحات مثل تلك التي تقدم بها المبعوث الأمريكي ستيف ويتكوف، والتي رفضتها إسرائيل رغم قبول حماس بها، في محاولة لإفشال الجهد الأمريكي.

وأوضح الرقب أن واشنطن، رغم قدرتها على التأثير الفعلي، تكتفي بتصريحات سياسية لا ترقى إلى مستوى الأفعال، مضيفًا: "لو أرادت الإدارة الأمريكية وقف العدوان لعلّقت إمدادات السلاح والذخيرة، لكنها تتواطأ ضمنيًا مع حكومة نتنياهو المتطرفة". ولفت إلى أن تصريحات ترامب المتناقضة توحي برغبته في وقف الحرب، دون أي تحرك عملي يجسد هذه الرغبة، معتبرًا أن ما يصدر عن واشنطن ليس سوى "دغدغة مشاعر" ومحاولة لتبرئة الذات من الجرائم الإسرائيلية بحق الفلسطينيين.

وفي ما يخص الموقف الأوروبي، أشار الرقب إلى وجود تحول نسبي في الخطاب الأوروبي نتيجة الجرائم المتواصلة في غزة، واستخدام الاحتلال لسياسة التجويع، وهو ما بدأ يحرج الاتحاد الأوروبي. 

وأوضح أن دولًا مثل فرنسا تتحرك فعليًا لعقد مؤتمر دولي للسلام، بينما ما تزال دول أخرى كالمجر والنمسا ترفض أي ضغط على الاحتلال.

 وأكد أن أوروبا تمتلك أوراق ضغط مهمة، لكنها لم توظفها بعد بشكل مؤثر.

وفي ختام تصريحاته، شدد الرقب على أن واشنطن وبروكسل قادرتان على وقف الحرب وإنهاء معاناة غزة، لكن غياب الإرادة السياسية واستمرار سياسة الكيل بمكيالين، يمنحان الاحتلال مزيدًا من الوقت لارتكاب مجازره دون رادع، وسط تصريحات دولية شكلية لا تغير من واقع المعاناة اليومية للفلسطينيين.

وفي ظل تصاعد الضغوط الدولية على إسرائيل لوقف هجومها على غزة، يتبيّن أن الطريق نحو هدنة حقيقية ما زال طويلًا، وأن أي تقدم مشروط بقبول تنازلات مؤلمة من الطرفين. 

ومع تعنّت الحكومة الإسرائيلية، ومطالب حماس التي تعكس عمق معاناة الشعب الفلسطيني، يبقى أفق التهدئة رهينًا بإرادة سياسية غير متوفرة بعد، ما ينذر باستمرار الأزمة الإنسانية في القطاع الذي يقبع تحت نار الحرب منذ أكثر من 19 شهرًا.

طباعة شارك غزة قطاع غزة حماس إسرائيل

مقالات مشابهة

  • المصافحة التي لم تتم.. خلافات عميقة تعوق التوصل لاتفاق في غزة برعاية أمريكية
  • بعد قضمها عشرات الأمتار.. انسحاب القوة الإسرائيلية التي توغلت إلى أطراف ميس الجبل
  • آلية المساعدات الإسرائيلية الأميركية في غزة تتعثر
  • تضارب في الأنباء حول تفاصيل مقترح ويتكوف التي وافقت عليه حماس
  • الكشف عن بنود اتفاق جديد لوقف الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة
  • المستشار الألماني : الهجمات الإسرائيلية على غزة لم تعد مبررة
  • كاتبة إسرائيلية: الدولة التي تتخلى عن مختطفيها لدى حماس ليست بلدي
  • قيادي بحماس: نتواصل مع كل الأطراف لدراسة أي مقترحات لوقف الحرب
  • حماس تُعقّب على تعطيل إسرائيل إدخال المساعدات إلى قطاع غزة
  • محلل إسرائيلي: حماس انتصرت معنويا وأضعفت روح التضامن الإسرائيلية