لجريدة عمان:
2025-05-28@04:08:35 GMT

الـزراعـة فـي وسـط الصحـراء

تاريخ النشر: 18th, October 2023 GMT

الـزراعـة فـي وسـط الصحـراء

تقع سلطنة عمان في منطقة صحراوية يسودها الجو الجاف أو شبه الجاف، وفي السنوات الأخيرة، أثرت تهديدات البيئة على الزراعة بشكل عام مع تزايد الكثافة السكانية وتناقص مساحة الأراضي الزراعية. ولحل هذه المشكلة كان على المجتمع الزراعي والمزارعين التوسع في مساحة الرقعة الزراعية عن طريق زراعة الصحراء لتغطية المطالب وسد الفجوة الغذائية المتوقعة.

لكن ظروف الإجهاد البيئي أو غير الحيوي مثل الإجهاد بالملوحة أو الجفاف أوالحرارة وكذلك الضغوط غير الحيوية الأخرى تؤثر سلبًا على إنتاجية المحاصيل المختلفة المهمة والعائد الاقتصادي منها، وتعتبر آلية التحمل مهمة جدًا لفهم كيفية موت الخلايا وهو التأثير المشترك لعوامل الإجهاد المختلفة.

سنحاول من خلال هذا السرد فهم كيفية تعزيز آلية تحمل النبات لعوامل الإجهاد التي ستكون نقطة انطلاق جيدة في تقليل الفقد الضخم للمحصول الناتج عن تلك العوامل. على هذا سيتم استعراض أهمية استخدام تكنولوجيا النانو على النباتات التي تتعرض لمستويات وأنواع مختلفة من ظروف الإجهاد البيئي. كما سيتم عرض باختصار الآليات الفسيولوجية والكيميائية الحيوية والمورفولوجية التي يمكن أن يستخدمها النبات للتخفيف من التأثير الضار لهذه الظروف غير المناسبة للنمو والإنتاج.

يعتبر الإجهاد البيئي «الضغوط اللا أحيائية أو غير الحيوية»، مثل المعادن الثقيلة والجفاف والملوحة والحرارة، من أهم العوامل المقيدة التي تؤثر سلبًا على نمو النبات وإنتاجية المحاصيل في جميع أنحاء العالم. تستجيب النباتات لمثل هذه الضغوط عن طريق تنشيط سلسلة من الآليات المعقدة التي تغير لاحقًا الصفات المورفولوجية والعمليات الفسيولوجية والكيميائية الحيوية. وعلى مدى العقود القليلة الماضية، يمكن إدارة الإجهاد البيئي في النباتات من خلال برامج التربية التقليدية أو التربية بمساعدة الواسمات الوراثية، بالإضافة إلى أساليب الهندسة الوراثية المتعددة، ومع التقدم التكنولوجي، ظهرت الحاجة لاستراتيجيات فعالة للتعامل مع الآثار الضارة الناجمة عن الضغوط البيئية لتطوير أنظمة زراعية مستدامة لإنتاج المحاصيل.

التقنية ومقاومة التأثيرات

وظهرت تكنولوجيا النانو «النانوتكنولوجي» كمجال دراسي وبحثي جذاب مع تطبيقات كثيرة ومتقدمة في العلوم الزراعية، بما في ذلك التخفيف من آثار تغير المناخ، وزيادة كفاءة استخدام المغذيات والتسميد وإدارة الإجهاد اللا أحيائي أو البيئي. وقد اكتسبت الجسيمات النانوية، مثال على ذلك الأسمدة النانوية، اهتمامًا كبيرًا نظرًا لارتفاع مساحة سطحها إلى نسبة الحجم، والطبيعة الصديقة للبيئة، والتكلفة المنخفضة، والخصائص الفيزيائية والكيميائية الفريدة، بالإضافة إلى تحسين إنتاجية النبات. كما كشفت العديد من الدراسات الدور المهم للجسيمات النانوية في التحمل لظروف الإجهاد البيئي المختلفة والمتداخلة. من هنا يمكن التأكيد على دور النانوتكنولوجي في تعزيز النمو لتطوير استراتيجيات فعالة من أجل الاستدامة الزراعية المستقبلية والفرص المتاحة للتطبيق المحتمل للجسيمات النانوية في الزراعة والتقنيات التي تدعم النانوتكنولوجي لإدارة الإجهاد البيئي. كذلك الآلية المحتملة لامتصاص هذه الجسيمات وتأثيراتها الإيجابية على نمو النبات وكذا خصوبة التربة.

وداعًا للأساليب القديمة

ومن المتوقع أن يزداد عدد سكان العالم بمقدار ملياري شخص بحلول عام 2050، مما يؤدي إلى تضخيم الطلب على الغذاء لإطعام السكان المتزايدين. ومع ذلك، فإن الاحتباس الحراري وتغير المناخ مع تزايد عدد السكان بشكل مستمر، يعملان باعتبارهم عوامل مقيدة سائدة تُعيق الجهود المبذولة لتلبية الطلب على الغذاء.

وأدت معظم ظروف الإجهاد البيئية التي واجهتها النباتات في مراحل النمو المختلفة إلى تطوير آليات دفاع متعددة للتعامل مع التغيرات الفسيولوجية السلبية الناجمة عن الضغوط البيئية. كما كشفت العديد من الدراسات أن الضغوط اللاأحيائية تسبب العديد من الاستجابات الفسيولوجية والكيميائية الحيوية والجزيئية التي تؤثر على العديد من العمليات الخلوية في النباتات. تسببت التغيرات المناخية المعاكسة في إجهاد بيئي، مثل سميّة المعادن الثقيلة، والجفاف، والحرارة، وارتفاع ملوحة التربة أو مياه الري، مما أدى إلى انخفاض إنتاجية المحاصيل في جميع أنحاء العالم. سمية المعادن الثقيلة في التربة الزراعية الناتجة عن الاستخدام الواسع النطاق للأسمدة الكيماوية، والترسب الجوي، وحمأة الصرف الصحي، والنمو الصناعي السريع كان له التأثير الواضح على إنتاج المحاصيل.

ويمكن للتركيزات العالية من المعادن الثقيلة أن تقلل من نمو النبات عن طريق تعطيل امتصاص المغذيات، والأنزيمات المضادة للأكسدة، وآليات التمثيل الضوئي، بالإضافة إلى زيادة إنتاج الشقوق الحرة مثل أنواع الأكسجين التفاعلية. كما تؤثر ملوحة التربة سلبًا على المستوى الفسيولوجي، مما يؤدي إلى خلل في التوازن الأيوني والمائي. كما يؤدي تراكم أيونات الصوديوم والكلوريد في العصارة الخلوية للخلية إلى الإجهاد الملحي الذي يتسبب في النهاية في تلف كبير للخلية بأكملها وانخفاض معنوي في نمو وإنتاجية النبات. على المستوى الخلوي، يساهم إجهاد الملوحة في التراكم العالي لأنواع الأكسجين التفاعلية الذي يؤثر سلبا» على توازن الأكسدة والاختزال الخلوي.

ويؤدي الإجهاد الحراري أيضًا إلى توليد أنواع الأكسجين التفاعلية، الذي يؤثر دائمًا على الأنشطة المؤكسدة. الجفاف لفترات طويلة يسبب انخفاض في فتح الثغور، وحجم الأوراق، ونمو الجذور، وعدد البذور، وحجمها، وتحملها، مما يمنع أو يقلل الإزهار، والإثمار، وبالتالي تقليل إنتاج المحاصيل. تحت ضغط الجفاف، تصبح ثغور الأوراق مغلقة، مما يثبط عملية التمثيل الضوئي في النباتات، ويقلل من المساحة الإجمالية للورقة الذي يؤدي إلى انخفاض في مستوى المياه ويقلل من نمو النبات عن طريق زيادة إنتاج الأسمولية وتحفيز توليد الشقوق الحرة في النباتات. إن شدة وفترة إجهاد الجفاف هما العاملان الحاسمان والمرتبطان بشكل مباشر بخسارة إنتاجية المحاصيل والعائد الاقتصادي. ومع ذلك، فإن الجفاف المقترن بإجهاد الملوحة يسبب انخفاضا معنويا في مستوى المياه، ويقلل من التناضح بدرجة كبيرة.

لذا تم استخدام إستراتيجيات مختلفة للتحكم في الضغوط اللاأحيائية في النباتات، من بين أمور أخرى، ظهرت الأساليب التي تدعم النانوتكنولوجي مؤخرًا كأداة واعدة للسيطرة على نقص المغذيات، وزيادة إنتاجية المحاصيل، وتحويل النظم البيولوجية، وإدارة ضغوط النباتات التي تفرضها البيئة. علاوة على ذلك، يعتبر استخدام الجسيمات النانوية كأسمدة نانوية للتوصيل المستهدف للمغذيات الدقيقة أفضل بديل للأسمدة الكيماوية حيث أنها تعتبر وسيلة فعالة من حيث انخفاض التكلفة، وتقليص الضرر البيئي المحتمل. وأفادت دراسات مختلفة أن تطبيق الجسيمات النانوية أدى إلى تحسين تحمل الإجهاد البيئي في النباتات عن طريق تعديل الآليات البيوكيميائية والفسيولوجية والوراثية تحت إجهاد الملوحة، وإجهاد الجفاف. بذلك نستنتج أن تطبيق النانوتكنولوجي ضد الإجهاد البيئي في إنتاج المحاصيل يعد نهجًا موثوقًا وفعالًا على المدى الطويل مقارنة بالطرق التقليدية الأخرى.

آثار إيجابية واسعة

تتمتع تقنية النانو بإمكانيات هائلة في الزراعة، بما في ذلك تعزيز نمو النبات، مثل استخدام الأسمدة النانوية من خلال وسائل مختلفة (مثل ري التربة، والرش الورقي، ومعاملة البذور)، وأجهزة استشعار النانو لمراقبة الحالة الصحية للنبات، والهندسة الوراثية للنباتات لزيادة الهرمونات النباتية المتعلقة بالدفاع وكفاءة التمثيل الضوئي. تتمثل الفوائد الرئيسية لاستخدام الأسمدة النانوية مقارنة بالأسمدة التقليدية في ارتفاع نسبة مساحة السطح إلى الحجم، وكفاءة إزالة الملوثات العالية، والإمداد الفعال بالمغذيات الأساسية لخصوبة التربة. أفادت العديد من الدراسات باستخدام النانوتكنولوجي كأسمدة نانوية لتعزيز إنتاج المحاصيل في ظل ظروف الإجهاد.

النانو تنعش المحاصيل

وتعمل الجسيمات النانوية على تخفيف خسائر المغذيات؛ لأنها تتمتع بقدرة أكبر على الاحتفاظ (مساحة سطح عالية) بالمغذيات وتوفيرها بكفاءة للنباتات. أظهر استخدام الجسيمات النانوية كأسمدة نانوية نتائج فعالة في تحسين تحمل الإجهاد اللاأحيائي في النباتات عن طريق زيادة نمو النبات، ومحتوى المغذيات، والهرمونات النباتية، والأنزيمات المضادة للأكسدة، وكفاءة التمثيل الضوئي مع تقليل الإجهاد التأكسدي الخلوي. في الآونة الأخيرة، تم استخدام نانو أكسيد الحديد لتعزيز نمو المحاصيل المزروعة في أراضي ملوثة بالمعادن الثقيلة وكذلك ظروف إجهاد الجفاف. علاوة على ذلك، تم تحسين نمو شتلات القمح المحسن باستخدام الجسيمات النانوية للحديد، مما قلل من الإجهاد التأكسدي الناجم عن تلوث الكادميوم والرصاص. يعمل تطبيق الجسيمات النانوية بكفاءة على تخفيف إجهاد الملح عن طريق تقليل تركيز الملح والآثار السامة المرتبطة به. علاوة على ذلك، تم العثور على نانو السيليكون الذي يخفف بشكل كبير من إجهاد الملح، ويزيد إنبات البذور، ويحسن نظام الدفاع المضاد للأكسدة، وتورق الأوراق، وعملية امتصاص الكربون. كما يمكن أن تقلل الجسيمات النانوية تراكم الأيونات السامة في الخلايا النباتية والحماية من الإجهاد الأيوني. كشفت الدراسات السابقة أيضا أن الجسيمات النانوية للسيلكون حسنت من تحمل إجهاد الجفاف في النباتات.

على سبيل المثال، زاد تحمل الجفاف في بعض النباتات المعاملة بـالنانو سيلكون من خلال التعديلات الفسيولوجية المتعلقة بأنظمة الدفاع التي تختلف وفقًا لمستويات الجفاف والتركيزات المطبقة. في المقابل، أظهرت الجسيمات النانوية للسيلكون إمكانات جيدة لاستعادة النباتات بعد الجفاف من خلال تعديل الصفات المورفولوجية في نباتات الشعير وأيضا تعزيز نمو الخيار والمحصول في ظل ظروف نقص المياه وزيادة تركيز الإجهاد الملحي. في حين أدت جسيمات الشيتوزان النانوية إلى زيادة المحتوى المائي النسبي، ومعدل التمثيل الضوئي، وأنشطة الأنزيمات والإنتاج، والكتلة الحيوية لنباتات القمح والقرطم والعدس تحت التأثيرات السلبية لإجهاد الجفاف. وكشفت دراسة أخرى أن معاملة بذور الفلفل بالمنجنيز في الصورة النانونية يساعد في تحمل إجهاد الملوحة عن طريق تعديل الاستجابات الجزيئية كما أدت إلى تحسين تحمل الملوحة في بذور اللفت عن طريق خفض إنتاج الشقوق الحرة وحمض الثيوباربيتوريك ونسبة البوتاسيوم والصوديوم.

في الختام، كان الاهتمام الرئيس لمجتمع البحث العلمي عامة والمجتمع الزراعي خاصة هو التغلب على الآثار السلبية للضغوط البيئية «اللاأحيائية أو غير الحيوية» على إنتاج المحاصيل. وكشف هذا المقال عن دور النانوتكنولوجي في حماية النباتات من الضغوط البيئية المختلفة. حيث أدى تطبيق هذه التقنية إلى تحسين كبير في تحمل الإجهاد البيئي في النباتات عن طريق تحسين مضادات الأكسدة الخلوية، وامتصاص العناصر الغذائية، وكفاءة التمثيل الضوئي، وتنظيم الآليات الكيميائية الحيوية / الجزيئية. على الرغم من أن الأسمدة النانوية يمكن أن توفر نهجًا فعالا من حيث التكلفة لتحسين تحمل الإجهاد البيئي في النباتات من خلال توفير العناصر الغذائية الأساسية، إلا أن استخدامها على نطاق واسع يدعو إلى مزيد من الأبحاث على المستويات الفيزيائية والكيميائية والجزيئية لاستكشاف المزيد عن ميكانيكية عمل هذه الجسيمات النانو؛ لتحسين تحمل النباتات وكذلك آثارها على النظام البيئي على المدى البعيد.

أ.د. هيثم زكي - أستاذ مشارك بقسم التقنية الحيوية التطبيقية ورئيس قسم البحوث والاستشارات - جامعة التقنية والعلوم التطبيقية بصور

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: الجسیمات النانویة إنتاجیة المحاصیل إنتاج المحاصیل إلى تحسین العدید من عن طریق من خلال على ذلک

إقرأ أيضاً:

عيد بلا أضحية في المغرب.. ما علاقة ذلك بالجفاف وتغير المناخ؟

عيد بلا أضاح، بلا مزادات في الأسواق، بلا سكاكين تشحذ عند الفجر. قد يبدو الأمر مزحة ثقيلة في بلد عُرف بتقاليده العريقة في الاحتفال بالعيد الكبير، لكن الواقع أنه يجد نفسه اليوم أمام مشهد غير مألوف بعد صدور قرار رسمي قلب موازين إحياء شعائر العيد في المغرب.

بينما كان المغاربة يستعدون لأجواء شهر رمضان الكريم، فوجئ المواطنون بقرار ألغى فيه الملك محمد السادس ذبح الأضاحي التي تحتل مكانة كبيرة في المغرب في العيد الكبير الذي يحل هذا العام في الأسبوع الأول من يونيو/حزيران القادم، وعزا ذلك إلى الانخفاض الكبير في أعداد المواشي.

الملك لم يظهر بنفسه لإلقاء كلمته، لكنها جاءت في بيان تلاه وزير الأوقاف والشؤون الإسلامية أحمد التوفيق عبر التلفزيون الرسمي، وجاء فيه "الملك سوف يقوم بالتضحية نيابة عن الشعب المغربي"، فأي علاقة لهذا القرار بالتغيرات المناخية؟ وهل سينقذ القرار فعلاً الثروة الحيوانية التي أنهكها الجفاف الحاد الذي يضرب البلاد بلا رحمة؟

سنوات عجاف

رغم أن هذا القرار أثار زوبعة من الجدل بين المغاربة، فإن رئيس جمعية المنارات الإيكولوجية من أجل التنمية والمناخ، مصطفى بنرامل، يقول إن هذه القرارات الملكية شهدها المغرب 3 مرات عبر تاريخه الحديث.

إعلان

ويضيف الخبير البيئي بنرامل في حديثه للجزيرة نت "في أعوام 1963 و1981 و1996، أطلق الملك الراحل الحسن الثاني بن محمد دعوات مماثلة بإلغاء شعيرة ذبح الأضحية في عيد الأضحى، استجابة لظروف اقتصادية وبيئية استثنائية أدت إلى ضغوط على القطاع الفلاحي والثروة الحيوانية".

اليوم وبعد 29 عامًا من آخر مرة مُنع فيها ذبح الأضاحي في المغرب، يعود القرار مع الملك محمد السادس، والسبب ذاته يكمن في أزمة مناخية فرضت نفسها، وبلغت ذروتها هذا العام مع وصول الجفاف والتصحر إلى مستويات مقلقة.

للعام السابع على التوالي، لا يزال الجفاف -ذلك الزائر الثقيل- جاثمًا على صدر البلاد، مدمرًا العديد من الأراضي الزراعية، ومقللاً المياه ومخزون السدود، ومستنزفًا قطعان الماشية حتى أقرت الحكومة نفسها بأن أزمة المياه خانقة وغير مسبوقة.

وعلى مدار هذه الأعوام، أثار تأخر سقوط الأمطار المخاوف حول الخسائر التي قد تلحق قطاعي الزراعة والثروة الحيوانية، خاصة أن قطاع الفلاحة يوظف 31% من السكان العاملين، ويساهم بنحو 14% من الناتج المحلي الإجمالي.

وفقًا لرئيس المكتب الوطني لجمعية "مغرب أصدقاء البيئة"، المهندس محمد بنعبو، فإن التغيرات المناخية تؤثر على القطاع الفلاحي بشكل كبير، ويضيف في تصريحات للجزيرة نت أن "هذا القطاع الذي يمثل حوالي 87% من استهلاك الموارد المائية الوطنية السطحية والجوفية، يعاني في ظل تداعيات جفاف مستمر منذ سنوات، ما أثر بشكل مباشر على قطاع تربية الماشية".

وإلى جانب ارتفاع درجات الحرارة، أصبحت البلاد أكثر جفافًا بشكل مطرد (أسوشيتد برس)

هذا فضلًا عن تداعيات موجات الجفاف المتتالية على معدلات النمو الاقتصادي بالمغرب، فوفقا لتقرير للبنك الدولي في عام 2022، بلغ تباطؤ النمو 1.1% مقابل قرابة 8% في 2021، مشيرًا إلى أن المرونة أمام شح المياه وصدمات أسعار السلع الأولية أمران حاسمان للنمو والاستقرار الاقتصادي في أنحاء البلاد الواقعة في شمال أفريقيا.

إعلان

وأثرت موجات الجفاف غير المسبوقة بشكل عميق على الموارد المائية السطحية والباطنية، بينما تراجع منسوب ملء السدود إلى نحو 35% من قدرتها الاستيعابية رغم التساقطات المطرية الأخيرة.

وفي ظل توالي سنوات الجفاف، أضحت 7 سدود كبرى شبه فارغة من المياه، إذ لم تتجاوز نسبة الملء بها 10% فقط وفق البيانات الرسمية، وزاد جفاف عدد من العيون والآبار والبحيرات الأزمة عمقا.

ووفقًا لما تظهره صور الأقمار الصناعية، فإن ثاني أكبر خزان في البلاد، وهو خزان المسيرة الواقع بين الدار البيضاء ومراكش، والذي يخدم بعض المدن الكبرى وكان له دور محوري في الري الزراعي، لا يحتوي الآن إلا على 3% من متوسط كمية المياه التي كان يحتوي عليها قبل 9 أعوام فقط.

وبحسب التقارير المحلية، فقد أفرغت فصول الشتاء الجافة المتعاقبة السدود التي تزود المنازل، وتروي قطاع الزراعة، ما أدى إلى ارتفاع أسعار الخضروات والفواكه إلى مستويات قياسية، وتقليص محاصيل الحبوب بنسبة بلغت 67% وفق ما أعلنته وزارة الزراعة.

على مدار السنوات الماضية، تعيش البلاد أزمة مياه غير مسبوقة دقت معها المنظمة العالمية للأرصاد الجوية ناقوس الخطر بشأن التغيرات المناخية التي يشهدها العالم عموما، والمغرب خصوصا، مؤكدة ضمن تقريرها السنوي عن حالة المناخ أن عام 2022 كان الأكثر جفافا منذ 4 عقود مضت بالمملكة.

وقال التقرير في عام 2021 إن تركيزات الغازات الدفيئة الرئيسية مثل ثاني أكسيد الكربون والميثان؛ بلغت مستويات قياسية، مؤكدا أن الزيادة السنوية في تركيز الميثان عرفت أعلى مستوى لها، ما اعتبره التقرير مؤشرا خطيرا بالنظر إلى أن الميثان أقوى بنحو 25 مرة من ثاني أكسيد الكربون في حبس الحرارة في الغلاف الجوي.

وتظهر الدراسات أن متوسط درجة الحرارة السنوية في جميع أنحاء المغرب ارتفع بمقدار 1.7 درجة مئوية بين عامي 1971 و2017 في بعض أجزاء شمال المغرب ووسطه، وهي المنطقة التي كانت دائمًا سلة غذائية للمملكة، كما ارتفع متوسط درجات الحرارة السنوية بمقدار درجتين مئويتين.

إعلان

وإلى جانب ارتفاع درجات الحرارة، أصبحت البلاد أكثر جفافًا بشكل مطرد، مع انخفاض متوسط هطول الأمطار السنوي، وتسجيل مستوياتٍ غير مسبوقة من انخفاض منسوب الأنهار، مثل نهر ملوية شمالي البلاد، نتيجة الجفاف المتواصل.

وبينما يعيش المغرب تحت رحمة الجفاف، كان عام 2023 القشة التي قسمت ظهر البعير، لدرجة أن وزير التجهيز والماء، نزار بركة، وصفه بأنه "لا يشبه أي جفاف شهدته البلاد من قبل"، وأنه حتى نهاية ذلك العام كان هناك انخفاض بنسبة 67% في هطول الأمطار مقارنة بعام متوسط، ووصفته المنظمة العالمية للأرصاد الجوية بأنه "عام تاريخي في ندرة التساقطات"، لتصل البلاد إلى مستويات غير مسبوقة من العطش.

ويقبع المغرب تحت خط ندرة المياه الذي تحدده المنظمة العالمية للصحة بحجم 1700 م3 للفرد سنويا، وخلص استطلاع لشبكة "البارومتر العربي" إلى أن 40% من المغاربة تؤرقهم قضايا المياه في ظل تغير المناخ، ما يشير إلى حدة الأزمة الحالية التي تتعرض لها البلاد.

ووفق ما أفاد به وزير الفلاحة والصيد البحري والتنمية القروية والمياه والغابات، أحمد البواري، منتصف فبراير/شباط الماضي، فإن الجفاف الذي يشهده المغرب هذا العام سببه انخفاض هطول الأمطار بنسبة 53% مقارنة بمتوسط السنوات 30 الماضية، فقد رفعت التساقطات التي شهدتها أجواء من البلاد في فبراير/شباط 2024، مخزون السدود بنسبة قليلة لم تتجاوز 0.54%.

وبحسب تقارير محلية، فإن أكثر من 92% من مساحة المغرب باتت جافة أو شبه جافة، وهو تحدٍ ضخم تواجهه الحكومة التي وجدت نفسها مضطرة للبحث عن حلول غير تقليدية لمواجهة زحف الصحراء.

ومع تفاقم التغيرات الناجمة عن تغير المناخ، لم يعد المغرب دولة غريبة عن درجات الحرارة القاسية التي وصلت إلى 48 درجة مئوية في بعض المناطق، وأثرت على معظم أنحاء البلاد، خاصة سكان الأرياف الذين يواجهون شحا متزايدا في مياه الشرب. كما تسببت موجة الحر خلال صيف عام 2024 في وفاة 21 شخصًا على الأقل خلال 24 ساعة في مدينة بني ملال وسط البلاد.

إعلان ثروة حيوانية أنهكها الجفاف

لم تقتصر الأزمة على ندرة المياه، بل انعكست على المناطق الرعوية التي باتت شبه معدومة، حيث تسبب الجفاف في تدهور كبير للغطاء النباتي الطبيعي الذي تعتمد عليه قطعان الماشية بالأساس في توفير الكلأ، ما اضطر الكسَّابة (مربّي الماشية) للجوء إلى شراء الأعلاف والاعتماد عليها طيلة السنة في عملية التسمين بعد عجزهم عن تأمين الغذاء لمواشيهم، حتى صار الحفاظ على القطيع معركة بحدّ ذاتها.

وهنا يُستدعى المثل القائل "الماشية تأكل بعضها"، وهو مَثَل مغربي شائع التردد خلال مواسم الجفاف، والمقصود به أن الفلاح يبيع بعض المواشي من أجل الحصول على المال لشراء العلف للأغنام المتبقية.

ويفسر رئيس الجمعية المغربية للأبحاث الجغرافية والتنمية المجالية، موسى المالكي، ذلك بقوله "إن تقلص وتدهور جودة وكثافة مراعي الماشية تسبب في ارتفاع أسعار الأعلاف بشكل غير مسبوق ضمن السوق الوطنية، وتآكُل ما تبقى من جيوب الكسَّابة ودفعهم إلى التخلي عن تربية الأغنام، وبالتالي غلاء الأضاحي وارتفاع تكلفة إنتاج اللحوم الحمراء".

وبخلاف نقص الأعلاف وتبعاته، يعدّد بنرامل، التأثيرات المباشرة للجفاف على الثروة الحيوانية، ويذكر منها نقص المياه اللازمة لشرب الأغنام، مما يؤثر على صحتها وإنتاجيتها، وزيادة انتشار الأمراض في صفوفها، بسبب ضعف مناعتها ونقص المياه النظيفة، وفي الحالات الشديدة، قد يؤدي الجفاف إلى نفوق الأغنام بسبب نقص الغذاء والماء".

وقد أدَّى نفاد الطعام المخصص للمواشي إلى عدم القدرة على ولادة حملان وإناث جديدة، وبالتالي انخفاض عدد رؤوس الأغنام وتراجع إنتاج اللحوم، إضافة إلى عدم تمكن الأغنام من إرضاع صغارها.

ونقل الجفاف الحاد الذي تشهده المملكة تسويق الأضاحي إلى مستويات غير مسبوقة فاقت القدرة الشرائية لفئات واسعة من المواطنين، فمتوسط سعر الكبش الواحد في المغرب بموسم الشراء يتراوح بين 4000 و7000 درهم، أي ما يعادل 500 دولار وأكثر، ووصلت أسعار الأضاحي خلال العام الماضي إلى 1000 دولار في بعض المناطق.

إعلان

كما يصل سعر الكيلوغرام الواحد من اللحوم الحمراء في السوق المحلية، إلى 120 درهما مغربيا، أي ما يعادل 12 دولارا، بعدما كان ثمنه لا يتجاوز 80 درهما، بينما يُتوقع أن يرتفع هذا السعر كثيرا في الفترة القادمة.

وفي حديثه للجزيرة نت، يقول المالكي، وهو منسق ماجستير الجغرافيا الاقتصادية والسياسية لأفريقيا بجامعة محمد الخامس في الرباط، إن "انعكاس ارتفاع أسعار الخرفان قاد للجوء إلى ذبح إناث الأغنام والأبقار، وهي التي كان يتم تفادي استهلاك لحومها سابقا من أجل ضمان تجدد القطعان للسنوات الموالية، فأصبح التجدد والنمو مهددا".

وفي ظل هذه الأوضاع، أظهرت الإحصاءات الرسمية انخفاض أعداد المواشي في المغرب إلى 18 مليون رأس تقريبا هذا العام، بينما تراجعت قطعان الماشية والأغنام بنسبة 38% مقارنة بعام 2016، بالإضافة إلى انخفاض عدد الإناث الولودة من 11 مليون رأس إلى 8.7 ملايين خلال 9 سنوات فقط بسبب موجات الجفاف المتتالية.

هل ينقذ القرار الثروة الحيوانية؟

تشير الإحصاءات الرسمية إلى أن العدد الفعلي للأغنام المتوفرة لا يتجاوز مليون رأس، بينما يستهلك المغاربة ما بين 9 إلى 10 ملايين رأس من الأغنام والماعز سنويًا، ولا يمكن لقطيع يعاني من سنوات جفافٍ حاد أن يتحمل هذه الكمية.

يقول الخبير في المناخ والتنمية المستدامة والمتخصص في التنمية البيئية، محمد بنعبو، "اليوم لا تستقبل المقاصب على المستوى الوطني أكثر من 1.5 مليون من الأغنام والماعز من الأصناف المحلية، بدل 3.5 ملايين رأس في السنوات العادية، ناهيك عن أن عدد الرؤوس المؤهلة للنحر خلال عيد الأضحى المقبل لا يتعدى 3 ملايين".

هذا العدد لا يستطيع تغطية الطلب المحلي خلال العيد، الذي يحتاج نحو 6 ملايين رأس من الأغنام والماعز في مختلف ربوع المملكة، يُضاف إلى ذلك الاستهلاك اليومي للحوم الحمراء، وخلال بقية المناسبات من حفلات وأعراس وجنائز وعقائق وغيرها، والتي تسببت في نزيف متواصل في أعداد الماشية.

إعلان

لسد هذا العجز، اضطرت السلطات المغربية إلى زيادة واردات الماشية والأغنام الحية واللحوم الحمراء، ووقعت صفقات لاستيراد الأغنام من أستراليا، حيث استوردت هذه السنة قرابة 150 ألفا من رؤوس الماشية، ومئات الأطنان من اللحوم الحمراء المجمدة.

واتخذت وزارة الفلاحة المغربية تدابير تمثلت في رفع الرسوم الجمركية وضريبة القيمة المضافة على استيراد الماشية والأغنام والإبل في ميزانية عام 2025، وكذلك الضرائب على اللحوم الحمراء للحفاظ على استقرار الأسعار في الأسواق المحلية.

ورغم لجوء المغرب إلى تشجيع استيراد رؤوس الماشية، والدعم المادي الذي قدمته الحكومة للمستوردين من أجل رفع العرض وتحقيق توازن نسبي للأسعار وحماية القطيع المحلي، فإن المالكي يرى أن هذه الإجراءات فشلت لأكثر من سنة في حل الإشكال الذي ظل يتفاقم باستمرار نظرا لارتفاع الطلب طيلة السنة.

ورغم أن الحكومة اتخذت إجراءات عديدة من بينها دعم استيراد أضاحي العيد بسعر 500 درهم للرأس خلال العامين الماضيين، فإنها لم تؤتِ النتائج المرجوة منها، كما يقول بنعبو، الذي يضيف أن "الأسواق المغربية خير دليل على ذلك، حيث ظلت أسعار الغنم والأبقار تسير في خط تصاعدي، وارتفعت معها أثمان بيع اللحوم بنحو 50%، في سيناريو هستيري لا يراعي القدرة الشرائية للطبقات الفقيرة والمتوسطة التي لم تتمكن من مسايرة اشتعال لهيب أسعار اللحوم".

اضطرت السلطات المغربية إلى زيادة واردات الماشية والأغنام الحية واللحوم الحمراء (الجزيرة)

وتعتمد آلاف الأسر سنويا على تجارة الأضاحي كمصدر رئيسي للدخل، سواء من خلال تربية الماشية أو بيع الأعلاف أو حتى أدوات الذبح والتنظيف. ورغم ذلك، كانت أول من دق ناقوس الخطر حول استنزاف القطيع الوطني، خاصة مع تزايد ذبح النعاج الولود في عيد الأضحى لعام 2024 بسبب انخفاض سعرها مقارنة مع ثمن الخروف، مما أثر على النسل هذا العام، وهدّد بإضعاف الإنتاج المحلي على المدى الطويل.

إعلان

ويعني هذا أن استمرار ذبح الأضاحي بنفس الوتيرة كان سيدفع الأمور نحو الأسوأ، ويهدد باندثار قطعان الماشية، وربما يجعل أضحية هذا العام والأعوام التي تليه حلمًا بعيد المنال، لذلك تراهن الحكومة على أن قرار الامتناع عن النحر هذا العام سيمنح القطيع راحة بيولوجية تتيح مضاعفة أعداده خلال الموسمين المقبلين.

ووفق بنرامل، فإن قرار إلغاء الأضحية من شأنه "أن يخفف الضغط والطلب على قطعان الماشية بعد سنوات متتالية من الجفاف، مما يسمح بالحفاظ على أعداد كبيرة من رؤوس الماشية التي كانت ستذبح خلال العيد، وبالتالي تجنب المزيد من الخسائر".

وعن تبعات هذا القرار على المراعي، يقول إنه يمكن أن يساهم في تخفيف الضغط عليها، بما يسمح لها بالتعافي واستعادة قدرتها على توفير الأعلاف. ويضيف "يمكن للقرار أيضًا أن يقلل من تكاليف الأعلاف، مما يخفف العبء على المربين". مع ذلك، يوجه بنرامل بمراعاة التأثير الاقتصادي لإلغاء الذبح على المربين والتجار الذين يعتمدون على هذا القطاع.

ويتوافق هذا الرأي إلى حد كبير مع قول المالكي الذي يتوقع أن تكون للقرار انعكاسات إيجابية على إنقاذ الثروة الحيوانية، وأن يوقف ذبحَ إناث الماشية على الأقل لهذه السنة، مما يَعِد بضمان تجدد نسبي للقطيع.

ويشير إلى أن "المغرب شهد خلال مارس/ آذار الماضي، تساقطات مطرية مهمة افتقدتها المملكة منذ سنوات"، ويرجح أنها "ستنعكس إيجابًا على جودة المراعي، وستعزز من أهداف القرار الملكي، بفضل انتعاش أنشطة الرعي وتربية الماشية وتخفيف الضغط على الأعلاف التي استنزفت جيوب المربين لسنوات، وسيستفيدون بدورهم من تراجع أسعارها المرتقب".

ورغم أن القرار في النهاية يترك الباب مفتوحًا أمام كل فرد لاتخاذ قراره وفق قناعته وظروفه، يرى بنعبو أنه سيسمح تلقائيا باستعادة القطيع لعافيته، فالأغنام التي كانت موجهة للذبح في عيد الأضحى ستوزع داخل الأسواق، مشيرًا إلى أن المنخفضات الجوية الرطبة التي عرفتها المملكة مؤخرًا سيكون لها الوقع الإيجابي على التربة والغابات والأشجار المثمرة، وستغذي التجمعات المائية السطحية منها والجوفية. لكن تبقى المشكلة الأكبر: هل يستطيع المغرب التصدي لجفاف يبدو أنه جاء ليبقى؟

إعلان إجراءات استثنائية

من العادي أن يتأثر اقتصاد قائم على القطاع الفلاحي بموسم جاف، فكلما قلت الأمطار قلّ النمو، لكن المزارعين والرعاة يبقون أول المتضررين وأكبرهم إن شحت السماء بالمطر.

أمام خطورة الوضع في موسم فلاحي وُصف بالأكثر جفافًا في الأعوام 10 الأخيرة، أعلنت السلطات المغربية اتخاذ تدابير استعجالية استهدفت بالأساس إنقاذ الزراعة والثروة الحيوانية ودعم الفلاحين وترشيد استغلال الموارد المائية وتطوير آليات اقتصاد مياه السقي (السقي بالتقطير) وتنقية المياه العذبة من الشوائب لاستغلالها في الري وسقي الحدائق والمنتزهات العمومية.

وعن جهود الحكومة لمواجهة هذه التأثيرات المباشرة وغير المباشرة للجفاف، يقول الخبير البيئي مصطفى بنرامل، إن الحكومة المغربية تتخذ العديد من الإجراءات لمواجهة تأثيرات الجفاف على تربية الأغنام، ومن بينها توفير الدعم المالي للمربين لشراء الأعلاف، وتوفير المياه الصالحة للشرب واللقاحات والأدوية للأغنام، وتشجيع المربين على تبني ممارسات تربية مستدامة.

وبينما نبَّه ناشطون بيئيون إلى ضرورة العمل على ترشيد استهلاك المياه، شرعت الحكومة المغربية بالفعل في إطلاق سلسلة من البرامج والمشاريع التي تأمل أن تخفف الضغط على منسوب المياه المتبخر، كما رفعت موازنة برنامج مخصص لمواجهة الجفاف لتصل إلى 14 مليار دولار، مستهدفة زيادة منابع المياه وبحث سبل توفير الطاقة النظيفة للتقليل من انبعاثات الغازات الدفيئة التي فاقمت من ظاهرة الاحتباس الحراري.

ووفق بنعبو، فإن هذه الأزمة واكبتها أيضًا مجموعة من القرارات الحكومية لتدبير الشأن المائي بالمغرب، منها منع عدد كبير من الزراعات التي تبين أنها تستنزف الموارد المائية، وفي مقدمتها البطيخ الأحمر، وتبين ذلك جليا بعد انحسار جريان عدد كبير من الأنهار، منها نهر وادي ملوية وأم الربيع.

إعلان

وفي إطار البحث عن حلول لاستغلال أي قطرة ماء، يراهن المغرب على مشروعات تحلية مياه البحر وتقنيات الري الاقتصادية، بالموازاة مع بناء أنبوب ضخم لنقل الماء من حوض سبو إلى حوض بورقراق على مسافة عشرات الكيلومترات وبكلفة مالية كبيرة.

وبحسب المكتب الوطني للكهرباء والماء الصالح للشرب، فقد تم التخطيط لإنشاء 12 محطة تحلية للتقليل من الاعتماد على المياه السطحية والجوفية إلى مستوى 80% بحلول عام 2035.

يقول الدكتور المالكي، إن السلطات تعوّل على بناء 20 محطة لتحلية مياه البحر حتى عام 2030، لتلبية احتياجات مياه الشرب لملايين السكان، أضف إلى ذلك مشاريع الربط المائي عبر قنوات لنقل المياه من أحواض تعرف وفرة نسبية؛ إلى أحواض تعاني من العجز المائي، في محاولة لتقليص العجز المائي في بعض الأحواض حيث الكثافة السكانية العالية بحواضر سلا والرباط والدار البيضاء.

ونظرا لأن الطاقة -بحسب رئيس المكتب الوطني للكهرباء والماء- تشكل 45% من التكلفة الإجمالية لتحلية المياه، يخطط المغرب لتوسيع نطاق مصادر الطاقة المتجددة من 20 إلى 52% من إجمالي إنتاجه من الطاقة بحلول عام 2030.

كما دفعت موجات الجفاف غير المسبوقة إلى اتخاذ عدة تدابير طارئة لمواجهة الكارثة، فقد أصدرت السلطات تعليمات للسلطات المحلية بتحديد توزيع المياه عندما يكون ذلك ضروريًا، من بينها قطع مياه الشرب عن بعض المناطق، ومنع سقي الملاعب والمساحات الخضراء بها، وتقليص نشاط الحمامات الشعبية التي تشكل جزءا لا يتجزأ من الثقافة المغربية، وكذلك نشاط محطات غسيل السيارات في عدة مدن بهدف ترشيد استهلاك المياه.

لكن هذه التدابير لن تكون كافية لمحو آثار الجفاف على الاقتصاد الوطني وقبله على المواطن البسيط حسب الخبراء، إذ يقولون إن الأسوأ لم يأت بعد، وينبهون الجيل الحالي إلى ضرورة الاقتصاد في الماء لتوفيره مستقبلا، بينما يتزايد استنزاف المياه الجوفية خصوصا في الزراعة.

إعلان

ويقول المالكي إن "المغرب مطالب أيضا بمراجعة خريطته الفلاحية لتقليص مساحات الزراعات التصديرية المستنزفة للمياه (مثل الطماطم والفراولة والأفوكادو)، لفائدة زراعات أكثر ملاءمة للجفاف وارتفاع معدلات الحرارة، وبالتالي للبيئة المغربية، وحماية للمسطحات المائية التي استنزفت على مدار عشرات السنوات بسبب ما يعرف بتصدير المياه في شكل منتجات مستهلكة لكميات ضخمة من المورد الأزرق".

وبينما يعتمد تصدي المغرب للأزمة على عدة عوامل تشمل استمرار هطول الأمطار وفعالية الإجراءات المتخذة، يوصي بنرامل بالاستثمار في تطوير تقنيات الري الحديثة، مثل الزراعة الذكية والري بالتنقيط، لتحسين إدارة المياه في قطاع تربية الأغنام، الذي يزداد تأثره في السنوات الأخيرة بسبب تغير المناخ.

وتشير نتائج دراسة حديثة حول التوقعات المستقبلية للجفاف في المغرب؛ إلى انخفاض هطول الأمطار وزيادة في التبخر والنتح المحتمل في مناطق مختلفة من البلاد، مما يؤدي إلى زيادة خطر الجفاف.

كما تكشف الدراسة أن شدة الجفاف ستزداد بشكل ملحوظ بعد عام 2050، وتخلص إلى أنها ستؤثر بشكل كبير على موارد المياه والزراعة والأمن الغذائي في المغرب، من بين أمور أخرى.

وما يزيد الأمور تعقيدًا أن توقعات المناخ تشير إلى أن درجات الحرارة ستواصل الارتفاع حتى نهاية هذا القرن على الأقل، وأن الجفاف وموجات الحر ستصبح أكثر شيوعا وكثافة.

وبين مَن يرى في الأمر ضرورة بيئية ومَن يعتبره مساسا بهوية العيد، يبقى السؤال مطروحا: هل يحوّل الجفاف عيد الأضحى إلى موسم دائم بلا أضحية، أم أن الأمور ستعود إلى طبيعتها مع أول زخة مطر؟

مقالات مشابهة

  • "بلدي الظاهرة" يستعرض مبادرات المحافظة على النباتات البرية وزيادة الرقعة الخضراء
  • لدعم الثروة الحيوانية.. بحوث الصحراء و الفاو يوزعان 50 طنًا من الأعلاف بجنوب سيناء
  • ما هي أسباب الإجهاد الحراري.. وطرق الوقاية؟
  • وزير الزراعة يبحث مع أعضاء جمعية مربي النحل التحديات التي تواجه مهنة تربية النحل
  • خاص.. خطة زراعية مخيبة للآمال في العراق نتيجة الجفاف
  • دراسة: الأجساد الحية “تتوهج” بضوء خافت يختفي عند الموت
  • وزارة الزراعة تدين الجريمة التي ارتكبها صوماليون مسلحون بحق صيادين يمنيين
  • الزراعة تحذر من تأثير التغيرات المناخية على المحاصيل في الربيع
  • عيد بلا أضحية في المغرب.. ما علاقة ذلك بالجفاف وتغير المناخ؟
  • لا ترى ولا تتنفس كالبشر.. تعرّف على السمكة التي تعيش في الصحراء