الشرق الأوسط الجديد ودعوات التهجير
تاريخ النشر: 20th, October 2023 GMT
فى بداية القرن العشرين نجح اللوبى الصهيونى فى تصدير مشكلة (اليهودية) إلى الشرق الأوسط واستطاع إقناع يهود العالم بأن تهجيرهم إلى فلسطين هو العودة إلى أرض الميعاد، وبالفعل قامت الامبريالية الغربية بزعامة أمريكا بتبنى تلك الفكرة، ليكون الوجود اليهودى والصهيونى الجديد جبهة أمامية للدفاع عن مصالح العالم الغربى فى المنطقة، وعليه فقد صدر قانون العودة عام 1950 ليعطى اليهود حق الهجرة والاستقرار فى فلسطين المحتلة ونيل الجنسية.
وقد صدق المفكر الراحل عبدالوهاب المسيرى، حينما قال إن إسرائيل دولة «طفيلية»، فهم كائنات طفيلية شرهة تبحث عن الحراك الاقتصادى، وأنها لن تنهار من الداخل استنادًا الى أن مقومات استمرارها من الخارج لا من داخل المجتمع، ما دام الدعم الأمريكى والغياب العربى موجودين.
وليس خافيًا على أحد ذلك المخطط الغربى الذى يهدف لتقسيم منطقة الشرق الأوسط وإعادة تخطيطها وفقا لرؤية انطلقت منذ منتصف القرن 19، بضرورة تقسيم العالم العربى والإسلامى إلى دويلات إثنية ودينية مختلفة، حتى يسهل التحكم فيه، فيما أطلق عليه «الشرق الأوسط الجديد».
ففى كتابه «المفاوضات السرية بين العرب وإسرائيل» يشرح محمد حسنين هيكل، كيف نشأت فكرة إقامة دولة صهيونية يهودية، ليست عربية ولا إسلامية فى فلسطين؛ للفصل بين مصر وسوريا، خاصة بعد تجربة محمد على وضمه لدولة الشام كلها، وهى التجربة التى لو كانت كتب لها النجاح، لكانت تحكمت فى الشرق الأوسط كله، خصوصًا أن تتحكم فى المدخل الرئيسى لمنطقة الشرق الأوسط بالنسبة للغرب، ولعدم تكرار تلك التجربة مرة أخرى، فكان لابد من وجود دولة كإسرائيل، فيقول:
«طوال القرن التاسع عشر كان العالم مشغولاً بأربع قضايا: ظاهرة الوطنية، وظاهرة التسابق إلى المستعمرات والتنافس عليها بين القوى الأوروبية، والمسألة الشرقية أى التربّص بإرث الخلافة العثمانية، والمسألة اليهودية، فقد كان اليهود هدف عداء استفحل خصوصاً حول تواجد كثافة الوجود اليهودى فى شرق أوروبا وروسيا ووقتها كان 90 بالمائة منهم يعيشون على تخوم ما بين روسيا وبولندا».
والأمر ذاته أشار إليه عبدالوهاب المسيرى فى إحدى مقالاته حين قال: «فى إطار التقسيم تصبح الدولة الصهيونية الاستيطانية، المغروسة غرسا فى الجسد العربى، دولة طبيعية بل قائدة. فالتقسيم هو فى واقع الأمر عملية تطبيع للدولة الصهيونية التى تعانى من شذوذها البنيوى، باعتبارها جسدًا غريبًا غرس غرسًا بالمنطقة العربية».
ومن عجبٍ أن تلك الرؤية تنطلق متجاهلة الإرادة العربية، وكأن الدول العربية مجرد ظلال غيبية لا حقيقة لوجودها، ولا سبب يدعو لوضعها فى الحسبان عند التقسيم، فهم مجرد أداة تتشكل حسبما أرادت زعيمة العالم وطفلتها المدللة.
على أن تلك الدعوات المستفزة بتهجير الإخوة الفلسطينيين الى سيناء، لحين إعادة بناء غزة، تطرح على الطاولة ذلك المخطط الصهيونى للتقسيم، والذى ينظر لسيناء على وجه الخصوص «على رأس ذلك المخطط»، بأنها كنز يجب أن يستعيده الإسرائيليون، بعدما أجبروا على تركه، فقد سُئل موشيه ديان ذات مرة عن قاعدة شرم الشيخ البحرية، التى أنشأتها إسرائيل فى شبه جزيرة سيناء بعد نكسة 1967 ، فقال إنها أهم من السلام مع مصر .
وفى تقرير بمناسبة الاستعدادات لإعادة العريش، إلى مصر عام 1979، قالت السفارة البريطانية فى تل أبيب إن «أهمية سيناء لإسرائيل كانت، وتظل، استراتيجية».
فهى «ساحة قتال ضار، غير أنها فى أوقات أخرى ملعب مترامى الأطراف لجيش الدفاع الإسرائيلى، وحلم سياحي وذخيرة طبيعية ومشروع تجريبى زراعي. وهى أيضا نقطة التقاء تجمع البدو بالجمال. وفوق كل هذا هى امتداد لحدود إسرائيل الضيقة يوفر متنفسا روحيا من ضغوط الحياة».
وبينما كان النقاش يستعر فى إسرائيل بشأن الانسحاب الكامل من سيناء، طرح بعض الساسة الإسرائيليين، وأيدهم مناحيم بيجن رئيس الوزراء فى ذلك الوقت، مبدأ استثناء رفح من أى اتفاق والاحتفاظ بها كاملة.
مؤكدين أنه «منذ عام 1967، وبخاصة بعد عام 1973، كان جزء من الحكمة السياسية الشائعة فى إسرائيل يقول إنه لا ينبغى أبدا إعادة رفح وجوارها إلى مصر لأنه يجب عزل قطاع غزة ومنعه من أن يصبح مرة أخرى خنجرًا موجهًا إلى قلب إسرائيل».
وقال السفير البريطانى فى إسرائيل باتريك هاملتون موبرلى، فى تقرير عن الوضع العام فى إسرائيل حينها، إن الإسرائيليين «يتركون حقول النفط والمطارات، والرحابة المريحة فى فضاءات سيناء الخالية التى تمتعت بها إسرائيل على مدار 15 عامًا».
كان لهذه «الصدمة» سبب اقتصادى حيوي. فحسب التقديرات البريطانية، حينها، فإن حقوق النفط فى خليج السويس «أثبتت أهميتها الاقتصادية لإسرائيل، إذ توفر لها ما بين 20 فى المئة إلى 30 فى المئة من إجمالى احتياجاتها النفطية».
هكذا يتضح جليًا ما يرمى إليه ذلك المخطط الصهيونى الغربى تجاه الشرق الأوسط، والذى لا يغفل سيناء كعنصر أهمية استراتيجية واقتصادية لإسرائيل.. فهل بعد كل ذلك يظنوننا غافلين؟ «عُبط إحنا بقا!».
المصدر: بوابة الوفد
كلمات دلالية: الشرق الاوسط دعوات التهجير نبضات القرن العشرين اللوبي الصهيوني اليهودية يهود العالم الشرق الأوسط ذلک المخطط فى إسرائیل
إقرأ أيضاً:
حين تُقصف العقول: هل نتعلّم من دروس الحرب في الشرق الأوسط؟
في زحام الدخان المتصاعد من الشرق الأوسط، وتحت قصف لا يتوقف، لا تُستهدف فقط مواقع عسكرية، بل تُقصف العقول، وتُغتال الطموحات العلمية.
وفي الوقت الذي تنهار فيه بعض العواصم العربية تحت وطأة الفوضى والارتجال، تقف طهران، على الرغم من الحصار والتضييق، كأنها تقول إن المعركة الحقيقية ليست في ميادين القتال، بل في قاعات الدرس، ومراكز البحث، وورش التطوير.
ما يحدث اليوم ليس مجرد حرب تقليدية، بل اختبار حضاري. إيران، التي يُراد لنا أن نراها دوماً كعدو أو خطر، تجاوزت الخطاب السياسي والدعائي، وبنت منظومة علمية جعلتها تصنع، لا تستورد، تُطوّر، لا تستهلك، تُبدع، لا تكرّر.
لم تُخفِ العقول خلف الحدود، بل أطلقتها، رغم الحصار، نحو المعادلات المعقّدة في الرياضيات، والهندسة، والفيزياء النووية.
وحين نشاهد الطائرات تُرسل حممها نحو "مراكز بحثية"، ندرك أن الهدف لم يكن فقط تقويض ترسانة عسكرية، بل تدمير إرادة معرفية بدأت تشقّ طريقها في الظلام.
هل نتعلم نحن من هذا.. ؟
نعم، ولكن السؤال الأهم: هل نملك الإرادة؟
حقيقة الأمر أن ما ينقصنا ليس المال ولا البشر، بل الرؤية، وما ينقصنا أن نعيد النظر في بنية التعليم لدينا، وأن ندرك أن التحديات الجديدة لا تُواجَه بالخطب والشعارات، بل بالمختبرات والمناهج، بالبحث العلمي، لا بتقارير أمنية.
لقد أصبح مشهد المدارس المتداعية، والمناهج المحنطة، والجامعات التي أصبحت مجرد مكاتب اعتماد، مشهداً عادياً، لكنه في الواقع مأساوي.
-لماذا لا تكون الحرب درساً لنا، لا لعنةً فقط؟
لماذا لا نجعل من دماء الضحايا، بوابة لحياة أكثر عدلاً وعقلاً.. .؟
لماذا لا تنشأ مبادرة عربية مشتركة، بمظلة من جامعة الدول العربية، لإنشاء شبكة من مراكز الأبحاث العلمية المتقدمة؟ تكون عابرة للحدود، متحررة من النزعات القُطرية، يمولها صندوق بحثي عربي مشترك، وتنقل الطلبة والباحثين العرب بحرية، كأننا نعيد اكتشاف العقل العربي المشترك من جديد.
هل يبدو ذلك مثالياً.. ؟ ربما.
لكن، ألم تكن إيران يوماً محاصرة ومنهكة بعد حرب استنزاف طويلة.. .؟
ألم تُبَنِ منظومتها التكنولوجية وسط العتمة؟
لم تُمنَح إيران فرصة، بل انتزعت لنفسها حق التعلم، ولقد قال أحد الباحثين في دراسات الشرق الأوسط من جامعة "حيفا"، في لحظة صدق نادرة: ما أزعج إسرائيل ليس الصواريخ فحسب، بل العقول. تفوق الطلبة الإيرانيين في الرياضيات، وفي الهندسة، وفي تصنيع السلاح دون استيراده، كان في حد ذاته تهديداً لتفوق استراتيجي تحاول تل أبيب الحفاظ عليه منذ عقود.
فمن يخاف من كتاب رياضيات أكثر من قنبلة نووية؟
ومن يخشى من مدرسة أكثر من دبابة.. ؟
الحرب اليوم، إذاً، هي حرب على العقول، والسؤال الذي يجب أن نواجهه بشجاعة: هل نعيد ترتيب أولوياتنا.. أم نظل نغني على الأطلال؟، بينما تُبنى منظومات الغد بعيداً عنا؟ في زمن يُقصف فيه العقل، تصبح الكتابة مقاومة، والتعليم ثورة.. .، ، !! [email protected]
اقرأ أيضاًبابا الفاتيكان يدعو للسلام بالشرق الأوسط ويحذر من نسيان معاناة غزة
الصين تدين الضربة الأمريكية لإيران وتبدي استعدادها لاستعادة الاستقرار بالشرق الأوسط