أتحدث في هذا المقال عن تقنيات حديثة ليست بالضرورة تلك التي تُستعمل بشكل مباشر في الحروب، ولكن أريد بها التقنيات التي تعمل خارج ميدان المعارك والمساندة لاستمرارها وتفوّق طرف على طرف آخر بسببها، ورغم أنه لا يمكن أن ننكر المفهوم الجديد للأسلحة الحربية بسبب التقنيات الحديثة التي تجاوزت حدود التوقعات؛ فإنّ وجود أنظمة الذكاء الاصطناعي في الصواريخ التي تُطلق باتجاه الأهداف لم يعدّ شيئًا مجهولا، وكذلك الحال للطائرات المُسيَّرة بدون طيار التي تقوم بالهجوم وعمليات الاغتيال.

أحاول في هذا المقال التركيز على دور التقنيات الذكية في بعض أحداث الصراع الحالي بين الفلسطينيين والكيان الإسرائيلي المحتل؛ إذ آلمني وآلم كل إنسان كاره للظلم والقهر ما حدث ويحدث للمستضعفين في فلسطين من انتهاكات وظلم وإبادة جماعية يمارسها الكيان المحتل «إسرائيل»، وما يصاحب ذلك من تشجيع من قبل بعض الحكومات الغربية التي ساندت هذا الكيان وآزرته في ممارسته لجرائم الحرب عبر وسائل شتّى منها الدعم العسكري المباشر والترويج الإعلامي الداعم لممارسات الكيان المحتل بل وتشويه الحقائق عبر نشر الصور المزيفة التي تحاول بواسطتها نقل صورة مخالفة للواقع تجعل من الجاني ضحية ومن الضحية جانيا، ومراد هذا لتجييش عواطف المجتمعات الغربية -خصوصا-، وضمان تدفق الدعم الغربي للكيان المحتل واستمراره، والتي انعكس تأثيرها في المجتمعات الغربية على صناعة الكراهية للعرب والمسلمين عامّة الذي تُرجم بعضه إلى أعمال إجرامية مثل حادثة قتل الطفل الفلسطيني ذي الأعوام الستة وإصابة والدته في الولايات المتحدة من قبل متطرف مُنتشٍ بالدعايا الغربية الداعمة لزيف الرواية الإسرائيلية.

أتابع صحافة الغرب وإعلامها المكتوب والمرئي رغبة في معرفة طريقة تناولهم لقضايا عالمية عدّة منها قضية الصراع الفلسطيني مع الكيان الإسرائيلي المحتل سواء مع الصراعات المحتدمة السابقة أو الحالية التي تُعتبر سابقة لا تشبه أيًّا من الصراعات والحروب السابقة من حيث حجم الخسائر سواء التي لحقت بالكيان الإسرائيلي أو بالفلسطينيين، ويغلب في تناول الإعلام الغربي -دون تعميمٍ؛ فهناك جهود غربية لأفراد ومؤسسات سياسية وإنسانية تتمسك بالأمانة الإعلامية- لهذه القضية عنصر ازدواجيةِ المعايير -عبر مقارنة تفاعلهم مع صراعات عالمية مماثلة- والتزييف الممنهج الذي يهدف إلى تزوير الحقائق لتكون هذه المنصات الإعلامية في صف الظالم والمحتل -الكيان الإسرائيلي-، وبجانب الأخبار ذات الطابع غير المحايد والمزيّف.

وصل الزيف إلى نشر صور مزيّفة بواسطة تقنيات الذكاء الاصطناعي مثل تزوير مقطع مرئي (فيديو) لتفجير مستشفى المعمداني في غزة الذي قصفه الكيان المحتل، وحاول التنصل من هذه الجريمة البشعة وإلصاقها بالمقاومة الفلسطينية، إلا أن المقطع المرئي الذي نشرته إسرائيل تبين زيفه وتعديله؛ ليكشف زيف الرواية الإسرائيلية، ويثبت ارتكابهم لهذه الجريمة وكذبهم المتعمد، وكذلك الادعاء بحرق المقاومة الفلسطينية لطفل إسرائيلي ونشر صورة لجثة طفل متفحّم؛ ليتبين لاحقا زيف هذه الصورة وأنها مزيفة عبر تقنيات الذكاء الاصطناعي وتعود في أصلها لصورة «كلب»، وكان الناشط السياسي الأمريكي «جاكسون هنكل» «Jackson Hinkle» أول من أشار إلى زيف هذه الصورة عبر مقارنتها بالصورة الأصلية، و«هنكل» تعرّض ولا يزال يتعرّض -كما يتعرّض غيره سواء في الغرب أو الشرق من المدافعين عن القضية الفلسطينية- للضغوطات التي تمارسها المؤسسات الحكومية والخاصة الداعمة للكيان الإسرائيلي؛ فأغلقت قناته اليوتيوبية التي يتابعه فيها أكثر من 300 ألف شخص مثلما فعلت صحيفة «الجارديان» البريطانية بطرد الرسام الكاريكاتوري البريطاني «ستيف بيل» الذي رسم رسمة ساخرة لرئيس وزراء الكيان الإسرائيلي «نتانياهو» ضاربة بعرض الحائط قيّم حرية التعبير التي ينادي بها الغرب.

لا ينحصر دور التقنيات الذكية في جانب تزييف الصور والمرئيات بل يمتد إلى إدخال خوارزميات «أنانية» خاصة بالذكاء الاصطناعي تعمل مع منصات وسائل التواصل الاجتماعي المختلفة مثل تلك التابعة لشركة «ميتا» ومنصاتها مثل: (انستجرام، فيسبوك وثريدز)، ويوتيوب التابع لجوجل، وتُعدّ هذه المنصات أكثر المنصات دعمًا للكيان المحتل عبر خوارزمياتها الذكية التي صُممت عمدًا كي تعمل على سياسة الانتقاء الممنهج والمقصود للمحتوى المنشور وإلغاء حسابات محددة وإقصائها حسب الميولات والتوجهات السياسية أو الدينية؛ لتعكس هذه الممارسات التي تقوم بها هذه المنصات عبر نماذج الذكاء الاصطناعي الازدواجية في المعايير الأخلاقية، وعدم الحيادية، وانعدام حريّة التعبير التي تتناقض مع مبادئ ينادي بها الغرب ويطالب العالم بتطبيقها بينما يقوم بتجاهلها. من الواضح -الممكن- أن هذه السياسات التي تتبعها بعض شركات التقنية المالكة لمثل هذه المنصات تتحرك من واقع الضغوطات التي تمارسها حكومات بعض الدول الغربية لتحديد دور هذه المنصات في هذا الصراع، والتي يمكن بواسطتها تحييد الرأي العام لصالح التوجّه الغربي الذي يرغب ببقاء الكيان المحتل وانتصاره ولو على حساب القضية الفلسطينية وظلم أهلها وقتلهم، وهذا نجح -نسبيا- في أغلب منصات التواصل الاجتماعي مثل التي ذكرتها آنفا، وفشل -نسبيا- مع أخرى مثل «منصة أكس -تويتر سابقا-» الذي آثر مالكها «إيلون ماسك» التمسك بمبادئ حرية التعبير والحيادية رغم الضغوطات التي تمارسها بعض حكومات الدول الغربية عليه -وفقا لما تداولته وسائل الإعلام-.

في كل الأحوال هذا السلوك الذي تتبعه بعض منصات التواصل الاجتماعي متوقعا خصوصا في حالة حدوث صراعات عسكرية مثل هذه؛ فالغرب تهمّه مصالحه السياسية والاقتصادية المرتبطة -جزئيا- بوجود الكيان الإسرائيلي وهيمنته، ولأسباب تاريخية أخرى، وهذه المنصات تتبع لشركات غربية لا مناص لها إلا اتّباع سياسة الحكومات التابعة لها ولسياسات مُلاّكها. لم تقتصر سياسات دعم الكيان المحتل في هذا الجانب؛ فتعرّضت القنوات المرئية مثل قناة الأقصى -الداعمة للقضية الفلسطينية والناقلة لأحداثها- إلى الإغلاق عبر إيقاف بثها عبر القمر الصناعي «أوتيلسات» بعد ضغوطات من الحكومة الفرنسية.

نرى تأثير التقنيات الذكية في مجريات هذه الأحداث وكيفية تأثيرها على تفاعل الرأي العام، مع ذلك لم نفقد الجهود المضادة التي تحاول نقل الصورة الحقيقية وتكشف محاولات التزييف بكل أنواعها، ومن المهم أن تحرّك مثل هذه الأحداث المرتبطة بالتفاعل الرقمي توجهاتنا في الاستثمار الرقمي والتقني وتعيد فهمنا لأهمية هذه التقنيات التي ينبغي للدول العربية أن تحجز لها حيزا خاصا عبر تطويرها لتقنيات ذكية مستقلة عن التأثير الخارجي مثل منصات التواصل الاجتماعي والأقمار الصناعية والحوسبة السحابية -الضامنة لسلامة البيانات- وأنظمة الذكاء الاصطناعي، ولا يتأتّى ذلك دون البدء بتطوير شامل وجاد للتعليم بجميع مستوياته، والاهتمام بالبحث العلمي ودعمه السخيّ، والتشجيع على تأسيس الشركات الرقمية والتّقنيّة ودعمها، وكل ذلك سيعين المجتمعات العربية على إيصال صوتها إلى الخارج دون قيود، ولأجل التحول الحضاري من حالة المتأثر إلى حالة المؤثر القوي الذي يصنع بصمته الحضارية وفق مبادئ أخلاقية عظيمة.

د. معمر بن علي التوبي أكاديمي وباحث عُماني

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: التقنیات الذکیة فی الکیان الإسرائیلی التواصل الاجتماعی الذکاء الاصطناعی الکیان المحتل هذه المنصات التی ت فی هذا

إقرأ أيضاً:

عصب إسرائيل التقني يتلقى ضربة صاروخية.. ما الذي نعرفه عن معهد وايزمان؟

تلقى معهد وايزمان للعلوم، أحد أهم مراكز الأبحاث لدى الاحتلال، ضربة صاروخية، تسببت في دمار كبير، لأحد أجزائه، وسط تكتم من قبل الاحتلال، على حجم الضرر الذي لحق به.

ويقع المعهد ضمن ما يعرف بتل أبيب الكبرى، ونشرت حسابات عبرية، لحظة سقوط الصاروخ عليه بصورة مباشرة، وانفجار ألحق ضررا بأحد مبانيه.

ويعد ركيزة هامة، لأبحاث الاحتلال، في مجالات الفيزياء والبيولوجيا الجزيئية، والطاقة النووية، والأسلحة الدقيقة، والرياضيات والتقنيات الفائقة.

نشأة المعهد:

تأسس المعهد عام 1934، قبل قيام دولة الاحتلال إثر النكبة، على يد حاييم وايزمان، وهو أحد علماء الحركة الصهيونية، والذي بات لاحقا أول رئيس لدولة الاحتلال، وسمي باسمه، ليكون القوة الناعمة للاحتلال، في المجال الأكاديمي والعلمي.

ويصنف على أنه مؤسسة مستقلة غير ربحية، لكنه يتلقى الدعم المالي من حكومة الاحتلال، فضلا عن حجم تبرعات هائل من المؤسسات اليهودية حول العالم، ومؤسسات علمية واقتصادية دولية، ويحتوي على عشرات المختبرات والمراكز البحثية المتطورة، إضافة إلى مدرسة للدراسات العليا، حملت اسم فاينبرغ قديما، ولاحقا كلية وايزمان للدراسات العليا.

البحث والتطوير

على الرغم من اعتباره مؤسسة أكاديمية، إلا أنه لا يمنح درجات البكالوريوس، لكنه يركز على درجتي الماجستير والدكتوراه، في العلوم والرياضيات، ويفتح المجال لباحثي الاحتلال، والعلماء من الإسرائيليين والدوليين، للانتساب إليه والمشاركة في أبحاثه.



ويركز المعهد على الأبحاث النظرية، وفي حال تميزها، تنقل إلى التطبيق الصناعي والتقني والطبي، وله مسار تسويقي لبراءات الاختراع والتقنيات التي تخرج من داخله، عبر مؤسسة ييدا، والتي تدر عليه مداخيل بمئات ملايين الدولارات سنويا.

ومن أبرز الأبحاث التي تجرى في المعهد، تقنيات الذكاء الاصطناعي، الأمن السيبراني، التقنيات العسكرية، وهو قطاع سري لا يكشف عن النقاب عن تفاصيله، إضافة إلى أبحاث الدواء والأمراض مثل السرطان.

سجل في الاختراعات:

منذ تأسيس المعهد، سجلت مئات براءات الاختراع، في العديد من القطاعات والمجالات، ومن أهمها، ابتكار العمود الأساس لصناعة الحاسوب لدى الاحتلال، عبر جهاز إيزاك عام 1945.

كما سجل اختراع دواء "كوباكسون" لعلاج مرض التصلب اللويحي المتعدد عام 1997، وقد حصل على موافقة إدارة الغذاء والدواء الأمريكية، فضلا عن تطوير أو حاسوب بيولوجي، وابتكار طريقة لزراعة العظام من متبرع غير متوافق في الثدي وعلاج الأورام الحميدة بواسطة الرنين المغناطيسي.

وحاز المعهد على براءات اختراع في تصنيع أنظمة تشفير البث التلفزيوني، وبراءات اختراع في تقنيات الزراعة وتعديل المحاصيل جينيا.

قمع الفلسطينيين تقنيا

رغم ما يروج له من إنجازات علمية، يواجه المعهد انتقادات من قبل نشطاء حقوق الإنسان وحركات المقاطعة الدولية، بسبب شراكاته مع جيش الاحتلال، وتورطه غير المباشر في تطوير تقنيات تستخدم في قمع الفلسطينيين أو في مراقبتهم.

كما تثار تساؤلات حول مدى استقلالية أبحاثه، في ظل الدعم الحكومي الكبير، وتأثير المؤسسة العسكرية للاحتلال على مساراته البحثية، سواء بشكل مباشر أو من خلال التمويل.

يجرى في معهد وايزمان أبحاث متقدمة على المواد النانوية التي يمكن أن تستخدم في تطوير أجهزة حساسة للأنظمة العسكرية، مثل أجهزة الاستشعار والأنظمة الدفاعية المضادة للصواريخ، هذه التقنيات تسهم في تحسين دقة الصواريخ وأنظمة الكشف وتصنيع الأسلحة الدقيقة التي يستخدم جزء مهم منها في قتل الفلسطينيين.

كما يحظى بعلاقات تعاون مع جهات للاحتلال مثل وزارة الحرب ووكالات الاستخبارات، حيث يتم توظيف بعض الاكتشافات العلمية في تطوير أنظمة تقنية متقدمة. في بعض الحالات، قد يشارك المعهد في مشاريع بحثية سرية، خاصة في مجال الدفاع السيبراني والحوسبة الكمية التي يمكن أن تغير قواعد الحرب الإلكترونية.



ومن بين التقنيات التي ينتجها المعهد، تقنيات تصوير جزيئي متقدمة تستخدم في التطبيقات الطبية والعسكرية والتي تعمل على تحسين أجهزة الرصد والمراقبة، بما في ذلك أجهزة التصوير الحراري وأجهزة الكشف عن المواد المشعة أو المتفجرات.

إضافة إلى ذلك، يجري المعهد، بصورة غير معلنة، أبحاثا، تتعلق بتطوير الأسلحة النووية، خاصة وأن من بين أبحاثه، الفيزياء النووية والمواد المشعة.

مقالات مشابهة

  • الصواريخ الإيرانية تواصل دك قلب الكيان الإسرائيلي
  • الكشف عن عدد الصواريخ والمسيرات التي أتجهت إلى الداخل المحتل
  • كل ما تريد معرفته عن التقنيات المستخدمة في كأس العالم للأندية
  • القسام: نقف إلى جانب إيران ونشيد بفعلها الذي هز أركان الاحتلال
  • عصب إسرائيل التقني يتلقى ضربة صاروخية.. ما الذي نعرفه عن معهد وايزمان؟
  • الكيان الإسرائيلي المحتل يعلن قصف منشأة نووية إيرانية في أصفهان
  • من هو أبو الصواريخ الإيرانية الذي تردد اسمه بعد قصف الاحتلال الإسرائيلي؟
  • إيران تعلن اعتقال 5 أشخاص بتهمة التعاون مع الكيان الإسرائيلي المحتل
  • إيران تتوعد الكيان الإسرائيلي المحتل بتوسيع هجماتها الصاروخية بنحو 20 ضعف ما تم إطلاقه الليلة الماضية
  • إعلام إيراني: مقتل 60 مدنيا في الهجوم الإسرائيلي الذي استهدف مجمع جمران السكني في طهران أمس